|
البيئة الخارجية للنزعة الانفصالية
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3229 - 2010 / 12 / 28 - 11:00
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
جرت أول محاولة انفصالية ، ضمن الحدود الحديثة لدول منطقة الشرق الأوسط ،في يوم10كانون الأول1945بمدينة تبريز لماأعلن جعفر بيشفاري عن استقلال اقليم أذربيجان الايراني وتشكيل "حكومة شعب أذربيجان": بعد ستة أسابيع من ذلك وفي 22كانون الثاني 1946اقتدى أكراد ايران بأذربيجانها وأعلن (القاضي محمد)عن تأسيس"جمهورية مهاباد". لم تأت تلك الحركتين الانفصاليتين عن الجسم الايراني من عوامل محلية محضة،ذاتية الدفع،وإنما كان هناك عامل اقليمي خارجي شكَل مظلة لهما،متمثلاً في الاتحاد السوفياتي الذي كانت قواته العسكرية موجودة في الشمال الغربي الايراني بحكم اتفاق جرى بين تشرشل وستالين في نهاية آب1941لتأمين خطوط الإمداد الغربية للحليف السوفياتي بعد شهرين من بداية الهجوم الألماني على الجبهة الروسية في22حزيران وفي ظل الهواجس البريطانية من ميول الشاه رضا بهلوي نحو الألمان،قبل أن يتم عزله في 26أيلول ليخلفه ابنه محمد. في ذلك الشهر الأخير من عام1945كان الحلفاء الغربيين لستالين في نزاع شديد معه طوال أشهر مابعد النهاية الأوروبية للحرب(8أيار1945)بسبب محاولات سيد الكرملين ترجمة التقدم العسكري للدبابة السوفياتية في شرق ووسط أوروبة إلى شكل نظم سياسية تقودها الأحزاب الشيوعية المحلية في وارسو وبودابست وبراغ . من أجل هذا،ولتعزيز عوامل المساومة،حاول الزعيم السوفياتي امساك أوراق ضغط ،لإجبار الغرب على التسليم والقبول بالوقائع الجديدة في الشرق والوسط الأوروبيين،كان يعرف مدى تأثيرها مادامت تذكِر لندن بصراع استغرق القرن التاسع عشر مع القياصرة الروس للسيطرة على بلاد فارس ومادامت على ذلك القرب من" المياه الدافئة"ومن حقول نفط الشرق الأوسط. منذ يوم3ايلول1945،أسَس قادة شيوعيون أذربيجانيون،كانوا في الفرع المحلي ل(حزب توده)،حزباً جديداً أسموه(الحزب الديموقراطي الأذربيجاني)، ثم ساعدته الوحدات السوفياتية العسكرية المرابطة هناك في تنفيذ انقلابه على المركز في طهران واعلان الانفصال . في مدينة مهاباد ،كان قادة الجمهورية الكردية من القوميين ،الذين أتوا من تنظيمي(جمعية احياء كردستان- الكوميلا)و(الحزب الديمقراطي الكردستاني)الذي تأسس عام1945بايران ،وقد رفض (القاضي محمد)،وقائده العسكري الملا مصطفى البرزاني الآتي من العراق،الضغط السوفياتي لدفع الأكراد للإنضمام إلى إطار جديد مقترح تحت اسم "جمهورية أذربيجان الفارسية الديمقراطية"،يدمج الجمهوريتين الوليدتين. منذ يوم26آذار1946تقررت النهاية المحتومة للجمهوريتين بعد موافقة ستالين على سحب الوحدات السوفياتية من الأراضي الايرانية،إثر مساومات ثلاثية مع واشنطن ولندن ،وهو ماترجم في أوروبة الشرقية والوسطى والبلقان لصالح ستالين،وفي أثينا لغير صالح الشيوعيين في الحرب الأهلية اليونانية،بالتوازي مع دخول قوات الشاه الايراني إلى تبريزفي11كانون أول1946وإلى مهاباد بعد أربعة أيام من ذلك وسحق الجمهوريتين. لم تتكرر تلك المحاولتين الإنفصالية ،في التاريخ اللاحق لاقليم الشرق الأوسط،من حيث قدرة الانفصاليين على تأسيس كيانات سياسية على الأرض لفترة معينة من الزمن،وإنما جرت حركات مسلحة متمردة على المركز حاولت الوصول إلى الإنفصال:كانت حركة(أنيانيا- 1)،التي تأسست في جنوب السودان عام1963،ذات أهداف انفصالية معلنة،وقد تلقت دعماً دولياً من الغرب،ولكن ليس من أوساط حكومية،وإنما من منظمات مثل"مجلس الكنائس العالمي"الذي يضم الكنائس غير الكاثوليكية،ومن إسرائيل،فيمادعمها في المحيط الإقليمي الرئيس موبوتو(تولى السلطة في الكونغو كنشاسا عام1965)والامبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي . لم يكن موبوتو،الذي وجدت حركة انفصالية في بلده بإقليم كاتانغا،أوهيلاسيلاسي ،الذي واجه حلات شبيهة في إريتريا وأوغادين،يريدان أكثر من الضغط على جعفر النميري الذي بدأ حكمه في25أيار1969بالتحالف مع الحزب الشيوعي وبمشاركة ضباط شيوعيي الميول في "مجلس قيادة الثورة"الحاكم . منذ فشل محاولة الإنقلاب الشيوعية على النميري(19-22تموز1971)،أُجبر جوزيف لاغو،قائد(أنيانيا-1)على عقد مفاوضات في العاصمة الإثيوبية مع حكومة الخرطوم،تلقت رعاية غربية وسعودية ومن "مجلس الكنائس العالمي"،انتهت إلى اتفاقية أديس أبابا(آذار1972) التي تخلت فيها(أنيانيا-1) عن مطالبها الانفصالية مكتفية بحكم ذاتي لإقليم موحد يشمل مديريات جنوب السودان الثلاث . مع تمردات الحاميات العسكرية في (أكوبو)عام1974و(واو)في1976كان الطريق ممهداً لتأسيس(أنيانيا-2)في عام1981الذي شهد نقض النميري لإتفاقية أديس أبابا من خلال إعادة تقسيم جنوب السودان لثلاث دوائر من جديد،إثرإكتشاف شركة(شيفرون)للنفط في الجنوب عام1979. كانت(أنيانيا-2)صاحبة نزوع انفصالي معلن ،وعندما اندمجت بعض أقسامها،مع جنود حامية مدينة (بور)المتمردين يوم16أيار1983على الخرطوم،لتأسيس (الحركة الشعبية لتحرير السودان)في 31تموز1983بزعامة العقيد جون غارانغ،فإن هذا قد كان بداية لصراع عنيف في الحركة بين غارانغ،الذي كان منذ يومها صاحب رؤية"السودان الجديد" لكل السودان الذي اعتبره غارانغ"افريقي الهوية" بعد إزاحة"الأقلية العربية الشمالية"،وبين من أتى من(أنيانيا-2)،وهو ماترجم في تصفية غارانغ الجسدية لقائدين من (أنيانيا-2) دخلا في الحركة هما(أكوت أتيم)و(صموئيل غاي توت)في 1984،وهذا شيء لم يتوقف كصراع حتى عندما استوعب غارانغ بقايا(أنيانيا-2)في عام1988،وبالذات عندما قاد (رياك ماشار) انشقاقاً كبيراً ضد غارانغ في عام1991كان انفصالي النزعة وضد توجه"السودان الجديد"الوحدوي الاتجاه عند زعيم الحركة. كان دعم حليف السوفييت الإثيوبي الكولونيل منغستو هيلا مريام لغارانغ في إطار حرب بالوكالة بين موسكو وواشنطن حتى سقوط النميري في يوم6نيسان1985.ثم كان دعم واشنطن للتمرد الجنوبي ضد حكومة الترابي- البشير الاسلامية منذ عام1992ناتجاً عن انشقاق تحالف الغرب مع الحركة الاسلامية العالمية بعد اختفاء العدو السوفياتي المشترك،وقد أتت المظلة الإقليمية لغارانغ،من أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا،كإنعكاس لرغبة الغرب في اسقاط الحكم الاسلامي في الخرطوم،وليس في انشاء خريطة جغرافية جديدة لسودان1956،لم تكن موجودة أيضاً ضمن أجندات العقيد غارانغ الذي كانت عينه على الخرطوم وليس جوبا،وهو شيء على مايبدو قد بدأت موازين الحركة الشعبية في الإختلال بهذا المجال لغير صالح غارانغ منذ عودة جناح ماشار للحركة في الشهر الأول من عام2002،مما جعل الحركة تضغط للمطالبة ب"حق تقرير المصير" للجنوب،لأول مرة في تاريخها،في المفاوضات التي نتج عنها (بروتوكول مشاكوس)يوم20تموز2002مع الحكومة،وهوماكان الطريق إلى(اتفاقية نيفاشا)في9كانون ثاني2005التي حددت خريطة الطريق الإنتقالي إلى استفتاء9كانون ثاني2011حول" تقرير المصير". في يوم تنصيبه نائباً لرئيس الجمهورية في9تموز2005أعلن غارانغ أن "الحركة الشعبية هي حركة قومية لكل السودان،حركة تعمل من أجل السودان الجديد...وأناشد السودانيين للإنضمام للحركة لجعل وحدة بلدنا مصانة وجذَابة.":لقي غارانغ مصرعه بحادث طائرة غامض بعد ثلاثة أسابيع في يوم30تموز،وتولى قيادة الحركة سيلفا كير،يعاونه رياك ماشار وأمين عام للحركة هو باقان أموم،شكلوا ثالوثاً قيادياً اتجه بالحركة الشعبية نحو نزوع انفصالي واضح للجنوب في سنوات2006-2010. لم يكن واضحاً أومعلناً الغطاء الدولي للنزعات الانفصالية للقيادة الجديدة للحركة الشعبية في مرحلة مابعد جون غارانغ،حتى أظهرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ،في خطاب يوم8أيلول2010 أمام مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن،لما قالت أن"الاستفتاء القادم9كانون ثاني2011سيقود إلى انفصال حتمي لجنوب السودان عن الشمال..":منذ ذلك الخطاب ،الملقى في واشنطن، تصرف عمر البشير وسيلفا كير،وكذلك كل المحيط العربي والافريقي،وكأن انفصال الجنوب تحصيل حاصل. في عدن وأربيل لايوجد غطاء دولي لنزعات الإنفصال المعلنة من "الحراك الجنوبي"اليمني،والمبطنة في شمال العراق،وإن أطلت بعض ملامحها مؤخراً عندما أعلن مسعود البرزاني عن التمسك ب"حق تقرير المصير":في اليمن يوجد جدار اقليمي قوي ضد تقسيمه ،كانت أحد ملامحه مؤخراً لماأرسلت الدول الخليجية منتخباتها لكرة القدم لدورة كأس الخليج في عدن،وكذلك دولي لمابان مايحويه اليمن،في حال تشظيه،من قنابل "دولية"عبر"العولقي"و"القاعدة"،مثل أفغانستان11أيلول2001. بالتوازي، ظهر،في عراق ماقبل ومابعد صدام حسين،أن سياسة واشنطن تجاه"اقليم كردستان العراق"لاتختلف كثيراً عن سياسة ستالين تجاه جمهورية مهاباد، وهو ماتزامن مع نشوء جدار اقليمي مطوِق لأربيل،ظهرت ملامحه في مثلث(أنقرة- طهران- دمشق)، ماساهم في تحديد السقوف الكردية.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمشق وبيروت
-
مابعد لشبونة: بداية احتواء روسيا في المنظومة الغربية
-
مأزق نموذج الديموقراطية المصرية المحدودة
-
الهند والولايات المتحدة في مرحلة مابعد الحرب الباردة
-
التوتر اللبناني وعملية التسوية للصراع العربي الاسرائيلي
-
محمد سيد رصاص في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التنمية
...
-
اشكاليات العلمانية في العالم الاسلامي
-
الدولة – الساحة
-
المحتل الفاشل
-
الحراك في بنية النظام الشرق الأوسطي الحديث
-
بيروت وبغداد
-
تفارق المصائر بين جوبا وأربيل
-
واشنطن ومحاولاتها ايجاد تسوية للصراع العربي الاسرائيلي
-
التصنيع الأيديولوجي للعدو
-
الإنقسام الاجتماعي أمام الاحتلال
-
11سبتمبر:الحضور العسكري الأميركي المباشر للمنطقة وتناقص وزن
...
-
المفاوض الفلسطيني
-
هل ستكون أفغانستان فيتنام أميركية ثانية؟...
-
تمظهرات الصراع السياسي-2
-
صعود القوى الإقليمية وحروب منطقة الشرق الأوسط
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|