عزيز عمرو
الحوار المتمدن-العدد: 969 - 2004 / 9 / 27 - 11:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قبل أكثر من شهر تقريباً أرسلت أول مقالة إلى جريدتنا العزيزة " النور " حول هذه المناسبة بعنوان : " محطات أساسية من تاريخ منظمة الحزب الشيوعي في الجزيرة " إلا أن المقالة لم تنشر للأسف حتى الآن في الجريدة , و على ما يبدو ما تزال قيد الدراسة و التدقيق و التمحيص , " ولغاية في نفس يعقوب " , مع العلم إن المقالات تعبر عن رأي أصحابها كما هو معروف , آملاً الإفراج عنها و عن مثيلاتها من المقالات الأخرى , إيماناً بالديمقراطية , و احتراماً للرأي الأخر , و التنوع ضمن الوحدة , كما أقر ذلك في مؤتمرات الحزب الأخيرة .
وقد علق أحد الأخوة على مقالتي المذكورة في الإنترنت , فأشكره على بعض ملاحظاته علماً أنه و كما أتصور أن ملاحظاته من حيث الجوهر لا تخص مقالتي لأنها ليست خطاباً كلاسيكياً كما ذكره الأخ بل مواقف تاريخية , و التاريخ كما هو معروف لا يجوز اللعب به حسب مزاجية هذا الرفيق أو ذاك كما يحدث أحياناً و مع ذلك لازلت أؤكد بأنه من الطبيعي و الصحيح أن يحتفل الشيوعيون السوريون بذكرى مرور ثمانين عاماً على تأسيس حزبهم و أن يعتزوا و يفتخروا بهذا الماضي المجيد من النجاحات و المواقف الوطنية و الطبقية و الأممية الجريئة و التي لا تخلوا أيضاً من بعض المواقف الخاطئة , و هذا أمر طبيعي و علينا أن ننحني أجلالاً و احتراماً بذكرى الرفاق الذين ضحوا بحياتهم من أجل قضية الحزب قضية الوطن و الشعب , و للذين مازالوا يتابعون المسيرة برغم كل الصعوبات و الزلازل التي حدثت و هم واثقون من حتمية انتصار الديمقراطية و العدالة الاجتماعية , و حق أبناء جميع الشعوب في تقرير مصيرها , و أن يستمدوا من هذا الماضي المجيد العزيمة و التضحية و نكران الذات , متغلبين على المغريات و محاولات زرع اليأس و الإحباط في نفوسهم .
و طبيعي أكثر أن نقف عند بعض الأخطاء التي حدثت خلال هذه المسيرة الطويلة و التي مازالت تحدث و في المجالات المختلفة فكرياً و سياسياً و تنظيمياً و التي سببت العديد من الانقسامات بإسم - التطهير و النقاوة - و التي ما تزال تحدث بأشكال أخرى – بإسم التنوع ضمن الوحدة - وهذا ما أدى و يؤدي إلى تراجع الشيوعيين و تقليص دورهم , حتى و لو كان هذا التراجع مؤقت , و لكن لابد من التوقف عند هذه الأخطاء و معرفة الأسباب و الدوافع وإيجاد الحلول الفعلية و اخذ العبر منها , فعلينا كما اعتقد التركيز أكثر على المطالبة بالحريات الديمقراطية السياسية و الاجتماعية لأنها هي البلسم الشافي , شريطة أن نحسن استخدامها و أن نوظفها جيداً لصالح القضايا الاجتماعية و تحسين المستوى المعاشي لأبناء شعبنا و القضايا الوطنية و مواجهة الغطرسة الأمريكية و عولمتها المتوحشة , لأن الديمقراطية تربية و سلوك و ثقافة , و العودة إلى الشعب إلى الكادحين إلى كل المظلومين بل طاقاتنا , و هذا ما يتطلب تحسين و ضع الحزب و تقديم كادر شعبي ميداني , و التخلص من المقولة القديمة – نحن لسنا مكتب تقديم الخدمات – بل بالعكس يجب أن يكون للحزب في كل محافظة مكاتب لتقديم الخدمات للمواطنين , و كذلك أن نكون واقعيين في شعاراتنا لأن الواقعية تعني عدم القفز فوق الظروف الموضوعية وفوق المراحل , و الالتزام في صياغة الخطط النضالية بالمعرفة الدقيقة للواقع لكي نكون قادرين على تغيير هذا الواقع نحو الأفضل و الابتعاد قدر الإمكان عن بعض الشعارات الإستراتيجية و البعيدة و الوهمية و المفتعلة أحياناً و كذلك علينا أن نعرف كيف يمكن تجديد أساليب النضال من أجل الاشتراكية التي تنعدم فيها استثمار الإنسان للإنسان و استعباد شعب لشعب و كيف يمكن أعادة صياغتها لكي نحررها من كل ما ألصق بها من أخطاء و تشوهات و من بعض أفكار و أوهام القرن الماضي التي أثبتت الحياة إنها ليست ذات صله بالحياة , حياة المجتمعات و حياة الأفراد معاً يقول إنجليز : لا شيء نهائي مطلق مقدس في نظر الديالكتيك . ) , ويقول ماركس : الديالكتيك لا ينحني أمام أي شيء و هم في جوهره نقدية ثورية . ) ,و القسم الأعظم منا يتذكر بعض القضايا الفكرية التي أثيرت حولها الكثير و الكثير من النقاشات و هي قضايا إستراتيجية و بعيدة المدى و التي أدت على اكبر انقسام بين الشيوعيين السوريين , و كنا بغنى عن بحث مثل هذه القضايا الفكرية ,و قد أثبتت الأحداث أيضاً أن جوهر هذه الخلافات كان تنظيمياً .
فلم يعد من الواقعية و الموضوعية و بعد كل هذه الزلازل و التطورات و التغييرات أن نستمر في اجترار الكثير من المفاهيم و الشعارات التي أصبحت قديمة وبالية خاصةً في المجال التنظيمي , يقول :لينين : أن وجهة نظر الحياة وجهة نظر الممارسة يجب أن تكون وجهة نظر الأولية الأساسية في نظرية المعرفة .) كاحتكار الهيئات خلال عشرات السنين , و احتكار مراكز التمثيل أكثر من دورة , و استلام أكثر منصب في الحزب , مع العلم أن هناك العشرات من الكوادر الحزبية و العلمية لاستلام هذه المراكز و الهيئات , ولا اعني من هذا الكلام التشكيك بقدرات و أخلاص العديد من هؤلاء الرفاق و لا بد أن يستفيد الحزب من تجاربهم و خبراتهم , وكذلك ضرورة تأمين حياة محترمة تليق بهم , و لا يجوز أبداً ترك الكوادر الحزبية بعد عشرات السنين من التفرغ الحزبي للإهمال و الجوع و الاكتفاء فقط أثناء و فاتهم بنشر تعزية بالجريدة المركزية و القول : كان رفيقاً جيداً و قديماً !!....
و أتفق تماماً مع الرفيق " عطية مسوح " وما جاء في مقاله المنشور في العددين الأخيرين من جريدة "النور" 166-167 بعنوان جدل الداخل و الخارج حيث أكد في مقالة : أن قوة أي حزب تتعلق بالعوامل الداخلية في الدرجة الأولى و خاصةً تعزيز الديمقراطية , وتعزيز دور عضو الحزب و إفساح المجال أمامه للمشاركة في نشاط الحزب سواء كان مقرب من القياديين أم لا , و كذلك حماية عضو الحزب في الإعلان عن رأيه و التعبير عن قناعاته و نشرها في أدبيات الحزب , و عدم لأساءه إليه و فبركه الاتهامات ضده و من ثم عزله , بسبب اختلاف رأيه أحياناً عن رأي الأغلبية , أو رأي بعض القيادات , و أيضاً ضرورة واقعية المهام البرنامجية الآنية و الابتعاد عن الشعارات البراقة , و أيضاً و قبل كل شيء الانتباه إلى سلوك أعضائه و لاسيما بعض المسؤولين الذين استغلوا مراكزهم القيادية لتحقيق مكاسب و منافع شخصية , و من المهم أيضاً مراجعة السياسة العامة و تدقيقها باستمرار و أعادة النظر بالبرامج و المهمات عن الضرورة .
هذه هي كما اعتقد , و كما أكد العديد من الرفاق في المؤتمر السادس و السابع الكثير من الحلول الفعلية و الواقعية و المبدئية لتحسين واقع الحزب و الانتهاء من تسلسل الانقسامات و التراجعات , و ليس كما يحاول أن يفسره بعضهم تحميل الإمبريالية و الصهيونية ما يحدث للشيوعيين واليساريين عموماً , لأن هذا التآمر طبيعي و قديم و ليس بجديد و كذلك ليس بتوجيه التهم كما تعودنا إلى الرفاق الذين يوجهون أو يقدمون بإخلاص و صدق الانتقادات البناءه و الاقتراحات الملموسة حسب إمكانياتهم و فهمهم لتحسين واقع الشيوعيين .
أن تقديم الحلول و الاقتراحات الملموسة و الفعلية لتحسين واقع الشيوعيين هو أكبر تقدير لهذا التاريخ المجيد .
عزيز عمرو
[email protected]
#عزيز_عمرو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟