|
الصفقـة الخاسرة .. السؤال الملح الآن
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 10:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في مثل هذه الأيام .. في أيلول عام 1979 ، أصدرت " الجبهة الوطنية التقدمية " في سورية بياناً هاماً ، أقرت فيه بالأوضاع المتردية التي كانت تعاني منها البلاد على الصعد كافة ، السياسية والاقتصادية والأمنية ، وانتقدتها وطرحت شبه برنامج للإصلاح ، وتم تشكيل لجان جبهوية ، أ شرك فيها الوزراء والمدراء المختصون ، توجهت إلى المدن الكبرى في المحافظات ، وإلى الجامعات والنقابات المهنية العلمية و " المنظمات الشعبية " . وقامت بإجراء نقاش واسع حول ماجاء ببيان الجبهة . وكانت محصلة تلك الجولات والمناقشات
من جهة المواطنين المتحدثين : إن الأوضاع الخطيرة الناتجة عن الاستبداد والفساد لايمكن أن تستمر ، لابد من إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية ، وإ شاعة الديمقراطية ، وتطبيق مبدأ المحاسبة وسيادة القانون
من جهة أهل الحكم : إن كل الحلول " الإصلاحية " المطالب بها ، ينبغي أن تجري ضمن إطار تحسين شروط بقاء النظام وا ستقراره وا ستمراره . والديمقراطية مرفضة لأنها تعني إ سقاط النظام
بمعنى أخر ، أن المناقشات والنتائج التي تمخضت عن بيان الجبهة ، أظهرت الإفتراق الكبير بين النظام والمجتمع ، وأن تجسير هذا الإفتراق لن يتم بالسهولة التي توقعها البعض في حينه . وعاد الحراك الذي تمحور حول ذاك البيان ، بسبب الرفض المطلق من قمة النظام لأي تغيير جوهري في النظام ، إلى مربعه الأول
ومابين ايلول 1979 وآذار 1980 كان الصراع حامياً . سلسلة من الاغتيالات والإنفجارات . أجتماع إثر اجتماع . وبيان إثر بيان .. لنقابات المحامين والمهندسين والأطباء والأحزاب المعارضة . وسيطر على البلاد مناخ السياسة والتجرأ على الإحتجاج والرفض لسياسات النظام وا ستبداده . وقد قامت جريدة السفير اللبنانية في حينه بفتح ملف للأزمة السورية ، وسلطت الضوء على مفاعيلها وآفاقها . وكان اضراب نقابة المحامين في نهاية آذار 1980ذروة الصراع في تلك المرحلة ، ونقطة تحول كبرى في المشهد السياسي السوري . حيث بدأ هجوم النظام القمعي الدموي ، تحت مسوغ " من ليس فهو ضدنا " ، لتصفية معارضي النظام . ودخلت سورية مرحلة الأزمة الشاملة على مدار ربع قرن وماتزال تدور حتى الآن
وفي ايلول 2004 يتكرر المشهد السياسي السوري ، إذ يبلغ الحوار بين قطبي " نظام ـ معارضة " الذروة مرة أخرى حول الأوضاع السيئة في البلاد . إلآ أن الحوارعام 2004 ، بعد المتغيرات الدولية الوا سعة وتركيز اهتمامتها بالشرق الأوسط ، وبعد اختمار التجربة السياسية المريرة للمعارضة وللقوى الشعبية في الصراع ضد الاستبداد وأ ثافيه الثلاثية " قانون الطوارئ ـ الأحكام العرفية ـ الدستور الحزبي " يختلف كثيراً عن عام 1979 . ففي عام 2004 لاوجود لذوي المصالح الدولية والعربية التي لعبت في السابق دور المنافق مع النظام والمساند له . ولامجال للتعتيم على الموبقات القمعية مع ثورة الاتصالات التي تغطي العالم بالمعلومات بثوان قليلة وبآليات عصية على المصادرة والمنع . وفي عام 2004 اختلف العالم كله عن ذي قبل ، واختلفت المعايير والأدوار والخرائط. ولذا فالحوار لم يعد محصوراً ضمن إطار نظام ـ معارضة ، ولم يعد يمكن التعاطي مع محصلاته و نتائجه المتناقضة بالعنف كما جرى عام 1979 . لقد دخلت على الخط قوى كانت بحسابات النظام قبل عشرين .. أو ثلاثين سنة تقف في صفه " التقدمي " ضد خصومه أعداء التقدم
وعليه أصبح الشأن السوري مفتوحاً على العالم ، وكذلك الحوار حول الاستبداد والديمقراطية . وإذا كانت المطالبة بالديمقراطية عام 1979 تشكل جرماً يودي بمرتكبه إلى السجن أو إلى القبر ، لأنها تعني ا سقاط النظام ، فإنها عام 2004 تشكل رأياً محقاً جديراً بالإحترام ينبغي على النظام الاستجابة لهذه المطالبة
إلآ أن لمهند سي السياسة في النظام السوري رأياً آخر . فهم كما يبدو لم تؤثر فيهم المتغيرات الدولية ، وليسوا مستعدين للتعاطي مع منعكساتها على الداخل السوري ، ويتمنعون عن الخوض بالحوار مع قوى المعارضة حول أ سس الاستبداد والفساد ، ويحرمون الإقتراب منها ، دون أن ينسوا ا ستخدام قبضاتهم الأمنية في محاولة إقناع من يصعب اقناعه ، ويؤكدون علناً أن المطالبة بإلغاء المادة الثامنة من الد ستور وآليات تطبيقها قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الإستثنائية تعني ، حسب تصريحات نائب الرئيس خدام ورئيس مجلس الشعب الأبرش ، ا سقاط النظام . أي ارتكاب جرم الخيانة الوطنية ، طارحين بعد ربع قرن ثنائية بائسة لاتختلف إلآ بالشكل فقط عن ثنائية 1979 . وهي ، إما معنا وإما مع الديمقراطية : مع النظام يعني مع الوطن المهدد با ستلاب سيادته واحتلال أرضه . مع الديمقراطية وا سقاط الاستبداد يعني مع الاحتلال ، دون الدخول بتفاصيل وأهداف هذا الاحتلال ا لمرتقب ، ودون الدخول في حوار أيهما قادر على مواجهة الاحتلال الاستبداد أم الديمقراطية بل وأي منهما هوالذي يستدعي الاحتلال ، مع التجاهل عن سابق اصرار لتجربة العراق الشقيق الرهيبة الدامية . وحسبهم أنه من الممكن والمشروع أن يتوحد الاستبداد والوطن ، ومن غير الممكن أن تتوحد الديمقراطية والوطن ، ومن الممكن والمشروع أن يتلاقى النظام والاحتلال عبر صفقات لاستدامة النظام ، ومن غير الممكن أن يتنازل النظام ويتلاقى مع الديمقراطية .. مع الشعب في مواجهة التهديد والاحتلال
نفس الثنائية الصدامية مع الشعب العراقي .التي قامت على : إما ا ستمرار الخضوع للإستبداد وإما الخضوع للإحتلال . وقد آثر صدام أن يسلم العراق لمصير الإحتلال على أن يسلم للشعب العراقي حقوقه وحرياته والسيادة الكريمة على أرضه ، مبرهناً على أن الاستبداد هو الذي يستدعي الإحتلال وليس الديمقراطية
وإذ يكرر مهند سو السياسة في النظام السوري موقفهم القديم الجديد من التغيير الديمقراطي يسخنون الأزمة البنيوية التعيسة في البلاد ، ويرهبون المجتمع بآلام وخسائر فادحة جديدة ، ويؤكدون تصميمهم على الخيار الذي يبيح ويتيح لهم عقد الصفقات لاستدامة النظام على حساب المصالح الوطنية والقومية . والأخبار المتواترة من دمشق ووا شنطن " تبشر " بتحسن التعاون الأمني في الحرب على الإرهاب وعلى الحدود العراقية بين البلدين وبدء ترتيبات العلاقات السورية اللبنانية حسب طلبات وا شنطن عبر مجلس الأمن الدولي ، وذلك للحصول على ضمان بقاء النظام ، وضمان مصالح الطبقة الحاكمة وامتيازانها المتراكمة من ا ستغلال الدولة والمجتمع ، من طغاةالعصر الصهيو ـ أمريكان الذين يشنون الحروب ويرتكبون أبشع جرائم الحرب لابتلاع العالم كله . بمعنى آخر أن مسار خيار الصفقة البديل للخيار الديمقراطي مآله قذ فنة سورية . أي تكرار الاستسلام الليبي للإملاءات والضغوطات الأمريكية بطبعة سورية . الذي نقل القذافي من رئيس الجماهيرية العظمى إلى عمدة محلي لإدارة المصلح الأمريكية في ليبيا
وإذا ا ستمر خيار الصفقة على مساره كما مطلوب ، وكرت السبحة كما يقال ، فإلى أين تسير سورية ؟ وماهي التداعيات السيا سية والأمنية التي ستترتب على ذلك ؟ وماذا تعد المعارضة لملاقاة المخاطر المصيرية الناتجة عن الخيار .. الصفقة ؟
ذلك هو السؤال الملح الآن
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن اليسار والقوى العلمانية والديمقراطية
-
ثلاثون عاماً على النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي 2
-
ثلاثون عاماً على النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي
-
متى ترفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سورية
-
إلى عاشق الحرية والحب والفرح .. عماد شيحا
-
انتصار ميسلون
-
مابين الأمير .. والجلاد .. والضحية
-
الإصلاح في سورية .. والخيارات المفتوحـة
-
نحو نهوض كفاحي ضد عالم الاستغلال والقهر
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|