فايز السايس
الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 10:12
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من يصنع خبز سوريا
تغمرني السعادة وأن أشاهد تحدي دولة المؤسسات بعضها لبعض في مشهد دراماتيكي واضح يدل على عمق ضرورات التحول الديمقراطي في سورية وكأن التحول الديمقراطي أصبح قاب قوسين أو أدنى في سورية بفضل جهود الخيرين الطيبين القانعين المؤمنين البسطاء الرحماء الأولياء , الذين يسعون لقبول الآخر ويؤمنون بالانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي , ويقوضون سلطة الأمن القمعية الجاثمة على صدر المجتمع ويلغون احتكار حزب البعث لكل ما هو حي وميت في سورية ويسعون للمصالحة مع الجميع , ويطلقون عنان التعددية السياسية , ويرفعون القوانين الاستثنائية (( قوانين الثورة )) وقانون الطوارئ الذي أنهك المجتمع السوري باسم الصراع مع إسرائيل وباسم المواجهة وباسم العدو وربما باسم الله الرحمن الرحيم , والذين تتملكهم الرغبة في تحويل سورية الى دولة ديمقراطية عصرية , وليس الى مزرعة أو كاباريه لهم ولأبنائهم , والذين يطعمون الفقير ويقرون المستجير ويقيمون الصلاة في وضح العهر السياسي , الذين يحبون الشعب ويحترمون الدستور , ولا يطلقون الأحكام والتهم على الناس باسم معاداة النظام الاشتراكي , ومناهضة أهداف الثورة , لأن الثورة باقية مستمرة بقاء الله في عليائه , والحزب هو الأزل السرمدي الذي لا ينطفئ نوره ولا تخبو جذوته .
الذين يضربون دوائر الفساد باسم الفساد ويحاربون قطاعاته العامرة , وينادون بضرورة العمل على اجتثاث شأفه أينما وجدت وأينما حلت , الذين يصيغون خطاباً إعلامياً متوازناً مع المطلوب والمفروض , والذين يبنون حضارة كنعان وسومر وأكاد وفينيكس و آشور وآرام بيدٍ سورية حرة أصيلة , والذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون , والذين لا يقتلون التاريخ باسم الحاضر , ولا الماضي باسم المستقبل , والذين لا يصلبون الحرية على معبد الديمقراطية , ويقتلون الوطن على مذبح الوطنية ولغة الشعار الرثّ , الذين يركنون لجحيم الوحدة وينسون جنة الوطن , ويقاتلون من أجل الحرية ويعدمون الحقوق والواجبات , وينزعون للاشتراكية ويغتالون رغيف الخبز . والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه لراجعون .
على كل حال تغمرني السعادة وأنا أشاهد وأرى وأسمع بهذا التحدي الصارخ في قلب سوريا للدعوى الى تطوير الحال من المحال (( السياسي – الاقتصادي )) العدمي , ولكن قد أخذل أو قد تخذلني فرحتي عندما أفاجأ بأن أدوات التطوير ورجالاته وعمّاله أو بمعنى منظومة التطوير الجديد هي المنظومة المستنسخة من منظومة الإفساد والفساد السابقة . دون الإدراك الى خطورة هذا الأمر على حياة المواطن ومعه الوطن , اليوم أصبح المواطن هو عدو كل شيء كالأمس القريب والبعيد , فالمواطن عدو ما يجهل ولأن المواطن (( جاهل )) بطبيعة الحال ولا بد له من رعاة تسوقه بالعصا والسوط , فهو عدو لكل شيء , هذه هي الجدلية التي تقف عليها السلطة والنظام في سورية , فالطاقم الأمني يعتبر أن من في الداخل ( الشعب )هو العدو الأساسي له , والبعض الآخر يقيم معادلة تشبه معادلة سان سيمون القائلة بالثالوث البيولوجي بين الفكر , والعمل , والأخلاق , ولكن مع تبدل المسميات أو استبدالها , فالثالوث المدمر هو , أمريكة – إسرائيل – الأغبياء في الداخل .
أما من يمثل ضمير الشعب و كلمته فيتهم أن كل ما بدا من نشاط داخل سوريه ( سلمي بطبيعة الحال ) ولا ينتمي الى فضاء الحزب والأمن والسلطة ( الثورة ) فهو مخرب ومعارض من درجة كافر يهدر دمه , ويقول بأن الأغلبية هم بعثيين فلا خوف ولا ضرار , ونحن نقول لأن الأغلبية كما تدعي وتزعم هم من أبناء البعث وللأسف الشديد نسينا ثقافة الوطن أي ( الثقافة الوطنية ) و استبدلناها بثقافة البعث , وطبعنا كل رحم وطني بأيديولوجيا البعث والثورة , وكأنه لا يوجد في سورية سوى البعث ولم توجد سورية قبل وجود البعث , نحن نقول له ما الضير وما الضرار في أن تكون هناك أحزاب حتى لو كانت تضم في صفوفها العشرات وليس المئات من الأفراد ما الضير في مساهمتها ومشاركتها ومحاورتها , وما الضير في أن يكون الحكم والفيصل صندوق الاقتراع .
لماذا نستبدل الحوار بالشعار , والثلج بالطين , والحياة بالموت , أما أن الموت حقيقة قائمة في كل زمان ومكان فهو حقيقة للاتعاظ وليس للامتعاض , والمعارضة السياسية ليست كفراً بل هي مصدر غنىً وثراءاً ومعياراً لمعالجة الأخطاء القاتلة , وإن كل من يجيّر لغة المعارضة بأسم الحرب على الوطن فهو عدو للوطن والشعب لأن قانون المعارضة هو قانون حيوي لا يؤمن إلا بالحوار والسلم والمنطق الموضوعي .
نحن لا نطلب شيء أكثر من الصوت الحي و الحقيقي والدافئ الذي يلامس شغاف قلب الوطن , ويصلي على تراب الوطن , و ينعم بمحبة الوطن وأمنه واستقراره .
لا نطلب والحديث عن حزبنا كممثل لتيار المعارضة الليبرالية الجادة في سورية , لا نطلب أكثر من مساحة للحوار , وحيزاً هاماً للمساهمة في صنع القرار , وشراكة جادة في بناء هذا الوطن , لا نطالب أكثر من العمل الجاد لإصدار قانون الأحزاب السياسية كمرحلة أولى للتصحيح الحقيقي في البنى والهياكل , ومن ثم تطوير المجتمع على أساس المشاركة في النظام , وأن لا يكون الأمر مرتهناً ومقتصراً على حزب واحد كقائد للدولة والمجتمع , وأن يكون هنالك تكافؤاً في توزيع الثروة والسلطة على أساس من العدالة الاجتماعية التي بات المجتمع السوري بحاجتها أكثر من أي شيء ووقت مضى .
إننا عندما نتكلم عن الحوار , فنحن لا نتكلم عن حوار ( الطرشان ) إننا نتكلم عن حوار العقل والمنطق , حوار منفتح فيه الآخر موجود ضمن مساحة القانون والمواطنة التي حصنها الدستور , وصان مبادئها على أساس الحرية وممارساتها المشروعة , وحتى الدستور لا بد من وقفة تاريخية بمعنى الكلمة إزاء جموده , وتخلف بعض أحكامه وفقراته , وتمترسه وراء بنود واهية عفّ عنها الزمن وتساقطت أوراقها في ضوء القائم الراهن , لا بد من مشاركة السوريين كذات واحدة لبناء دستورهم وصياغة أسسه وبنائه , ولا بد من حوار مباشر يمثل وجه سورية الرسمي والمعارض , تقود لجانه الرسمية أعضاء من قمة الهرم السياسي الرسمي في البلاد , ومن جانب المعارضة ممثلين عن تيارات الوطن الحقيقية لا الجبهات والتجمعات الصدئة المهترئة التي تعيش عل فتات موائد القرار الرسمي .
لا بد أننا متفقين مع الجميع الذين ينادون بضرورة الإصلاح , ولابد من أن تكون العملية الإصلاحية قائمة على معيارين مهمين أولاً معيار الالتزام بالهوية الوطنية , والعلم الوطني , والآخر هو ضرورة البدء بمحاكاة تاريخية لمفاهيم الإصلاح والتحول , من خلالهما نجد أن أبواب الإصلاح سوف تفتح بالشكل الذي يناسب مبدأ التحول الديمقراطي دون استعداء أو انحياز .
ويبقى أن نقول كلنا شركاء في هذا الوطن , وكلنا يساهم في صنع خبز هذا الوطن وكرامته , ولا لأحد على أحد فضل أو منة .
د. فايز السايس : حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سورية.
#فايز_السايس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟