|
صديقي الودود انا شيوعي رغم التاريخ
يوسف محسن
الحوار المتمدن-العدد: 3228 - 2010 / 12 / 27 - 11:27
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
اصيب بالغثيان عندما يتحول النقاش بين مجموعة اشخاص الى حقل السخرية، حيث تصبح كل البقرات سوداء في الليل هذا ما يقوله هيغل ، لي صديق ودود وهذه صفة اجتماعية نادرة في العراق الان، مشكلته الوحيدة الصيد في الماء العكر، حيث لا سمك ولا طبقات اجتماعية، لا يبحث عن تفسير لحدث ما او ظاهرة او يحاول اكتشاف ارتباطاتها المستترة، فهو دائم المزاح (عمركم ثمانون سنة ولم تحصلوا على مقعد في قبة البرلمان) من (الافضل ان تغلقوا دكاكينكم الخشبية) وبهذه الكلمات ينادني كلما مررت قربه، صديقي يتصور ان الحزب الشيوعي خارج التاريخ العراقي وفضاءاته المعتمة وهو لا يقبل بالنقاش السليم وانما تهمه النتائج ولا يعرف ان نتائج الانتخابية التشريعية العام 2010 جاءت نتيجة سياقات تاريخية ودينية و مجتمعية واقتصادية وسياسية وفكرية وتطورات على الصعيد الدولي وتغيرات في المزاج السياسي المحلي ، اذن فالمسألة معقدة وليست بهذه البساطة التي يتكلم عنها صديقي، وكل هذا فانا لا احمل الضغينة لهذا الصديق الودود فهو انموذجاً اجتماعياً وماركة مسجلة عراقياً، لا يتغير بسهولة وبعبارة اخرى هو كائن دوغمائي، عالمه لا يتجاوز شلة من الاصدقاء شيوعين وبعثيين متقاعدين ومراهقين يجمعون بين الطقوس الدينية والكبسلة والسوق السوداء وهو العالم السري للطبقة الاجتماعية الرابعة في المجتمع العراقي. الشيوعين العراقيين لا يقلون خبرة في السياسة العراقية ولديهم معرفة بكل تنوعاتها وتركيباتها ولكن بصدق ، لماذا هزم الحزب الشيوعي العراقي في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات التشريعية العام 2010؟ من الممكن ان يجيب على هذا السؤال نخبة الحزب الشيوعي العراقي بعد مراجعة دقيقة لمسار العملية السياسية والعملية الانتخابية ودراسة الفضاء المجتمعي والسياسي العراقي، والتركيبات الطبقية والقوى السياسية الفاعلة، او نجيب عنه نحن الكتاب فهو سؤالنا ايضاً؟ رغم ان هذا السؤال لا يفتقد الى البراءة فنحن كائنات سياسية وصديقي الساخر كائن سياسي، وعمرنا ثمانون سنة ولم نحصل على مقعد في مجلس النواب العراقي!!! وماذا نفعل في مقعد واحد امام............... ولكن سوف احاول الاجابة على سؤال صديقي المعقد بروح حيادية بعيداً عن التحزب. في البداية لايمكن النظر الى هزيمة الحزب الشيوعي العراقي بمعزل عن التبدلات الجوهرية التي حدثت في خارطة السياسة الدولية والتي افرزت نمط جديد من السياسات والمواقف ، فضلا عن ذلك لا يختلف اثنان على ان الشيوعي العراقي ومنذ ظهوره على الساحة السياسية هو مصدر الوطنية العراقية بدون احتكار، هناك الاسلاميين والقوميين والمستقلين ولكن الشيوعي العراقي كمعطف غوغول خرج مئة الاف المفكرين والباحثين والشهداء اخرهم كريم عبدالزهرة وعلي المختار، فضلاً عن ذلك هو مركز الثقافة العراقية الى حد ما ولا يمكن ان يتحدث أي مؤرخ موضوعي وفي أي حقل في تاريخية العراق بدون ذكر الشيوعيين سواء كان ذلك في الاقتصاد او السياسة او الحقل الاجتماعي او الحقل الفكري. ومن خلال هذا الكلام فانا لا امنح الطهرانية الكاملة والاحادية للحزب الشيوعي العراقي او اعمم ذلك بوصفه (المخلص التاريخي) الوحيد والممكن في المسألة العراقية، ان هذا المنطق يؤدي الى الانكار الكلي لجميع التيارات والحركات والاحزاب بدون اخضاع المؤسسة السياسية والايديولوجية للحزب الشيوعي العراقي للتساءل والنقد والتفحص. بعد العام 2003 وظهور الحزب الشيوعي العراقي على المسرح السياسي العراقي وهي تمثل حقبة تاريخية جديدة، جاءه هذا الظهور مرتبطه بالصور الرومانسية للمد اليساري في خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي ، حيث نرى ساحة الاندلس تعج بالشيوخ بعد ان تحولت بناية المؤسسة العسكرية مديرية الاشغال العسكرية (اشغال المنطقة الشرقية) الى مقر للحزب، هذا الظهور جاء بعد ثلاثين سنة من العزلة والركود السياسي بسبب قوة النظام التسلطي في العراق، هذا الغياب التام الذي هشش صلت الحزب بالذاكرة العراقية، فضلاً عن عدم قدرت الشيوعين العراقيين على دراسة التحولات التي طرأت على الوعي المجتمعي للافراد وظهور الاسلام السياسي بكل تنوعاته، الذي استطاع ان يستدرج الوعي الاجتماعي للمجتمع العراقي عبر تنمية الوعي الطائفي مندمجاً بالدولة الريعية، ما ادى ان تصبح مفاهيم الطبقة العاملة والمجتمع الاشتراكي وسيطرة الدولة على الاقتصاد في العراق بالذات مفاهيم عتيقة وكذلك لم يستطع الشيوعي العراقي ان يستنبط برنامج او منطلقات نظرية وفكرية من الواقع المعاش بعيدا عن الاجابات والقوالب الجاهزة رغم ان هذه المسألة مرتبطة بعجز البنى الاجتماعية والسياسية العراقية عن انتاج مرجعيات فكرية، حيث رأينا اسهامه غير الفاعل في بناء مؤسسات الدولة الحديثة ولم يستطع ان يخلق توازن سياسي مع الحركات الاسلامية او الحركات القومية او يخلق اطار وطني يحمل قيم الحداثة والتنوير والعقلانية هذه العوامل جعلت من الحزب مؤسسة فاقدة الهوية وغير فاعلة، فضلاً عن ذلك انهيار التجربة الاشتراكية و ظهور مرجعيات فكرية متعددة، انعكست هذه المرجعيات في احزاب وتجمعات واتحادات شيوعية في العراق (الحزب الشيوعي العمالي العراقي، الحزب الشيوعي العمالي الاشتراكي في العراق، اتحاد الشعب العراقي، رابطة الشيوعيين العراقيين، الحزب الشيوعي العراقي القيادة المركزية، الحزب الشيوعي الكوردي) خلقت تقاطع مع الخط السياسي للحزب الشيوعي العراقي ذو الارث التاريخي والوطني. فضلاً عن ذلك انهيار هذه المرجعية الفكرية ادى الى غياب الرؤية في تحليل الطور الجديد من التوسع الرأسمالي العالمي وانفصال السياسة عن الحاضنة الفكرية (هل يريد الحزب الشيوعي العراقي بناء الاشتراكية في العراق الان ؟ ماهي اهدافه ؟ ماذا تعني الاشتراكية في فلسفة الحزب؟ وكذلك يعاني الحزب الشيوعي العراقي من تناشز حاد بين منظومته المركزية والقيم الديمقراطية فهو يمارس الديمقراطية خارج تأطيرات المؤسسة الحزبية اما داخل المؤسسة فهو اشبة بـ دولة توتاليتارية مصغرة، ولكن ؟ ماذا يمكن ان يفعل الحزب الشيوعي العراقي وِسط بنيات مجتمعية تفتقد للطبقة العاملة والطبقات الاجتماعية الوسطى حاملة التنوير والعقلانية ؟ ماذا يفعل الحزب الشيوعي في مجتمع ممزق النسيج الاجتماعي وتسوده الهويات المسلحة الطائفية والاثنية والقومية ؟ وعدم وجود محركات للاقتصاد العراقي والتنمية البشرية ؟ اقول لصديقي بصدق ، من الصعب ان يستطيع الحزب الشيوعي العراقي ان يلعب دوراً تاريخي الان او في المستقبل كحامل للوعي الوطني، فهو ليس له مكان في الخرائط السياسية العراقية وذلك انه يدافع عن منظومة ( افلة ) في الوعي المجتمعي العراقي وهي (الوطنية العراقية) العابرة للقوميات والاثنيات والطوائف.
#يوسف_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الاسلامي العراقي : الارث التاريخي ، صدام الهويات الاصو
...
-
الاميركيون يسعون دوما الى عسكرة الحلول السياسية في العراق
-
اعادة انتاج الحركات العلمانية مرتبط بتطور الحاضنة الفكرية وا
...
-
احمد القبانجي : الاصلاح الديني معناه ايجاد قراءة بشرية للدين
...
-
الباحث الكردي خالد سليمان : تعميم الفضاء المدني في المجتمع ا
...
-
الايديولوجيا واليوتوبيا كمخيلة ثقافية
-
الثقافة/ الهوية/ الثروة
-
المفكر ميثم الجنابي : في فتح النقاش والجدل بشأن الظاهره الصد
...
-
اعادة انتاج سؤال الديمقراطية العراقية
-
العنف الرمزي جوهر الايديولوجيات الشمولية
-
المفكر ميثم الجنابي : في فتح النقاش والجدل بشأن الظاهره الصد
...
-
المفكر ميثم الجنابي : في فتح النقاش والجدل بشأن الظاهره الصد
...
-
الجسد بوصفة سؤال سلطة المعرفة
-
التس المفاهيم معرفيا ( الاسلام / الحداثة )
-
الهيمنة الذكورية كبنية سوسيو – ثقافية
-
داريوش شايغان: مكر الحداثة
-
آريون وساميون ثنائية العناية الالهية
-
دائرة التخارج اصلاح ديني ام اصلاح سياسي ؟
-
ايقونة اوباما
-
الحركات العلمانية في العراق
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|