|
الإدارة المصرية لأزمة الخليج الثالثة (2003)
مروة نظير
الحوار المتمدن-العدد: 3220 - 2010 / 12 / 19 - 00:28
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لم تكن مصر طرفا مباشرا فى أحداث أزمة الخليج الثالثة التى تمثلت فى قيام الولايات المتحدة بالتهديد ثم غزو العراق فى 20مارس 2003 ثم احتلاله بالكامل بعد سقوط بغداد فى 9 أبريل من العام ذاته، إذ أن الأطراف المباشرة للأزمة قد تمثلت فى العراق والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن بعض الدول التى شكلت أحداث الحرب وتطوراتها تهديدا مباشرا لها بشكل أو بآخر مثل الدول المجاورة للعراق وهى لاسيما الكويت والسعودية فضلا عن إيرن وتركيا. وعلى الرغم من ذلك فقد مثلت هذه الأحداث أزمة حقيقية أمام صانع قرار السياسة الخارجية المصرية، لاسيما فى ظل موقع مصر الخاص فى النظام الإقليمي العربي وطبيعة علاقة التحالف ذات النوع الخاص التى تربط بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يلي محاولة للتعرف على كيف شكلت أحداث هذه الحرب أزمة وتحديا حقيقيا أمام صانع السياسة الخارجية لمصر، وذلك من خلال محاولة تطبيق المعايير والتصنيفات التى وردت بشأن الأزمة فى المبحث السابق.
توافر وضعية وشروط الأزمة: بالنظر إلى الخصائص والسمات التى تشكل فى مجملها خصائص موقف الأزمة، يمكن القول ان أحداث هذه الحرب بالنسبة لمصر كانت فى حد ذاتها أزمة. فمن حيث عنصر التهديد، يمكن القول أن مصر فى مواجهتها لأحداث هذه الحرب كانت أمام تحدي ثلاثي، فهى من ناحية أولى دولة ورثت دورا إقليميا مهما على نحو جعلها دولة محورية فى العالمين العربي والإسلامي الأمر الذي يفرض عليها ألا تخرج تحركاتها فى الساحة العالمية عن نطاق دورها كقائد إقليمي، ومن الجدير بالذكر انه ومنذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين ومصر تتعرض لاختبارات صعبة فى دورها الإقليمي إسلاميا وعربيا، وشكلت الأزمة العراقية اختبارا أكثر إلحاحا فى هذا السياق فالعراق دولة عربية ومسلمة كما أنه أحد دول الجوار الإقليمي مما يزيد الأمر تعقيدا ويتطلب إدراكا عميقا لكل تلك الوضعيات بحيث تستطيع تحركات السياسة الخارجية الوفاء بالالتزامات الأممية والإقليمية لمصر، وعلى نحو يحفظ لمصر عدم العودة إلى حالة العزلة العربيةالتى تعرضت فى الفترة السابقة على حكم الرئيس مبارك. ومن ناحية ثانية، كان على مصر فى إدارتها لتلك الأزمة الإبقاء على خصوصية العلاقة التى تربطها بالولايات المتحدة الأمركية والتى ورثها صانع القرار الحالى كأحد معطيات السياسة الخارجية المصرية منذ منتصف السبعينات والتى ما عاد من الممكن العدول عنها الآن لاسيما فى ظل الموقع المتميز الذى أضحت الولايات المتحدة تتمتع به كقائد وحيد للنظام السياسي العالمى. وهناك من ناحية ثالثة البعد المتعلق بمصلحة النظام الحاكم ذاته، إذ واجه صانع القرار خلال هذه الأزمة ضغوطا من الرأى العام الداخلى يرفض أن تكون مصر جزءا من أى عمل عسكري موجه ضد أى دولة عربية أو إسلامية، فضلا عن مصلحة النظام الحاكم (ليس فقط فى مصر ولكن فى كل دول المنطقة والعالم الثالث) فى عدم إرساء قاعدة تغيير نظم الحكم من خلال التدخل الدولى باعتبار ذلك شأنا داخليا لشعب الدولة المعنية فقط الحق فى التداول أو اتخاذ قرارات بشأنه بغض النظر عن مدى قوة أو ضعف الفعاليات والقوى السياسية فى تلك الدولة. أما عنصر محدودية الوقت، فيمكن بصدده الإشارة إلى أن التطورات المتلاحقة للأحداث المرتبطة بهذه المسألة فرضت على صانع السياسة الخارجية المصري أن تكون ردود أفعاله سريعة لاسيما فيما يتعلق ببلورة مواقف حاسمة واضحة ومتوازنة إزاء تطورات المسألة فى مجلس الأمن الدولى ثم قرار الولايات المتحدة التصرف بعيدا عن المنظمة الدولية والبداية الفعلية للعمليات العسكرية وتصاعد المقاومة العراقية ثم السقوط السريع وغير المتوقع لبغداد فى أقل من 15 يوم على بدء الحرب، ثم التطورات التى شهدتها الساحة العراقية بعد ذلك من إنشاء مجلس انتقالى للحكم و استمرار تصاعد أعمال المقاومة والعنف.. وغيرها.
ويمكن القول أن عنصر المفاجأة (وهو كما سبقت الإشارة من السمات الجدلية لموقف الأزمة الدولية) لم يكن متوافرا بشكل ما فى أحداث أزمة الحرب على العراق، فقد جاءت تطورات الأحداث متوقعة إلى حد كبير حيث كانت الحرب على العراق جزءا من الاستراتيجة الأمريكية فى مرحلة ما بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001، والتى تبلورت بشسكل واضح من خلال صوغ مبدأ الهجمات الاستباقية الذي طبقته واشنطن أولا فى حربها ضد أفغانستان، ثم دفعت تطورات الأمور بحيث يتم تطبيق المبدأ ذاته فى العراق من خلال الميل للتعامل مع تهديد امتلاك أسلحة الدمار الشامل لدى العراق (المبرر الذي ساقته الولايات المتحجدة للحرب على العراق) والحرب على الإرهاب بطريقة واحدة على اعتبار أنهما يمثلان نوعا واحدا من التهديد. ومن ثم فقد كانت هنا سلسلة من المؤشرات على سير الولايات المتحدة باتجاه التصعيد من قبيل التهديد باستخدام القوة العسكرية ضد العراق وصدور قرار من الكونجرس بتفويض الرئيس الأمريكي لاستخدام القوة ضد العراق، كذلك توجه الخطاب الرسمي الأمريكي إلى الحديث عن مرحلة ما بعد صدام حسين وغيرها.
ويعد عنصر التشوش و عدم دقة المعلومات من أبرز الخصائص التى اتسمت بها أزمة الحرب الأمريكية على العراق ليس فقط بالنسبة لصانع قرار االسياسة الخارجية فى مصر ولكن لكل الأطراف المعنية، لاسيما بعد اندلاع الحرب إذ كان هناك قدر كبير منن الغموض وعدم اليقين ححول سير وتطورات العمليات العسكرية على نحو لم يكن من السهل معه التنبؤ بالأمد الذي ستطول الحرب خلاله أو النتيجة التى ستنتهى إليها. فقد كان من أبرز ملامح هذه الحرب الاستخدام المثير للجدل للآلة الإعلامية من قبل جميع الأطراف المعنية لاسيما طرفيها الأساسيين لاسيما فيما يتعلق بحجم الإنجازات التى يحققها كلا الطرفين من قبيل عدد الجنود الذين تم قتلهم واحتجازهم من الطرف الآخر وعدد الطائرات التى تم إسقاطها، فضلا عن التصريحات المتضاربة بشأن سقوط المدن العراقية فى القبضة الأمريكية، وهذا ما تأكد وبشدة مع أحداث معركة ميناء أم قصر العراقي حيث تضاربت التصريحات الرسمية عن سقوطها واستسلام المقومة العراقية بها.. وغيرها، كما أن هذه الضبابية قد طالت عنصرا هاما هو ذلك المتعلق بمصير الرئيس العراقي آنذاك (صدام حسين) من جهة ما إذا كان على قيد الحياة أو أصيب بجروح أو غيرها من الاحتمالات، الأمر الذي أفقد الجميع الثقة فى كل ما يصدر عن طرفي الأزمة من تقارير وتصريحات .
أما عن تصنيف هذه الأزمة فيمكن القول أنها تندرج فى إطار أزمات الانفلات، لاسيما فى ظل ما تتسم به من تعقيد وتشابك ووجود عدد كبير من الأطراف تترابط مواقفها تترتب التغيرات فى موقفها على ما يصدر عن ببعضها البعض من أفعال وردود أفعال، فعلى سبيل المثال كانت أبعاد الأزمة التى تواجه صانع قرار السياسة الخارجية المصرية ستتغير وفقا للتغيرات فى مواقف الأطراف الأخرى المعنية بالأزمة، مثلا إذا ما طلبت الولايات المتحدة (علنا) من مصر تقديم تسهيلات أو مساعدات ميدانية فى العمليات العسكرية ضد العراق...، وهكذا.
مراحل الأزمة: من السهل تلمس المراحل الثلاث لهذه الأزمة والتى يمكن القول ان مرحلتها الأولى (مرحلة ما قبل موقف الأزمة) بعد أحداث 11 سبتمبر وقبل انتهاء الحرب الأمريكية على أفغانستان، حيث بدأ الحديث عن احتمالات قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد العراق ثم بداية تحريك ذلك الملف من خلال مجلس الأمن الدولى وظهور تحليلات رسمية لمرحلة ما بعد صدام حسين...إلخ. وقد واجه صانع قرار السياسة الخارجية المصرية حالة من عدم التأكد والضبابية والغموض إلى جانب عدم وضوح الخيارات والقلق من المستقبل.
أما المرحلة الثانية (تصاعد الأزمة)، فهى لم تستمر لمدى زمني طول ويمكن القول أنها تتطبق مع الفترة التى شهدت العمليات العسكرية الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا فى العراق، وذلك بداية من الضربة الأولى فى 20 مارس 2003 وحتى سقوط بغداد فى 9 أبريل من العام ذاته. وخلال هذه المرحلة كان من الممكن أن تتحول المنطقة إلى حالة من الفوضى الكاملة لاسيما مع احتمالات ان تمتد الأعمال العسكرية لتطال دولا أخرى فى المنطقة مثل الكويت أو إيران أو السعودية، وهذا ما كان سيفرض على مصر العديد من الضغوط باعتبارها دولة محورية فى المنطقة لاسيما إذا ما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الحليفةلها من مصر مساعدتها فى تنفيذ العمليات العسكرية.
وفى المرحلة الثالثة (الانحسار والتقلص)، بدأ وضع الأزمة فى الانفراج حي انخفضت حدة عدم الاستقرار فى الأمور، وتضاءلت احتمالات انفجار الأوضاع فى المنطقة إلى حرب متعددة الأطراف. وبدا أن هناك أمر واقع على الجميع التعامل معه، كذلك برزت معطيات جديدة وأصبح الوضع الذي يواجه صانع قرار السياسة الخارجية فى مصر أكثر هدوءا وتضاءلت احتمالات أن يتعرض لموقف اختيار حقيقى.
فى ضوء هذه المعطيات، وفى ضوء أهداف عملية إدارة الأزمات فى مراحلها الثلاثة (السابق الإشارة إليها)، قامت الإدارة المصرية أزمة الحرب ضد العراق على مجموعة من المبادئ، أهمها : • احترام الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، • احترام الشأن الداخلى لكل الدول وعدم التدخل لتغيير نظم الحكم، • الحفاظ على الاعتبارات القومية، ولكن فى إطار من إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية.
وقد ظهرت هذه المبادئ أو الملامح خلال إدارة مصر لهذه الأزمة عبر مراحلها الثلاثة، إذ شكلت الخط الرئيس الذى انتهجته الدبلوماسية المصرية، ويتضح ذلك بشكل جلي من خلال الاستقراء السريع لملامح الإدارة المصرية لمراحل الأزمة الثلاث. 1. قبل الحرب: كان هناك تأكيد مصري مستمر على ضرورة التحرك من خلال الأمم المتحدة، ذلك من خلال معايير موحدة يتم تطبيقها على جميع الدول الأعضاء فى المجتمع الدولى فضلا على التأكيد على رفض مصر التعامل بمعايير مزدوجة، لاسيما فيما يتعلق بنزع أسلحة الدمار الشامل، مع التأكيد على أن هذه الأزمة من الممكن دائما ان يتم حلها من خلال الحوار بين الأطراف المعنية. وفى سبيل تفعيل دور المؤسسات الدولية فى إدارة هذه الأزمة تحركت مصر على ثلاث محاور: الأول مطالبة العراق بالتعاون الفعال مع المفتشين الدوليين، الثاني مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالالتزام بالقانون الدولى، مطالبة المفتشين الدوليين على أسلحة الدمار الشامل العراقية بالحياد الكامل عدم التحيز. وفى الإطار ذاته، أكد الخطاب المصري دائما على رفض ما يثار عن التدخل الدولى فى العراق بهدف تغيير نظام الحكم فيه على اعتبار أن ذلك شأن عراقي داخلي وأن الشعب العراقي هو الوحيد الذي يحق له أن يأخذ قرارا فى هذا الصدد. من ناحية أخرى، برز فى الخطاب الرسمي المصري تأكيد قاطع على أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تطلب من مصر تقديم مساعدة لها فى هذا السياق، ولكن فى الوقت ذاته لا يمكن إغفال حرص المسئولين المصريين المستمر على وصف العلاقات المصرية الأمريكية بأنها علاقات جيدة جدا. اما عن الخطاب الموجه للرأى العام الداخلي، فيمكن القول أنه كانت هناك محاولة للفت الانتباه عما يجرى فى العراق أو على الأقل تقليل الاهتمام به، وذلك من خلال إثارة قضايا أخرى على نفس الدرجة من الأهمية وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية.
2. خلال الحرب: انصب الاهتمام المصري خلال هذه المرحلة على الإعلان المستمر على دعم مصر لضرورة وقف العمليات العسكرية فى العراق، مع التأكيد على رفض مصر للحرب والتنديد بها انطلاقا من أنه لا يمكن تحقيق "عراق حر وديمقراطي"، كما تزعم الولايات المتحدة من خلال المدافع وقصف المدنيين. ومن الملاحظ أن الدبلوماسية المصرية خلال هذه المرحلة قد حرصت على الإعلاء الواضح من قيمة المصلحة الوطنية لمصر، لاسيما فيما يخص العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية حيث تم التأكيد دائما على أهمية هذه العلاقة وعمقها. فقد وصف وزير الخارجية المصري العلاقات المصرية الأمريكية بأنها قوية ومهمة للغاية، وأنها علاقات ناضجة تسمح بالاختلاف فى وجهات النظر. وعلى الرغم من اعتراف مصر بالتأثير السلبي للحرب على العلاقات المصرية الأمريكية إلا أنها أعربت مرارا عن رغبتها فى تجاوز ذلك، ولعل موقف مصر فى هذا السياق يتلخص فى تصريح وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد ماهر تعليقا على نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب مارس 2003، والذى أشار فيه إلى أن "المشكلة الناجمة عن العراق تعتبر من أكبر المشاكل التى واجهت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، غير أننا على ثقة من إمكانية التغلب عليها" . وخلال هذه المرحلة أيضا برز توجه صانع قرار السياسة الخارجية فى مصر إلى الاستقواء بالرأى العام والتوحد معه (أو على الأقل إبراز الرغبة فى ذلك) انطلاقا من الالتفاف حول المصلحة الوطنية لمصر. وقد تبلور ذلك فى البيان الرسمي الذي وجهه الرئيس مبارك للأمة مع بدء الضربة العسكرية على العراق موضحا المبادئ التى تحكم الموقف المصري من الأزمة؛ إذ أشار إلى أن أهم هذه المبادئ هى التعامل فى إطار نظام الأمن الجماعى الدولي الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة ووفقا لقواعد القانون الدولى وأحكامه وقراراته ، كما سعى صانع القرار فى هذا السياق إلى تأكيد فكرة التوحد بين الحكومة والشعب تجاه هذه المسألة وتجدر الإشارة فى هذا الإطار إلى أن أجهزة الأمن المصرية لم تبد قدرا كبيرا من التشدد فى التعامل مع المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التى نظمتها القوى السياسية والشعبية المختلفة فى مصر احتجاجا على الحرب، بل إن أكبر التظاهرات فى هذا السياق كانت تلك التى نظمها الحزب الوطنى باستاد القاهرة.
3. بعد الحرب: كانت السياسة الخارجية المصرية سريعة التكيف مع المتغيرات الجديدة التى فرضها الوضع الجديد فى العراق، وهذا ما انعكس فى تركيز مصر فى تعاطيها مع المسألة العراقية على القضايا المطروحة على الأجندة العراقية، وأهمها: • ضرورة احترام إرادة الشعب العراقى وأن تكون هناك حكومة مختارة من الشعب العراقى وغير مفروضة من الخارج. • إعمار العراق، ويمكن القول أن التعامل المصري مع ذلك الملف قد اتخذ بعدين أولهما السعي للتسيق مع الأطراف المحتملة أو المرشحة للعب دور فى هذا السياق مثل الاتحاد الأوروبي واليابان حيث برزت هذه القضية كأحد أولويات الدبلوماسية المصرية فى النصف الثاني من عام 2003، مما كان له دلالة واضحة على بروز الاهتمام بالشراكة الأورو-متوسطية، حيث صارت إعادة الإعمار مجالا مهما تنشط فيه هذه الشراكة . أما البعد الثاني فيدور حول التأكيد على أن مسألة إعادة إعمار العراق تتتيح لمنظمة الأمم المتحدة الفرصة للعب دور حقيقى تضلع خلاله بمسئوليتها، وهذا ما تأكد من خلال تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد ماهر أثناء لقائه بالسفير الأمريكي بالقاهرة فى 22 مايو 2003 .
من ناحية أخرى، سكت الخطاب الرسمي لمصر ولو بشكل نسبي عن بعض القضايا المثيرة للجدل فى إطار الملف العراقي ومنها على سبيل المثال مسألة وجود القوات المسلحة الأمريكية فى العراق إلى الآن، و كذلك مسألة إيجاد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق كما يطالب بذلك العديد من القوى العراقية. وأخيرا، من الملاحظ حدوث تراجع سريع فى الاهتمام المصري بالشأن العراقي، وهذا ما يتضح من تتبع أداء الدبلوماسية المصرية خلال النصف الثاني من عام 2003، حيث خفت الاهتمام المصري بهذا للملف فى مقابل التزايد الواضح فى الاهتمام بالقضية الفلسطينية والعودة للتركيز عليها بعد أن كان الاهتمام بها قد خفت خلال المرحلة الثانية للأزمة.
ملاحظات ختامية: يمكن من خلال القراءة السريعة السابقة فى الإدارة المصرية لأزمة الحرب على العراق أو أزمة حرب الخليج الثالثة الخروج بمجموعة من الملاحظات أو الاستخلاصات العامة حول طبيعة هذه الإدارة، ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه فى هذا السياق: • اتسمت إدارة مصر لهذه الأزمة عبر جميع مراحلها بما يمكن وصف بـ "الحذر المنضبط"، كما أن طبيعة الأزمة فرضت على صانع قرار السياسة الخارجية المصرية آليات التعامل معها وإدارتها، ومن ثم كان للآداة الدبلوماسية اليد العليا فى هذا السياق حيث اعتمدت التحركات المصرية على تصريحات المسئولين لاسيما وزير الخارجية. إلا أنه خلال المرحلة الثالثة للأزمة بدا وكأن مصر تنحو لاستخدام وسائل أخرى إلى جانب التصريحات وهى تلك المتعلقة بالتنسيق والاتصالات فضلا عن الآداة الاقتصادية حيث طرحت مسألة إعمار العراق على أجندة الشراكة مع كل من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما بغرض التنسيق وإيجاد أرضية مشتركة تضمن لمصر أن تلعب دورا فى هذا السياق. • على مدار الأزمة بمراحلها الثلاثة، أكد الخطاب الرسمي المصري على وحدة الصف الداخلى، ووجود اتفاق فى وجهات النظر بين الحكومة والرأى العام تجاه هذه المسألة، والتأكيد على أن الحكومة والشعب فى مصر فى زورق واحد إزاء ما يحدث فى العراق. مع التأكيد على أن المناخ السياسي فى مصر يتسم بقدر كبير من الإيجابية ومن ثم فإن المظاهرات التى شهدتها مصر فى هذا الإطار كانت سلمية ولم تتسم بالعنف وشاركت فيها جميع الأحزاب بما فيها الحزب الوطنى الديمقراطي . • كان للمصلحة الوطنية لمصر (من وجهة نظر صانع القرار) الأولوية على ما عداها من اعتبارات كاعتبارات القومية والدور الإقليمي لمصر وغيرها. ولعل هذا كان هو السبب الرئيس فى حرص مصر على التعامل مع العلاقة بالولايات المتحدة على أنها احد ثوابت السياسة الخارجية المصرية. ويتضح ذلك أيضا من حرص مصر من الاستفادة من مسألة إعادة إعمار العراق من خلال إدماجها فى مسألة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، كما كانت أيضا مجالا خصبا للتعاون مع اليابان، بل وللإنجاز بشكل فردى إنطلاقا من أن مصر ذات خبرة كبيرة بالعراق وبالتالى يكون من المفيد لعملية إعادة إعمار العراق أن يشارك فيها مصريون. • يمكن القول أن مجموعة من المثالب قد اعتورت الإدارة المصرية لأحداث هذه الأزمة، وترتبط هذه المثالب فى معظمها بإغفال صانع القرار لبعض الأدوات التى كان من الممكن أن يتم توظيفها على نحو يزيد من ثقل مصر وأهميتها فى محيطها الإقليمي دون أن يكون لذلك تأثيرات سلبية على علاقتها التحالفية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن تلك الأدوات توظيف قوة النظام الإقليمي بشكل فعال خلال الأزمة، فعلى الرغم من مشاركة مصر وتفاعلها فى كل فعاليات التى أجريت فى إطار هذا النظام إلا أنه يمكن القول أنه كان هناك نوعا من الضعف فى الخطاب الرسمي المصري إزاء أهمية وفعالية التحركات فى هذا الإطار، كذلك أغفلت مصر إمكانية التنسيق مع القوى ذات الثقل الاستراتيجي فى المنطقة مثل إيران وتركيا واللتين يرى الخبراء أن التنسيق معهما كان على درجة كبيرة من الأهمية فى ذلك الوقت . وبالمثل يمكن القول أن الدبلوماسية المصرية لم تتحرك على المسار الأوروبي بالشكل المناسب، فعلى الرغم من بروز هذا التوجه أحيانا فى الخطاب الرسمي المصري، إلا أن ذلك لم ينعكس على أرض الواقع، إذ لم تلجأ مصر إلى الاستفادة من مزايا الجوار الأوروبي والمصالح العربية-الأوروبية المشتركة ، وذلك على الرغم من وجود قوى أوروبية مهمة أعلنت مرارا وبصور مختلفة معارضتها للحرب على العراق (مثل فرنسا من داخل الاتحاد الأوروبي وروسيا من خارجه) كان من الممكن التنسيق معها ولو على مستوى التصريحات بحيث تظهر ملامح الموقف المصري على نحو أكثر صلابة/ صرامة، وهو ما كان سيترك مصر فى موقف تفاوضي أقوى لاسيما فى إطار علاقتها بحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المهم الإشارة فى هذا السياق إلى أن معارضة الحرب لم يكن يعني بحال مناصبة الولايات المتحدة العداء أو إعلان الحرب عليها ولكن كان يجب أن يتم استخدامه لتحسين وتقوية الموقف التفاوضى لصانع قرار السياسة الخارجية المصري فى إطار ما تقضي وتسمح به الحسابات الرشيدة لعملية صنع السياسة الخارجية.
#مروة_نظير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إدارة أزمات السياسة الخارجية: مدخل نظري وتحليلي
-
أثر انتهاء الحرب الباردة على منظومة القانون الدولي
-
عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة: التطور المفاهيمي وا
...
-
من الأمن الجماعي إلى الأمن الإنساني: تحول اهتمام المجتمع الد
...
-
جنود حفظ السلام وإشكالية الحماية/ المسئولية
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|