|
عرفات ودحلان لا يلتزمان حتى النهاية
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 967 - 2004 / 9 / 25 - 10:06
المحور:
القضية الفلسطينية
السلطة الفلسطينية عرفات ودحلان لا يلتزمان حتى النهاية
خرج دحلان من لقائه بعرفات مرتاحا، بعد ان وافق الاخير على مطالبه. فهل صدق دحلان وعود عرفات؟ كلا. ولماذا كانت المصالحة اذن؟ لان انتفاضة دحلان فشلت، وللحفاظ على مكانته لا سبيل امامه سوى التعبير عن الولاء لعرفات؛ ان كل ما حققته انتفاضة الفساد هو تكريس الحكم الاستبدادي لشخص واحد يلعب على التوازنات الداخلية لفرض موقفه على الشعب.
يعقوب بن افرات
نشرت الصحف مؤخرا خبرا مفاده ان ابو علاء استقال مجددا من رئاسة الحكومة الفلسطينية. بهذا يكون قد تجاوز الرقم القياسي العالمي في مجال "الاستقالة مع وقف التنفيذ". وقد وصلت الامور الى درجة ان بعض الوزراء اقترح عليه "ان يدرس الامر جيدا وان يتخذ قرارا يلتزمه حتى النهاية". وعلى هذه الخلفية جاء العنوان في "الحياة" (10 ايلول) بان "مصادر فلسطينية تستبعد تقديم قريع استقالته". التفسير الوحيد لهذا الهرج انه ليس هناك مسؤول فلسطيني مستعد للالتزام بقراراته حتى النهاية، او ان يلتزم بشيء ما. اهم الامثلة على ذلك هو محمد دحلان، العقيد الذي استقال رسميا ولكنه فعليا لم يلزم نفسه باستقالته. ويَبطل العجب اذا تذكرنا ان الهدف الاسمى يبقى دائما وفي كل الاحوال - الحفاظ على النفوذ في السلطة، سواء من داخل الحكومة او من خارجها. كان دحلان وراء المظاهرات العنيفة التي اجتاحت قطاع غزة، ورُفعت فيها شعارات ضد فساد رموز السلطة ومؤيدي ياسر عرفات، وعلى رأسهم غازي الجبالي وموسى عرفات. في تلك الاثناء وجّه دحلان من عمان انتقادات لاذعة لعرفات عبر الصحف، اتهمه فيها بالمسؤولية عن الضحايا الفلسطينيين في الانتفاضة. وبعد ان جر دحلان اذيال الهزيمة في غزة مؤقتا، نفى تصريحه ولم يلتزم بما قاله "حتى النهاية". وماذا عن الفساد الذي ارغى الجميع وازبد حول ضرورة مكافحته؟ أُعيد للرف، حتى اشعار آخر. فقد جاءت العملية الانتحارية في بئر السبع لتذكر كل من اراد التفرغ للوضع الداخلي الفلسطيني، بان الوقت غير مناسب لان لحماس حسابها المفتوح مع اسرائيل. وجاء الرد الاسرائيلي الفتاك والاقتحامات والاغتيالات بالجملة، لتعيد الامور الى سابق عهدها قبل "الانتفاضة ضد الفساد". المفارقة ان من وضع حدا ل"مقاومة" الفساد كان نفسه الذي اشعلها: دحلان. فقد التقى بالرئيس عرفات في رام الله وطرح امامه رؤيته للخروج "من الوضع المأساوي"، بإحداث اصلاحات على المستوى الوزاري وداخل حركة فتح. من اللقاء خرج دحلان مرتاحا، بعد ان اعلمه عرفات بموافقته على مطالبه الرئيسية. ولكن سرعان ما تبين ان عرفات وعد خصوم دحلان وبينهم العقيد جبريل رجوب بالموافقة على مطالب معاكسة تماما. المبرر لهذه الازدواجية التي تعتبر تكتيكا تقليديا لعرفات هو: الحفاظ على وحدة حركة فتح والمصلحة الوطنية العليا، والتي تفترض توحد الحركة وراء الرئيس الذي يبقى دائما خارج دائرة النقد. فهو ليس مسؤولا اعتياديا بل رمزا، والرموز بالطبع لا تخطئ. هل صدق دحلان وعود عرفات؟ كلا. فدحلان يعرف ان عرفات لا يختلف عنه وعن ابو علاء: جميعهم لا يلتزمون للنهاية بما يقولون. ولماذا كانت المصالحة اذن؟ لان انتفاضة دحلان فشلت، والسبب الرئيسي لفشلها انها ادت الى توحد كل خصوم دحلان ضده. ومن المعروف ان فتح متشرذمة، ولكنها تعود جسما واحدا كالعنقاء من الرماد اذا حاول احد العناصر الاستيلاء على القيادة. ومن بامكانه ان يوحد العناصر المتحاربة ضد التهديد، سوى الرمز نفسه؟ الملفت انه لم تكن فتح وحدها التي التفّت حول عرفات، بل سارعت حماس ايضا لمبايعته، الامر الذي عزل دحلان وطوّقه من كل الجهات. وعلى كل حال نتساءل ما هو مغزى الصلحة؟ هل هي مفتاح معين لحل المشكلة الداخلية وكنس العناصر الفاسدة داخل السلطة؟ واضح ان هذا ليس المطروح، فكل ما يريده دحلان هو الحفاظ على مكانته، ولا سبيل لذلك سوى التعبير عن الولاء لعرفات، كما يفعل كل منافسيه على الخلافة. من هنا نستنتج ان كل ما حققته انتفاضة الفساد هو تكريس الوضع المستمر منذ اكثر من 40 عاما، وهو الحكم الاستبدادي لشخص واحد يلعب على التوازنات الداخلية لفرض موقفه على الشعب. ولا يبقى امام دحلان، والحال كهذه، الا انتظار فرصته القادمة.
دحلان مع الخيار الامريكي
ولكن ما الذي يريده دحلان، وما هو خطه السياسي؟ لا بد من الملاحظة ان دحلان يمثل الموقف الذي يصف حال السلطة الفلسطينية بالكارثة، المأساة، الفساد وما شاكلها من المصطلحات التي تحتاج لعلاج جذري لحلها. ولكن من وراء هذا الكلام الذي يصف وضعا حقيقيا، يختبئ الموقف الذي يقول ان اصل المشكلة يكمن في موقف عرفات واعوانه تجاه امريكا. حسب دحلان، ادى اصطدام عرفات مع الامريكان الى اخلاء الساحة السياسية والبيت الابيض لاسرائيل، ترتع فيهما وحدها دون منافس. كما ان إفشال عرفات لابو مازن الذي عين لمنصب رئيس وزراء بترحيب امريكي، ادى باسرائيل الى بناء الجدار الفاصل في الضفة واطلاق خطة الانفصال الاحادي الجانب من قطاع غزة. وفي حين يتمسك دحلان بخيار الاستجابة للارادة الامريكية، كوسيلة للعودة للساحة السياسية، فان عرفات يفضل ان يلعبها بطريقة مختلفة تماما. جبريل رجوب، المقرب من عرفات والمنافس الرئيسي لدحلان، قال انه لا مشكلة حقيقية في السلطة، وان عرفات قائد لا غبار عليه، وان كل المشكلة هي في اسرائيل وامريكا اللتين تمنعان اي اصلاح ديموقراطي واجراء انتخابات حرة، بل تريدان فرض رغبتهما على الفلسطينيين. عرفات اذن يسعى لكسب الوقت الى ان تقتنع الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية بانه ليس بالامكان القفز عنه، لا من خلال ابو مازن ولا من خلال انتفاضة دحلان. وقد نجح في ان يثبت للمرة الالف ان الساحة الفلسطينية تفتقر الى العنصر القادر على توحيد الشعب وفتح وراءه. فقط هو قادر على ذلك. وسؤال اخير لا بد منه! اين كل الليبراليين الذين اعتلوا الموجة وطالبوا عبر الفضائيات بالاصلاح؟ ما الذي حدث لمطلب القيادة الموحدة؟ لقد انحسرت هذه المطالب مرة اخرى لان احدا لا يلتزم بما يقوله للنهاية. لقد كانت هبة الفساد مجرد سيناريو، ينذر بما هو اشد بعد رحيل عرفات. ان اكبر خطأ ارتكبه هذا الرجل هو تأجيج الفرقة الداخلية من اجل الحفاظ على مكانته. اننا نعيش في وضع من الفوضى الداخلية الحادة، والفساد ليس سوى جزء يسير جدا من المشكلة. المصاب الاكبر اننا نفتقد القيادة والبرنامج والمبادئ، ولم يبق في الساحة سوى الصراع على السلطة التي تستخدم لتحقيق مصالح طبقية ضيقة بعيدة عن مصلحة الشعب البسيط.
مجلة الصبّار، ايلول 2004
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفوضى تستبدل الانتفاضة
-
سعر النفط يهز اقتصاد العالم
-
اعادة الانتداب المصري
-
بناء الحزب العمالي مهمتنا الملحّة
-
مغامرة بوش وشارون تعمّق الفوضى
-
شارون يسلط سوط الانسحاب
-
البورصة الامريكية تنتظر الحرب
-
دعم ينطلق لبناء الحزب العمالي - اسرائيل
-
انتفاضة شعبية في بوليفيا
-
دعم يبني اسس- الحزب العمالي
-
واخيرا اعترف بوش بفشله الاقتصادي
-
الازمة الاقتصادية تعكر صفو انتصار الجمهوريين في امريكا
-
امريكا تُدخل العالم لحالة
الحرب الدائمة
-
العالم رهينة لجنون بوش
-
الرأسمالية الامريكية في قفص الاتهام
-
الوضع الامني يفاقم الازمة الاقتصادية
-
الماركسية في عصر العولمة لم تفقد قيمتها الثورية
-
محور عالمي جديد ضد الارهاب العم بوش يحتضن الدب بوتين
-
هدف العدوان: استبدال السلطة الفلسطينية بوصاية دولية
-
فشل الاسلام السياسي .....هكذا اهدروا دماء الجزائر4
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|