|
قرارات مجلس الأمن، دفعة للتوحش
عمار شريف
الحوار المتمدن-العدد: 3230 - 2010 / 12 / 29 - 05:25
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
أصدر مجلس الامن الدولي في جلسته المنعقدة بتاريخ 15/12/2010 ثلاثة قرارات بخصوص العراق، وهي القرارات 1956، 1957 و1958. حيث كان الأول بخصوص صندوق تنمية العراق الذي أنشأه قرار سابق للمجلس بعد احتلال العراق للسيطرة والاشراف على عائدات صادرات النفط والغاز. والثاني جاء لانهاء بعض فقرات قراري مجلس الأمن 687 و707 لسنة 1991 والمتعلقين بحظر الأسلحة. والثالث بهدف انهاء جميع الأنشطة المتعلقة بـ "برنامج النفط مقابل الغذاء" المتضمن في القرار 986 لسنة 1995. هذه القرارات هي للتعامل وتعديل أو الغاء قرارات سابقة. وقد جاءت ليس لاخراج العراق من تحت طائلة العقوبات كما يصور البعض، بل انها ابقت على العديد من الفقرات بالاضافة الى إبقاء العراق تحت أحكام البند السابع الذي يخول باستخدام القوة ضده. في الوقت الذي هللت فيه الحكومة وأحزابها في العراق لصدور تلك القرارات واعتبرتها استعادة لسيادة العراق وانتصاراً للدبلوماسية العراقية وماشابه، فان نظرة سريعة على محتوى القرارات وتفاصيلها من جانب واختيارها من بين العديد من المسائل من جانب آخر، تبين انها انتقائية ومحسوبة بدقة للاستجابة لمصالح القوى الكبرى الاقتصادية وخصوصاً امريكا بالدرجة الأساس ثم هي محاولة لاطلاق يد الحكومة والرأسمال المحلي والأجنبي لاستنزاف قوى العمال والكادحين في العراق والسطو المكشوف على موائدهم الفقيرة. القرار 1956 يبدأ بما يشبه المطلع الغزلي يشيد بنزاهة الحكومة العراقية وتأكيداتها على؛ "الاستمرار في استخدام عائدات النفط على نحو عادل وبما يخدم مصالح الشعب العراقي". والذي تضمنته رسالة رئيس الوزراء لرئيس مجلس الأمن في وقت سابق من شهر كانون الأول. ثم يستنتج مجلس الأمن ايقاف العمل بقرار سابق أنشيء بموجبه صندوق تنمية العراق ويعمل على اطلاق يد الحكومة في اموال عائدات النفط. لاشك ان الصفقة كبيرة وطويلة الأمد بحيث تمنح شركات الدول المؤيدة للقرار فرصاً لاتقاوم لجني الذهب في العراق. يتضمن القرار تعهداً مسبقاً من حكومة العراق بألا تطلب تمديد العمل بصندوق تنمية العراق بعد التمديد الأخير لمدة ستة أشهر ينتهي منتصف 2011. ولكن ماذا يعني هذا؟ انه ببساطة يعني نهاية العمل بحماية العراق من مئات مطالبات التعويض مقدمة من قبل الدول والهيئات والافراد. وهو يعني تعهداً واضحا من الحكومة لتقديم تعويضات لا أحد يعلم مدى كلفتها وربما وصلت حدّ تهديد حياة الملايين بالعراق بالمجاعة. وبالنتيجة هي عقوبات تطال ملايين الأبرياء على أعمال نظام كانوا هم ضحاياه. ولم ينس القرار الاستمرار باستقطاع 5% من عائدات النفط والغاز لتعويضات ظلت تدفع للكويت عن الحرب منذ عقدين ومازال هناك اكثر من 20 مليار دولار على العراق دفعها أيضاً. أما القرار 1957 الذي جاء لرفع الحظر على التسليح بعد توقيع العراق على كافة معاهدات منع انتشار الأسلحة النووية والكيمياوية ومعاهدات التفتيش، انما يستجيب لحاجات الحكومة لفرض قبضة حديدية على المجتمع عن طريق تسليحها. وبالتالي تأمين أفضل ظرف يمكن أن يحلم به الرأسمال وشركاته المتعددة الطامحة بالدخول والاستثمار في العراق. ظروف يتم خلالها فرض الخنوع على الطبقة العاملة وتأمين أدنى حد ممكن للأجر والضمانات. بوادر هذا النزوع مارسته الحكومة مبكراً عن طريق مهاجمة النقابات غير التابعة للحكومة ومساعي التضييق على الحريات. في نفس الوقت يفتح هذا القرار سوقاً قل نظيرها لتصريف الأسلحة بصفقات كبيرة لبلد تم تدمير آلته العسكرية وترسانته المتطورة نسبياً بشكل مخطط. في حين يأتي القرار 1958 لتصفية "برنامج النفط مقابل الغذاء" الناتج عن القرار 986 الصادر عام 1995 الذي جاء ليخفف الأثار الكارثية لسياسة الحصار الاقصادي السيئة الصيت التي جوعت الملايين عمداً وحرمتهم من امكانية الحصول على الدواء والغذاء في العراق. الآن وفي بلد مازال الغالبية العظمى من سكانه تحت وطأة نتائج سياسة الحصار والافقار والحرب وانهيار البنية التحتية وتفشي البطالة، يشكل برنامج النفط مقابل الغذاء حلاً مؤقتاً لسد حاجات الغالبية من المحرومين الى المواد الغذائية الأساسية. انه ورغم السطو الفعلي من قبل حكومة القوميين والاسلاميين على الكثير من مفردات الحصة التموينية التي يتلقاها الافراد في العراق باسعار مدعومة ومناسبة تماماً حتى الآن، فان صدور هذا القرار من قبل مجلس الأمن لايعني سوى حثّ الحكومة للتنصل تماماً عن توفير تلك المواد المدعومة في اطار ذلك البرنامج. شكلت مسألة الغاء الحصة التموينية أكثر الرغبات الحاحاً لدى حكومة المالكي خلال السنوات الماضية. وظل الوزراء والمسؤولون في الحكومة يهددون دائماً بقطعها عن المواطنين وإلغائها حتى قبل صدور قرار مجلس الأمن الأخير الذي ينهي العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء. حزمة القرارات الثلاثة مجتمعة تعمل كنظام متناغم للتعبير عن حجم الشهية المخيف لامتصاص دماء الطبقات الأكثر فقراً والأوسع عدداً. الدماء التي اراقتها تلك القوى بدءاً بامريكا والأحزاب المؤتلفة في الحكومة والبرلمان وجماعات تفجير الاسواق والمحلات العامة. كلّ تلك المذابح أرتكبت ليقرض كل منهم أكبر حصة ممكنة له من السلطة ثم الثروة. وهاهي لحظة اعلان البدء بتوزيع الغنائم تأتي بصياغة رسمية من قبل مجلس الأمن الدولي لتؤشر عصر الاستباحة الفعلي. من جانب الحكومة في العراق تعد هذه القرارات مكافأة لها بوضع عائدات النفط تحت تصرفها ودعم الفساد وطغيانه واطلاق يدها. وفي المقابل تنتظر الدول صاحبة هذا القرار في مجلس الأمن وعلى رأسها امريكا من الحكومة العراقية تهيئة الأرضية والظروف الموائمة للاستثمارات في العراق وفتح الابواب على مصراعيها لآليات عمل رأسمالية السوق والحاق البلاد بها. هذه القرارات بمجموعها تشبه الوصفات التي يطرحها صندوق النقد وبنك النقد الدوليان كشروط على الدول التابعة لمنحها القروض للقضاء على اية امكانية حقيقية للنمو الاقتصادي فيها وتكبيلها بالديون وضمان تبعيتها السياسية. احد اركان تلك الشروط هو ان تتنصل الدول التابعة عن أية ضمانات اجتماعية وبرامج صحية وتعليمية لائقة لمواطنيها وأن تسلب المكتسبات السابقة. ليس من باب الصدفة أن يشير قرار مجلس الأمن بوضوح الى صندوق النقد الدولي في ترتيبات بديل صندوق تنمية العراق الملغى. ان التبجح بادعاءات السيادة هنا إنما يفضح حقيقة الكارثة أكثر مما يسترها. بُعيد تشكيل مايسمى بحكومة الشراكة مباشرة صدرت هذه القرارات من مجلس الأمن لتعلن ملامح المرحلة القادمة في العراق. ان انتصار هذه الستراتيجية التي تتشابك مصالح جميع لاعبيها في وضعية فريدة، يعني الاقبال على واحدة من اكثر مراحل الصراع والمواجهة الطبقيين شدة في العراق. البرجوازية في العراق ورغم هيكلها السياسي المهلهل تبدو أكثر انسجاماً ازاء مصالح طبقتها ككل. وبمباركة الرأسمال العالمي، دوله وهيئاته الدولية تستجمع نفسها لفرض مرحلة قاتمة وظروف قاسية على حياة العمال والكادحين. ليس امام العمال وتحرريي المجتمع من سبيل آخر سوى استجماع اقصى درجة من قواهم الموحدة للتصدي لتلك الهجمة، بل للارتقاء بشروط حياتهم.
#عمار_شريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قانون الرعاية الصحية الأمريكي، إنتصار تاريخي لنموذج إنساني
-
أفاتار؛ إنحطاط الواقع ودهشة الخيال
-
حول المشاكل الحالية في إتحاد المجالس والنقابات العمالية
-
قائمة الحظ وحظ القائمة - تعقيب على نداء عاجل الى رفاقي يساري
...
-
الأمن، الحرية وانتخابات الجور والطغيان
-
الرشوة حق من حقوق حكومة علاوي!
-
مأساة التاريخ ومهزلتُهُ!
-
عقوبة الإعدام، تشريع قتل الإنسان
-
تحرير العراق، استعباد المرأة !
-
التصدي للحرب مهمة الحركة العمالية والتحررية في العالم
المزيد.....
-
-المملكة المتحدة ستفي بالتزاماتها القانونية-.. لندن تعلق على
...
-
5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين
...
-
مذكرة اعتقال نتانياهو.. هل تتخذ إدارة ترامب المقبلة -خطوات ع
...
-
نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو
...
-
زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن
...
-
ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
-
كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول
...
-
إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|