احمد ضحية
الحوار المتمدن-العدد: 967 - 2004 / 9 / 25 - 10:02
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
.. المتابع لكثير من مواقف المحللين والمثقفين العرب على صفحات الصحافة المصرية والعربية ,من قضية دارفور .يجد هذه المواقف شبيهة بمواقفهم ذاتها من قضية جنوب السودان . فمثلما انساقوا من قبل خلف الخط الدعائى لحكومة الخرطوم ينساقون الان بتركيزهم على ان ما يحدث انما هو من بنات خطط الغرب الصهيونى المتامر ؟!.. وتجدر الاشارة هنا الى ان الخط الدعائى الايديولوجى لحكومة الخرطوم مهموم بحماية الحكومة نفسها اكثر مما هو مهموم بحماية السودان الوطن الواحد ؟!..وفى سبيل ذلك تعمل الحكومة على اللعب بكل الاوراق حتى اكثر تلك الاوراق خطورة ( تسويق الصراع الغرقى الذى يستهدف العرب فى السودان لدول المنطقة العربية )..
ومواقف المثقفين العرب عموما (البعض منهم )عبارة عن اصداء لمواقثف اخرى فى الداخل ( السودان )من قبل العديد من المزعومين الذين انتجهم خطاب الازمة الذى تتبناه الحكومة ..حيث تجىء كتاباتهمبما يشبه صب الزيت فى النار ..ان الحرب( اى حرب ) بالامكان ان تتوقف ولكن توقفها لا يعنى حلول السلام بصورة نهائية وحاسمة ولذلك الحكومات العاقلة فى مثل هذه الظروف تترك طريقا للم الشمل بعد نهاية الحرب ولا تملا كل الطرق بالمتاريس والالغام .. خاصة فى بلاد مثل السودان بمتناقضاته العديدة ..
ربما يقف خلف هذه المواقف العجولة الهشة التى تركز على التامر الغربى وتسوق عربيا للصراع على نحو ما اشرنا , القراءة الزائفة للخارطة السودانية وتجاهل تضاريسها الاجتماعية والثقافية ..
لقراءة ابعاد هذه الازمة دوليا لنعد قليلا الى الوراء :
منذ ابرمت الصفقة الثنائية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبيةى لتحرير السودان (الجنوب :: اتفاق ميشاكوس ) بضغوط اميريكية على الطرفين , تحت رعاية هيئة الايقاد ..
منذها توجست القوى الاقليمية الرئيسية(مصر )من تضمن البروتكول لحق تقرير المصير الذى تعتبره مهددا استراتيجيا لامنها وامن العالم العربى ومقدمة لتجزئة السودان ..
وببروز قوتين مسلحتين فى غرب السودان ( دارفور ) هما : حركة العدالة والمساواة وجيش تحرير السودان -المعارضتين للحكومة فى الخرطوم وتحولهما للاعب اساسى فى صراع اقتسام السلطة والثروة تعاظمت ( ازمة الحرب ) فى السودان من وجهة النظر الدولية ..
فقد خلفت الحرب فى جنوب السودان من قبل 2 مليون قتيل و4 مليون نازح ..
وبانفجار الصراع المسلح فى دارفور , وجدت اميركا وبريطانيا ودول الترويكا , ان عبئا اضافيا يلقى على عاتقها مرة اخرى , بدفع فاتورة المساعدات الانسانية لا كثر من مليون نازح ولاجىء فارين من جحيم الحرب , ومع الضغوط المتزايدة من قبل المجتمعات الغربية على حكوماتها , اصبحت اولوية الضغط الاميركى والغربى عموما , ايقاف هذه الحرب اللعينة حتى لا تتكرر ماساة جنوب السودان الى جانب ان الضمير العالمى لا يزال مروعا من ماساة رواندا , ويخشى تكرارها فى دارفور ...
ولا يعنى هذا بالطبع ان التدخل الدولى فى دارفور اذا ما اثبتت لجنة التحقيق الخاصة بالامم الامم المتحدة ان هناك ابادة جماعية وفقا لقرار مجلس الامن الاخير (1564) تحكمه اهداف نبيلة محضة ..
بل ينطوى ( فيما يتعلق بالشق الاميركى )فى وجهه الاخر على حلم الهيمنه الاميركى الموازى لاحلام فرنسا الكولونيالية والمانيا كذلك .. فدارفور تقع فى تخوم السودان الفرنسى , حيث المصالح الفرنسية الحيوية والاطماع الفرانكفونية (تم ضم غرب دارفور الى السودان بحدوده القانونية الحالية , باتفاقية الحدود بين بريطانيا وفرنسا فى 1919) التى قطعا لن تدع فرنسا متفرجة وهى تستشعر اقتراب الخطر الاميركى- الذى قطع شوطا فى وراثة مستعمرات اوروبا ؟- من تخومها فى السودان الغربى ( السودان الفرنسى ) خاصة ان اميركا لتاكيد ذاتها كقوة ضاربة ظلت تهدد مراكز النفوذ الاوروبى باستمرار فى المستعمرات القديمة كما اشرنا ..
الى جانب ان دارفور ظلت حلما عزيزا على المانيا , الى مستهل ثمانينيات القرن الماضى ابان حكم الزعيم احمد ابراهيم دريج على عهد النظام المايوى البائد , فى اطار مزاحمة المانيا لفرنسا واميركا ...
وبتواتر الانباء عن احتياطات النفط الضخمة , ومعدن اليورانيوم النادر والعناصر المعدنية الاخرى فى دارفور , صعدت قضية دارفور بسرعة الصاروخ الى سطح المشهد السياسى الانسانى و العالمى , واصبح الجنجويد اشهر من كوفى عنان ؟؟؟...
فهذا الاحتياطى من الثروات المعدنية , يكفى لاسالة لعاب الغرب , وقبل كل ذلك لعاب البارون الاميركى ( الذى اعاد صياغة عقود النفط فى جنوب السودان لاجل مشاركة الشركات الاميريكية )..
وجدير بالذكر هنا ان مستشارة الامن القومى الاميركى كونداليزا رايس كانت ضمن اعضاء شركة شيفرون التى كانت تمتلك امتياز التنقيب عن النفط فى السودان ؟؟
وقد شاع لاكثر من عقدين عقود من الزمان ان اميركا تعمل على تاجيل استخراج نفط السودان وفقا لاستراتجياتها وفى اطار ذلك تم اتهام شركة شيفرون بالتامر على عدم استخراج بترول السودان بالاتفاق مع اطراف عربية ( المفارقة العرقية العربية انها تهتم اليوم بعدم فرض عقوبات نفطية على السودان على اساس ان الوجود العربى كما زعمت الحكومة مهدد فى السودان جسر العرب الى افريقيا؟؟؟ )...
ومثلما بسط بارونات النفط الاميركان ( بوش الابن , ديكاتشى , كونداليزا رايس ..)نفوذهم على بترول الجنوب الى حد ما يتطلعون الان على بسط نفوذهم على بترول وثروات دارفور وربما كردفان كلها لاحقا بعد ان تم شبه حسم لقضية جبال النوبة ..
وفيما يتعلق بدارفور نجد ان النفط واليورانيوم هما العاملين بالغى الاثر فى تقرير التدخل الاميركى والاوروبى . كما ان عددا من الاعتبارات الاستراتيجية الاميريكية مثل الارهاب وضغط الناخبين خاصة الناخب الاسود هى ما املت استصدار القرار 1556 والقرار 1564 وكل القرارات التى ستلى ذلك . فالقرار الاول الذى استصدر من مجلس الامن لادانة السودان وامهاله ثلاثين يوما للسيطرة على الوضع الانسانى المتردى فى دارفور وتقديم مسئولين عن هذه الازمة الانسانية الفادحة الى العدالة والا واجه (عقوبات ) منها احتمال التدخل الدولى العسكرى ثم تاكيد هذا القرار بالقرار الاخير الاسبوع الماضى الذى اشار الى عقوبات نفطية ونص على تكوين الامم المتحد للجنة تحقيق ..
من الجهة الاخرى كما ذكرنا تعانى الحكومة الاميريكية من ضغوط متزايدة من قبل نا خبيها الذين يرون ضرورة التدخل السريع لوقف الفظائع فى دارفور ..
ما يؤكد ان انتهاك سيادة الدول لا يتم من خارجها بل من داخلها بانتهاكها لسيادتها بنفسها بعدم احترامها لحقوق الانسان والديموقراطية وعدم تحملها لمسئولياتها تجاه مواطنيها ووحدة وطنها وتاكيدها على المواطنة دون تمييز عرقى او ثقافى اودينى او اجتماعى . وبالطبع حكومة السودان هى مبدعة فى مجال انتهاكات حقوق الانسان وعدم احترام الاخرين الى درجة التامر على قتل الرؤساء والتخطيط لانقلابات قصر زائفة , الخ الخ الخ ...حكومة مثل هذه اعتادت على المكر والمناورة والاكاذيب ما الذى يمكن ان نتوقعه منها سوى اعطاء المجتمع الدولى كل المبررات الكافية لتدخله العسكرى ؟؟...
ما ارتكبته الحكومة فى دارفور من فظائع يكفى لتحويل الحكومات الغربية الى حكومات تعانى ضغوط عظيمة من مواطنيها بدوافعهم الانسانية المحضة ...
ولا شك ان هذه الدوافع الانسانية ( الرغبة فى وقف الفظائع )يعاد انتاجها فى عقول الساسة الغربيين بحيث تنطوى على اهداف اخرى غير نزيهة ! مثل السيطرة على مصادر الثروات ..
وبفتح الحكومة السودانية الباب للتدخل الدولى بممارساتها المضادة لكل القوانين والاعراف الانسانية الدولية وغير الدولية , باشعالها لحرب ماساوية فظيعة فى دارفور . ما اتاح الفرصة لاميركا للدخول بكل ثقلها .
واستجابة للرغبة المتعاظمة لايقاف الحرب فى دارفور ضغطت اميركا لدفع الاطراف المتقاتله للتفاوض , كما ضغطت على الحكومة لحل ربائبها الجنجويد والتوصل الى حل شبيه بما تم فى نيفاشا ..
بينما دخلت الامم المتحدة من باب المساعدات الانسانية , ويبدو المجتمع الدولى متحركا فى حل الازمة بعد فشل الاطراف السودانية فى وقف القتال والانتهاكات تجاه المدنيين ومواجهة اللاجئين لظروف حياة قاسية , حركت ضمير العالم . وبعد فشل الاطراف الاقليمية التى اهمها تشاد فى ايصال الاطراف المتقاتلة الى اتفاق تدخلت الادارة الاميريكية املا فى تقديم هذا الجهد كنجاح عالمى يحسب لها فى الانتخابات مقابل الفشل فى العراق ..
ولم تتورع الحكومة الارهابية فى الخرطوم من توجيه عبارات تنطوى على التهديد للامم المتحدة بشكل ما , فاكتفت الاخيرة بالمساعدات الانسانية والتحقيق حتى الان , فهى قد فشلت منذ البداية فى تقديم حل ناجع للازمة تلتزم به كل الاطراف لعدم تعاون الحكومة السودانية ولحرصها على ربائبها الجنجويد ؟!..ونتيجة للمراوغات والمناورة والمكر (ولعب التلات ورقات ) الذى برعت فيه فهى - الحكومة السودانية - ذات سجل قذر عريض فى التامر والانتهاكات ..
الامر الذى انعكس على الخطاب الرسمى الذى تنقل بين الزعم بان ( ازمة دارفور) قضية داخلية تارة والعمل على ( افرقتها ) و(تعريبها ) وتدويلها تارة اخرى !..
الامر الذى ادى الى ارتباك الخطاب الرسمى للحكومة وجعل سلوكها السياسى مزعورا وعدوانيا خاصة ان امر التصريحات المتعلقة بجوانب حساسة للازمة ترك لاغبياء مثل والى شمالى دارفور ( تور الله فى برسيمه )..
هذا الزعر والعدوانية انتج ضمن ما انتج اتهامات صريحة لاريتريا واميركا وربيبتها الصهيونية والحركة الشعبية , بانهم هم من صنعوا الازمة ..
الى جانب الصمت عن ليبيا الذى ينطوى على اتهام مضمر ؟!..
وكل ذلك لا يجدى ازاء التدهور المتسارع للوضع الانسانى فى دارفور وتعاظم الانتهاكات من قبل الحكومة وحلفائها من الجنجويد ..
فقد اختارت الحكومة منذ البداية التعامل مع دارفور امنيا عبر الجنجويد . باعتبار ان ذلك انسب لها كما قدرت , ولم تتوقع على ما يبدو ان هذا الاختيار الغريب سيفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولى العسكرى ..
ان الاطماع الغربية غير مستبعدة كما اشرنا من قبل وكذلك اقحام اسرائيل لانفها ( وهوطبيعى فالحكومة السودانية لطالما اقحمت انفها فى شئون اسرائيلية صرفة ) وكذلك اريتريالتى تضررت كثيرا من محاولات الاختراق الاسلانمى العقائدى لحكومة الخرطوم لاراضيها وحكومتها .. مع ذلك تظل هناك حقيقة اساسية ومهمة : ان التدخل الاجنبى او تامر الاخرين لا يكون دون مبررات ..
وفى حالة مثل دارفور يكثر الطامعون ( الثروة والموقع القارى ).. وقد اعطت الحكومة لتامر الجيران المبررات ولاطماع اميركا الفرص .. والكل الان يحاول الاستفادة من هذه الازمة لحسابه الخاص ؟؟!!..بسبب الممارسات غير المسئولة والتى لا يمكن تبريرها اخلاقيا , اعطت الحكومة السودانية كل هؤلاء واولئك الفرصة للحصول على نصيب من ثروات السودان واشلاؤه المرتقبة ( كما يحلم بعض الاشقاء ).. خاصة ان الجوار الاقليمى مشحون بالانفجارات السكانية والازمات الاقتصادية الخانقة واحتمالات مشاكل الغذاء والمياه ..
على ذلك فان التخبط الناتج من الرؤى الرومانسية للواقع السودانى والذهول عن معطياته التاريخية ليس بديلا لحقيقة الوضع فالسودان لا ينبغى ان يكون كما يريد البعض او كما تسوق له قوى السودان القديم التى تتخيله كما تريد(سودان جديد شكليا قديم فى جوهره )انطلاقا من مفاهيمها الانغلاقية الذاتية .
لذا اتصور انه فى هذا الظرف الدقيق على قوى السودان الجديد ان تتوحد وتركز ( الى جانب مهامها فى بناء الافكار )على برامج التنمية والخدمات بل وان تلعب دورا شبيها بتلك الادوار التى تلعبها المنظمات الطوعية الاجنبية فى مجالات الاغاثة والتعليم والصحة الخ .. فى ذلك يمكن الاستفادة من دعم المهاجرين والمغتربين ..حتى لا يترك المسرح خاليا لانفراد المنظمات الطوعية الاجنبية وحدها ..
#احمد_ضحية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟