|
الانفصال لاحتياجات الالتصاق
شموئيل أمير
الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 12:48
المحور:
القضية الفلسطينية
ان مظاهرة المستوطنين الجماهيرية وتصريحاتهم المنفلتة ضد شارون، تخلق الانطباع وكأن الخلاف هو بين اليمين المتطرف وبين شارون رجل السلام، انها صورة مشوهة كليا، ان النضال هو بين طرفي اليمين، طرف واحد ملتصق بكل قواه بكل قطعة ارض مسروقة وبينما الطرف الثاني مستعد تحت ضغط المعارضة الفلسطينية والضغط الدولي، لتحسين الخطوط، لا يمكن الشك بشارون الذي تنازل عن طبيعته الاستعمارية الكولونيالية، انما هو والقيادة الاسرائيلية يعانيان من ازمة صعبة، من جهة هما ليسا على استعداد للتنازل عن أي "انجاز اقليمي"، أي احتلال حزيران عام (1967)، ومن جهة اخرى يفهمان انه يجب الانسحاب الى الخطوط الجديدة، مع امل ضعيف انه مع مرور الوقت يمكن العودة والحلم بأرض اسرائيل الكاملة والوضع يشبه الى حد ما الوضع الذي كان فيه دفيد بن غوريون بعد مؤتمر بيل، عندما وافق على برنامج التقسيم منذ عام (1947)، من خلال الأمل ان يجيء الوقت ويمكن فيه توسيع حدود الدولة كما كتب بعد ذلك لابنه عاموس.
وعلى مدى أشهر طويلة، وضع شارون مع النخبة السياسية والعسكرية، برنامجًا في نظرهم هو الأقل سوءا وعنوانه يمكن ان يكون: انفصال والتصاق في آن واحد وموسم واحد. والبرنامج بسيط جدا وهو الخروج من قطاع غزة وفي الوقت ذاته تقوية التمسك بالضفة الغربية والقطاع بعد الانسحاب اذا نفذ، سيكون محاطا بسور عال وتكون اسرائيل متسلطة جويا من الأعلى وفي البحر من الغرب وكل دخول وخروج الى ومن القطاع، يكونان بموافقة اسرائيلية. ان قطاع غزة بعد الانفصال يكون تحت تهديد دائم ومجموعة عقوبات من القوات الاسرائيلية وسيبذل الحكم الاسرائيلي الجهود لايجاد متعاونين سياسيين لتنفيذ ما يريد مستغلا الفوضى التي قد تنشأ. وفي الصحافة الاسرائيلية ذكروا اسم دحلان وغيره للقيام بهذه المهمة، وستحاول اسرائيل ايضًا تجنيد مساعدة مصرية لتنفيذ هذا البرنامج وتحكّم من هذا النوع هو النموذج الذي وضعته نصب عينيها حكومة اسرائيل في الضفة الغربية كلها او في اجزاء ستخصص "للاستقلال".
مع اخلاء غزة – ويجب دائما التأكيد اذا جرى ذلك – سيعمل شارون والجيش كل شيء من اجل تقوية وترسيخ التمسك بالضفة الغربية، وقد نشر هذه الايام ان البناء في المستوطنات مستمر بكل قوة وهكذا صُدق على بناء (1500) دار جديدة وتبذل الجهود لازاحة الجدار ولاكثر ما يمكن في داخل الضفة وبالاضافة ستبذل الجهود للحجز وللتفريق بين مستوطنات وقطع أرض في الضفة الغربية ومن الضفة الى قطاع غزة، وستبذل الجهود اكثر وتمارس الضغوط اكثر للاثقال على السكان لكي يتركوا الارض ويهاجروا. وكل التجارب التي تجمعت من خلال التسلط الكولونيالي على مدى (37) سنة من الاحتلال ستستغل من اجل مرمرة حياة المواطنين الفلسطينيين واجبار على الاقل العديد منهم لترك وطنهم والهجرة منه وكل هذا ليس سرا، وفي الايام الماضية توجه الوزير ايهود اولمرت ومن على شاشة التلفزيون الى المستوطنين وشرح لهم ان برنامج الانفصال هو لصالحهم، فسيجري اخلاء عدة آلاف من المستوطنين من غزة وشمال الضفة ولكن بالمقابل سنقوي تمسكنا بالضفة الغربية!! وبذلك لا يمكن الشك بشارون الذي تنازل عن صبغته الكولونيالية العدوانية. والكولونيالي العاري والقديم فقط يلائم برامجه للظروف المتغيرة. وعلى الرغم من كل ذلك قوبل برنامج شارون بفرح كبير: "تغيير تاريخي" أطلقوا على ذلك، و"انقلاب في المفاهيم"، لشارون، وهكذا، ورجال "العمل" يتوجهون الى شارون بلهفة لاقامة ائتلاف، وهكذا يمكن ان يشكل برنامج الانفصال قاعدة لوحدة جديدة بين اليسار واليمين المعتدل، وبانعدام شريك، هكذا يفسرون لا يوجد مع من نصنع السلام. وعندما يقوم ائتلاف بين العمل والليكود، وثانية كما في ايام براك سيكون لنا قائد الجميع، والفرق انه بدلا من براك سيكون شارون، وكيف يمكن قبول ان شارون رجل اليمين المتطرف والمذابح تحول الى رجل سلام في اسرائيل هذه الأيام؟ يجري ومنذ أشهر حوار في الاعلام الاسرائيلي حول لماذا غير شارون أفكاره وفورا يقدمون مثلا عن ديغول وهناك رأي صبياني وكأن القائد يغير فكره فقط حسب رغبته الحرة، وفي الواقع تقرر الضغوط والاضطرارات، وديغول على سبيل المثال وصل الى الحكم، تحت شعار: "الجزائر فرنسية"، لكن نضال الشعب الجزائري من اجل الاستقلال هو الذي أجبر ديغول للتوصل الى تذويت الحقيقة ان استمرار الاحتلال للجزائر هو عديم الأمل ويستنزف فرنسا. وكذلك دفيد بن غوريون، "تنازل" عن "مملكة اسرائيل الثالثة"، في نهاية حرب سيناء وفقط تحت ضغط امريكي سوفييتي، ولا أزال اذكر كيف أعلن بن غوريون وبصوت مخنوق عبر الاذاعة لمواطني اسرائيل المذهولين، عن الانسحاب من سيناء. من سيناء انسحبنا ثانية بعد حرب يوم الغفران تحت ضغط امريكي، ومن لبنان تحت ضغط حزب الله، وباختصار، تعرف اسرائيل فقط لغة القوة، لكن المقارنة مع ديغول ليست صحيحة، فمن ناحية اخرى، فقد قرر ديغول وبكل جرأة وخلافا لمعارضة اولئك الذين اوصلوه الى الحكم التنازل والتخلي عن كل الجزائر وارجاع مليون فرنسي عاشوا لاكثر من مئة سنة في الجزائر الى فرنسا. وشارون يتحدث عن قطاع غزة فقط، وعدد من المستوطنات في شمال الضفة وليس عن انسحاب من الضفة الغربية كلها واخلاء كل المستوطنين. وحتى الانسحاب من غزة، هو تحت ضغط، لكن هذا هو احد الأسرار التي لأول وهلة لا يمكن الكشف عنها لأننا "لا نخنع للإرهاب"، و"ان الفلسطينيين لن يحصلوا منا على أي شيء بلغة القوة" لذلك قبل الانسحاب تنفذ حملة قمع يومية وكبيرة، وقتل أناس مسلحين وغير مسلحين ونشيطين وغير نشيطين وكما يبدو ان ذلك لا يكفي، لذلك تقرر مؤخرًا زيادة الارهاب العسكري وذلك من خلال القصف الجوي لفلسطينيين بعد ان يقرر الجيش ان هؤلاء من "حماس" وكل ذلك من اجل إقناع الجمهور الاسرائيلي، اننا لا ننسحب تحت ضغوط. ولكن، لا مفر أمام قياداتنا من الاعتراف بذلك انها تضطر لاقناع الجمهور المعرض لحملة ضغط اعلامية من المستوطنين والصحافة تساعد بكل قوتها، وقد كتب يوئيل ماركوس في هآرتس في (24/8/2004) وبعد زيارته لمزرعة "هشكميم" عن أفكار شارون: "اذا لم يكن انفصال من غزة بدعم دولي فماذا اذن؟ أيريدون فترة سنتين اضافية من الانتفاضة؟ ومرة اخرى حرمان دولي؟ وامريكا ستكون ضدنا، وأموال الضمانات التي ستقلص وتدهور في الوضع الاقتصادي"، وان ماركوس الذي يعرف نفسه وباعتزاز انه كان له الحق والفرصة لسماع ولأول مرة من فم شارون عن خطته قبل أربعة اشهر كتب في (8/6/2004)، انه عند شارون: "يدور الحديث عن انقلاب فكري نتيجته انه لا فائدة من مواصلة الاحتلال وبالقوة لا يمكن القضاء على الارهاب وفي النهاية ستضطر اسرائيل الى قبول حل مفروض ومؤلم تخسر فيه كل شيء". وعن وضع اسرائيل كتب ماركوس في (16/7/2004) ما يلي: "لقد تحولت اسرائيل الى هدف للشجب الدولي وللعزلة الدولية، وبكل المواضيع وبكل اللغات توصف كدولة ابرتهايد، كدولة تدوس على حقوق الانسان، تقتل الاولاد والمسنين والمعوقين، وفي الوقت الذي يتواصل فيه التهديد الديموغرافي، توقفت تقريبًا الهجرة الى اسرائيل، ويهود يعيشون في أوضاع صعبة في جنوب افريقيا وفي الارجنتين، فضلوا عدم الهجرة الى اسرائيل، وكذلك الهجرة من روسيا تقريبًا توقفت، ويهاجرون الى اوروبا وامريكا، وهل يجب ان نخسر تلك الهجرة من اجل حفنة من المستوطنين"؟ ليس غريبا ان شارون قال في اللطرون قبل عدة أيام انه تتبلور جبهة دولية لعزلنا وهناك تخوفات من ان أصدقاء لنا ينضمون اليها. هذه الأقوال تذكر من أجل ان نتذكر ان خطة الانفصال جاءت تحت ضغط نابع اولا وقبل كل شيء من المقاومة الفلسطينية وبدون تلك المقاومة لم تنوجد العزلة الدولية التي تحدث عنها شارون. ولا الضغط الدبلوماسي والجماهيري على صعيد عالمي، وما العمل، ففي عالمنا، فإن الاستقلال القومي مرتبط اولا وقبل كل شيء بنضال الشعب نفسه. حتى الانتفاضة الاولى في عام (1987)، كان العالم لا مباليا بالنسبة للاحتلال، وكذلك بالنسبة للحكم في اسرائيل، والاحتلال كان يمكن ان يستمر بصمت سنين طويلة لولا الانتفاضة، لذلك فمن الغرابة الكشف انه في اوقات بالذات في اليسار يستهترون، بالنضال الفلسطيني، ونحن نسمع من هذا الاتجاه نصائح ان الشعب الفلسطيني يجب ان يتوقف عن ممارسة العنف وان يتركز في نضال غير عنيف، وهناك من يضيف انه يفعل خيرًا اذا غيّر قيادته المفسودة، وهناك ايضًا من يقترح على الفلسطينيين، لتغيير هدفهم وللتنازل عن دولة فلسطينية لصالح دولة ثنائية القومية وكمكافأة لتنازل عن حق العودة، ولو فعلوا ذلك يعرف مقدمو النصائح من قوى اليسار، كانوا حصلوا منذ فترة طويلة على استقلالهم وبشكل عام يوجد في اوساط اليسار الراديكالي، استهتار كبير بالنضال الفلسطيني. ان المجال ضيق هنا، ولا يفسح المجال أمام البحث بكل هذه الادعاءات، وانا اقترح على انفسنا ان نتصرف بشكل غير استعلائي وان نوفر في نصائحنا للشعب الفلسطيني وقيادته، وكذلك اليسار المثابر يستحق ذلك، وان لا يتدخل في امور فلسطينية داخلية، ومفهوم ان ذلك لا يعني انه ممنوع الانتقاد، لكن النغمة تصنع الموسيقى، وان يدعهم للإقرار كيف يديرون شؤونهم. وان يقرروا لأنفسهم أهدافهم وإفساح المجال لهم لاتخاذ القرارات حول عن ماذا سيتنازلون وعن ماذا لا، وأي قيادة لهم سينتخبون، وان النضال الفلسطيني للاستقلال يجري كما هو معروف في ظروف صعبة وضد محتل يتمتع بقوة عسكرية من الدرجة الاولى وبدعم من حليف عظيم هو امريكا، وكذلك في نضال هزيل هناك انجازات جزئية منها الزام اسرائيل بالانسحاب من غزة، يمكن فقط التعبير عن التقدير للإصرار الفلسطيني على النضال من اجل الاستقلال.
(تل أبيب)
#شموئيل_أمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آن الأوان لتصفية السلطة الفلسطينية!!
المزيد.....
-
مصر: جدل بسبب تصريحات قديمة لوزير الأوقاف عن فتاوى الشيخ الس
...
-
ماذا بقى من القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا بعد انسحابه
...
-
محكمة روسية تدين مواطناً هولندياً بتهمة الاعتداء على ضابط شر
...
-
كله إلا سارة.. نتنياهو ينتقد وسائل الإعلام دفاعًا عن زوجته:
...
-
يورونيوز نقلا عن مصادر حكومية أذرية: صاروخ أرض جو روسي وراء
...
-
إطلاق نار في مطار فينيكس خلال عيد الميلاد يسفر عن إصابة ثلاث
...
-
إعادة فتح القنصلية التركية في حلب بعد 12 عاماً من الإغلاق
-
بوتين: روسيا تسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا
-
ماذا تنتظر عمّان من الشرع و ترامب؟
-
-يديعوت أحرونوت-: إسرائيل تهاجم اليمن بـ 25 طائرة مقاتلة
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|