|
تعقيب على تعقيب الأستاذ نضال نعيسة حول العربية
انعام الور
الحوار المتمدن-العدد: 3231 - 2010 / 12 / 30 - 22:30
المحور:
المجتمع المدني
زميلي الفاضل استاذ نضال نعيسة كل الشكر على تعقيبك وارجو ان يتسع صدرك وصفحات الحوار لما لدي من قول في شأن ما طرحت. ادعوك بداية كباحث يعتمد العلم كاساس للحوار ان نبدأ من بديهيات علم اللغة الأجتماعي واهمها ان المعايير الأجتماعية التي اعتاد الناس الصاقها باللغة هي في الأساس مشاعر وآراء موجهة ليس للغة نفسها وانما المقصود هم اصحاب هذه اللغة المتحدثين بها وطرق عيشهم. فنجد على سبيل المثال لا الحصر انه في منطقتنا (سوريا الطبيعية) لهجات حوران (بقسميها الأردني والسوري) توصف بالطفاشة "فلاّحة" والواضح ان مثل تلك الصفات التي تلصق بلهجات دون اخرى ما هي الا انعكاس للمكانة الجتماعية النسبية للمكان واهله مقارنة بالمكانة الاجتماعية لمناطق ومجموعات اجتماعية اخرى. لذلك نقول ان مثل تلك المعايير لا دخل لها بصفات لغوية معينة وانما هي اتجاهات اجتماعية لا موضوعية. عندنا في بلاد الشام لفظ القاف كهمزة يطغى على كل الألفاظ الاخرى بما فيها القاف كما في الفصحى المكتوبة حتى ان لهجة نابلس قد تبدلت تماما من القاف الى الهمزة وكذا الأمر في كثير من اللهجات السورية في قرى الساحل وفي المناطق الشرقية بينما تجد العكس تماما قد حدث في لهجات المدن المغربية: هنا تطغى القاف (كمافي العربية المكتوبة) واما الهمزة بدلا عن القاف والتي تميزت بها لهجة مدينة فاس القديمة فانها تتناقص باطراد ولربما تختفي كما اختفت القاف من لهجة سريان الأردن. اذا المسألة ليست بأن بعض اللغات فظة وبشعة واخرى ناعمة وجميلة بل ان معايير القوة والنفوذ داخل المجتمعات هي التي تتحكم بالتقييم الاجتماعي. في الفترة التي سيطر فيها المتحدثون بالعربية على شبه الجزيرة الأيبيرية انتشرت العربية وعلو شأنها وكتب بها الكثيرون من الناطقين بلغات اخرى. الوضع الذي اصفه هنا مشابه لما نراه في حال الانجليزية في العصر الحديث. ولكنك يا زميلي محقا حين تربط بين تقدم الشعوب وآهلية (اي ان تكون مؤهلة) لغتهم. وهذا بالفعل ما حدث في تاريخ العربية فدعني اوجزه: في القرن السابع وحين بدأت القبائل العربية بالأنتشار خارج حدودها الأصلية داخل الجزيرة وصلت الى مناطق اكثر مدنية وذات باع طويل في النظام السياسي والمدني ولم تكن لغة الغازين من العرب مؤهلة لان تحل محل الآرامية واليونانية والفارسية في بلاد الشام ومصر والعراق لافتقادها للمفاهيم والتعابير التي حوتها اللغات السابقة كون العربية لم توظف في مجال حكم دولة مركزية ومدنية قبل ذلك. لذا استمر استعمال اليونانية في مصر خاصة لما لا يقل عن قرن من الزمان تحت الحكم العربي. ألآرامية في الشام والعراق بقيت اللغة المحكية السائدة لربما حتى القرن الرابع عشر في بعض المناطق. اذا العربية احتاجت لأكثر من مائة عام من الاحتكاك مع لغات اكثر آهلية في تلك الفترة ومن المرجح انها اكتسبت مكانتها الاجتماعية ليس لكونها "ابلغ" او افضل وانما لسيطرة ونفوذ المتحدثين بها. وبعد ذلك ونتيجة لتبنيها من قبل مفكرين وعلماء لهم قدر من التأثير في العلوم التي ظهرت لاحقا في كتابة مدوناتهم فطورت واكتسبت مزيدا من المكانة بين لغات العالم. وحين تلاشى نفوذ المتحدثين بالعربية تلاشى معه تأثير لغتهم. هكذا ببساطة. وابان الحكم العثماني راحت العربية المكتوبة والتي كانت قد ادت وظيفة مركزية سابقا راحت في سبات عميق وحلت التركية مكانها كلغة رسمية وكان من الممكن ان تندثر العربية من الألسن لو انتشر نظام تعليم عام ابان الحكم التركي ولكنهم لم يعوا لذلك وانما حاولوا تتريك المناطق العربية مع نهاية عصرهم ولم يفلحو فقط لأن الرياح ما كانت مواتية لامبراطوريتهم العتيدة حينئذ. وكان من حفظ اللغة العربية مكتوبة خلال فترة العثمانيين خاصة ودونوا المعاجم هم حفنة من المتنورين في الهلال الخصيب (سوريا ولبنان والعراق خاصة). بلاد الشام لها دور محوري وخاص منذ القدم اولا في انتشار العربية ولاحقا في "احيائها" (لربما التعبير غير دقيق تماما هنا). الشام وتعني الشمال (كما اليمن هي الجنوب) اي شمال الجزيرة سكنتها القبائل السامية واغلبها ممن استعملت اللغة الآرامية القديمة وهي لغة اخت للعربية او بعض لهجاتها. ومن المرجح ان التواصل كان ممكنا بين المتحدثين باللغات السامية التي تطورت لاحقا لتصبح لغات مستقلة عن بعضها. ولكن لغة الكتابة كانت الآرامية واما العربية فلم تظهر مكتوبة حتى القرن الرابع (نقش النمارة قرب دمشق) ومن المؤكد ان الأنباط (سكان بلاد الشام) تحدثوا العربية وكتبوا بالآرامية. ما اود الوصول اليه ان شعوب سوريا تملك الحق التاريخي اذا جاز التعبير في اعتباراللغة العربية احدى لغاتها التقليدية المستوطنة بها من قدم التاريخ. وربما ان الصحراء السورية وليس قلب الجزيرة هي المكان الأصلي للعربية: هذه نظرية مقبولة الى حد كبير بين كثير من المتخصصين (انظر جربيني وفرستخ في هذا الشأن). ولكن جرت العادة على ربط العربية بالاسلام والتاريخ الأسلامي. العربية لم تبدأ مع الأسلام وانما هي احدى اللغات السامية التي استعملتها بعض القبائل السامية ومن هذه القبائل من سكنت المنطقة الغربية للجزيرة حيث نشأ الأسلام ومنها من سكنت المناطق الشمالية كالأنباط الخ. نعم اوافقك ان ما حدث لتاريخ المنطقة يمكن وصفه بالابادة لكل ما سبق ولا زالت هذه المحاولات مستمرة: فكأن دمشق لم توجد قبل وصول الأمويين. والأكثر سخرية الكيفية التي يسرد بها تاريخ عمان عاصمة الأردن الحديث: فكما تعلم ويعلم القراء الكرام ان الأمويين تركوا فيلادلفيا (عمان الرومانية) خرابا بمعنى انهم لم يلتفتوا لأعادة بنائها واقتصر اهتمامهم بالجزء الجنوبي للشام ببناء القصور الصحراوية كاستراحات لرحلات صيدهم ولذلك فلا يوجد في عمان آثار عربية (بعكس دمشق) ولمدينة عمان القديمة طراز بيزنطي واضح ولكن هذه الحقائق بتحليلها المنطقي لا تدرس لأطفالنا في المناهج المدرسية وعوضا عن ذلك انتشرت مقولة ان عمان (ذات التاريخ الذي يعود الى القرن الثامن قبل الميلاد) هي مدينة "جديدة" كدبي مثلا. هي جديدة فعلا ولكنها جديدة كمدينة عربية فقط لا غير! طمس هوية ما ليس اسلامي مستمرة ولكن برأي المتواضع اذا اردنا تغيير الواقع فالأمانة العلمية والأخلاقية توجب علينا اعتبار ليس فقط اللغة الآرامية والعربية كلغات وطنية (وهما حقا كذلك) وانما ايضا الكردية والأرمنية في سورية والأخيرة في لبنان ايضا والشركسية في الأردن وسوريا والشيشانية والأرمنية في الأردن والروما او النورية والتركمانية في منطقتنا كاملة. لعل وعسى نرى في جامعاتنا تخصصات في لغاتنا الوطنية المذكورة اعلاه. ناهيك عن ان معظم اسماء مدننا وقرانا هي اسماء آرامية. أنا شخصيا لا اعتبر ان احترام تاريخ المكان انتقاص من اي هوية يرتسم بها. ان الحياة والأزدهار يكمنان في التباين. آتي الآن لمشكلة العربية كلغة تدريس. ربما لم اوضح ما عنيته في ردي السابق وهو الآتي: المشكلة تكمن بأن ما نلقنه للطلاب هو قواعد العربية الكلاسيكية وليست العربية الحديثة. يا سيدي اذا نظرت الى الانجليزية كما كانت ابان القرن الثامن فستجد ان المتحدثين بالألمانية هم الذين يفهمونها ولن يستطع المتحدث بالأنجليزية الحديثة قراءة او فهم ألأنجليزية القديمة هذه حقيقة! ولكن الأنجليزية كلغة انجلو-ساكسونية (مثل شقيقتها الألمانية) قد اهتم اهلها بها من حيث اعادة معيرتها وفقا للتغيرات التي حدثت وتحدث في حياة المتحدثين بها. ولكننا مصرون في العالم العربي ان العربية "غير عن كل لغات العالم" فالقواعد المعترف بها لم تتغير منذ ان دونها طيب الذكر سيبويه (وليس مهما ان كان اعجمي او عربي). واما العربية الديناميكية الحديثة فقد واكبت رغما عن انوف مجاميع اللغة العربية ديناميكية العصر والمتغيرات التي حدثت في حياة شعوبها. أكرر ان ما نحن بحاجة اليه وهو الحل ان نعيد كتابة قواعد العربية ونترك دراسة العربية القديمة للمهتمين ولا ضير برأي ان نوجد منهاجا مدرسيا يسمى العربية القديمة ويوازيه دروس في قواعد العربية الحديثة والتي الغت نظام الحركات والأعراب بأتمها تقريبا كما ان العربية الحديثة لا تخاف على هويتها من الأقتراض اللغوي من اخواتها المحكيات ومن اللغات الأخرى. حقيقة ان العربية القديمة فعلت ذات الشيء فقد اقترضت من اللغات الكلاسيكية من مثل اليونانية واللاتينية الكثير لا داعي على الأطلاق ان نوجد تعريب ساذج (اذا كان كذلك) لمصطلح او اداة حديثة مثل ساندويش وكمبيوتر فاللغات قادرة على الأحتفاظ بتميزها رغم انها تستعين بكلمات من لغات اخرى. قدر احد المختصين ان 80% من المفردات في الأنجليزبة هي من لغات اخرى. هل فقدت الأنجليزية هويتها كلغة مستقلة انجلو-ساكسونية الشخصية؟ قطعا لا الا تطرب يا صديقي ل قصيدة "اعطني الناي وغني" و "ردني الى بلادي" بصوت فيروز؟ (اخترت قصائد باللهجة الفصحى متعمدة) انا ايضا اطرب لغنائها "شبحو" بالآرامية.والآرامية كشقيقة للعربية بها من الأصوات المفخمة كما في العربية (يعني ما انعم منوب!) كلتاهما لغات بلادنا كما ان اللغات المحكية في بلادنا والمذكورة اعلاه هي لغاتنا الوطنية فالننهض ونثريها بالفردات والتراكيب التي يجود علينا بها الشباب يوميا. انترك لغاتنا لهم ايضا كما تركنا التاريخ العريق ليعيثوا بها خرابا؟ أنلغي الكبة والمليحية واذان الشايب والمجدرة والعلت والمرار والخرفيش...وشباط وآذار ونيسان..."نحن" كل هذه الأشياء! صحيح ان الأحداث السياسية والتخريب اسبغ على لغاتنا صفات التزمت والبسها سفاهة الأفعال (بذات الديناميكية التي ذكرتها في بداية مقالي) ولكن انتركهم يفعلون ذلك؟ أرجو ان تقول معي "فشر". انت وجميع المتحدثين بها حجة العربية. واللي مش عاجبه...في اربع حيطان (وسقف) مع خالص المحبة والأحترام وكل عام وانت بخير
#انعام_الور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رد على مقلة السيد نضال نعيسة:
المزيد.....
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|