|
غزة تشارك في إطفاء حريق الكرمل
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 3217 - 2010 / 12 / 16 - 07:35
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
سألني: ما موقفك من حريق الكرمل؟ بدأت الإجابة على السؤال بذكر آراء البسطاء الذي أعربوا عن آرائهم بوضوح، فقد سمعتُ رجلا في سيارة أجرة يعلق على الحريق قائلا: " إن شاء الله يقضي على الأخضر واليابس" فقمعه جالسٌ آخر قائلا: " حرام عليك، هناك فرق بين ظلم المحتلين ، وبين حرق البيئة "! فردّ الأول: فليذهبوا إلى الجحيم ، هم وأشجارهم! وسمعتُ شخصا آخر يُوزع صور النار الملتهبة على هاتفه المحمول لأصدقائه، محتفلا بالمناسبة التي تُخفف من ألمه وضائقته وقهره النفسي . إن الآراء السابقة إشارة واضحة إلى حقيقة بدهية ، وهي أن المظلومين المقهورين ، فقدوا الأمل في نصرة الأهل والأقارب ، وملوا من انتظار عدالة العالم ،وسئموا من النصرة والنجدة وإغاثة المظلوم، ولم يبق لهم سوى انتظار حلول غضب الله على المعتدين الظالمين! وهذا رد فعلٍ طبيعي ناتج عن مرض القهر والإحباط المتفشي بين الفلسطينيين، بحكم ما تعرضوا له من آلام وقسوة وعنفٍ، لعل أبرزها ما حدث لهم قبل سنتين في عملية الرصاص المصبوب، والتي كانت بمثابة (حريقٍ) متعمد للبيئة والشجر والثمر والحجر! فقد استخدم المحتلون كل وسائل الإبادة للبيئة الطبيعية في غزة ، بدءا من جرافات الدمار الشامل ، التي سلخت كل الخضرة عن جلد غزة، بتهمة إطلاق الصواريخ من خلالها، مع العلم بأن تكنولوجيا العصر قادرة على كشف الصواريخ حتى في أعماق أعماق الأرض، ولا يعوقها الشجر والزرع، وانتهاء بالفسفور غير قابل للإطفاء، مضافا على ذلك قنابل الدمار الشامل التي اقتلعت أساسات البيوت، ودمرت الشوارع والمؤسسات والوزارات. كما أن قهر السجن والسجّان وحصار غزة ، ومنع الفلسطينيين من السفر والعلاج والحصول على مطلوبات الحياة الضرورية، ووضعهم في غرفة غزة للعناية المركزة ، وفشل كل جهود العالم في حماية أطفال غزة من القتل وحماية بيوتها من التدمير ، وتعثُّر كل محاولات إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وإغلاق كل فرص السلام، فاقم من خطورة مرض الفلسطينيين، وجعلهم ينتظرون (ماسيحهم ، ومهديهم) المنتظر لكي يُوقع العقوبات بالظالمين الطغاة! كل ما سبق كان تحليلات نفسية للواقع الذي يعيشه الفلسطينيون، غير أن التحليلات السابقة ليست سوى مقدمة للإجابة على السؤال الأول، الذي يمكن الإجابة عنه بطريقة علمية وسياسية وإعلامية مدروسة، ولا تدخل إجابتي في باب ردات الفعل السريعة ، غير المدروسة! فلو كنتُ أملك القرار في غزة، لأوفدتُ فورا فرقة إطفاء من غزة ومعها كل أدواتها لتشارك في إخماد حريق الكرمل، وأرفقتها ببعثة إعلامية لتوثيق الحدث من وجهة نظر الفلسطينيين، حتى إذا لم يسمح لها الإسرائيليون بالدخول، ولن يسمحوا، فإننا نُحدثُ بهذه المبادرة ثغرة إعلامية كبيرة في جدار الإعلام الإسرائيلي والعالمي الموالي له! لماذا أقدمتُ على فعل ذلك؟ لأنني أولا أُدرك بأن السطوة والقوة والهيمنة في عالم اليوم ،هي للإعلام ، وأنا بهذا الفعل أكون قد قلبتُ الطاولة رأسا على عقب في وجه المخطط الإسرائيلي المعتاد، والذي اعتاد أن يصور الفلسطينيين، في صورة نمطية، تتلخص في أنهم أولا أعداء البيئة، وهم مصدر تلوثها. فقد اعتاد المحتلون تصوير المستوطنات التي تحتل قمم جبال فلسطين، كرُسل للحضارة والتقدم والتطور التي يمثلها المستوطنون الرواد المتحضرون الساعون لإعمار الأرض اليباب! على الرغم من أن الحقيقة التي لم يستطع الفلسطينيون إثباتها حتى الآن هي، أن المستوطنات أكبر كارثة بيئية في العالم ، فيما تحدثه من تلوث للمياه الجوفية، ومواظبة المستوطنين على اقتلاع الأشجار الفلسطينية المعمرة وحرقها بصورة يومية عمدا وبتخطيط وترصُّد، باعتبار أن جرائمهم في حق البيئة الفلسطينية، ليست إلا تنفيذا لأوامر الله وتطبيقا لشريعته! كم كنتُ أتمنى أن أنجح في قلب الطاولة رأسا على عقب وأشارك في إطفاء حرائق غابات الكرمل التي تختزن في جذوعها الأصالة والتاريخ والعراقة ، وأغيرُ الصيغة النمطية للفلسطينيين، من صيغة المساكين المُحسن لهم دائما ، ممن يتلقون الصدقات من فائض موائد العالم البطران، إلى صيغة جديدة لا يعرفها العالم ، وهي طبيعتهم الفطرية الحقيقية كشعبٍ عطوف محسنٍ يستحق الحياة، ويؤمن بأن قطع أو إحراق الشجرة ظلما وعدوانا هو جريمةٌ مع سبق الإصرار والترصُّد! كم كنتُ أتمنى لو أنني أوتيتُ من القوة ما أشاء، لجندتُ رجال الإطفاء في غزة، وصحبتهم إلى الكرمل ليشاركوا بتفانٍ في إطفاء حرائقها، لكي نثبت للعالم أجمع بأننا نؤمن بعالم الألفية الثالثة، (عالم البيئة)، البيئة التي لا تعرف الحدود ولا الفواصل ، ولا العنصريات ، ولا الاستعمار والاستيطان ، بل هو عالمٌ واحدٌ . وسوف تكون اللفتة الفلسطينية رسالة عالمية، تبرهن على رغبتنا كشعبٍ حُر في ركوب قطار العالم! كم كنتُ أتمنى أن أُقود فرقة من فرق إطفاء الحرائق للمشاركة في إطفاء حريق الكرمل، لكي تكون رسالتي أبلغ بكثير من مئات آلاف رسائل الاحتجاج اللغوية الفارغة، ضد الجدران والحواجز والمحاسيم العسكرية الإسرائيلية المبثوثة كالدمامل بين تفاصيل الجسد الفلسطيني ، لتقول بأن أعداء البيئة الحقيقيين ، هم أصحاب مصانع الحواجز والجدران والأسوار، الذي يُحرِّمون امتزاج البيئة بأهلها، واختلاطهم بها، مما يهددها ، ويهدد حياة كل سكان الأرض! كم كنتُ آمل لو أنني تمكنتُ من تجنيد فرقة كشافة من أطفال غزة من أبناء الشهداء والأسرى وذوي الاحتياجات الخاصة، ليتولوا إطفاء غابات الكرمل، لكي تكون تلك أروع رسالة يرسلها المظلومون المقهورون المحتلون للعالم، تقول: " نحن أكفاء قادرون على تجاوز المحن ، نحب الحياة، ولا نعشق الموت للموت ، كما يشاع عنا"! وختمتُ إجابتي بخبر أوردته صحيفة جورسلم بوست يوم 15/12/2010 : ( لم تمنح الإدارة المدنية في الضفة رجال الإطفاء الفلسطينيين الذين شاركوا في إطفاء حريق الكرمل تصاريح الدخول للمشاركة في الاحتفال بتكريم رجال الإطفاء الذين أسهموا في إطفاء حرائق الكرمل ، والذي سيُقام في مدينة عسفيا الكرملية، وعللت الإدارة المدنية السبب ، في أن أسماء رجال الإطفاء الفلسطينيين الذين شاركوا في إطفاء الحرائق، قد وصلتْ متأخرة !!) نعم إنها الحقيقة فالإسرائيليون المحتلون سيظلون مواظبين على وأد كل جهود الفلسطينيين الإعلامية الواعية والمخطط لها، فهم يُدخلون فرق الإطفاء الفلسطينية عند نشوب الحرائق بسرعة البرق ، وبلا إجراءات روتينية تنسيقية، وهم في الوقت نفسه يحرمونهم بعد إطفاء الحريق، من عرض صورهم الإعلامية كفلسطينيين راغبين في الحياة والسلام والأمن! لكي تبقى صورة إسرائيل وحدها فقط لا غير، تشير إلى الحضارة والجمال والدولة الديمقراطية حامية البيئة، وتظل صورة الفلسطينيين كمتخلفين مجرمين إرهابيين ألد أعداء البيئة !!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوا الطفولة تنضج في أطفالكم
-
صلاة على روح دولة إسرائيل
-
تهمتان جديدتان في إسرائيل
-
أمراض نفسية في غزة
-
انفلونزا شمشونية في إسرائيل
-
ديمقراطية الحواجز في إسرائيل
-
فلتحيا الأونروا
-
براءة إسرائيل من دم عرفات
-
بكاء على أطلال القدس بمناسبة العيد
-
المستحيلات الإسرائيلية الخمسة
-
وباء الإحباط
-
معزوفة على كونشيرتو القدس
-
وليمة ويكيلكس الإعلامية
-
احترسوا من تهمة اللاسامية
-
نحت فلسفي من غزة
-
بيرس حكيم بني إسرائيل
-
اضحكوا بلا قيود
-
احذروا المساس بالاستيطان المقدس
-
أسباب تألق وانطفاء المواقع الصحفية الإلكترونية بسرعة
-
فئران في شوارع غزة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|