|
الأغلبية النيابية وحقوق الأقلية
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3220 - 2010 / 12 / 19 - 11:13
المحور:
حقوق الانسان
تشدد المفاهيم المتعددة للنظام الديمقراطي والتجربة الواقعية في البلدان التي تكرس فيها ذلك النظام بشتى صوره، على ان الثقافة المرتبطة بالنظام الديمقراطي تتضمن طرفا خاسرا في الانتخابات يقبل بنتائجها ويسمح بالتداول السلمي للسلطة وطرفاً فائزاً، وجرت العادة على ان يتحول الخاسر ومؤيدوه الى المعارضة البناءة. وتشدد القوانين المتعلقة بالنظام الديمقراطي على ان يعترف كلا الطرفين، اي الفائز والخاسر بالدور الشرعي للآخر، إذ أن لكليهما دورا شرعيا، يتمثل بقبول الأقلية النيابية بحكم الأكثرية المتولد عن صناديق الاقتراع، في مقابل قبول الأكثرية بالحقوق المترتبة بذمتها للأقلية النيابية، ما دامت تقر بهذا ولا تسعى لتغييره باللجوء الى العنف. وتؤكد المفاهيم والدساتير الديمقراطية، ان على الناخبين أن يتيقنوا من أن (الحكومة الجديدة لن تتبع سياسات قد يجدونها بغيضة، لأن القيم المشتركة ناهيك عن الديمقراطية تضمن عدم حدوث ذلك). ان تجربتنا الواقعية في العراق، المتمثلة بوقوعنا تحت سيطرة أنظمة دكتاتورية شمولية متعاقبة، تحتم علينا الخروج من تبعاتها الكارثية، وتَجنب المراوحة ضمن التداعيات ذاتها المتعلقة بسياسة القمع وتكميم الأفواه، التي تحرص على إبقاء الناس ضمن نهج الحزب الواحد والفكر الواحد، ان لكل إنسان قناعاته الشخصية، وانه لم يذهب الى صناديق الاقتراع ويصوت مع او ضد؛ إلا على وفق تلك القناعات التي ستظل ملازمة له، كما انها في الوقت ذاته قابلة للتغيير في اي لحظة، اذ ليس شرطا ان من نصوت له الآن سنصوت له غدا، ومثلما تتغير القناعات يتغير الحكام وتلك هي من ابرز فضائل النظام الديمقراطي الذي نسعى الى حصدها في العراق كي نكوّن مجتمعا سليماً فاعلاً. ان القناعات الشخصية للأفراد و كذلك لممثلي القوى السياسية، يجب ان لا تفرض نفسها إلا بقانون، اذ لو كان الامر عكس ذلك لدخلنا في حالة من الفوضى وردود الافعال لن تخدم احداً. ولقد تخوف الناس منذ وقت مبكر في خضم تطبيق النظام الديمقراطي مما اسمو بـ (طغيان الأغلبية)، ولقد ذهب (برودون) وهو مفكر فرنسي (توفي عام 1865) الى حد رفض النظام الديمقراطي ذاته بالقول: الديمقراطية لا شيء و طغيان الأغلبية يعد أسوأ أشكال الطغيان وذلك لأنه لا يستند إلى سلطة الدين ولا على نبل العِرق ولا على حسنات الذكاء والغنى. إنه يستند الى أرقام مجردة ويتخفى خلف اسم الناس. ولقد رأينا نحن في العراق وفي خلال تجربتنا التي أعقبت اسقاط النظام الدكتاتوري، محاولات مستميتة من قبل بعض الجماعات والأفراد لفرض آرائهم على الآخرين متحججين بفكرة الأغلبية والأكثرية، الأمر الذي تسبب في مقتل كثير من الناس، وفي تعطيل تقدم البلد واعماره، وفي التدخل في آراء الناس وحقوقهم الأساسية، والتأثير عليها عن طريق محاولة فرض نمط التفكير الذي يحمله البعض بالقوة، حتى إذا استدعى ذلك التحريض واستعمال السلاح، وهو أسلوب يلغي أساسا منافع الديمقراطية وامتيازاتها التي تتمثل في: انخفاض مستوى الفساد و انخفاض مستوى الإرهاب و انخفاض نسبة قتل الشعب و السعادة بحسب نتائج الديمقراطية المتحققة في العالم. ان ما يحدث لدينا في العراق هو عكس ذلك تماما، إذ يرتفع مستوى الفساد و الإرهاب وتزداد عمليات قتل المواطنين لأسباب شتى، وتنخفض السعادة لدى الناس، ما يعني أن هناك خللا في التطبيق الديمقراطي لدينا، يستوجب المعالجة الفورية، كي نتجنب مخاطره ونحث الخطى نحو البناء و الإعمار وخدمة المواطن. ويشير المفكرون السياسيون الى ان الأغلبية النيابية، هي في حقيقة الأمر أغلبية نسبية من الناخبين، وهي تعد لذلك أقلية، ومن الممكن ان تفقد تفوقها في السلطة في اي وقت، وان لا مسوغ لأن تمارس تلك الأقلية طغيانها على أقلية أخرى باسم الأغلبية، وان تجريم أقلية أخرى او من يحمل فكرها، لاعتبارات سياسية او دينية او أيدلوجية يقوض الفكرة القائلة بان الديمقراطية هي تمثيل للناخبين ككل الذين يمثلون عموم المجتمع. ان علينا في العراق أن نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى في ممارسة النظام الديمقراطي، وكذلك من تجربتنا في أثناء السنوات السبع المنصرمة منذ التغيير، والتي تسببت في تعطيل الاعمار والبناء وانتشار الفساد والإرهاب بشتى أشكاله، ولم يكن ذلك وغيره الا بسبب الاخفاق في الالتزام بآليات النظام الديمقراطي، التي تستوجب الحرص على حقوق الاقلية، ومنع طغيان الاغلبية الذي تمثل في نشوء عمليات التهجير وآخرها المحاولات الجارية لدفع عشرات الآلاف من المسيحيين الى مغادرة ارض أجدادهم، لاستهدافهم بعمليات القتل ولانقطاع سبل معيشة الكثير منهم بتأثير افعال و اجراءات يرى منفذوها انهم يمتلكون الحق في اللجوء اليها لامتلاكهم الأغلبية النيابية التي هي أقلية أيضا كما أسلفنا. اننا نرى ان أي أفعال يجري التخطيط لها ضد أقلية ما لاعتبارات أيدلوجية وغيرها من النزعات الشمولية، لا مسوغ لها في وضع العراق الحالي، الذي هو بحاجة الى إجراءات فعلية تعيد الكهرباء الى البلد بصورة كاملة، وتشغل المعامل والعاطلين، وتقضي على الفساد والمفسدين، وتجتث التزوير و المزورين، و كل من يخرق القانون، وان علينا ان نمهد الطريق لخلق مجتمع يرفل بالسعادة التي هي ديدن الإنسان، وعماد قيام المجتمع السليم. كما ان دورة البرلمان الجديدة، تتطلب من أعضائه العمل بتفان ونكران ذات على تحريك القوانين المتعلقة بحياة الناس، والتي جرى إيقاف مناقشتها والتصويت عليها في دورة المجلس السابقة وتفعيلها. تلك هي من أهم الأمور التي تنسجم مع حاجات المواطن ومتطلبات النظام الديمقراطي وهي التي تؤدي الى حصد منافعه و مزاياه، والقضاء على التناحر والبغضاء في المجتمع من اجل خلق مجتمع منسجم مسالم، يحب بعضه بعضا، بغض النظر عن تنوع أفكاره ورؤاه ومشارب مواطنيه.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدل الحريات المدنية
-
حضارة الماضي ام حضارة الحاضر والمستقبل
-
الدفاع والداخلية في التشكيلة الوزارية المقبلة
-
نحو الأداء الأمثل لمهام السلطات الثلاث
-
فوضى السياسة العراقية
-
مدخل لتقويم وضع التيار اللبرالي وغياب دوره في السياسة العراق
...
-
(كابينة) الحكومة المقبلة .. هل تحل مشكلاتنا؟
-
عن التشكيلة الحكومية المقبلة .. مقترحات بصدد الوزارات
-
سباق الموت والتأجيل
-
التهرب من استحقاقات عقد الجلسات
-
محادثات لتشكيل الحكومة أم دوران في حلقة مفرغة؟
-
البطالة مصدر للتوترات الاجتماعية و السياسية
-
الخارجية العراقية وحاجة المواطن إلى الانفتاح على العالم
-
زيارات المالكي لدول الجوار وحاجة العراقيين الى الاستقرار
-
بعيداً عن الوطن قريباً من الإقليم
-
تقسيم العراق هل هو البديل الأمثل عن الوضع القائم؟
-
دعامات القسوة وأزمة الإنسان في العراق الجديد
-
معارضة برلمانية قوية .. هي المدخل لاستقرار العراق
-
مغاليق السياسة ومفاتيحها
-
هل ينفذ مجرمو الآثار بجلودهم؟
المزيد.....
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|