كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 968 - 2004 / 9 / 26 - 09:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يواجه العراق في المرحلة الراهنة مجموعة من المشكلات المتشابكة التي يصعب فك الارتباط في ما بينها رغم أنها متباينة في طبيعتها والعواقب والآثار المترتبة عليها, وأعني بها:
1. مشكلة الإرهاب المتفاقم في العراق الجديد.
2. مشكلة تعثر إعادة الإعمار, وخاصة الخدمات العامة, إذ ما تحقق حتى الآن قليلً, رغم أهمية ما تحقق.
3. مشكلة البطالة المستمرة, رغم عدد المشتغلين الجدد الذي ما يزال قليلاً.
4. مشكلة ضعف مشاركة المجتمع في مواجهة الإرهاب ودعم جهود الحكومة في هذا الصدد, وهي مرتبطة بالعقود السابقة وضعف الثقة.
5. ضعف نشاط القوى والأحزاب السياسية العراقية المساندة لتحقيق مهمات مرحلة الانتقال بسبب ضعف علاقتها بالجماهير وضعف ثقة الجماهير بها, وبالتالي ضعف العمل المشترك والتحالف في ما بين تياراتها المختلفة.
6. الموقف العام للشعب العراقي في مناهضة الاحتلال والطريقة التي مارستها الولايات المتحدة في معالجة الأوضاع القائمة في العراق والأخطاء الفادحة التي ارتكبتها إدارة بريمر, وعدم ثقة المجتمع بأن الولايات المتحدة ستخرج من العراق دون أن تربط العراق بمعاهدات تحد من سيادته واستقلاله واستقلال قراره.
وهذه المشكلات معقدة حقاً وحلها ليس في متناول اليد باستمرار وليس وصفة جاهزة يمكن للإنسان أن يقدمها ليعالج بها عبر ضربة سحرية كلها دفعة واحد,
وسأحاول طرح وجهة نظري في القوى التي تشارك في خلق أو تعقيد هذه المشكلات ولا تساهم في حلها, وهي وجهة اجتهادية لا غير ويستوجب الأمر معالجتها بطريقة عقلانية وواعية لكل التعقيدات التي تواجه المجتمع.
إن القوى التي تقف وراء هذه المشكلات بصورة مباشرة أو غير مباشرة كثيرة وكذا القوى التي تحركها بوعي أو دون وعي منها بما يلحق العراق من آثار سلبية وإعاقة إضافية للعملية الجراية لوضع حدٍ لتفاقم المشكلة الأولى. أوكد من جديد بأن القوى الفاعلة في الإشكالية العراقية كثيرة, ولكنها متباينة في طبيعتها وفي الأهداف التي تسعى إليها والساليب التي تمارسها, ولكنها تصب في المحصلة النهائية في الدرب الذي يبقي الوضع القائم على حاله, بل ويزيده تعقيداً وحدةً. وهذه الملاحظة مهمة حقاً من أجل أن لا يقع عدم التمييز في طبيعة القوى وبالتالي يقع التعثر في معالجة كل منها بحلول متباينة, إذ أن رميها في قدر واحد لا يساعدنا في مجابهة الأمور بحكمة وحزم وحلول فاعلة.
وعلينا ابتداءاً الاعتراف بحقيقة أن الأوضاع متدهورة ومتفاقمة. ويمكن أن يستمر ذلك إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام, وكذلك الانتخابات العراقية في يناير/كانون الثاني من عام 2005. وتقع على عاتق المسئولين العراقيين عدم إخفاء حقيقة الأوضاع في العراق لأي سبب كان, إذ أن عواقبه وخيمة على الفرد والمجتمع وعلى مصداقية الحكومة أمام الشعب الذي يعيش الأحداث والوقائع, وعلى علاقاتنا بالدول الأخرى ومصداقية المعلومات التي نعطيها إلى الرأي العام العالمي والحكومات المختلفة. وكما أرى, لم يكن مناسباً التخفيف من واقع الحال في البلاد من جانب ريس الحكومة المؤقتة أثناء زيارته للولايات المتحدة لدعم جهود بوش الابن في الانتخابات الأمريكية القادمة, في حين يزداد عدد القتلى والجرحى والمختطفين يومياً ويستمر تذمر الناس من المشكلات اليومية وخاصة في مجال الخدمات العامة. وأجد لزاماً أن أنبه في هذا المجال بأن يفترض فينا أن لا نسير على مبدأ "الغاية تبرر الواسطة" إذ أن عواقبها غير جيدة.
تتوزع القوى الفاعلة بصورة مباشرة وغير مباشرة في إثارة هذه المشكلات على سبعة مواقع, وهي:
الموقع الأول :يتبلور في اتساع حجم وتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية وزيادة عدد الجماعات والقوى المشاركة فيها وتنوع العمليات التي تقوم بها, والجهات المقصودة منها. وإذ لا يجوز تسليط النار على جهة واحدة وإهمال البقية, فأن من الثابت حتى الآن والواقعية أن نقول بأن تحالفاً قذراً وعدوانياً تم تشكيله بين جميع هذه القوى, سواء أكان التحالف فعلياً أم على الساحة موضوعياً, بسبب اتفاقها بالهدف الأساسي الذي تعمل من أجله. إن الهدف المقصود بالعمليات الإرهابية العدوانية هو أولاً وقبل كل الشعب العراقي ونشاطه اليومي ومعيشته وظروف عمله, بل وحياته ومستقبله. وما التوجه بالهجوم الإعلامي صوب الحكومة ليس إلا لأنها تعتبر الأداة التنفيذية لممارسة السلطة ومواجهة الإرهاب وفق قانون الإدارة المؤقت للحكومة الانتقالية, بغض النظر عن شخص رئيس الوزراء أو أعضاء مجلس الوزراء أو المجلس الوطني المؤقت. فهؤلاء جميعاً يشكلون, بالنسبة للقوى المعادية, المجموعة التي تحاول إعاقة تنفيذ خطط أعداء الشعب الإجرامية. وهي تهدف بطبيعة الحال إلى تعطيل خروج القوات الأجنبية من العراق, إذ عندها ستنتفي الحجة الراهنة في أنها تقاوم القوى الأجنبية. وبالتالي, سيبقى هدف الشعب العراقي والحكومة والمجلس الوطني المؤقتين هو مقاومة جميع هذه القوى العدوانية ودحرها وإفشال مخططاتها ودفع العراق إلى شاطئ الاستقرار والأمن والسلام. وعلينا أن ندرك بأن فلول صدام حسين قد وضعت أيديها بأيدي جماعة مصعب الزرقاوى وأنصار الإسلام وبعض القوى القومية اليمينية المتطرفة وغيرها, كما أنها تقيم تحالفات سرية مع قوى إسلامية سياسية أخرى ستكشف الأيام عنها بوضوح لا يقبل الشك, باعتبارها المستفيدة من الأوضاع الفوضوية وغير الأمنية السائدة في العديد من محافظات البلاد.
ويبرز الموقع الثاني في أن عدداً من العراقيات والعراقيين من أصحاب الفكر المتياسر يجد في شخص الدكتور أياد علاوي صنيعة للولايات المتحدة الأمريكية, وكذا العديد من أعضاء الحكومة. ويبدو لي أن أي شخصية أخرى لو كانت قد تسلمت رئاسة الوزارة وشاركت في الحكومة لما تخلصت من هذه التهمة الكبيرة التي اعتاد البعض على إطلاقها منذ سنوات طويلة ضد كل مخالف لوجهة نظر البعض الآخر. وفي الوقت الذي يرفض هؤلاء الأخوة البديل العملي والواقعي الممكن للاستفادة منه لصالح تحقيق مهمات المرحلة الانتقالية. فهم مقتنعون بأن وجود القوات الأمريكية كارثة على العراق ومستقبله, وأن الاستعمار الأمريكي ما دام قد دخل العراق فلن يخرج منه. وهم يرون في بعض الميليشيات المسلحة في العراق قوى مقاومة ستزداد بمرور الزمن إذ ما استمر الوجود الأمريكي في العراق. وهم لا يرون بأي حال بأن المهمة المركزية التي تواجه المجتمع العراقي هي مواجهة الإرهاب المتفاقم الذي يحصد المزيد من أطفال ونساء ورجال الشعب بلا هوادة, بل في الوجود الأمريكي الذي تشارك قواته مع القوات العراقية في مواجهة القوى الإرهابية. وهم لا يرون بأي حال بأن من المتعذر حقاً على قوات الحكومة والقوى السياسية العراقية المناهضة للإرهاب مواجهة قوى الإرهاب المسلحة إلى حد التخمة بنجاح في المرحلة الراهنة, إذ أن قوى الإرهاب تمتلك اليوم قواعد مهمة في أجهزة الدولة وفي مواقع معينة من أجهزة الحكومة, رغم التخريب الذي لحق الدولة, كما تجد الدعم من قوى كثيرة في بعض أو جميع دول الجوار, إضافة إلى امتلاكها أسلحة وذخائر ومتفجرات أكثر مما تملكه الدولة العراقية, وأن لها من الأصدقاء المتحركين أكثر مما للعراق الجديد من قوى مساندة مستعدة لدعم العراق.
ليس هناك من عاقل في العراق لا يدرك بأن الولايات المتحدة لها أهدافها, ولم تكن الحرب التي شنتها حباً في سواد عيون العراقيين, بل بسبب ارتباطها بإستراتيجية طويلة الأمد. ولكن كلنا يعرف الآن أيضاً بأن العراقيين انتفعوا من سقوط صدام حسين ونظامه الاستبدادي القمعي, وأنه كان السبب في وقوع هذا الاحتلال, وأن وجود القوات الأمريكية والبريطانية حالياً, رغم عدم ترحيب العراقيات والعراقيين به, لا يمكن تجاوزه بأي حال بسبب الواقع الذي نشأ في أعقاب الحرب وسقوط النظام. وكلنا يعرف أيضاً بان للولايات المتحدة رغبة في البقاء في العراق بعد استتباب الأمن لأطول فترة ممكنة, كما نعرف بأنها تسعى إلى عقد اتفاقيات عسكرية, بما في ذلك وضع قواعد عسكرية لها في العراق. كل هذا معروف ويبقى السؤال: كيف نعالج الأمور لتحقيق مصالح الشعب العراقي في 1. التخلص من الإرهابيين والإرهاب الجامح والقاتل, ثم 2. كيف نمارس سياسة تساعد على تسريع إعادة إعمار العراق جنباً على جنب مكافحة الإرهاب, و3. إجلاء القوات الأجنبية من العراق دون التورط بعقد اتفاقيات مخلة بالاستقلال والسيادة الوطنية؟
إن المهمة المركزية التي تواجه الشعب العراقي هو إيقاف الإرهاب الدموي الذي يقود إلى مزيد من القتل والتدمير, كما يقود إلى استمرار وجود القوات الأمريكية, إذ سوف لن تخرج هذه القوات والأوضاع كما هي عليه الآن, وإن الانتهاء من العمليات لإرهابية وتصفية الجيوب الراهنة سيضع الشعب أمام مهمة جديدة, وهو الطلب من الأمم المتحدة والدول المتحالفة العاملة في العراق, ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا, بأن لم تعد هناك ضرورة لاستمرار وجودها في العراق. أعرف مصاعب هذه المسألة ولكن أدرك أيضاً بأننا سنكون في مواقع أفضل بكثير للطلب بخروج القوات وسيدعمنا الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي, وكذلك الرأي العام الأمريكي. وسنحقق الهدف الذي نسعى إليه وهو استعادة العراق استقلاله وسيادته التي تسبب النظام السابق في هدرها. ولذلك فأن المقالات التي يدبجها البعض يعبر, كما أرى, عن فهم مبتسر ووعي ناقص بالأحداث الجارية وموازين القوى والقدرة على تحقيق الأهداف, وأنهم يكتبون تحت وطأة كره أعمى وحقد لا يجعلهم يفكرون بهدوء وروية وينظرون إلى القوى العالمية التي تساند الإرهاب. ويصل الأمر بهذا البعض من اليساريين إلى التطرف بحيث وجدوا في مقتدى الصدر وميليشياته قوى مقاومة للاحتلال ينبغي دعمهما رغم الإرهاب الذي قامت به هذه المليشيا البائسة وتسببت في موت الكثير من الناس., ومقتدى الصدر ما يزال يدفع بجماعاته بطرق ملتوية في مدينة الثورة في بغداد وفي البصرة وفي كركوك أيضاً إلى زرع الفتن وإشغال الحكومة بدلاً من السماح لها بتوجيه جهودها صوب القوى الأخرى التي تمارس القتل والتخريب وإلى إعادة إعمار العراق. إن عناصر اليسار المتطرف تساهم, شاءت ذلك أم أبت, بتشديد وتوسيع قاعدة الفوضى ودعم جهود المخربين والإرهابيين في العراق. وهو ما كنا نأمل أن لا يقعوا به رغم أن بعضهم يتمتع بثقافة جيدة, ولكنه كما يبدو مأخوذ بقضايا أخرى وتؤثر فيه عوامل أخرى لست بصدد بحثها هنا, أو أنه قد وضع وعيه في ثلاجة. نحن بحاجة إلى رأس بارد وقلب دافئ على الشعب العراقي, ولكننا لسنا بحاجة إلى رؤوس موضوعة في ثلاجة عاجزة عن التفكير الهادئ والموضوعي ومأخوذة بالحقد وحده. إن وجود مقاومة وطنية مسلحة في العراق ضد الاحتلال في الوقت الحاضر يسهم, من وجهة نظري, في دعم جهود قوى الإرهاب لا غير.
أما الموقع الثالث فيبرز في موقف الجماعات التي تتخذ مواقف معادية للإمبريالية أو تلك التي تشير إلى أنها من نشطاء السلام في مختلف الدول الأوروبية. هذه القوى هي من بقايا حركات السلام القديمة والمناهضة للإمبريالية التي تتخذ مواقف غريبة في تفسيراتها. فهي مستعدة على التظاهر وعقد المؤتمرات مع كل القوى اليمينية والإرهابية حتى معه قوى أبو مصعب الزرقاوي وفلول صدام حسين, أو حتى مع الجماعات النازية الجديدة في أوروبا بحجة مقاومة الإمبريالية الأمريكية في العراق. وهي التي بدأت تجمع التبرعات لما يسمى بقوى المقاومة في العراق. وتقف مع هذه القوى, القومية اليمينية الشوفينية والمتطرفة في العالم العربي وفلول البعث الموجودة في الخارج وجماعات البعث العفلقية في أوروبا. إن هذه القوى تحاول خلط الأوراق وعدم التمييز في ما يفترض أن يتخذ بشأن العراق في المرحلة الراهنة لإنجاز مهمة إيقاف عمليات الموت المستمرة في العراق وبين النضال من أجل إخراج القوات الأمريكية من العراق بطرق أخرى, رغم أنها تدعي الكفاح في سبيل السلام. وهي لا تنظر إلى مواقف الشعب العراقي, بل تركض وراء مواقف الأقلية التي تجد التأييد من قوى الإرهاب الدولي. وهذه المشكلة ليست سهلة, إذ أنها تؤثر على مواقف حكومات دول الاتحاد الأوروبي التي لها رغبة أساساً في مشاكسة الولايات المتحدة في العراق, رغم أنها من حيث المبدأ لا تختلف عن مواقف الولايات المتحدة في قضايا السياسة الدولية وفي الموقف من الدول النامية.
والموقع الرابع يبرز في مواقف الدول الأوروبية. فهذه الدول تجد نفسها في صراع اقتصادي فعلي مع الولايات المتحدة الأمريكية وتعاني من أزمات اقتصادية وبطالة متفاقمة مؤثرة على أوضاعها الداخلية, وبالتالي تحاول أن تتخذ مواقف سياسية تنسجم مع التيار المناهض للولايات المتحدة لتخفف من أعباء الضغط الداخلي والشعبي الذي تتعرض له بسبب تدهور الأوضاع المعيشية لجمهرة واسعة من السكان. فلو أخذنا ألمانيا نموذجاً لوجدنا أن البطالة فيه تزيد عن أربعة ملايين إنسان, وإذا ما أضفنا إلى هذا العدد ما يقرب منه من المتلقين للمساعدة الحكومية لبلغ العدد الإجمالي أكثر من ثمانية ملايين عاطل عن العمل تقريباً. وليس في الأفق القريب جداً حلولاً لهذه المشكلات, إذ أن البطالة في ألمانيا سوف لن تتراجع بل تتزايد بفعل التحديث الجاري لوسائل الإنتاج التي تقلل من الحاجة للأيدي العاملة أو للعمل الحي مقابل رؤوس الأموال الموظفة في التقنيات أو العمل الميت. وغالبية محافظات ألمانيا, وخاصة الشرقية منها, تعاني من نقص في الموارد وإفلاس الخزائن تقريبا. أما برلين العاصمة فهي تعاني من إفلاس حقيقي وديون متراكمة تستنزف الفوائد المترتبة عليها نسبة عالية مما تحققه من دخل سنوي عبر الضرائب ومدخولات أخرى. ومن هنا يبرز رفضها المستمر إرسال دعم للعراق أو اتخاذ مواقف أكثر إيجابية من الحكومة العراقية. وهي الآن بين نارين, بين موقفها الغاضب على الولايات المتحدة, وبين رغبتها في الحصول على عقود في العراق, وهذا التناقض يسبب أرقاً كبيراً لمستشار ألمانيا الاتحادية وللكثير من الحكومات الأوروبية. وهي من جانب على حق, إذ أن الولايات المتحدة تحاول في سياساتها الجارية إضعاف الاتحاد الأوروبي والتصرف الفردي في الأمور وتقليص دور وأهمية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أو السيطرة السياسية عليهما. إلا أن المعاناة يحصدها العراق بسبب إصرار الاتحاد الأوروبي على تقنين الدعم السياسي والمساعدة الاقتصادية إلى الحد الأدنى حتى الآن.
والموقع الخامس نجده في موقف الدول العربية والدول المجاورة التي لا تألوا جهداً في خلق المتاعب للعراق بطرق مختلفة وأساليب شتى. أعرف تماماً صعوبة ضبط الحدود بين الدول. فأنا واحد ممن عبر الحدود في اشد أوقات هيمنة صدام حسين على الحدود وكثرة نقاط المراقبة التي كانت موضوعة في المناطق المختلفة بين إيران والعراق أو بين العراق وتركيا أو بين العراق وسوريا وغيرها من مناطق الحدود, دون أن أقع بيد العدو, رغم المصاعب والمخاطر التي تتهدد الإنسان. ولكن هناك الكثير من الإمكانيات التي لم تستنفذ حتى الآن لمنع تسلل الإرهابيين إلى العراق بهذا العدد الكبير. والمشكلة تكمن في قلة تعاون هذه الدول مع العراق ورغبتها في التأثير السلبي على عمل الحكومة العراقية المؤقتة من جهة, وعلى الحكومة الأمريكية من جهة أخرى. ولهذا السبب ستبقى الحدود إلى حد غير قليل معبراً للقوى الإرهابية القادمة من السعودية وسوريا وإيران وتركيا والأردن. إن الموقف السياسي للدول العربية والدول المجاورة من الواقع العراقي الراهن هو السبب في استمرار التسلل وعدم انقطاعه. ولكن من المؤسف حقاً أن هذه الدول هي الأخرى مقصودة بالمحصلة النهائية من هذا الإرهاب, وأن نجاحه في العراق سيتجه صوبها دون شك. ويبدو أن سوريا والأردن بدأتا برؤية الأمر بطريقة أخرى إيجابية ونأمل أن يتم ذلك لصالح الأطراف المتعاونة. كما أن السعودية تصدر لنا اليوم الكثير من الإرهابيين والكثير من الموارد المالية التي تصل من المتبرعين السعوديين إلى الإرهابيين, إضافة إلى السياسية التعليمية الدينية التي تمارسها الحكومة السعودية ستبقى تخلق المزيد من المتطرفين والإرهابيين المناهضين للشعوب والأديان والقوميات الأخرى وترى في الإرهاب جهاداً في سبيل الله وطريقاً سهلاً للوصول السريع إلى الجنة.
والموقع الخامس يكمن في بعض الفضائيات العربية, وبشكل خاص تلك التي تلعب دوراً سلبياً وتساهم في تأجيج الإرهاب في العراق بحجة دعم المقاومة العراقية المناهضة للولايات المتحدة, أو تلك التي تشغل الكثير من البعثيين القدامى والمناهضين للوضع القائم. وهي في الغالب الأعم تخضع للواقع السياسي العربي والإقليمي. فكلما اشتد الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية مثلاً, تفاقمت نبرة العداء في قناة الفضائية "العربية" ضد الوضع في العراق والصياغات التي تستخدمها لتأجيج العواطف وتجد تعبيرها في نشرات الأخبار والتعليقات والتقارير والصور, في حين تهمل كلية ما ينجز في العراق بجوار تلك العمليات الإرهابية والموت. أما الجزيرة فلها موقف ثابت لا يتزعزع في كامل نشراتها الإخبارية وتعليقاتها وحواراتها وما إلى ذلك. فهي ضد الوضع و "ضد" الولايات المتحدة, الحليف الثابت والثاني بعد إسرائيل, لقطر في الخليج. وعن الشيخ يوسف القرضاوي, الموظف في قطر والضيف الدائم في برنامج "الشريعة والحياة" صدرت فتوى القتال ضد الأمريكيين في العراقيين, مدنيين أم عسكريين. ولا تعني هذه الفتوى القرقوشية سوى قتلهم أينما وجدوا في العراق. وهي القضية التي لم تتحرك عليها الحكومة العراقية حتى الآن. ومما يزيد في الطين بلة في الوقت الحاضر وجود حملة انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة التي قسمت الولايات المتحدة إلى معسكرين وقسمت الصحافة أيضاً التي تساهم بدورها في تعقيد الوضع الراهن في العراق وتنشر من الأخبار التي يراد بها إحراج الرئيس الأمريكي الراهن. وإذا ما تصفحنا الجرائد الألمانية مثلاً سنجد من يتحدث عن أن العراق قد وصل إلى نهايته, أي أنه على شفا السقوط في الهاوية, وليس هناك ما يبرر هذا القول سوى المشاركة في الصراع ضد الرئيس الأمريكي الحالي. أما قناة العالم فلها أهداف أخرى وطريقة عجيبة في تناول الشأن العراقي...الخ.
لقد أصبح العراق في المرحلة الراهنة, ومع قرب موعد الانتخابات العامة فيه, ملعباً لجميع اللاعبين وتبدو المصاعب الكبيرة في الأفق التي لا يجوز التخفيف منها أو التقليل من شأنها وآثارها السلبية بأي حال, ولكن علينا التفكير في سبل التعامل معها والانتصار عليها.
والموقع السابع يكمن في واقع القوى العراقية المساندة للحكومة والمناضلة في سبيل إفشال المخططات العدوانية في العراق. فهي ليست ضعيفة فحسب, بل وعاجزة عن إيجاد لغة مشتركة بين تياراتها المختلفة. ولا بد من الإشارة الواضحة إلى أن التيار الديمقراطي واللبرالي والجماعات الدينية المتفتحة على الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات, الذي يفترض فيه أن يتصدى بشكل موحد للأوضاع الصعبة الجارية وأن يدخل الانتخابات بقائمة موحدة, يعاني اليوم من عزلة عن الجماهير الواسعة وما يزال يراوح في مكانه وفق المعلومات التي لدي حتى الآن. وهذه الحالة تساعد دون أدنى ريب القوى الإرهابية المعادية والقوى المترددة والمتطرفة على مواصلة نهجها وإضعاف القدرة على مواجهة العدو المشترك, عدو الشعب العراقي. أجد ضرورة التوجه صوب التفكير بإيجاد منبر مشترك لكل القوى الديمقراطية على صعيد العراق كله, وبدون هذا المنبر ستكون الانتخابات مغامرة خطرة لمستقبل العراق. فالقوى الإرهابية والقوى الرجعية والظلامية تسعى إلى خنق صوت الحرية الذي نلم نسمعه بعد كما ينبغي, وإلى منع تسرب رياح الديمقراطية, التي لم ننعم بها بعدو عن العراق. علينا أن نبذل جهداً مشتركاً لإيجاد حلول عملية لهذه المشكلات المشار إليها في أعلاه وفي المواقع التي حددت. أملي وطيد بأن النجاح سيكون في المحصلة النهائية حليف الشعب, إلا أن الطريق ما يزال طويلاً وما يزال مزروعاً بالأشواك.
برلين في 25/09/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟