|
إدمان أوهام الدولتين.. كحل خائب
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 3225 - 2010 / 12 / 24 - 12:19
المحور:
القضية الفلسطينية
وأخيرا انفضّ "سامر" المفاوضات المباشرة، كما كان قد انفضّ "سامر" المفاوضات غير المباشرة، ومن قبلهما العديد من جولات التفاوض ثنائيا وثلاثيا بحضور المبعوث الأميركي جورج ميتشيل منذ عامين، وحتى بدئه جولة جديدة من "تبادل الأفكار" قبل أيام، وفي أعقاب خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة. وفي كل جولات التفاوض تلك منذ ذلك التاريخ، كان الهم الرئيس للأميركيين ولحكومة الائتلاف اليميني المتطرف بزعامة بنيامين نتانياهو، إيصال الطرف الفلسطيني إلى وضعية الاستسلام الكامل، عبر الاعلان عن "انتهاء الصراع ونهاية المطالب الفلسطينية" من الإسرائيليين، وذلك قبل إبداء أي استعداد من جانب حكومة نتانياهو للوصول إلى تسوية نهائية، هي مشروطة في كل الأحوال، بالاستجابة لمطالب "إجماع صهيوني" محكوم مسبقا وسلفا، لاستفتاء لا يمكنه في مطلق الأحوال، منح ضوء أخضر للائتلاف الحكومي، لمواصلة تنفيذ "اتفاق سلام" مفترض مع الطرف الفلسطيني أو السوري، هذا على افتراض التوصل، أو موافقة أي من الطرفين على شروط تسوية تفاوضية ممكنة.
ومهما تكن طبيعة التسوية التي تريدها ولا تريدها حكومة نتانياهو، فإن ترحيبه بالمقاربة الأميركية الجديدة، القاضية ببحث كامل ملفات الصراع في المنطقة، وصولا إلى "تسوية الرزمة الواحدة" في مواجهة الحديث الفلسطيني عن اتفاق في شأن "الحدود أولا" لا يقدم ولا يؤخر، وإلاّ ما معنى كل تلك المفاوضات المتواصلة منذ ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، وصولا إلى مفاوضات إدارتي جورج بوش الإبن وباراك أوباما، دون الوصول إلى إنجاز أي خطوة في اتجاه "حل الدولتين"، حتى تأتي الآن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتعتبر أن "الدولة الفلسطينية حتمية"، فأين ذهبت "حتمية حل الدولتين" البوشية، وخريطة طريقها التي جرى ويجرى نسفها يوميا. بينما تثبت المفاوضات وكل حراك في اتجاهها، أن "حتمياتها" كانت مضيعة للوقت، وأدعى للتيه عند كل انعطافة في اتجاه البحث عن مسائل التسوية، أو حتى عند البحث عن أدنى شروط تحققاتها العملية، من قبيل إزالة الحواجز والتخفيف منها وإطلاق بعض الأسرى، أو بحث مسألة المياه كمسألة تقنية، قبل وضعها في الإطار السياسي لعملية المفاوضات.
ومهما بدا ويبدو الحديث عن "حتمية" الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية جادا أو غير جاد، خاصة حين يصدر عن رسميين أميركيين، معنيون مباشرة بمسائل التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي، فإن ما لا بد منه توجيه المفاوضات إلى المآل الذي ينبغي أن تفضي إليه، على صعيد الإقرار بضرورة إنشاء الدولة، وتعيين حدود لها، وبحث مسائل هامة كالاستيطان والقدس والمياه واللاجئين؛ بمعنى بحث كامل تشكيلة المسائل التفاوضية المترابطة أصلا، حيث لا يمكن إقامة دولة فلسطينية من دون بحث قضية القدس – الشرقية منها – كعاصمة لتلك الدولة، ومن دون بحث مسائل المياه والأمن واللاجئين، كنهاية مطاف المطالب الفلسطينية التي يريد الطرف الإسرائيلي، مصادقة المفاوض الفلسطيني على كونها نهاية المطالب، إيذانا بانتهاء الصراع. بينما يسعى المفاوض الفلسطيني إلى حلول مختلفة، يعود اللاجئون – بعضهم – بموجبها إلى أرضهم وممتلكاتهم التي طردوا منها ذات يوم من أيام أيار (مايو) عام 1948، وبأن تكون القدس الشرقية التي احتلت عام 1967 عاصمة للدولة العتيدة، قبل أي "حسم" منها بإجراء تغييرات جذرية في ديموغرافيتها، كما يجري حاليا، والقبول ببقاء المستوطنات على أمل إجراء تبادل أراض وسكان في المثلث المحتل عام 1948، مقابل كل ما تريد إسرائيل إحداثه، والاستمرار في استحداثه في أراضي الاحتلال الثاني عام 1967.
هنا تحديدا، يقع المفاوضان الإسرائيلي والفلسطيني في هوة سحيقة من التناقض بين أهدافهما، بحيث لا يبقى هنالك من لغة مشتركة بينهما، يمكنها أن تعينهما على الوصول إلى تلك "الحتمية" القائلة بضرورة إقامة الدولة، وفق ما يرغب ويشتهي الطرف الأميركي، حتى حين يجري استبعاده كليا من صياغة أي حل ممكن أو غير ممكن، طالما أن نتانياهو وائتلافه الحكومي يضعان العصي في دواليب أي توجه أميركي نحو إنجاح المفاوضات، وطالما أن جرافات الاحتلال وقطعان المستوطنين، هم من يرسمون أو يلغون الحدود المفترضة، بين ما يفترض أنها حدود الدولتين؛ الأولى صاغتها وتصوغها الوقائع الاحتلالية كأمر واقع، والثانية تصوغها الاحلام والأوهام ويوتوبيا "حتمية"؛ لا تحتّم غير الاستغراق في الكذب والخداع والمراهنات الخاسرة، وإدمان أوهام الدولتين كحل خائب.
إن انسدادا في أفق التفاوض، يبلور اليوم إظهار قوة الطرف الإسرائيلي، ليس في مواجهة الطرف الفلسطيني فحسب، بل وفي مواجهة "الظهير المساند"، الذي وإن قدّم كامل ما يستطيع من إغراءات الرشوة عبر رزمته الإستراتيجية، فإن ضعفه بدا ويبدو واضحا، ليس تجاه قضية المفاوضات، بل وفي إزاء كامل سلوكه ومنظومة إستراتيجياته الفاشلة؛ أكان في حروبه العسكرية، أو في سلسلة إجراءاته المالية والاقتصادية، الأعجز عن تخطي مأزق تلك الإدارة التي تحاول الاحتفاظ بهيمنة هي أدعى إلى التفكّك، ليس في الداخل الأميركي، كذلك في الخارج الإقليمي والدولي، حيث يُفرض اليوم على الولايات المتحدة أن تدفع "ضريبة عولمتها"، ليس فقط تدفقات مالية تهرّب منها إلى غيرها على امتداد القارات، بل تدفقات معلومات يجري تهريبها إلى الغير؛ سواء بقصد أو بدون قصد. فقد استطاعت تلك التدفقات على اختلافها، أن تحطّ من قوة وقدرة الولايات المتحدة، على أن تواصل هيمنتها الأحادية القطبية، في عالم أصبح أكثر طواعية وخضوعا لهيمنة أساليب أخرى، غير القوة العسكرية أو الاقتصادية، أو كليهما معا، على ما هو حال الدولة العظمى إزاء الوثائق المسرّبة، عبر موقع ويكيليكس وغيره من مواقع صديقة تواصل عملية التسريب، بعد اعتقال جوليان أسانج في بريطانيا.
وفي كل مرة تجري فيها المفاوضات – مباشرة أو غير مباشرة – لا يجري التطرق إلى مسألة التوصل إلى رزمة واحدة، إزاء قضايا المفاوضات الست، بقدر ما كان يجري التركيز على قضية واحدة، كالأمن بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي، والحدود بالنسبة للمفاوض الفلسطيني، وغالبا ما يجري إفشال الوصول إلى نتيجة ما أو إلى مآل نهائي لها، فماذا عدا مما بدا حتى يؤيد نتانياهو إعادة حديث الأميركيين عن "مفاوضات الرزمة الواحدة" في الوقت الضائع، الفاصل ما بين جولة تفاوضية وأخرى، من دون أن يعني ذلك أن هناك جدية كافية وإرادة كاملة، يمكنها من الحلول محل المراوغات والأكاذيب والخدع التي تحيط قضايا التفاوض، حيث تأخذ المماطلة كل وقتها لإضاعة زمن المفاوضات، وإدخالها ثلاجة الجمود مرة أخرى؟.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسياد اقتصاد المضاربة ومطلقاتهم -الإيمانية المقدسة-!
-
تأملات في حداثة -الما قبل- وديمقراطية -الما بعد-!
-
في أدلوجات العودة إلى تقديس الطواطم
-
الخطوة التالية: القدس عاصمة للشعب اليهودي!
-
جنة -السلطة الأبدية-.. جنونها!
-
سيف الوقت ومواعيد -المصالحة- المُرجأة!
-
الدولة الفاشلة وتحديات التفتيت والوحدة
-
دفاعا عن أوطان بهويات متعددة
-
في أولويات التضاد بين التهويد والمفاوضات
-
من نصّب هؤلاء -وكلاء- على دمنا وحياتنا؟
-
قانون الولاء و-أسرلة- الأرض.. من تطبيقات -يهودية الدولة-
-
خطايا تبني سرديات الرواية التوراتية
-
الأصوليات.. وفتن التآويل الأخيرة!
-
يهودية الدولة.. ومهمة طرد -الغزاة الفلسطينيين-!
-
الاستيطان.. عقدة مزمنة لاتفاق مستحيل
-
في التوازن الحضاري ورهان المستقبل التنويري
-
العلمانية.. والخيارات المُرّة
-
بين دلالات الاستفتاء التركي وتقديس الاستبداد
-
الراعي الأميركي وغلبة -الإجماع الصهيوني-!
-
الحزب الشيوعي اللبناني
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|