من هو الروح القدس

ريمون معجون

الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 10:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تقترن الروح دائما بالجسد , فان افتقد الجسد الروح , اصبح ذاك الجسد ميتا , ولذلك يقال فارقت الحياة فلانا اي مات واندثر .
لكن الروح كما في حزقيال النبي 37. 9و10 تجيء من الرياح الاربع التي هي من لدن الله لتدخل في الجسد , فيحيا . ومعنى هذا ان ( الريح والروح )هي شيء واحد , ولست ادري هل ان اللغة الاصلية التي تكلم بها حزقيال , تسمح بتصريف حرف العلة ( الياء ) في ( ريح ) بقلبها الى( واو) في ( روح) كما هو الحال في اللغة العربية فاذا سمحت _ واعتقد ذلك _ فلا مندوحة في ان مصدر الكلمتين ( روح وريح ) ما هو الا من جذر واحد وهذا ربما يقودنا نحو حقيقة اخرى - لا يتسع المجال هنا في تبيان تفاصيلها - تقول ان ثمة دليل في دلالة النص الذي جاء على لسان حزقيال في سياق تنبؤاته يقودنا - هو الاخر - نحو كشف محدد بان اللغة التي كتبها حزقيال او دونت عن حزقيال هي لغة سامية في ارومتها وبالطبع فان اللغات السريانية والعربية والعبرية هي من ضمن محتوياتها ومداخلها . ونحن - من جهة ثانية - اذ نتمعن في صفة الموصوف نلحظ ان صفة ( القدس ) ليست من المشابهة اي ( مشبه به) او تضاف الى مضافها - كما عند بعض الباحثين - وهذا يقودنا ايضا نحو سياق يفسر لنا دلالة المفردة ( القدس ) فنكتشف انها تعني ( النقاء ) وعليه فيمكن اعتبار معنى (الروح القدس ) في انها ( الرياح النقية ) او ( الريح النقية ) التي لا يهم ان كان مصدرها( الله ) او ( السيد الرب ) على ما ذكره حزقيال . وتكتسب( الريح النقية ) اهمية لا تقل عن ( الروح القدس ) - التي ظلت هذه الاخيرة غامضة وعصية على الفهم فتعددت معانيها وتأويلاتها - فمن المعلوم ان الانسان السوي ( الفاضل - الخيّر - المتقي .. الخ ) يتنفس جسده من الخارج رياحا ( هواء , نفسا) صافية فينتعش الجسد ويتفكر مجبلا على الايمان والصدق والاستقامة ويتعقل في سلوكه ( ويترك اثرا طيبا ) بالتواصل مع فيض ( السيد الرب ) على النقيض من (الرياح الفاسدة ) التي تفسد الجسد بالاثام والشرور فتكون من تدبير الشيطان ابليس . ان الرياح التي تلقح الطبيعة هي ذات الرياح التي تتواصل مع الجسد , والطبيعة من دون رياح سكون بلا حركة والجسد من دونها موت بلا منازع . وايضا الرياح قد تكون مفيدة او مفسدة . فان دخل ما هو مفيد في الجسد فيه صفا وعلا وتهذب وتعقل فغلبه المرام فكان خيرا .. وان نفذ الفساد الجسد بلى واثم فغلبه الشحوب فكان شرا . ناهيك من ان ( الروح القدس ) تلقفته المسيحية فحولته الى كائن ( هوية ) نسبته الى الذات الالهية فيما الاسلام نسبه الى جبريل - عدو اليهود - ففي حين ارسل السيد المسيح هذا الروح الى تلاميذه ( حواريه ) مدعوا اياه بالمعزي ( البارقليط , المنحنما ) اثناء صعوده ( انتقاله ) الى العالم الاخر كان رسول الله محمد قد حول الروح القدس في شخص جبريل ( الذي بدوره كان ياتيه على هيئته كما هو اوعلى هيئة واحد من صحابته ويدعى دحية الكلبي ) وفي حين كانت رحلة المسيح القصيرة على الارض تسمعنا بشيء يشبه انه كان اسير البحث عن الجديد والبحث عن الضرورة في التعامل مع حاجات الناس وافكارهم في ظل بروز الدولة بوصفها اطارا اجتماعيا متقدمة على القبلية وفق متطلبات عصر لم يعترف - اي المسيح - بان للنبوة اي دور فيه بل بجمال الحكمة ومحبة الكلمة وسلام الوجدان حيث يجب ان تنطلق هذه المفاهيم مع الانسان في البحث عن الخلاص بما وضحه المخلص ( عقل الله في الجسد) . كانت رحلة نبي الاسلام اعادة رسم لخارطة عقيدة الله على اسس مصبوغة ( صبغة الله ) بمسحة بدوية ترتمي في احضان تشكيل اليهودية والمسيحية دون الاخذ بغلوهماالا وفق الطلب القبلي او الفكر الغيبي, لكن (الروح القدس ) بقي متشخصنا في ذات جبريل دون ان يترك مكانا لتلك الافكار النقية التي تتلقح بريح الحياة وهنا لم تسعف البلاغة نبي المحمديين كما اسعفت اله المسيحيين .. وحده حزقيال اضفى على الحياة شيئا كثيرا من الحجة في مفردات عصرنا الراهن . غير ان اهل الاديان الثلاثة غطوا على تفسير احد انبيائهم حين ذهب حزقيال الى ان الروح ماهي الا الرياح الاربعة, لقد تباعدت المسافات بيننا وبين حزقيال الذي امتثل بالحجة نحو الفلسفة المادية التي اعلنت منذ القرن السادس قبل الميلاد وعلى لسان الفيلسوف انكيسمندر بان المادة الاولى ( المعطى الاول ) التي تنتمي اليها سائر الموجودات هي الريح او الهواء وهي عنده اصل الحياة .. فالهواء مادة لانهائية متحركة غير محدودة مسؤولة عن الحياة بما في ذلك الفعاليات العقلية التي مصدرها الدماغ وتلك المادة تسيطر على العالم وتوحد اجزاءه وبالتالي فالريح تتضمن قوة التفكير والتصور .. ان الوجود اساسه تدفق تلك الريح اللامحدودة بشكل وفير وغني .. ان حزقيال اعلن عن مصدر الحياة دونما تعليل فقال نصف الحقيقة وقد حجب المفسرون اللاهوتيون هذه الحقيقة التي صدرت عن نبي نصف مادي

#ريمون_معجون (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات