يزن المريدي
الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 10:38
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
عرفت غالبية المجتمعات وعلى مر العصور, ذلك النوع من التغييرات العنيفة.. السريعة.. العميقة.. الواسعة والتي سميت فيما بعد بالثورات, ويسمى القائمين عليها والدافعين المجتمع باتجاهها بالمناضلين الثوريين, أما الأحداث المعرقلة لهذه الثورات فتسمى بالثورة المضادة والقائمين عليها هم أعداء للثورة أو مناهضين لأهدافها.
والآن, من يملك ذلك الحق اللاهوتي بتصنيف الناس و جدولتهم تحت هذه المسميات(مناضل, ثوري, عدو للثورة...)؟ بالتأكيد هم القائمين على الثورة ذاتها, والذين يصنفون أنفسهم وسواهم, وحجتهم في ذلك الأهداف المرجوة لثورتهم ومدى الخدمة التي يقدمها كل فرد في المجتمع في سبيل تحقيق هذه الأهداف, ويستمد هؤلاء شرعيتهم من الثورة وتسمى بالشرعية الثورية.
وللشرعية الثورية- وككل الشرعيات- مؤسسات تمارس من خلالها مهامها كمجلس قيادة الثورة وغيره من الهيئات الثورية المالكة لحق المساءلة والمحاسبة والتي تحمل في البداية- وعلى حد زعم حماتها في تلك الفترة- طابع الاستثنائية وعدم الديمومة لأن وجودها مرتبط بحاجة الثورة الفتية لدروع تصد عنها كيد أعدائها, إلى حين يشتد ساعدها وتضرب بجذورها عمق المجتمع لتنمو في تربته وتنهض به, من خلال تحقيقها أهدافها المنشودة.
عرفنا في عام 1963 حدثاً مشابهاً لذلك أو أراد لنفسه أن يكون ثورة؛ حركة عسكرية الحوامل قومية الدافع اشتراكية الصبغة, تحالف بين عدد من الضباط والذين كانوا في الغالب من التيار القومي العربي- بعثيين أو ناصريين- قاموا بثورة كان هدفها الأول إسقاط حكم الانفصال و العودة بالبلاد للوحدة المغدورة, لكن سرعان ما بدأت الصراعات بالظهور: شروط مفروضة من البعثيين مرفوضة من الناصريين, الأقوى يملك الشرعية, البعثيين حماة للثورة من أعدائها(الناصريين) وغيرهم من العناصر(اليمينية) وتبدأ عملية التصفية, الأقوى يصنف نفسه يسارياً الكل إلى يمينه ليجد نفسه مضطراً لتصفية يمينٍ(عفن) وهي الصفة التي أطلقت على القيادة القومية المزاحة إثر حركة22شباط1966, والتي تبعتها ما سميت بالحركة التصحيحية.
ما حدث عام 1963 عرف بثورة الثامن من آذار, وبغض النظر عن القوى المشاركة بها في البداية فقد أصبحت مع مرور الأيام ثورة البعث لا سواه ولا شريك له فيها, أهدافها هي أهداف الحزب(وحدة- حرية- اشتراكية), وحتى الآن مازالت هذه الأهداف رغم تجوفها وما لحق بها من جفاف على أيدي المزاودين بها وبالتالي تقصفها نتيجة هذا الجفاف, أقول مازالت هذه الأهداف مصدر شرعية ثورية تعطي أصحابها الحق ليس فقط بالمساءلة بل بالمحاسبة وإنزال العقاب أيضاً, لأن الثورة مازالت مستمرة وأهدافها مازالت قيد التنفيذ لذا لا بد من الدفاع عنها والتخلص من أعدائها.
الوحدة: الهدف الأول ليس لحزب البعث فقط بل لكل القوى المشاركة في 8 آذار, لم تنقذ بل ذهبت ضحية تحرك عسكري كان قاصراً عن ملامسة المشكلة الحقيقية في البداية لذا عجز عن تغيير أي شيء في المعادلة المؤدية للانفصال, بل أنه كرسها كشرعية حين كان وهو الوحدوي حامياً لها قائماً على استمرارها, أما المحاولات الوحدوية اللاحقة فقد باءت بالفشل لنفس الأسباب السابقة مضافاً إليها ما لحق بالمد القومي من هزائم ناتجة عن ضيق أفق القائمين عليه أو وقوعهم ومشروعاتهم ضحايا لديكتاتوريات عسكرية ذات نزوع وحدوي وبالتالي تملك المشروعية بتصفيتهم في حال تناقض طروحاتهم مع ما يريده الديكتاتور للوحدة أو ما يريده من التلويح بها كهدف.
الحرية: تلك الغالية, في صبيحة 8آذار بدأ فصل جديد من صراع مرير خاضه الشعب السوري في سبيل حريته, فصل يكون فيه الطرف الآخر الحاكم الديكتاتور لا المحتل, وهنا تزداد مرارة الصراع وقسوته, ويصبح الوطن عرضة للتمزق بين الولاءات مادون الوطنية.
في صبيحة 8آذار أعلنت حالة الطوارئ وفرض قانون الأحكام العرفية, لتطبق الأجهزة الأمنية ومحاكمها الاستثنائية قبضتها على رقاب أناس ما كادوا يتخلصون من المحتل وجوره حتى وقعوا فريسة الاستبداد و عسفه.
الاشتراكية: قطاع عام انطلق بمشاريع طموحة لتحقيق تنمية حلمنا بها جميعاً ليقع في براثن فساد الطغمة الحاكمة التي أوسعته نهباً ليصبح عاجزاً حتى عن إعالة نفسه, في ظل غياب ديمقراطية هي السبيل الوحيد لكشف هذه السرقات وإنقاذ الوطن من التحول لإقطاعيات ومزارع لأصحاب النفوذ من (المناضلين).
والآن أصبح الانقلاب على هذه الأهداف أوضح ما يكون- فحزب البعث حزب انقلابي- وتحديداً الاشتراكية فعجلة الخصخصة تدور بسرعة جنونية دون أي ضابط يحمي البلاد من التدهور والمواطن من الجوع, فالناهبين ملوا من كونهم لصوصاً وأصبحوا أميل للتحول إلى رجال أعمال وهنا لابد من التملك.
الخليوي قطاع خدمي حساس, مع بداية نشوئه أثار حوله ضجة كبيرة لم يردها القائمين على الموضوع له بل أرادوا للمشروع أن يمر بهدوء دون أضواء تكشف عن التجاوزات الكثيرة المحيطة به والتي حولته هو ذاته إلى تجاوز, المشروع سلم للقطاع الخاص, والكل حتى الآن يتساءل: ما الذي يملكه هذا القطاع زائداً عما يملكه القطاع العام حتى يستأثر بمشروع رابح كهذا؟ منذ البداية تابعنا(وبحذرٍ شديد) مسيرة المشروع, لنكتشف في النهاية أن القطاع الخاص لم يقدم أي شيء لمشروعه ألهم إلا حملة إعلامية طبلت الكون بمشروعٍ (رائد) توضح لنا فيما بعد أنه علقة جديدة على جسم الوطن وجيب المواطن.
كل ذلك ومازال المناضلون- والذين تحولوا لرجال أعمال- مصرين على المضي بالثورة حتى النهاية, مازالوا مصرين على أنهم يمضون بالبلاد في طريق التحويل الاشتراكي وكل من يقف في وجه أطماعهم وتجاوزاتهم هو معادٍ لثورة نحرت على أيدي حماتها مناهض لأهدافٍ لم يبق منها بعد أكثر من 40 عاماً من المتاجرة بها سوى طبول حربٍ تُدق في وجه كل من تسول له نفسه المساس أو التشكيك بنزاهة وثورية مناضلينا.
في بداية هذا العام صدر المرسوم رقم 6 والذي أعتبره كل من يدعي الاشتراكية تراجعاً عنها وانقلاباً عليها إلا حماة الثورة المستمرين بالدفاع عنها وعن أهدافها, مرسوم يلغي التزام الدولة بتوظيف خريجي كليات الهندسة في بلدٍ ما زال القائمين على السلطة فيه يدعون الاشتراكية ويشنون حروبهم المقدسة بسمها وبسم بقية أهداف الثورة على كل من يحاول التساؤل(إلى أين تمضون بالبلاد؟).
في 25 شباط حاول بعض من طلاب كليات الهندسة في جامعة حلب إبداء الرأي بالمرسوم متنازلين عن حقهم بالقيام بإضراب وهذا ما كان سيحدث لو أن المرسوم كان قد صدر في أي بلدٍ آخر وبهذه الطريقة التي تجاهلت الجميع حتى أعضاء البرلمان (مجلس الشعب), كل ما فعلته الأجهزة الأمنية وعناصر حزب البعث أن حشدت طاقاتها في(لخدمة المعركة), أكثر من 200 عنصر بعثي انهالوا على الطلاب المعتصمين ضرباً وشتماً.
لنتأمل المشهد اعتصام احتجاجاً على مرسوم يعتبر تراجعاً عن اشتراكية هي هدف لثورة قام بها حزب يعتبر الاشتراكية هدف من ثلاثة أهداف رئيسية, ما الذي يفعله الحزب في هذه الحالة؟ في الأحوال العادية يجب عليه النزول إلى الشارع ليدافع عن أقل مكتسبات ثورته- هذا في الأحوال العادية- أما في سوريا أم المعجزات فقد حدث ما قلنا لكم سابقاً, أو بالأحرى هو سحر السلطة والمال, ومازال البعض يصر على أنه لا يملك عصاً سحرية.
كل هذا, وما زالت محاكم التفتيش تصفي لعرابيها حساباتهم مع كل من يقف في وجه دفعهم البلاد نحو الهاوية, تصفي حساباتها باسم الثورة وأهدافها.
في السادس و العشرين من هذا الشهر محاكمة محمد عرب ومهند دبس أمام محكمة أمن الدولة بتهمة مناهضة أهداف الثورة, لن أتهم محاكميهم بأنهم هم من تخلوا عن أهداف هذه الثورة, سأقول أني أعرف الاثنين وأعرف موقفهم من قضايا الوحدة والحرية والاشتراكية, محمد عرب أو من كان يسمى تندراً بالعروبي لم يكن اشتراكياً فقط بل اعتصم في 25شباط دفاعاً عن الاشتراكية, ومهند مناهض للعولمة يشترك ومحمد بعدائهما لأمريكا ودفاعهما المستميت عن الاشتراكية وعشقهما للحرية.
لن أقول أية ثورة وأية أهداف بل سأقول: أنه أصبح لزاماً على مناضلينا أن يحيلوا لمحكمة أمن الدولة وبتهمة مناهضة أهداف الثورة أيضاً كلاً من زكي الأرسوزي وميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار.
#يزن_المريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟