|
بعد ترحيل العمال الاجانب، محاولات لاستعباد العمال المحليين
اساف اديب
الحوار المتمدن-العدد: 965 - 2004 / 9 / 23 - 10:16
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
شؤون نقابية بعد ترحيل العمال الاجانب، محاولات لاستعباد العمال المحليين
سوق العمل في فرع البناء مر في السنتين الاخيرتين تخفيضا ملموسا في عدد العمال الاجانب؛ الفراغ اعاد العمال العرب الى العمل، لكن المقاولين يريدونهم غير منظمين ودون الحد الادنى من الحقوق الاجتماعية؛ التحدي امام عمال البناء العرب يكمن اليوم في استغلال الحاجة الجديدة لبناء اطار نقابي، وبلورة قوة جماعية تفرض حقوقها على شركات البناء.
اساف اديب
سياسة الحكومة تقليص عدد العمال الاجانب المتبع منذ عام 2001، بدأت تعيد للعمال العرب الشعور بان فرع البناء الاسرائيلي عاد للارتكان عليهم، وذلك لاول مرة منذ عقد من الزمان. المشكلة ان شركات البناء الكبيرة تواصل رفض استيعاب العمال بشكل مباشر ودفع حقوقهم حسب الاتفاقات الجماعية لعمال البناء، وتصر على تشغيلهم من خلال مقاولين فرعيين او شركات القوى البشرية التي ازدهرت في المدة الاخيرة. المؤسف ان العديد من العمال ينجرون للعمل غير المنظم، بسبب الوعود باجور عالية، دون الاهتمام بثبات العمل وبالحقوق الاجتماعية، وخاصة التقاعد. من جهة اخرى، تواصل الشركات حملتها الدعائية بهدف استعادة العمال الاجانب او على الاقل فرض العمل الرخيص، اذ تحمّل العمال العرب المحليين مسؤولية الخسائر لديها، وتدعي انهم اكثر كلفة واقل نجاعة من العمال الاجانب. غير ان الحقيقة ان خسائر الشركات وانهيار بعضها نابع من وضع الاقتصاد الاسرائيلي عموما، ووضع سوق البناء خصوصا بالاضافة لنفقات غير معقولة على الادارة.
تمرد المقاولين
القرار الحكومي الصادر قبل ثلاث سنوات بتخفيض عدد الرخص لاستيراد العمال الاجانب، لم يأت من باب الحرص على مصلحة العمال العرب. المبرر الرئيسي لتغيير سياسة الحكومة هو الوضع الاقتصادي المتدهور. فقد كانت نتيجة السياسة السابقة ارتفاع نسبة البطالة واضطرار الدولة لتمويلها من خلال المخصصات. كما ان ارسال العمال الاجانب اموالهم خارج البلاد، منعت تحرك الاقتصاد المحلي. بعد تغيير السياسة يقدر بان عدد العمال الاجانب انخفض الى ثلث ما كان عليه. فمن 45 الف عامل مرخص و30 الف عامل دون ترخيص عام 2001، انخفض الى 15 الف عامل اجنبي مع ترخيص و10 آلاف عامل دون ترخيص. ولكن اتحاد مقاولي البناء كما يبدو يرفض القبول بالامر الواقع، فبدأ حملة مكثفة بهدف الطعن في قدرة العمال المحليين المهنية والتشكيك بامكانية فرع البناء الصمود دون عودة العمال الاجانب. وحتى إن لم يتم استعادة العمال الاجانب من خلال هذه الحملة، فعلى الاقل ان يحصل المقاولون على عمال يعملون في الظروف التي عمل بها العمال الاجانب، لضمان الارباح الخيالية للشركات. الحملة الاعلامية الكاذبة تبدو واضحة في تصريح مدير عام شركة دينيا سيبوس، الذي اعلن في مقابلة لصحيفة "هآرتس" (13 حزيران) ان شركته مستعدة لدفع 12 الف شيكل اجرا شهريا للعامل، ولكنها لا تجد عمالا. رئيس اتحاد المقاولين، سام اولبينر، وجّه مكتوبا احتجاجيا شديد اللهجة بهذا الاتجاه الى رعنان دينور، مدير عام وزارة العمل، اتهمه فيه بعرقلة تقدم فرع البناء بسبب منعه استيراد العمال الاجانب. في رده على رئيس الاتحاد قال دينور ("غلوبس"، 6 ايلول) ان عدد الرخص التي اصدرتها الحكومة لعام 2004 كان 20 الف عامل اجنبي، ورغم ذلك يعمل في الفرع حتى الآن فقط 15 الف عامل اجنبي، الامر الذي يدل على عدم وجود نقص حقيقي في الايدي العاملة. رسالة دينور انتقدت المقاولين بسبب عدم استعدادهم لاستيعاب العمال الاسرائيليين.
لماذا تخسر سوليل بونيه؟
في دعايتهم يحمّل المقاولون العمال المحليين "باهظي الثمن" مسؤولية خسائر الشركات، ويهددون بانه اذا لم تسمح الحكومة باستيراد المزيد من العمال الاجانب، فسيؤدي ذلك الى افلاس وانهيار العديد من الشركات. في هذا المجال صرح مدير عام اكبر شركة بناء في البلاد "سوليل بونيه"، بان خسائر شركته التي وصلت الى 92 مليون شيكل خلال النصف الاول من عام 2004، لم تأت بسبب سوء الادارة واجور المدراء المرتفعة، بل بسبب العمال. التفسير الذي قدمته الشركة الى "غلوبس" حول اسباب الخسائر كانت: "النقص في عمال البناء الاجانب بسبب سياسة "السماء المغلقة" (اي منع استيراد العمال الاجانب – أ.أ.)، والنقص في عدد العمال الفلسطينيين بسبب الاغلاقات المتكررة، اديا لتأخير كبير في تسليم الورشات ودفع غرامات كبيرة. اضافة الى ذلك، طرأ ارتفاع كبير في تكلفة العمال المحليين الذين يقدمون انتاجا متدنيا علما ان تجهيزهم للعمل يستغرق فترة طويلة". (31 آب) الغريب انه بعد قيام سوليل بونيه بفصل 200 عامل محلي في الاشهر الستة الاخيرة، زادت خسائر الشركة الامر الذي يدل على ان مصدر الخسائر هو في الادارة وليس في العمال. محرر "هآرتس" لاحظ في مقاله حول خسائر سوليل بونيه ان ادعاءات الادارة ول مصدر خسائرها، هي محاولة للبحث عن كبش فداء بينما الحقيقة ان الخلل يكمن في ادارتها. (يورام غبيزون، 1 ايلول)
شركات القوى البشرية تزدهر
يتم تشغيل العمال المحليين ولكن بشروط عمل وحقوق تشبه الى حد ما الوضع مع العمال الاجانب. جمعية معًا النقابية التي تحرص على فتح ابواب الشركات امام العمال العرب المحليين، واجهت موقف شركات كبيرة ومتوسطة مثل "دينيا سيبوس" و"ارنسون" و"بوني تيخون" و"ب. يئير" و"بيرتس بوني هنيجف" وغيرها، التي ترفض تشغيل العمال بشكل مباشر، وتفضل استيعابهم من خلال طرف ثالث مثل شركات القوى البشرية او المقاولين الفرعيين. حتى الشركات التي استوعبت عمالا عن طريق الجمعية للعمل لديها بشكل مباشر، مثل "سوليل بونيه" و"اشتروم" و"شفير"، فانها تقوم بتقليص عددهم للحد الادنى وتحرص على تسليم عملها لمقاولين فرعيين. معظم المقاولين الفرعيين وشركات القوى البشرية الذين يشغلون اغلبية قوة العمل العربية المحلية، لا يدفعون الحقوق الاجتماعية للعمال. وفي كثير من الحالات يدفعون الاجر بشكل غير منتظم وفي موعد متأخر (في ال25 من الشهر بدلا من التاسع من الشهر، وبعضها لا يدفع الاجور اطلاقا). كما يستهتر هؤلاء المشغّلون بوسائل الوقاية الضرورية، الامر الذي يزيد من حوادث العمل الخطيرة. في اعقاب توقيع اتحاد شركات القوى البشرية مؤخرا على اتفاق جماعي مع الهستدروت لضمان حقوق العمال وتشغيلهم حسب الاتفاق الجماعي، قامت جمعية معًا بالاتصال بعدة شركات للقوى البشرية الكبرى بهدف الوصول معها لاتفاق عمل يضمن حقوق العمال. النتيجة حتى الآن كانت مخيبة للآمال: شركات القوى البشرية الكبيرة لا تشغل عمالا في مجال البناء، اما الشركات الاصغر التي تتعامل مع عمال البناء، فتصر على عدم ضمان حقوق العمال، حتى بعد الاتفاق مع الهستدروت. احدى هذه الشركات التي توصلت معها الجمعية لاتفاق، تنكرت بسرعة لالتزاماتها. فبدأت تحرّض عمال الجمعية على ترك الاطار النقابي والانتقال للعمل غير الرسمي، او بمعنى آخر: الحصول على اجر 5500 شيكل، ولكن في قسيمة الاجر (تلوش) يسجل اجر بقيمة 3000 شيكل، والهدف هو توفير تكلفة ضريبة الدخل والتأمين الوطني. العامل هو الذي سيدفع الثمن عندما يأتي حساب التعويضات عند الفصل والحصول على مخصصات البطالة، او مخصصات اصابة العمل.
حملة جمعية معًا
ازاء هذا الواقع الجديد يجب ان يدرك العمال العرب ان الفرصة المتاحة امامهم في سوق البناء هي امر مؤقت يجب استغلاله بحكمة، دون الانجرار وراء اوهام الارباح السريعة دون الحقوق الاجتماعية. وعود المقاولين الفرعيين باجور عالية تُدفع "تحت الطاولة" هي عادة وعود غير حقيقية، ناهيك عن ان العمل دون الحقوق الاجتماعية وحتى دون ضمانات لدفع الاجر في الوقت هو عمل ذو طابع فوضوي لا يمنح العامل امكانية العيش باستقرار. جمعية معًا تطرح البديل لهذه الفوضى من خلال اصرارها على دفع الاجور الرسمية، والتزام الشركات بكافة الحقوق الاجتماعية، وذلك اعتمادا على الروح الجماعية والتضامن بين العمال، بعيدا عن المصلحة الشخصية الانانية لكل عامل. في نهاية المطاف العمال المنظمون الذين يدركون قوتهم وحقوقهم يستطيعون فرض شروطهم على الشركات، واغلاق الطريق امام العمل الرخيص وغير المنظم.
مجلة الصبّار، ايلول 2004
#اساف_اديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب العمل يستعيد الهستدروت
-
عمال غزة رهائن النزاع المسلح
-
تبعية الاقتصاد الفلسطيني تمنع الاستقلال السياسي
-
عمال الكنيست - اين الحبة واين القبة
-
تبعية الاقتصاد الفلسطيني تمنع الاستقلال السياسي
-
مقابلة مع د. يوسي دهان - كيف تقضي الهستدروت على نفسها
-
قضايا عمالية - لماذا الغي الاضراب في اسرائيل؟
-
ميزانية نتانياهو تدعم رأس المال وتهمش العمال
-
خطة نتانياهو تعجل الانهيار الاقتصادي
-
النقابة – الاساس للعمل الثوري
-
الساحة الاسرائيلية تتجه نحو اليمين
-
اقتصاد اسرائيل ينجو.. مؤقتا
-
عمال غزة بين الاحتلال وفوضى السلطة
-
كيف تحول الرفاه الاسرائيلي الى قنبلة موقوتة؟
-
الاقتصاد الاسرائيلي في ورطة
-
مأزق الاقتصاد الاسرائيلي وانهيار وهم العولمة
-
اتفاق الدوحة محطة في الطريق لنهاية العولمة
-
مناهضة العولمة تمهد لبناء حركة عالمية ضد الحرب
-
نقابيون بريطانيون يبادرون لبناء تيار نضالي جديد
المزيد.....
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد
...
-
The WFTU statement on the recent development in the Ukraine
...
-
بيان اتحاد النقابات العالمي حول التطور الأخير في الحرب الأوك
...
-
مزارعون يغلقون ميناء في فرنسا احتجاجا على محادثات مع ميركوسو
...
-
“وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم
...
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|