|
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 11
غالب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 3226 - 2010 / 12 / 25 - 16:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأيمان في الغربة وطن جزء 3
صوت صارخ في البرية
انا من عشاق التحدي . لم أكن في البدأ قد فكرت في كتابة أكثر من جزء واحد من تأملات الأيمان ولم يكن في حسباني أنها قد تتمدد الى أكثر من جزئين لكن يبدو أنني سأستمر الى ما لا يعلمه ألا الله . لقد اضطرني تيمورعبد الوهاب للكتابة في هذا الموضوع مجدداً وأنني لأخشى الوقوع في شرك المألوف وأنسى التأمل .
الظلام كان في البدء ، هكذا جاء في الناموس وفي سومر من قبل ، ثم كان نورا من بعد فأستحسنه الخالق وسماه نهارا . في زماني الضياء كان أولاً لكنه لم يدم طويلاً حتى باغته الليل كما باغت قايين أخيه هابيل ومن وقتها خيم الظلام ولم يزل.
لو كنت أُريد الشماتة لقلت : ألم يكن صوتي عاليا ؟ ولو كنت ممن يتنبأون لقلت : ألم أكن نبيا ؟ لكنني لست هذا ولا ذاك ، والحمد للذي لا يحمد على مكروه سواه . أقول ان الصمت هنا ربما أكثر دلالة . والواقع أن تيمور لم يفشل فقط في ربط أسلاك الموت بينه وبين أبرياء السويد بل أخطأ التوقيت أيضاً فقد جاء متأخرا عدة سنوات . لكن قبل هذا وأولاً فشل تيمور في مد أواصر التفاهم مع مجتمعه الجديد والذي يسمى تعارفا التكامل أو أن شئتم الأندماج ، بل نجح الى حد ما في خداع هذا المجتمع الذي آواه ورعاه وعلّمه . أنه النموذج الملموس لما أسميته في جزء 2 " مأزق أزدواجية الخطاب " . لم يكن الموت القادم من أعماق الأيمان مفاجأة ، اللهم ألا لأصحاب البيت الطيبين ، فتركهم في رجفة حائرين . أما أصحاب الأيمان فكانوا بالصبر والدعاء يهللون ولتيمور عبد الوهاب أحلى الكلام ينشدون ويمجدون .
اليوم صار الحزن والخوف شامل وتساوى فيه الجميع ، الفقير والغني ، العاقل والجاهل ، القوي والضعيف ، الكبير والصغير ، المؤمن والكافر ، فالتطرف أي كان ليس له عيون يرى فيها النور بل هو في ظلام أبدي دامس . وأذا كان الأيمان قد وحّدهم في المهجر والجنان وما ملكت الأيمان ، فهاهو ذا الخوف والحزن يلفنا جميعاً نحن قليلي الأيمان ، في كل مكان وأوان وحتى ظهور صاحب الزمان .
اليوم من غيرعدل نقف أنا وتيمور في نفس خانة الشك والريبة ، فأنا لا أسير في الطرقات حاملاً لافة نقد التطرف الديني كما كان هو يسير في شارع الملكة (دروتنغ غاتان) خافياً تحت أجنحة خطابه المنمق رسالته الحقيقية للشعب السويدي ، " فأن أولادكم وبناتكم وإخوتكم وأخواتكم سوف يموتون " * قبل أن يسفح دمه فوق دروب ستوكهولم في حلتها البيضاء وكأنها تستقبله في ليلة عرس غير دارية أنه قاصداً دمها وأجسادنا المرتعشة ليس من برد السويد القارس بل مما هو آت بقوة الأيمان . التبرير... موهبة
ليس هناك كما أتصور شعباً أكثر موهبة في التبرير مثل شعوبنا العربية-الأسلامية ولا أرى أنها صفة مكتسبة عندنا بل موروثة عبر 1400 سنة وهي لا تستثني أحد من بركاتها بما فيها كاتب السطور وغيره من النقاد (لا يفيد الأنكار) رغم أن هناك تمايزا من نوع ما بأختلاف الأفراد ومنطلقاتهم ومواهبهم الأخرى . أن مخيلة بعضنا لا تحدها الحدود ولم يسلم منها عالم الغيب أيضاً فها هو السيد مقتدى " يؤكد " أن أنقطاع التيار الكهربائي في الساحل الشرقي لأمريكا كان رسالة تحذير من المهدي عجل الله فرجه لأن القوات الأمريكية أنزلت علماً مهداوياً في مدينة الصدر . وكما ترون فأن موهبة التبرير غالباً ما تقود الى الأبتكار وهو أبداع من نوع ما .
" ما ناقشت جاهلاّ ألا وغلبني " قول مأثور تسعى كل جماعة مذهبية لتنسبه الى نفسها وتصيغ مختلف الحكايات حوله ، لكن هذا ليس مهما بل الأهم انه قول بليغ لشيخ حكيم منذ قديم الزمان حين كانت الحكمة صفة عامة للناس ليس كهذه الأيام . ليس هناك ثقافة في العالم تتداول فيه هذا القول أكثر من ثقافتنا العربية – الأسلامية فالجهل عندنا هو الغالب وموهبة التبرير هي الأداة بالطبع .
ما بعد الأيمان
من قبل قالوا أن التطرف الديني والأسلامي تحديداً سببه الفقر والجهل وأضافوا لها لاحقاً أمريكا والغرب عموماً وسياستهم المعادية للأسلام والعرب . من منظور آخر يعني بانتهاء الحرب الباردة ضعف التركيز في تبرير تخلفنا على " الصراع الأمبريالي " و " الأستعمار الجديد " و " الصراع بين الشيوعية والرأسمالية " وغيرها من العبارات الشائعة والتي كنا نرددها خمس مرات في اليوم . وبدلاً عن ذلك قالوا أن سبب التطرف هو الفقر والجهل الذي خلفه لنا الغرب وهذا التطرف هو تحصيل حاصل ونتيجة لتراكمات هذه السياسات والأنظمة التابعة . بينما يسمي المفكر الأسلامي محمد عمارة أعمال العنف والأرهاب للأفراد أو المنظمات الأسلامية المتطرفة " بالنهضة الأسلامية ".
تفسير التطرف والأرهاب بالفقر والجهل أُستهلك دوره ولم يعد يصلح كشماعة للتبرير بعدما كثرت أعمال أرهابية قام بها أطباء ومهندسون وغيرهم من المتعلمين وممن لا يمكن أتهامهم لا بالفقر و لا بالجهل . التعكز على نظرية المؤامرة أصبح أسطوانة قديمة لم يعد يصدقها حتى مروجيها . والغرب الأستعماري الذي نعيش في أحضانه ومن خيراته ومنتوجاته يثير أتهامه الكثير من المشاكل والتناقضات . طبعاً من نافلة القول أن بعضاً من هذه " التبريرات " والأسباب منفردة أو مجتمعة تلعب دون شك وفي معضم الأحيان دوراً محفزاً للتعبأة أو " التحشيد " وفي المقام الأول نفسياً وفكرياً ، للقيام بردود أفعال عنيفة الطابع تتفاوت درجاتها حسب الأنتماء العقلي والأجتماعي والسياسي لمنفذيها . لكن ذلك لا يجب أن يقود أطلاقاً الى تقبل هذه الأفعال أو " التسامح " معها تحت مظلة هذه أو غيرها من الذرائع . أن هذا تبسيط سخيف .
وكما قلت سابقاً ، وغيري كثير ، فأن جذور العنف و التطرف تمتد عميقاً في ثقافتنا وجزءاً أصيلاً ليس فقط في عاداتنا وتراثنا الفكري بل وفي حاضرنا وتحديداً ممارساتنا اليومية تجاه الآخر " الخصم " لا بل حتى في البيت ، في المدرسة والجامع ولا يسلم منها حتى الأصدقاء . أن العنف والتحريض عليه مزروع في كل مكان وقبل كل شئ في عقولنا ولا أُريدُ أن أُكرر نفسي بالأمثلة من التأريخ والحاضر والتي أوردتها في تأملات سابقة فهي على قدر من يشاء ويحمل ، لكن الطامة الكبرى هي في أنكار هذه الحقيقة التي تفقع الأبصار والأصرار على البحث في أسباب العنف والتطرف بعيداً عنّا ، لدى الغير ، وقسرها لتتماشى مع أهواء أصحابها كما كان الوحي يأتي على هوى صاحبه (حديث عائشة الذي ورد في صحيح البخاري / باب النكاح/5169).
تعددت الأسباب والموت واحد
وهكذا أصبح من الضروري البحث عن سبب تبريري شامل يصلح لكلن المناسبات ولكل مكان ولكل أنسان . هذا السبب قدمه لنا على طبق من ذهب التطور الأجتماعي ذاته وأنتشار الفكر السريع بفعل الأنترنت وتقارب العوالم وأسباب أخرى بما فيها سياسية وأقتصادية . ليس هناك أفضل منه على ألأطلاق وهو " الأساءة للأسلام " . هذا التبرير يتفوق على كل التبريرات الأخرى بأمتياز ماحق لأنه ببساطة شديدة يبدو غاية في الوضوح والأقناع من وجهة نظر أيمانية لكنه غاية في الضبابية من وجهة نظر تأملية . لقد أستخدمت هذه الحجة بفعالية عندما نشرت صحيفة جيلاند بوستن الدنماركية صور كاريكاتورية للنبي محمد ، وكذلك في مقتل المخرج الهولندي ثيو فان كوخ وأخيراً تيمور عبد الوهاب حيث أشار في رسالته الى الرسام السويدي لارش فيلكس . وبالمناسبة كنت قد نشرت مقالاً في صحيفة يتبوري بوستن أنتقدت فيه رسومات لارش فيلكس كأسلوب في أثارة موضوعات للنقاش واعتبرت رسوماته أستفزازاً غير مبرر للمسلمين وأنه مدين للأعتذار منهم لكني لم ولن أطالب بأقامة الحد عليه فالفكر لا يهزم إلا بالفكر ومواجهة الفكر بالعنف أنما هي هزيمة للأخير قبل بدء المنازلة . أن أحد أكثر الأمثلة سطوعاً في أستخدام موهبة التبرير هي موقف الأيمان من الأرهاب . في معركة الجمل قبل أكثر من 1400 سنة كان كلا الطرفين المتحاربين قد أدعى الحق وحمل القرآن دليلاً . واليوم كما الأمس يتبع جهابذة التبرير أسلافهم . فالمؤمنون من المتطرفين ومنتقديهم من المؤمنين دليلهم واحد وحجتهم واحدة : تعدد التفاسير والمفاهيم للقرآن والحديث وسيرة صاحب الدعوة وأصحابه . بمعنى أن كل جماعة وعلى صعيد الأفراد أيضاً كل يقرر معنى للنص أو الحدث وعلى ضوءه تسير وتهتدي أما غيرهم لفي ظلال .
كيف لا أحد يرى أن هذه كذبة وليست حجة ، كذبة من طرف واحد على الأقل أذا تعددت المزاعم ، هذا من جهة . ومن الجانب الآخر فأن هذا التبرير يقلل من أهمية وقدسية النص بل ويسئ أليه . أليس هذا معناه أن النص الألهي " ضعيف " و " مبهم " وأن الخالق يحتاج الى مساعدة المخلوق لتفسير كلامه . هذا سخف . أن تعدد التفاسير والتأويل أنما هي حجة مقلوبة ضد أصحابها بمعنى أنه كلما أزدادت هذه التفاسير وتأويلاتها كلما أزداد الطين بلة .
دمعتان نزلت فوق غبارٍ المكان وَمَضَت تبحثان عن صوتٍ كان وَصَمَت وعن أبتسامة لم تلد من الحاسدين أذا حسد أعوذ أنا ومن الصابرين في العقد --- مثل بركان صوت المعمدان صارخ في البرية لما أنا يا زمان ---
كل عام وأنتم في تأمل جديد
د.غالب محسن
------------------------------------------------------------------------------------------------------------ * من رسالته الصوتية للشعب السويدي
#غالب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 10 /الأيمان في الغربة وطن
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 9 / الأيمان في الغربة وطن
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 8 تبسيط السياسة دون أبتذا
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 7 // الرمز الديني بين مطر
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6 // جزء 2 (2)
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 5 / السياسة بين التأمل وا
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 4
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 3
-
الموقف من التأريخ هو المحك / تأملات 2
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|