|
هجرة المسيحين او الغربة الوطنية
جورج حزبون
الحوار المتمدن-العدد: 3221 - 2010 / 12 / 20 - 17:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثر القول حول هجرة المسيحيين العرب ، أو هروبهم من الوطن إلى المجهول ، وناقش اجتماع ( السينودس ) في الفاتيكان الموضوع ، واتخذ قراراته وتوجهاته لوقف ذلك النزف والمأساة في آن واحد ، وقد خصصت المجلة المصرية ( وجهات نظر ) عدداً من مقالتها لهذا الأمر وان كان تحت مسمى ( المصريون الأقباط ) ، والأمر في العراق لا يختلف في النتيجة ، والتشنج في لبنان يصب في ذات البحر ، ومعهما وضع جنوب السودان ، رغم كافة العناوين المختلفة ، إلا إن الجوهر يشير لوجود حالة عدم استقرار مسيحي في الشرق الأوسط ، وان هناك أستقواء إسلامي في الأمر. فماذا عن الوضع في فلسطين مهبط المسيحية ، ولماذا هذا المشهد المؤلم ؟؟ فالجميع هنا تحت الاحتلال ، بل بالعكس فقد تعرض المسيحيون في أقبية التحقيق لما هو أصعب من سواهم ، وذلك لان الاسرائليون ، يفهمون ( أو يريدوا ) الدين بأنه قومية ؟! ودخول المسيحيين دائرة المواجهة مقلقة وقد تجر تضامنا عالميا لا يتوفر للمسلمين بفعل المناخ العالمي ( و الاسلاموفبيا ) ، وخاض الجميع معارك الكفاح الوطني معا ، التعسف ألاحتلالي والحصار والحواجز وغيرها ولم تفرق بين مسيحي ومسلم ، والمسيحيون هم الأكثر خسارة في حرب التهجير عام 1948 بفعل أنهم من كبار الملاكين لعقارين في المدن وأصحاب صناعات كبيرة ومعروفة خلال تلك السنوات ، وبنايات لا زالت قائمة في القدس الغربية ويافا وغيرها تشهد على الضرر والخسارة ، ورغم التهجير العددي الأكثر للمسلمين حيث هي نتيجة هروب جماعي للقرى ، إلا إن الواقع معروف فقد هجر الطرفان وخسر الطرفان وبالخيبة خسر المسيحيون أكثر بكثير. وتشارك الجميع في كافة مراحل النضال التحرري منذ بداية الصراع ، وتحمل الجميع كشعب واحد المصير ذاته ، صحيح إن هجرة المسيحيين بدأت مبكرا مع حرب 48 وذلك لانهم كانوا يملكون المعرفة والخبرة التي توفر مجالاً للعمل بالخارج ، وكانت تلك الهجرات إلى أمريكا اللاتينية وليس لفرنسا أو بريطانيا أو أمريكا ، فهم لا يستطيعوا العيش في تلك البلدان في حينه لضعف ما يملكون من ثروة أو علم او صنعة ، ولم تتسع لهم تلك الدول لأنهم مسيحيون ، فبريطانيا هي عرابة إقامة إسرائيل وبالتالي المسئولة عن تهجير شعب فلسطين ، والمعنى أنهم لم يعاملوهم كمسيحيين بل كفلسطينيين . هنا يجب التوقف لإبراز هذا الجانب حيث بعض المنظمات الإسلامية ومن في عدادهم ، يعاملون أو ينظرون إلى المسيحيين نسخة بريطانية أو فرنسية ، مما فاقم الأمور وشوه الانتماء وجعل المسيحيين يعيشون اغتراباً في وطنهم ناهيك عن التعامل كأقلية وليس كمواطنين .
واضح إن سنوات طويلة من الفشل والتراجع الوطني و الاجتماعي والقهر ساهمت هذه العوامل في تفكيك التلاحم والتكافل والانتماء ، كما غذت ذهنية القبلية وهذا ظاهر في اغلب الدول العربية ، ويعكس تراجع وتخلف بينما في داخله تلك المظاهر العصبوية والماضوية والسلفية ، حيث لا أفق للنظر للمستقل بل محاولة للبقاء في الحاضر باستلهام الماضي حفاظاً على الذات والمصلحة والقبلية . بلا شك فان المناخ العالمي احدث أثرا كبيرا من غياب الاتحاد السوفيتي ، إلى اتفاقات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية وصولا إلى أوسلو بفلسطين ، فقد قراءها الناس علامات فارقة ، بين النصر والهزيمة، وأفق مظلما للثورة والنضال ، فكان الانكفاء ، وحسب الشاعر العربي ، فالنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله . وفي رصد حركة الهجرة ، فقد تضاعفت في السنوات العشر الأخيرة ، وأخذت شكل نزوح، صحيح أنها كبيرة أيضا إعداد من هاجر من المسلمين ، لكن النسبة والتناسب ذات فرق كبير فقد أصبحت نسبة المسيحيين في فلسطين فقط 1.5% ، ولقد اهتمت السلطة الوطنية في موضوع هجرة المسيحيين لكن يبدو لي على طريقة ( قتله من شدة العناق ) ، فالتعامل مع المسيحيين في تفاصيل الحياة العامة ليس سوياً ، يواجهون تفرقة وضغوط مختلفة ، بدءاً من الاستيلاء على أراضيهم ، وخاصة للمغتربين ، إلى نهج الاستقواء ، إلى التميز في المعاملة لدى الدوائر الرسمية ، مما يعمق الفجوة ويبدأ هنا الاغتراب والهجرة . تنعقد بين فترة وأخرى تداولت حول الإخوة المسيحية الإسلامية ولكنها ديكور ، ولا تحقق على الأرض شيئاً ، كذلك إبراز الاهتمام لإغراض إعلامية ودبلوماسية لا تساعد ، فلا يجوز مثلاً إنشاء مناصب تحت مسميات ( رئاسية ) لا مهمة لها في الواقع ولا يبررها القانون الأساسي ، وتقتصر مهامها على تنظيم احتفالات حرصاً على تنفيذ طقوس وإظهار المشاركة فيها ، مما لا يؤكد الوحدة بين عنصري الوطن وتنميتها ، إلى جانب تنصيب مسيحيين غير اكفيا في مواقع تجعلهم سخرة بين مجتمعهم أيضا يفسر ذلك انه رشوة عن طريق المحسوبية . ولا يجوز إغفال الأزمة السياسية ولا إعفاء الاسرائيلين من مسؤولية الضرر الذي ألحقته وتلحقه يوميا بالشعب الفلسطيني وتعبيراته المختلفة ، ولكن هذا يجب إن يكون حافزاً على توحيد الموقف وبناء الثقة بين الجميع على قاعدة المواطنة ، والنظام والمساواة إمام القانون والمراقبة الصارمة لعمل الموظفين ومنتسبي الأجهزة الأمنية ، ومن المهم أيضاً إن تدفع الأزمة السياسية إلى تقديم برنامج سياسي واضح للمجتمع ، والتوقف عن الممالئة للحركات الاسلاموية ، بمحاولات منافستها في مجالها وخطابها ، واعتبار الآخرين أقلية !! ربما وافدة . ولا اعتقد إن المؤسسات الدينية مؤهلة لهذه المهمة ، بل إن الجهات القادرة على النهوض بالمجتمع وتوحيده بالثقافة الوطنية هي فقط القوى الوطنية والتي عليها إن تبدأ بإصلاح ذاتها داخلياً والانتهاء من مظاهر العشائرية التي تبرز بينها ، إن القضية الوطنية واحدة والشعب واحد وبهذا يمكن وقف الهجرة والمشاركة النضالية وليس المحسوبية وبالكفاءات البرنامج . والشيء نفسه في بلداننا العربية ، فالمطلوب هو تدمير أوطاننا وتجزئتها وعلينا مواجهة ذلك وعياً وثقافة وطنية .
تصريحات المسئولين الفلسطينيين ، تظهر وكأن قضية التحرر الوطني وإنهاء الاحتلال أصبحت حرجة ، وان لا سبيل لإنهاء الاحتلال إلا عبر الضغط الأميركي حسب تصريح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة لصحيفة قبرصية ، وكذلك بدت لجنة المتابعة العربية ، وقد قررت التوجه نحو مجلس الأمن ، وفي زيارته الأخيرة للمنطقة ، صرح ميتشل ( المبعوث الأميركي ) إن كافة الإطراف طلبت منه مواصلة المتابعة ، ومجلس الشيوخ الأمريكي يقرر استخدام ( الفيتو ) في مجلس الأمن لمنع الاعتراف بدولة فلسطين ، وهكذا تبدو اللوحة السياسية واضحة تماماً ، إذ تقول : لا طريق للحرية الفلسطينية إلا عبر أمريكا ، وان الاحتلال قدر ، وان القيادة الفلسطينية بمختلف مشاربها مغلوب على أمرها ، ويكفي ما تؤديه من إدارة لشؤون الشعب وآمنه وأموره المدنية ، وهي محكومة باعتبارات سياسية ( اتفاقات ومعاهدات ) واعتبارات اقتصادية . والأمر مختلف لدى الجانب الإسرائيلي ، حيث هو كحليف لأمريكا ، فهو ضامن أنها لن تكون قادرة أو مستعدة ، لإرغامه على موقف لا يقبل به ، فإسرائيل اليوم تعلن أنها تحارب الإرهاب تماماً مثل أمريكا ، وربما في وضع اخطر حيث على حدودها وفي تماس معها ( حزب الله المتحالف مع إيران ) و حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة ، صاحبة المشروع الإسلاموي الانتحاري ، والتي تعلن باستمرار إن وجود إسرائيل مؤقت ، رغم عدم ممانعتها من إشهار هدنة معها ، حيث ذلك لا يتعارض مع عقيدتها الدينية وبالتالي فهي تقاتل مع أميركا في ذات المعركة وتحمل العبء نفسه إذن الوحدة الوطنية هي الرهان وليست قضية المصالحة بين فتح وحماس هي الوحدة فقط بحيث تقزم وتتوه في اشد مراحل الصراع دقة وحتى لا نعيد تجربة بني الأحمر في الأندلس .
#جورج_حزبون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة هي الحل
-
الفضائية حالة نضالية متقدمة
-
مراجعات نقدية
-
الانغلاق الفكري الديني
-
ثقافة الفكر السلفي العصبوي
-
الراهن الفلسطيني والخيارات
-
حول منع العمل واستهلاك منتج المستوطنات
-
لا زالت الطبقة العاملة قاطرة التاريخ
-
المفاوضات والمرحلة الراهنة
-
المفاوضات والاستيطان
-
الحركةالنقابية الفلسطينية تاريخ واقع افاق
-
الضمان الاجتماعي للعمال الفلسطينين
-
القضية الفلسطينية حتى لا ننسى
-
قراءة في التجربة الشيوعية الفلسطينية
-
اتسع الرتق على الراتق
-
المطلوب رؤية فلسطينية ثورية
-
وحدة الموقف ووحدة الهدف
-
حزب شيوعي ام وحدة يسار؟
-
ليلغى قرار منع الانتخاب ولتستقل المجالس البلدية
-
قراءة في الانتخابات المحلية القادمة
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|