|
موتوا
أحمد محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 968 - 2004 / 9 / 26 - 09:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا لا نعترف أننا طوال الوقت ننتظر البطل المنقذ القادم من السماء ؟! لماذا لا نعترف أننا لا نعرف الآخر جيدا ، ولا نعرف أنفسنا ، ونرفض ما يقدم لنا من حلول لمشاكلنا ، ويعلن المسئولين أن التغيير يبدأ من الداخل وبأنفسنا ، وهم يحاولون ان يحتفظوا بمراكزهم حتى الموت ! والعجيب انهم يعلنون فى كل مرة بداية الإصلاح ، رغم ان بداية التغيير الحقيقى هو أختفاء هؤلا المسئولين الذين جمودنا لعشرات وعشرات السنوات ! لماذا لانعترف اننا رافضين لكل شىء ، عاجزين عن النهوض بانفسنا ، وننتظر البطل الآتى من السماء حتى يحل مشاكلنا ونهتف له بالروح والدم ! لماذا لا نعترف ان كل شىء فى حياتنا مزيف ومفتعل وغير حقيقى ، أننا نعيش فى تمثيلية كبيرة تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وننتظر البطل المنقذ القادم من السماء حتى يحول هذا الإفتعال والوهم إلى حقيقة ! وتعالوا معى إلى موقع EveryScreen.com ، الذى يحرره الأستاذ مدحت مصطفى منذ أغسطس 1998 ، وهو ناقد سينمائى مصرى ، ومحلل أقتصادى وتكنولوجى ، تخصص فى اجهزة الاعلام والترفية وتطبيقات الحوسبة ، وله العديد من المؤلفات والترجمات ، واعتبر نفسى من قراء موقعه الذى يحلل فيه احوال المنطقة العربية والعالم بعقل وفكر مفتوح صعب ان تجد له مثيل فى أى كتاب او موقع آخر يقول : لماذا نحن دائما فى الجانب الخطأ من حرب الحضارة ؟ جيل الهزيمة يدعونا للثأر من هزائم الماضى بإضافة هزيمة جديدة كل عشر سنوات . الكارثة ليست هنا ، إنما فى أنهم بشعاراتهم العمياء وعجرفتهم العروبية والإسلامية الجوفاء يضللوننا عن حقيقة أننا نهزم مرة كل يوم يعود فيه أطفالنا من المدرسة دون تلقى التعليم العصرى الحقيقى ، ونهزم خمس مرات فى اليوم كلما قرعت الأجراس تدعونا لتلاوة نفس تعاويذ وخزعبلات اليوم السابق ، بل ونهزم 86400 مرة بعدد الثوانى التى ننغلق فيها أو لا ننضو عنا ثوابتنا وهويتنا المتخلفة لنجارى بقية الشعوب سباقها المرعب فى التقنية والعلم والاختراع . إذا لم تكن هويتنا ، أو فى التحليل النهائى جذورها ال?يينية ، هى السبب الأصيل لتخلفنا ، فما الذى باستطاعته أن يكون السبب إذن ؟ جميع الشواهد تقول إن العقل العربى غبى ذاتى متخلف انفعالى وجاهل ؛ المكون الثقافى أهم عنده من كافة مقومات الحياة المادية . وهذه هى بالضبط مواصفات الشعوب التى انقرضت أو أبيدت كالهنود الحمر أو الأبوري?ين . ويقول فى موضع آخر لابد من اعادة تقييم وتعريف الكلمات التى ربما أصبحت جوفاء أو مجرد شعارات منتصبة و مدلكة للغرائز ومنها الوطنية والتقاليد والدور المجتمعى للدين والانتماء والشرقية والقيم الخاصة والثقافات والمحلية والتنوع واللغة الخالدة والتميز والقومية والتراث …إلخ ، وهى كلها -شئنا أم ابينا- تعادل فى قاموس العصر الرقمى كلمة واحدة هى التخلف . هذه الكلمات والشعارات ، لم يعد لها وجود مؤثر ، لا فى المجتمعات المتقدمة التى قبلت بمبدأ الانفتاح ، ولا فى المجتمعات النامية التى حققت قفزات سريعة فى العقود الأخيرة ، ولا خيار أمام الأخرين سوى هذا الانفتاح الثقافى المطلق ، وبديل هذا شىء مرعب ، هو الانعزال فى جزر مظلمة وعاجزة ، تقنيا واقتصاديا وثقافيا ، وسط محيط جلوبى حى مشرق وسريع الانطلاق . هذا هو التحدى الذى يطرح نفسه على الثقافات القومية على نحو عاجل وملح ، ويسترسل ويقول :أنك لن تشارك فى ثقافة العالم الجلوبى إلا بأشياء صغيرة هنا وهناك ، كنوع من الطعام ، أو قطعة موسيقى أو رقصة ما ، أو تقليعة من العطور أو الأزياء أو قطع الأثاث . أما المشاركون بالجزء الأكبر من الثقافة فهم بلا مناص صناع التقنية وتحديدا الولايات المتحدة. وهذه الإسهامات ’ الصغيرة ‘ لم تأت بالصياح أو بقرار من أحد . الهند لم تستخدم قوة السلاح فى جعل العالم يأكل أرز الكارى ودجاج التكا ، ولم ترسل جيوشا من الدعاة للهداية لليوجا إنما تركت عضوا فى البييتلز يكتشفها بنفسه ويرسلها لكل ثقافة العالم . إيطاليا لم تستصدر قرارا من مجلس الأمن بجعل ال?يتزا أكلة عالمية . كوبا فرضت سيجارها باهظ التكلفة على ثقافة وأسلوب حياة الطبقات الراقية لكل العالم ، ذلك عندما كانت دولة رأسمالية وعندما تحولت للاشتراكية وعندما ستعود للرأسمالية مرة أخرى . اليا?ان لم تقم بأى جهد خاص كى تتحول أفلام شركة مانجا الاستحراكية لغزو لكل متاجر الڤيديو فى العالم الغربى إنما الجمهور الغربى هو الذى كان يتهافت عليها من تلقاء نفسه . حتى فرنسا لم تفرض عطورها وأزياءها على نساء العالم عنوة ، بينما ما تحاول فرضه عنوة من أفلام أو غيره يلاقى رفضا ذريعا . فشعوب كاليا?ان والصين والهند شعوب تندفع بنهم لثقافة الغير الأكثر تقدما ، و على الأرجح جدا أنك لن تفرض شيئا على العالم ما لم تكن غير متخلف ، أى مقاربا له تقدما وتحضرا ، ونقصد بهذا التقنية والاقتصاد قبل أى شىء آخر . وليس أقل دلالة على ذلك التخلف أن الشىء الوحيد عندنا المؤهل أو المرشح لأن يصبح جزءا من الثقافة الشعبية العالمية هو شىء نكرهه ونحاربه للغاية : رقص البطن ! عندهم الكدح وعندنا الرزق ، عندهم الانفتاح وعندنا الهوية ، عندهم الحرية الجنسية وعندنا الدين ، عندهم الابتكار وعندنا التقديس ، عندهم شمول الرؤية وعندنا القبيلة هى كل العالم ، عندهم كل شىء موضوعى ومادى وعندنا كل شىء ذاتى ومشخصن ، عندهم المواجهة والواقعية والشفافية وعندنا الكرامة والشرف وشكليات الفضيلة ، عندهم الفرد والتمرد وقوة الشخصية وعندنا الطاعة والأسرة والإجماع . إجمالا هم آلات عاقلة ثوابتها العلم والعلمانية والعملية ، ونحن حيوانات غريزية هاجسها الأهل والأرض والعرض . ولهذا السبب هم دوما بناءون ، بينما نسقنا القيمى الذى نراه سماويا ومقدسا هو تحديدا الذى يجعلنا طوال الوقت مارقين هدامين وقطاع طرق نسعى لتقويض كل ما يبنيه الغير ، العدو دائما أبدا . ببساطة نحن متخلفون لأننا اخترنا الثوابت الخطأ ! ونتساءل فعلا مع الأستاذ مدحت مصطفى لماذا نحن دائما فى الجانب المتدني من مقاييس حضارة اليوم ؟ لماذا نهزم مرة كل يوم حين يعود أطفالنا من المدرسة بعد ان تلقوا المناهج الملقنة وحفظوها دون إدراك لماذا نهزم كل يوم عند دخولنا اى مصلحة حكومية لتأدية حاجة لنا ؟ لماذا نهزم كل يوم حين يخرج العمال من مصانعهم التى تخسر كل عام ! لماذا نهزم كل يوم والفلاحين يتكاسلون فى حقولهم ولا ينتجون ما يكفى غذائهم ! لماذ نهزم خمس مرات كل يوم ونحن نخرج من المسجد وتسقط عمارة صاحب المسجد نتيجة الغش والفساد ؟! لماذا نهزم كل يوم حين يذهب طلابنا إلى الجامعات المسجونة فى سجن الرقابة والتخلف العقلى ؟ لماذا نهزم كل يوم ونحن نشاهد التليفزبون الرسمى وهو يعلن فى تصريحات حكومية ان كل شىء تمام ! لماذا نهزم كل يوم ونحن نشاهد روبى وهى تفكر بجسدها لتعرى عجزنا الجنسى وانفصامنا السلوكى !؟ لماذا تمارس عقولنا الغباء و الذاتية والتخلف والانفعال والجهل ، بل لماذا انهزمنا حضاريا وثقافيا واقتصاديا ، ونعانى من كل الهلوسات التى يعج بها العقل العربى ، كنظريات المؤامرة والغزو الثقافى...! لماذا نتمسك بالشعارات المنتصبة مثل الوطنية والتقاليد والدور المجتمعى للدين والانتماء والشرقية والقيم الخاصة والثقافات والمحلية والتنوع واللغة الخالدة والتميز والقومية والتراث والهوية ، والتى تختيئ ورائها ديكتاتورية واستغلال وفساد وقهر وجهل وفقر ومرض ؟! لماذا نرفض ثقافة التقدم تحت شعار زائف اسمه المحافظة على الثوابت ، ثوابت التخلف العقلى والتقنى ، رغم الثقافة كاللغة إما أن نقبلها كلها أو نتركها كلها . ونحن نرفض تماما ثقافة التقدم وننتظر وهم زائف اسمه البطل المنقذ ! أننا نتعامى عن الواقع ونخشى الإعتراف به لأننا عاجزين عن الغضب والفعل ، أننا ننتظر المنقذ الآتى من السماء ، لكن السماء لا تنصر العاجزين . والغريب والعجيب ان بطلنا الذى ننتظره دائما متخلف عقليا ، فمفهوم البطل النموذجى بيننا مازال هو الواعظ, المتماسك, القوي, الديكتاتور العادل الذي ينطلق من موقف واضح ضد عدو واضح, او الذي يرى الأمور على أسس ثنائية حادة تضع الشر, الشر كله في جهة الآخر, والخير, كل الخير في جهة أخرى, ويفصل بشكل قطعي بين الأمور. بطل سلطوى هيمنته قامعة يرفض حق الناس في الاختلاف وفي ان تكون لهم حرية الجهر بآرائهم. ونحن ننتظر البطل لإعادة إنتاج الإستبداد وتبريره ، فمفهوم البطل بيننا قائم على القيمة العليا التى نحترمها وهى القوة العضلية وليس القوة المعرفية والثقافية ، بطلنا الذى نحلم به يدغدغ عقولنا المريضة بمصطلحات مثل الكرامة والعزة وما الى ذلك من مفاهيم وأخلاقيات هي اقرب الى اللغو والشعر منه الى وقائع الحياة ومجرياتها، بطلنا الذى ننتظره تربى في حاضنات تربية تأسست على مفهوم البطولة الفردية‚ بطل قادم من مجتمعات تعيش مراحل ما قبل الدولة‚ وما قبل الحداثة ! بطلنا الذي ننتظره قادم من نظام سياسي واقتصادي فاسد‚ نتج عن فساد النسيج الذي أفرزه ، بطلنا الذى ننتظره صدأ عقلة بمفاهيم تدعي المعصومية وتحتكر الصواب، بطلنا آتى من أمة تعانى من فائض التخلف والفقر رغم امتلاكها لفائض ثروة وتاريخ . والبطل المنتظر كالعادة سيقوم بدور الأب والحامى والمسئول بمفرده عن حل مشاكلنا مقابل مانقدمه من فروض الطاعة والولاء والهتاف . نحن نعشق ثقافة العبيد والانتظار والشكوى تحت دعاوى الحكمة والاستقرار ، بطلنا المنتظر سيقدم الشعارات المستهلكة ويعتمد على حلول مسكنة ومخدرة إما نابعة من عقول مسطحة وإما من عقول كسولة تقدس غير المقدّس، وتقدم الأشخاص على المؤسسات. تعالوا نحاول الإصلاح بأنفسنا ولا ننتظر البطل ، والبداية هى الغضب على ما نفعله فى أنفسنا ، وإذا لم نغضب لا يبقى أمامنا غير كلمة نجيب محفوظ عن الانغلاق العربى والشكوى من الغزو الثقافى " موتوا ".
#أحمد_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحرش الدينى
-
المثقفون وتحديات عصر المعلومات
-
ثقافة الدوجما
-
انتصار الفقر
-
التدين على الإنترنت
-
ختان العقول
-
الأديان والعقائد حول العالم
-
حقوق المعلومات فى عالم غير متساوى
-
الشيخة نادية والدكتور زويل
-
المثقفون والعمدة
-
الحرية الأكاديمية وأسلمه المعرفة
-
الإرهاب و وسائل الإعلام
-
فى بلاد الكفيل
-
المرأة المصرية فى عباءة الكفيل الوهابى
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|