|
توظيف التاريخ والأعراف الاجتماعية لخدمة العملية الديمقراطية
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 965 - 2004 / 9 / 23 - 10:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لقد فشل المعيار ومسطرة القياس الذي اعتمده الفكر الشمولي لإسقاط آراءه وأفكاره على جميع المجتمعات دون النظر إلى خصوصية كل منها. ففي تاريخنا العربي هناك الشيء الكثير من الايجابيات، يمكن توظيفها في عملية التحديث والديمقراطية للمجتمع، وهناك العديد من القادة في التاريخ مارس بشكل فعلي مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر بدليل تعدد المدارس الفكرية وتطور العلوم أبان العصر العباسي الأول. وقبل ذلك لنا في ولاية الخليفة الرابع الأمام علي (ع) ممارسة فعلية لمبدأ احترام الرأي مع معارضيه من الخوارج بالرغم من خروجهم على ولايته ومحاربتهم له. روى ((الغزالي)) أن قضاة الخليفة الرابع ((علي بن أبي طالب)) استشاره في شهادة الخوارج في المحاكم في البصرة، فأمر بقبولها كما كانت تقبل منهم قبل خروجهم عليه. لأنهم أنما حاربوا على تأويل وفي رد شهادتهم تعصب وإثارة خلاف. قال الأمام علي (ع) عن الخوارج أنهم إخواننا لكنهم بغوا علينا. وكتب الأمام علي (ع) إلى عامله في مصر ((الأشتر النخعي)) يوصيه بالرعية: وأشعر قلبك الرحمة بهم والمحبة لهم، واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم. فأنهم إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل. إما في النظام العشائري فهناك من الايجابيات ما يمكن توظيفه لصالح أحد أسس الديمقراطية (مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر) فالديوان العشائري عبارة لقاء اجتماعي يتم فيه تداول شؤون العشيرة ورد المظالم وطرح الآراء ومناقشة شؤون العشيرة بحرية تامة، وليس هناك موانعاً تعيق عملية المشاركة في إبداء الرأي. تلك الشواهد من التاريخ والحاضر لو أمكن توظيفها واستثمارها فإنها لا يختلف بمضمونها عن المبدأ الديمقراطي ( احترام الرأي والرأي الآخر) حيث يعتبر في النظام العشائري عبارة عن عُرف اجتماعي وفي النظام الديمقراطي يعتبر حقاً دستورياً. ومن وجهة نظر قانونية فأن العُرف الاجتماعي له قوة القانون عند عدم وجود قاعدة قانونية تنص عليه أو تتعارض معه. يقول ((فرانسيس جانسون)) أن قضيتنا ليست ناصعة البياض، ولكن كيف ترون لون قضيتكم. تستند الديمقراطية إلى مبدأ أساسي في منظومتها إلا هو (احترام الرأي المخالف) وتنظوي تحت هذا المبدأ آليات تفعيل المجتمع من خلال تعدد الآراء والأفكار حول سُبل تطوره وتقدمه. وكلما تعددت الآراء نتيجة الصراع الاجتماعي، تعددت الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة والتوصل للحل الأمثل. وبالضد من ذلك فأن صيغة الخيار الواحد الذي تلجأ إليه النظم الشمولية تعرقل مسيرة التقدم الاجتماعي وتضيق مساحة الحرية وما تتفاعل فيها من الآراء المختلفة وبالتالي تحديد لعدد الخيارات المتاحة. والسؤال المطروح هل الديمقراطية متاحة لجميع أفراد المجتمع؟. من المفترض أن تكون الديمقراطية متاحة لجميع أفراد المجتمع، لكن حدودها تنتهي مع التجاوز على حدود الآخرين لأن إحدى أسس الديمقراطية تعني حماية حقوق الأفراد والجماعات في المجتمع. ولا توجد فرصة متاحة في النظام الديمقراطي لمن يرغب تخطي حدود المجتمع. ويرى ((هابرماس)) لا ديمقراطية دون الاستماع للآخر والاعتراف به، ودون بحث عما له قيمة كونية في التعبير الذاتي عن ذوق أو تفضيل. أن النشاط الديمقراطي في البرلمان أو أمام المحكمة أو في وسائل الأعلام يفترض أولاً أننا نعترف بصلاحية ما لموقف الآخر، إلا في حالة وضع الآخر نفسه بوضوح وحتى عن قصد فوق حدود المجتمع. الخروج على النظام يعني تجاوز حدود المجتمع المرسومة من قبل النظام الديمقراطي، أي تخطي أعراف النظام الاجتماعي أو العمل على تأسيس نظام جديد يتعارض والنظام القائم. ويهدف هذا الخروج على النظام إلى تعدد قيادات المجتمع من خلال اضطلاع أفراد أو مجموعات لفرض رغباتها وأهدافها الخاصة على النظام الاجتماعي القائم، وهو نزوع نحو الفردية والتسلط لتحقيق الأهداف الخاصة. ويرى ((بارسونز)) أن الفردية ليس مجرد مسألة إلغاء النظام الاجتماعي، بل هي نوع خاص من النظام. أن اختلاف الرأي في النظم الديمقراطية لا يفضي إلى مقاطعة أو خصام أو تهميش، لأنه يعني المصارحة واعتماد الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة. لقد فشلت الأحزاب الماركسية في الوطن العربي في توظيف التاريخ والدين والتقاليد الجيدة في عملية التحديث، ومارست العكس حيث عمدت على النيل من أسس الدين في مجتمعات مازالت تجده أحد أهم أركانها الأساس وحاربت التقاليد والأعراف دون تميز أو رؤية سليمة بجوانبها الايجابية وبذلك وضعت نفسها في خندق معادي للتوجهات الاجتماعية ولم تتمكن من قراءة الخصوصية التي تمتاز بها المجتمعات العربية وبالنتيجة فأنها أصبحت خرج إطار المجتمع. ويتساءل (( ماهر الشريف))" ما الذي يمنع الماركسي العربي اليوم أن يتعامل إيجابياً مع الليبرالية السياسية، ولاسيما بعد أن بينت التجربة خطأ تجزئة الديمقراطية بصور اعتباطية إلى ديمقراطية اجتماعية وديمقراطية سياسية؟ وما الذي يحول دون أن يكون الماركسي (قومياً عربياً) يحفظ لاسيما في هذا الزمن، فكرة القومية العربية بمضامينها الإنسانية، على قاعدة الإيمان بالتفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب؟ بل أكثر من ذلك ما الذي يحول دون أن يبني هذا الماركسي التراث النقدي لحركة الإصلاح الديني التي قامت على أساس الجمع بين الإسلام والعقلانية. والدعوة إلى الاجتهاد كمدخل إلى تأويل النص الديني وخصوصاً بعد أن برز بوضوح أن تعدد منابع الماركسيين ومذاهبهم الفكرية يجعلهم قادرين على تمثيل كل الإسهامات النقدية التحريرية التي شهدها الفكر العربي منذ بداية عصر النهضة إلى الآن، ويحولهم إلى ورثة لكل ما هو نقدي وإنساني في النضال العربي، وإلى معبرين عن طموحات كتلة شعبية واسعة تتكون من طبقات وشرائح اجتماعية مختلفة".
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معوقات التغير والتحديث في المجتمع
-
المنظومات الشمولية والديمقراطية واللبيرالية بين الممارسة وال
...
-
الديمقراطية تعبير عن الذات والحب
-
السلطة الديمقراطية والمجتمع
-
الأهداف والتوجهات في الفكر الشمولي والديمقراطي
-
المواطنة والديمقراطية في الوطن العربي
-
المبادئ الجديدة للإصلاح في النظام الديمقراطي
-
شرعية الأنا ومقومات الذات
-
المنظومات الشمولية والذات الإنسانية
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 3-3
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 2-3
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 1-3
-
*مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 2-2
-
*مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 1 -2
-
نصائح مهمة للكاتب للتعامل مع دور الطباعة والنشر في الوطن الع
...
-
محنة الكاتب والقارئ العربي
-
محنة الكاتب مع أجهزة الرقابة الحكومية والسلفية على الثقافة
-
أساليب الغش والخداع التي تمارسها دور الطباعة والنشر مع الكات
...
-
محنة الكاتب مع دور النشر في الوطن العربي
-
السيد مقتدى الصدر بين غياب الرؤية وفشل الهدف
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|