|
الحسين هل كان ثورة ام تمرداً ؟!!!
سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 3218 - 2010 / 12 / 17 - 14:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحسين هل هو ثورة أم تمرد ؟!!!
هل كان خروج الحسين ثورة أم كان تمرداً , الحقيقة إن البحث في أسباب ومقدمات ثورة الحسين وكذلك النتائج التي ألت إليه .. يتطلب منا التمعن بالذي حدث ولماذا حدث وكيف حدث ...وهل الممكن إن نتلافى الذي حدث ...فالذي حدث زلزل العالم الإسلامي ..وغيره من النقيض للنقيض ... وربما بسببه انقسم العالم الإسلامي الى أكثر من قسم ...كل يدعي انه على حق والكل يدعي هو الحق وغيره باطل .... البعض قال (( إن خروج الحسين بن علي كان مفسدة عظيمة وما كانت لو سلم بيده وبايع يزيد )) .... والبعض قال لولا الحسين لانتهى دين محمد في الأرض ... وما عبد الله بعد ذلك أبدا ... كل المشاهد تحول إن تجعل الحسين إما متمرد كان لابد من عقابه ...لان خروجه مفسدة كبيرة ...والبعض حوله إلى قديس لا بل أفضل من كل القديسين وجعله إماماً معصوما واجب الطاعة ..وما خروجه إلا حلقة في سلسلة كبيرة من التضحيات في مسيرة الأنبياء تضيف أو تكمل الحركة التي بدأها النبي محمد ومن بعده ابن عمه ووصيه الإمام علي ...
هل نعود للبدايات ..ونسير مع الإحداث ونعرف هل كان يزيد واجب الطاعة , أم كان مستبد بالسلطة يحكم بغير سند حقيقي أو شرعي , هل كان خروج الحسين تمرد على حاكم واجب الطاعة , أم كانت ثورة لا بد إن تكتمل فصولها بمقتله الشريف على ارض كرب وبلاء ....
بغض النظر عن الخلاف الذي دب بين الإمام علي وبني هاشم من جهة وبين أبو بكر وعمر وباقي الصحابة من جهة أخرى حول من الأحق بالخلافة ... الا أن حكومة أبو بكر كانت حكومة واقعية وكانت حكومته بعد الشد والجذب والخلاف الذي تم في سقيفة بني ساعدة ...حيث حضر ذاك الاجتماع كل الفر قاء ..والذين يطالبون بالحكومة (( الخلافة )) فلقد حضر أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب ..وحضر جل الأنصار بقيادة سعد بن عبادة ..والحقيقة إن الاجتماع كان بتدبير من الأنصار أو مؤامرة من الأنصار للبحث بشان الخلافة ..ومن يكون خليفة رسول الله ...لان وجهة نظرهم أنهم هم من ساندوا الرسالة بعد خروجها هاربة بدون ناصر أو مغيث من مكة ...فكان يريدون إن يتم الأمر لهم قبل إن ينتبه المهاجرين للأمر ...أليست هي السيادة أليست هي القوة ..أليس هو النفوذ .. أليست يثرب كادت قبل قدوم النبي محمد إن تتحول إلى مملكة ربما تقود العرب وتفضل العرب .... لمَ سمع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بالأمر ...إن الأمر سوف يتم بدون المهاجرين أسرعوا إلى السقيفة لتدارك الأمر ...فكان القدرة الخطابية لا بو بكر وعمر تدارك الأمر ...إلا إن الاجتماع تخلف عنه الإمام علي وهو الذي يرى نفسه الأحق بالخلافة ... ويعتقد إن الخلافة عقدت له في غدير خم حين قال الرسول ...(( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ..اللهم والي من والاه وعادي من عاده ....الخ )) .... عقدت الخلافة الى ابوبكر ..والحقيقة إن الإمام علي لم يبايع ولم يبايع بني هاشم معه ...إلا بعد وفاة السيدة فاطمة ...
الحقيقة إن أبو بكر وعمر تشددوا بالإحكام والسير على مسيرة الرسول العظيم وكان الإمام علي بجانبهم ..لم يتركهم ولم يحاربهم ولم يرفع لواء المعارضة الشديدة ...مع اعتقاده الأكيد بأنه الأولى بالخلافة ..وكان معظم أصحابه وبني هاشم ساروا مسيرته بالإرشاد والنصح ...بحيث لم يتأثر العالم الإسلامي ولا الحكومة الإسلامية ...ولم يكن الخلاف شديدا أو كبيرا بين الصحابة الأولون ...إنما كانوا قدر الإمكان يحافظون على العلاقات الحسنة بينهم ...فكان بينهم كثير من الصحبة وكثير من التزاوج .. وكثير من التراحم ... وحتى إن عمر بن الخطاب تشدد جدا بالأمر بعدم خروج الصحابة من المدينة ... ومع شدة تأزم الأمور إثناء حروب الردة في أيام أبو بكر ...لدرجة انه قيل إن المدينة كانت مهددة بغزو الإعراب لها بعد وفاة الرسول الكريم ...إلا إن تماسك الجبهة الداخلية ..والحكومة في المدينة ...وتمسك الإمام علي بجانب النصح بتلك الفترة ...جعل الأمور تتحسن ..وتبدأ بعد حروب الردة عصر الفتوحات الإسلامية ...والتي فتحت بها معظم البلاد والتي أصبحت اسلامية للأبد ....
وبقيت الخلافة وطريقة تقريرها تسبب ارقأ للعالم الإسلامي كله ..وتسبب أرقا وقلقا لكل المسلمون الأوائل ..والذين يرون في أنفسهم الحق بالخلافة ... طريقة اختيار الخليفة هذا القلق الدائم ..والذي يثار كلما دنا موت خليفة ... المشكلة ان المسلمون لم يتفقوا على ان النبي محمد اوصى لأحد ...الشيعة يؤكدون في كل أدبياتهم ومنابرهم ليلا نهار إن النبي محمد قد أوصى للإمام علي بغدير خم ... بينما لا يتفق معهم المسلمون السنة بذلك ..ويقولون لم تكن تلك وصية ... الشيعة يظهرون حديث رزية الخميس حين قال النبي محمد هاتوا قرطاسا لأكتب لكم كتبا لن تظلوا بعده أبدا ...دليلا إن النبي محمد كان يريد إن يكتب الوصية للإمام علي .. إلا إن بعض الصحابة ومن ضمنهم عمر بن الخطاب ...قالوا لدينا كتاب الله ..دعوه فلقد اشتد عليه المرض ..حتى قال النبي قوموا لا يستوجب النزاع عند النبي .... المشكلة في اختيار الخليفة ...فهل نتبع طريقة سقيفة بني ساعدة, والذي كان أشبه بالانتخاب والإجماع على شخص أبو بكر وتكون هي الطريقة الأفضل ...أم تلك الطريقة بالنص على شخص عمر بن الخطاب ...مثلما فعل ابو بكر قبل وفاته ...أم نلجأ إلى اختيار ستة أشخاص بحيث لأتخرج منهم كما فعل عمر بن الخطاب ... إلا إنهم بكل الطرق السابقة كانوا يذعنون للأمر ..ويقرون بالخليفة ...ربما لأنهم الأقرب إلى عهد الرسول ..وكان من الممكن إن يجمع في هذا العصر ..مالا يمكن جمعه بغيره من العصور ... كانت طريقة عمر إن يختار المسلمون بين ستة أشخاص ...وجعل الرأي الأخير إلى عبد الرحمن بن عوف احد الستة المختارون ..وكان صراع بين الإمام علي والذي يري نفسه الأحق وبين الخمسة الباقون ..والذين أبوا إن يكون علي هو الخليفة ... وكانت خلافة عثمان والتي استمرت عشرون سنة من عمر الدولة الإسلامية ....
لم يكن عثمان مثل أبو بكر أو عمر ...عثمان قرب كل أقاربه وإتباعه وجعلهم في مقدمة الحكومة الإسلامية .... لا بل أعاد للمدينة كل الذين أبعدهم النبي محمد..وعمل على إبعاد صحابة الرسول لا بل أحيانا معاقبتهم كما فعل مع ابو ذر الغفاري .....أصحاب الرسول الذين كان عمر بن الخطاب يحرص على وجودهم معه في المدينة ...ربما خوفا إن تأتي لحظة تتفرق بها كلمة الأمة ...لأنه ربما يشعر إن هؤلاء االصحابة هم كلمة الأمة ...إن اجتمعوا فلقد اجتمعت الأمة ...وان تفرقوا فلقد تفرقت كلمة الأمة .....
لم يكن عثمان له بعد النظر للخليفة عمر ..والحقيقة إن اختيارات وقراراته كانت أول الطريق للثورات التي تمت بعد ذلك .. وربما فترة حكم عثمان كانت أول مفترق للطريق تمر به الأمة الإسلامية ...بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة . ومن أكثر الاختيارات السيئة ..والتي تسببت بكثير من مشاكل الأمة الإسلامية ..... اختيار مروان بن الحكم وزيرا وحاجبا له ...فلقد تسبب هذا الرجل في مشاكل لا حصر لها للخليفة عثمان ...مشاكل كان في غني عنها ..لا بل أن الصحابة فعلوا المستحيل لإصلاح شي بسيط من أخطاء هذا الوزير ... وكان أخرها ..الوفود التي أتت من مصر وبعض الأقطار والتي تطالب بعزل ولاة تلك الأمصار ..وبعد الاحتجاج والتجمع إمام بيت عثمان وتدخل الصحابة ومن بينهم الإمام علي بين الثوار وعثمان وموافقة عثمان على عزلهم ...إلا إن مروان بن الحكم ..أرسل كتب بتوقيع وختم عثمان بقتل الوفود ...إلا إن هذه الكتب وقعت بأيدي الوفود وهي مغادرة ... أدى إلى عودتها ...والمطالبة برأس مروان بن الحكم ...ورفض عثمان تسليمه لهم ..أدى إلى توتر الأمر ومحاصرة الخليفة في بيته وأخيرا مقتل الخليفة .....
ولأول مرة ظلت الأمة بلا خليفة ..ولا يوجد نص أو وصاية أو حتى ما يشير بطريقة معينة لاختيار خليفة ...ربما هذه المشكلة والتي لم تحسم في صدر الإسلام ...والحقيقة هذا الأمر تسبب بكثير من مشاكل وسؤ نية بين كثير من الشخصيات الإسلامية ...وربما هذا أدى مما أدى إليه ...وهو قتل الحسين في النهاية .... حقيقة مؤلمة ومرعبة في نفس الوقت لم تكن الدولة الإسلامية تملك طريقة صحيحة ومقنعة لاختيار الخليفة .... حتى مبدأ الشورى والذي دعا له الرسول والقران لم يكن واضح المعالم ... والحقيقة إن العالم الإسلامي اتجه في اختياره الحاكم ..الى ما تعودت عليه الأمم في ذلك الوقت ..وهو الخلافة الوراثية بين الأقوى من صحابة أو أتباع الحاكم الأول ....
خلت الساحة من خليفة ...بعد مقتل عثمان والحقيقة هو أمر مربك حقا لكل الصحابة ... الذي بقى من صحابة الرسول وعلى رأسهم (( طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وحتى الإمام علي )) لم يتحرك منهم أي احد لمسك زمام الأمور ...وانأ اعتقد أنها لحظة رهيبة ومرعبة في نفس الوقت فكأن الزمان توقف بها ...لا يريد إن يتحرك ..أو ربما تكون تلك الليلة أطول ليلة في التاريخ ...أو ربما تكون الثواني أو الدقائق تمر إبطا من أي شي أخر .... فجأة تحرك الشارع وتحركت الجماهير تحاصر بيت الإمام علي ..تطالبه بان يكون هو الخليفة ... ساعتها قال الإمام علي (( إن أكن وزيرا أفضل من أكون خليفة )) إلا إن اشتداد طلب الجماهير ... والتي اعتقد جازما لو لم يوافق الإمام على مطالبها لتحولت إلى مجاميع هائجة تخرب وتقتل كل من يقف إمامها ...قال الإمام علي (( إن يكن في الجامع على مرأى من كل الناس )) ...وكانت الخلافة الرابعة للدولة الإسلامية .... خلافة بانتخاب شعبي ..
وفي الجو الثوري والغاضب هذا ..ربما يتسنى لي أرى مشهد ... المبايعون وهم يتقدمون لمبايعة الإمام على ..ومن جملتهم كان (( طالحة والزبير )) ... واعتقد أنهم بايعوا مرغمين لأنهم وجدوا أنفسهم في موقع صعب جدا ..الأهون به مبايعة الإمام علي ...الأصعب على نفوسهم والأبعد عن أمالهم ...لذلك نجدهم في أول فرصة يستغلونها للخروج مصطحبين معهم السيدة عائشة ..لتكون أول حرب داخلية في المجتمع الإسلامي بعد حروب الردة ...حرب الجمل كانت أول حرب بين الصحابة أنفسهم ... حرب السلطة والمال والنفوذ تشتعل بين أصحاب الأمس ... ويذهب ضحيتها حسب ما قيل 70 إلف قتيل احتار المسلمون كيف يصفون الخاسرون والفائزون ...هل هؤلاء منتصرون لهم الجنة ...أو أولئك شهداء لهم الجنة ....
إلا إن الإمام علي كان هو السلطة الحاكمة الشرعية ...وكان الزبير وطلحة ...هم من رفعوا لواء التمرد على السلطة الشرعية ....
بعد ذلك ظهر طامع أخر بالسلطة ...وهو معاوية بن أبي سفيان ...فلقد رأى به الإمام علي احد الفاسدين والذين يجب إزالتهم ...ومعاوية المستقر في حكم الشام ..منذ عشرون سنة تقريبا ..منذ عهد عمر بن الخطاب ....فكان الاستقرار بجانب معاوية .... وكان الاضطراب وعدم الاستقرار بجانب الامام علي ....
وبقيت حروب علي ومعاوية ...حتى وفاة الإمام علي ثم كانت مقتل الإمام علي على يد ابن ملجم المأساوي ...فتحلق المسلمون حول الإمام هل نبايع الحسن أو نبايع شخص أخر .... قال لهم الإمام علي (( لا أمركم ولا أنهاكم )))....
الحسن كان الخليفة الخامس واستمرت خلافته لمدة ستة أشهر ...انتهت بتنازله بالخلافة لمعاوية بن أبي سفيان بالوثيقة المعروفة بصلح الحسن ....
ربما كان صلح الحسن خطوة من الخطوات التي قادت إلى مذبحة كربلاء ... فهل كان معاوية الأفضل لقيادة الأمة الإسلامية بعد الحسن .... هل الشروط التي وضعت لمعاوية حتى يتقيد بها ...كانت واجبة الإلزام ...أم كان معاوية يوافق على أي شي حتى يتحلل من الالتزام بعد ذلك ..فكانت مناورة من معاوية ...ومعاوية موقن في قرارة نفسه .... إن هذا الصلح أو بنوده لا تساوي عنده جناح بعوضة ..... كيف يمكن الركون إلى معاوية ... كيف يمكن الركون إلى ذمة معاوية المعروف عنه المداهنة والدهاء ... هناك خلال خطير في صلح الحسن وبنوده ...وصلح الحسن هذا قاد الأمة لكثير من المصائب التي ...لو لم ينعقد هذا الصلح لوقانا الله شرها .... حين كتبت بنود الصلح ...لماذا لم يكن هناك تشدد ..حول الالتزامات التي يلتزم بها معاوية .... هل كان الحسن حسن النية ومعاوية سئ النية .. وضاعت الأمة بين حسن نية الحسن وسوء نية معاوية .... نتساءل كذلك ...هل شاور الحسن في إقرار تلك البنود ..ام تفرد بوضع تلك البنود ... لو كان للناس الرأي في ذاك الصلح ...هل كانوا يختارون ذاك الصلح ...أم يطلبون الاستمرار بالحرب لنهاية الأمر ... نحن الشيعة نعتقد إن الحسن إمام معصوم واجب الطاعة ...أليس الواجب ساعتها إذا أراد الحسن إن يتنازل ... إن يتنازل إلى إمام أخر واجب الطاعة ...وهو الحسين ... لماذا التنازل لمعاوية ...ومعاوية ...وبنظر شخص له اقل دراية بالسياسة وفن الكذب الممكن ..يعرف إن معاوية سوف يتحلل من التزامات هذا الصلح ...وهذا ما كان ... فمن بنود الصلح الأمر لمعاوية فان مات يعود للحسن او الحسين بعده ...إذن كيف استطاع معاوية العمل إلى عقد ولاية العهد لابنه يزيد ..مع إن بنود الصلح واضحة إن مات معاوية الأمر للحسن أو الحسين ....
ولاية العهد ليزيد ....كان بداية الانقلاب في عصر الإسلام ..وطبعا أثره اقوي وأكثر تدميرا على الأمة الإسلامية ..من كل الفساد الذي كان في عهد عثمان والذي أدى إلى مقتل عثمان .... ولاية العهد ليزيد ...أعطى الشرعية لكل حكام الاستبداد حكموا الأمة الإسلامية ...وأصبحت ولاية العهد ...هي الشرع التي سارت عليها الأمة الاسلامية ...بعد ما كان الرسول يريدها شوري .....
بولاية العهد ليزيد انتهت الشورى الإسلامية إلى الأبد ...ووضعت الأمة الإسلامية ...على أول الطريق لان تكون كسروية أو قيصرية ...مثلما وصفها رجال من العهد الثاني أو الزمن الثاني ...بعد زمان الصحابة الأوائل .... حاول معاوية المستحيل لعقد الولاية ليزيد ... حين بايعت كل الأقطار الإسلامية ...وبقيت المدينة وحدها ..زارها معاوية ...ودعا إلى البيعة ليزيد ...وضع سيفا على كل من الحسين بن علي وعبدا لله بن الزبير وعبدا لله بن عمر وعبدا لله بن عباس وعبدا لرحمن بن أبو بكر ... فلقد بايعت الدنيا ولم يبايع هؤلاء الخمسة ...ولم يستطيع إجبارهم على البيعة ....
حين مات معاوية كل الدنيا بايعت إلا هؤلاء الخمسة لم يبايعوا ... الحسين كان يرى بنفسه الأحق بالخلافة حسب صلح الحسن ...وعبدا لله بن الزبير كان يرى بنفسه ألخلافه ...إلا إنه لم يعلنها صريحة والحسين ماثل امام عينيه ...
حين أتى الناعي ينعي معاوية كان الحسين وعبدا لله بن الزبير في الجامع يصلون صلاة الفجر ...قال الحسين لقد هلك الرجل ..ومات لا أرى لنا بقاء في المدينة بعد ذلك ... عشرات الكتب ترد من الكوفة تطالب الحسين بالخروج ..يعطونه المواثيق والبيعة ..وترفض خلافة يزيد ....
يزيد يطلب من والي المدينة إن يأخذ الحسين بالقوة ..وان يبايع بالقوة ..وان لم يفعل يقتل ... مروان بن الحكم ينصح والي المدينة ...إن يبادر بسجن الحسين حتى يعطي البيعة ... والي المدينة ....يتردد الحسين بن علي يغادر المدينة ...متجها إلى مكة ثم يغير اتجاهه إلى العراق ... عبد الله بن الزبير يغادر المدينة ويعتصم بمكة .... في واقعة كربلاء وفي مواجهة جيش تعداده أربعة ألاف مقاتل .... يقول الإمام الحسين (( كونوا أحرار في دنياكم )) ... ولكن للحرية لها معنى أخر عند الجيش .... احد قادة جيش يزيد المواكب لقافلة الحسين ...في لحظة مصيرية يظهر عليه التردد ...قيل للحر ما الذي الم بك قال (( إني أخير نفسي بين الجنة والنار ...ولا اختار على الجنة شي )) وقالها الحسين (( صدقت أمك حين سمتك حرا يا حر )) ... معركة غير متكافئة بين أربعة إلا مقاتل من جهة ... وبين الحسين وأهل بيته وسبعين من أصحابه ... قتل الحسين وأهل بيته وكل أصحابه .... وانتهت المعركة .... لكن ....ماذا عن النتائج ...هل كان يزيد ذاك الحاكم الشرعي ... والذي يستحق إن يكون خليفة رسول الله .... هل كان الحسين ذاك المتمرد ..وخروجه كان مفسدة على قول البعض ... أو كما قال البعض (( قتل بسيف جده )) ...
لم يلبث إلا قليل ....حتى ثارت المدينة كلها على حكم يزيد ..وأرسل لها يزيد الجيش الإسلامي ... وكانت واقعة الحرة ..وما إدراك ما الحرة ... حين دخل الجيش الإسلامي جيش يزيد إلى المدينة واستباحها ..بشكل يندى له الجبين ...ولم تبقى في المدينة عذراء ..وكان الخاطب يأتي أبوها بعد ذلك يقول ازوجك ابنتي ...لا ادري هي بكر أم ثيب ....
لم تلبث إن ثارت مكة بقيادة عبدا لله بن الزبير ...ويتوجه الجيش الإسلامي لمحاصرة مكة ..بل يتم ضرب الكعبة للمنجنيق لأول مرة بالتاريخ وتتساقط أحجار الكعبة وتتصدع جدرانها ...هذا البيت العتيق والذي فكر ابراهة الحبشي بغزوه ..حماه الله بطير أبابيل , ترميهم بحجارة من سجيل وتجعلهم كعصف مأكول ....
وتتوالى الثورات ولا تنقطع..... فكانت ثورة التوابين ...فحين طلب منهم طلب الأمان صاحوا كنا امنين بالدنيا ... وفي سنة 66 للهجرة كانت ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي بالعراق طالباً ثأر الحسين (عليه السلام)... وفي سنة (77 للهجرة)كانت ثورة مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج بن يوسف. كما انه وفي سنة (81 للهجرة) كانت ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجاج. وفي سنة (121 للهجرة) تهيأ زيد بن علي بن الحسين للثورة في الكوفة، وثار في سنة (122 للهجرة) وخنقت الثورة في مهدها بسبب الجيش الأموي الذي كان مرابطاً في العراق، وكانت شعارات الثائرين مع زيد (يا أهل الكوفة، اخرجوا من الذل الى العز والى الدين والدنيا) .... وفي عام 132 هجرية خرجت الرايات السود من أصفهان ...تنادي يا لا ثارات الحسين .. وزلزلت خلال سنوات قليلة بالدولة الأموية وجعلتها كعصف المأكول ... وانتهت دولة وبدأت دولة ...أكثر استبداد ...
الحقيقة إن فصول واقعة كربلاء انتهت في العاشر من محرم ...لكنها بقيت منبع لكل الثورات التي عمت العالم الإسلامي منذ سنة 61 للهجرة لغاية اليوم ...لماذا ؟ سؤال من حقنا إن نتوقف عنده ...لماذا أصبح اسم الحسين يرادف كلمة الثورة ..و ما إن يقام أي ميتم للحسين في مشارق الأرض أو مغاربها ... إلا و تستنفر كل القوات والقدرات للحكومات المستبدة ..ولن ترتاح حتى تنتهي أيام عاشوراء ...لماذا بقيت أيام عاشوراء تخيف السلطات على مر العصور ...
هل لان المقتول هو سبط الرسول الذي قال به النبي محمد (( الحسن والحسين سيدا إن قاما أو قعدا )) .... هل لان المسبيات كن هن (( زينب الحوراء , وسكينة ورقية )) ..بنات الرسول ..من بيت إل النبوة ... هل هي العاطفة ...والتي تجبرنا على البكاء ...جبرا وغصبا رغما عنا كلما تذكرنا هذه القصة .... لماذا كانت قصة الحسين فريدة من نوعها ... مع إن قوائم الشهداء طويلة عبر التاريخ ...ما من امة إلا ولها شهدائهم...ولكنهم حين يقيمون ذكرى شهدائهم ...لا تذكر ابدا مثلما يذكر الحسين ....
هناك ملاحظة أتوقف عندها ...إن ذكرى الحسين تمنح الناس مقدرة عجيبة على التضحية .. مقدرة غير موجودة أبدا عند تذكر الشهداء الآخرون ... لا ادري لماذا كلما جاء ذكرى الحسين ...نشاهد عشرات الآلاف من الناس ...يقذفون بأنفسهم للموت ..بدون ادني تفكير ... لا ادري لماذا إن ذكرى الحسين ..تقود الناس رغما عنهم للثورة ..تقود الناس رغما عنهم للحرية ... لا ادري لماذا ذكرى الحسين ...تقود الناس للتغير .... ربما لهذا نجد المستبدين مهما كانت أسمائهم أو مذاهبهم يتوجسون خيفة من اسم الحسين ... لأنهم شاهدوا النتائج ..بعيونهم ... نراهم يحاصرون كل حركة تتجه للحسين منذ يومها الأول ...خوفا من يومها الأخير ...
إن هذه الثورات والحركات ما هي إلى نتاج ما بثته ثورة الحسين (عليه السلام) في عروق الناس من روح الثورة والتمرد على الظلم والظالمين، وقضائها على روح التواكل والخنوع والتسليم للحاكمين.
إن ثورة الحسين (عليه السلام) كما إن آثارها لم تنحصر في عصرها ومصرها، فان إلهامها لم يقتصر في ذلك. فثورة الحسين (عليه السلام) انطلقت من الإنسان وإلى الإنسان، لذا فان صداها يدوي ويدوي في كل زمان، فحيث ما وجد ظلم أو ظالم ستجد من يهب لمقارعته والقضاء عليه، وستجد إن الدم الحسيني هو محركه وملهمه، وهو الذي يرسم الطريق له. مقاربات صادمة عن ثورة الحسين بن علي عليه السلام .... هل كان الحسين يطلب الحكم ...يحاول الكثير من محبيه تصويره انه محب للآخرة لا يحب الدنيا ..وانه لم يخرج طلبا للحكومة ... ولا أدري ما يضر الحسين لو قلنا انه خرج طالبا للحكم ... الم يقل (( إني لم اخرج أشرا أم بطرا ...إنما خرجت طالبا للإصلاح في امة جدي )) ... فكيف يعقل أو التصور إن يكون هناك إصلاح بدون إن يكون الحسين على رأس الدولة الإسلامية ...فهل كان المتصور مثلا ..إن الحسين بخروجه للعراق من الحجاز ...كان الهدف منه توجيه النصح ليزيد ..ثم العودة إلى بيته ومسجده ..ليبقى عابدا طوال حياته .... اعتقد من السذاجة إن نقول أو إن نتصور إن خروج الحسين لم يكن لطلب الحكم ... ولا اعتقد إن هذا سوف يؤذي أو يهز صورة الحسين ...لأننا نعلم إن التغير أي تغير ..يحتاج للثورة في كثير من الحياة ...والتغير يحتاج إلى دولة وحكومة قوية .... إن مجرد التفكير إن الحسين خرج ليكون مشروع شهيد ..وانه خرج بعائلته لتكون مشروع سبايا ... بها تجني كبير على شخصية الحسين ..وعلى ثورته ..التي تحولت إلى منبع لكل ثورات العالم الإسلامي .... والحقيقة الأخرى التي يجب إن نذكرها ..إن ثورة الحسين ...كانت فعل متحرك أنساني ..تراكمي يتم إضافة شخصيات وبيئة وكل المجتمعات التي ظهرت بها ...فكأنها شجرة نبتت صغيرة في واقعة ألطف وأخذت تكبر ...كلما برزت ثورة في العالم الإسلامي .... فكانت ثورة الحسين شرارة تبدأ منها كل الثورات ...وبنفس الوقت ...تضيف لثورة الحسين معاني وأسماء جديدة ..من مجتمعات وأمم مختلفة على مر التاريخ ... لم يبقى الحسين يختص بالحجاز حيث ولد ...ولا بالعراق حيث قتل ..بل أصبح الحسين لكل الثورات بكل العالم الإسلامي ... فهل هي حياة أخرى يحياها الحسين بعد موته وقبل المبعث ...ربما هي كذلك ...
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النواب وضعف تواصلهم الشعبي
-
وثائق ويكيليكس
-
المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية ... هل هو ازمة جديدة
-
كتل وأحزاب فوق القانون
-
مبادرة الملك عبدالله
-
قرار المحكمة الاتحادية ..ومقدرة المجتمع المدني
-
أقوى النساء
-
زواج متعة
-
(( زهايمر )) غازي القصيبي
-
عراق بلا حكومة
-
أزمة مسجد نيويورك
-
حين يحرق مصحف المسلمين
-
أزمة كهرباء ...ام أزمة أخلاق
-
العراق ...والفصل السابع
-
2 أب ماذا فعلت بالعراق ؟
-
عاشت الحكومة ....و صديقي مات
-
14 تموز والأنقلاب الذي تحول الى ثورة
-
هذه الحكومة لن تتشكل .... الا بقرار ألهي
-
ماذا بقى من ثورة العشرين ؟!!!
-
المدى ...وقليل من الحرية
المزيد.....
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|