سعيد أبو سامي
الحوار المتمدن-العدد: 3225 - 2010 / 12 / 24 - 03:29
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
عرفت العلاقات المغربية الجزائرية منذ أمد بعيد، نوعا من الاستقرار والتآخي والتضامن والتحاب، وهذا الأمر كان معروفا، وليس غريبا على الشعبين الشقيقين، فهو نابع من رابطة الإسلام والعقيدة التي كانت ولا زالت فوق كل اعتبار سياسي أو عرقي أو جغرافي… ولذلك فقد كانت العلاقة الأخوية بين البلدين تصل أوج عطاءها خصوصا في حال وقوع النكبات، والأزمات بأحد البلدين؛ حيث يسارع البلد المجاور لتخيف المصاب، وتضميد الآلام، وتقديم يد المساعدة دون سابق شرط أو اتفاق، وإنما هو الواجب الديني، والشعور الأخوي.
وهذا الشعور التضامني والأخوي بين البلدين، كان عاما وشاملا لكل طبقات المجتمع، سواء كانوا حكاما أومحكومين، ومن خلال هذا المقال، سوف أعرض صورة من صور ذلك التضامن والتواخي بين البلدين الشقيقين وذلك في فترة من فترات التاريخ المعاصر.
إن أكبر أزمة حلت بالشعب الجزائري الشقيق، هي دخوله تحت نير الاستعمار الفرنسي لوقت مبكر، وذلك سنة1830م، حيث أذاق هذا الأخير إخواننا الجزائريين، ألون وأشكالا من العسف والقهر والإذلال والتنكيل، فكان لا ملجأ ولا مهرب لهذا الشعب الأعزل -بعد الله تعالى- إلا الالتجاء إلى إخوانه المرابطين على الثغور المغربية بتطوان.
فكيف تعمل الشعب المغربي مع إخوانهم الجزائريين؟؟؟ وما موقف القيادة المغربية من الاستعمار الفرنسي لأرض الجزائر؟؟؟
هذا ما سنعرفه من خلال عرض مجموعة مت الوثائق التي تهتم بالأحداث السياسية التي عصفت بالشمال الإفريقي في القرن التاسع عشر، ومنها النكبات التي تعرضت لها الجزائر منذ أن وقعت فريسة بين أيدي الفرنسيين، حيث تتحدثت هذه الوثائق عن جموع المجاهدين الجزائريين التي تدفقت على تطوان، وكيف تعامل المغاربة معها؟؟؟
والآن إلى الموقف المغربي من نكبة إخوانهم الجزائريين:
على المستوى القيادي:
فقد كانت قيادة المغرب المتمثلة –آنذاك- في شخص "المولى عبد الرحمان" قيادة واعية، تنطلق من الإيمان العارم بالمسؤولية الملقاة على المسلم تجاه أمته، ولذلك فقد وجه "المولى عبد الرحمان" رسالة إلى القائد "محمد إشعاش"، يخاطبه فيها بوجوب إكرام إخوانه الجزائريين، ومواساتهم والإحسان إليهم، والشد من أزرهم، وهذا نص الرسالة:" فكل من ورد منهم قابله بالبشاشة والقبول، واجبر خواطرهم بالإكرام ولين الجانب، فإن جبر القلوب واجب وأحرى لإخواننا المسلمين الذين قهرهم العدو واستولى على أملاكهم وبلادهم وفروا بدينهم" (تاريخ تطوان ج 8، ص:198)
وفي موضع آخر يقول "السلطان عبد الرحمان بن هشام": "إن أهل الجزائر ناس غرباء أخرجهم العدو الكافر من أرضهم ووطنهم، والتجأوا لإيالتنا، واستظلوا بظل عنايتنا، فينبغي لنا أن نؤنس وحشتهم، ونعاملهم بما ينسيهم غربتهم، لأنهم إخواننا في الدين" تاريخ تطوان ج 8، ص:314).
فهذه النصوص غنية عن أي تعلق فهي إن دلت فإنما تدل على الشعور الديني الذي كان يطبع علاقة البلدين الشقيقين في تلك الفترة من التاريخ على المستوى القيادي والسياسي.
أما على المستوى الشعبي: فإن المغربة على اختلاف طبقاتهم كانوا مع الشعب الجزائري في كل محنة تعرض لها، كانوا معه بكل كيانهم، ولم يتركوا وجها من أوجه التضامن والمساعدة إلا بدلوه لإخوانهم في الدين والملة؛ فقد بدلو المال والمهج من أجل نصرة إخوانهم، ومواساتهم في محنتهم، ومما يدل على فكرة التضامن هذه، ما قام به المغاربة من أشكال التعبير لإثارة الرأي العام ضد فرنسا، وهذا ما يخبرنا به القنصل الفرنسي بتطوان في رسالة، يوم 10 يوليوز1895م إلى القائم بالأعمال الفرنسية بطنجة، يقول له فيها: "أن الشارع التطواني يردد نشيدا أثار حفيظته، واعتبره تعبئة سياسية ضد دولته".
وفيما يلي هذا النشيد المغمور الذي عثر عليه "الدكتور عبد العزيز خلوق التمسماني"، في محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية:
يا لفرنسيس آجي انقول لك
اخرج من تونس خير لك
هذا تركي متحزم لك
ويضربك بالدفونية
يا سلام يا سلام على البادوية
يا رايس عشق البلد بلية
سيد الباي قاعد متكي
ويهدر بالفرنساوية
يايمي عطيني نتعشى
ما بين المغرب والعشة
الفرنسيس دخل بالعسة
ويهدر بالعجمية
يا سلام يا سلام على البادوية
يا رايس عشق البلد بلية
يا لالة اعيني خروبة
نشري حبة نشوبة
الفرنسيس دخل بالنوبة
بالعسكر والجادرمية
يا سلام يا سلام على البادوية
يا رايس عشق البلد بلية
يا يمي عطيني اثمين
باش نشري طرف جبن
الفرنسيس طلع للجبل
بالمدفع والطبجية
يا سلام يا سلام على البادوية
يا رايس عشق البلد بلية
قالت بنت الباي يا ناري
الفرنسيس دخل داري
وأنا حملة في شهري
وبالخلعة رميت صبية
يا سلام يا سلام على البادوية
يا رايس عشق البلد بلية
قالت مرة الباي يا شومي
ولدي رجع رومي
متحزم بحزم السومي
ويقجم بالفرنساوية
ثم يقول الدكتور:
من خلال قراءة هذا النشيد، نتبين أنه ينادي بالكفاح ضد فرنسا، ويدعوها إلى الانسحاب من القطر التونسي لتترك أمره لأهله، كذلك يناشد التونسيين أن يكونوا رجالا وألا يذعنوا للحماية الفرنسية. فهذا النشيد دعوة إلى الثورة وتحريض ضد سلطات الاحتلال، إنه يتأجج نارا: يذكي بكلماته الحماسية، وجدان رجل الشارع، ويثير إحساسه، لقد حمل على فرنسا، ووقف ضد سياستها التوسعية، فتميز بلهجة ساخرة ونقده القاسي للاستعمار، إنه يخاطب الناس باللغة الشعبية البسيطة… إنه يجسد الإدارة الجماعية ويعكس إيمانها القوي بالوطن. أنظر: "دراسات في تاريخ شمال المغرب المعاصر"
عبد العزيز خلوق التمسماني.
هذه الصور المشرقة من صور العلاقات المغربية الجزائرية، إن دلت فإنما تدل على الشعور الأخوي المرهف بالمحبة والتعاون والتضامن، الذي كان يجمع بين الشعبين ولا زال يجمع بينهما، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فإلى عقلاء الشعبين، أقول: إياكم ونشر البغض والكراهية والبغضاء بينكم، فهذا هو ما يرده أعدائكم قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }المائدة91 وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10
فــــهــــل من مسـتجيــــــب.
مرجع هذه المادة كتاب: دراسات في تاريخ شمال المغرب المعاصر للدكتور عبد العزيز خلوق التمسماني،الطبعة الأولى:1996م مطبعة النجاح –الدار البيضاء
وكتبه سعيد أبو سامي ليلة 17محرم لسنة1432هـ الموافق 23/12/2010م
#سعيد_أبو_سامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟