|
الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل ( 2 3 )
جمال البنا
الحوار المتمدن-العدد: 3218 - 2010 / 12 / 17 - 13:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في العدد الماضي أوضحنا فكرتنا عن هذا الحزب ، وأنه ليس حزبًا بعينه ، ولكنه الحزب الذي يقدم الحل ، ووضحنا لماذا يجب أن يكون ديمقراطيًا ، وأن الذي يعنينا من الديمقراطية هي الحرية في الفكر والتعبير ، واليوم نوضح لماذا يجب أن يكون الحزب اشتراكيًا أيضًا . الحركة الاشتراكية ــ أحببنا أو كرهنا ــ من أكبر الحركات الاجتماعية في العصر الحديث وقد أثرت على جماهيره أكثر من أي حركة سياسية أو اقتصادية أخرى لا يستثنى من ذلك المجتمع الرأسمالي إن فوكومايا في كتابه عن "نهاية التاريخ" عاد إلى ماركس أكثر مما عاد إلى آدم سميث فيلسوف الرأسمالية ، وقد توصلت الاشتراكية إلى تكوين أكبر دولة في العالم الحديث هي روسيا وعدد آخر من الدول . ولم تنل الاشتراكية هذه المنزلة إلا بفضل أمرين : الأول : أنها في ضمير الجماهير والمفكرين تمثل العدالة ، التي رفضتها الرأسمالية ، بل ومارست أشنع صور الاستغلال ، استغلال العمال رجالاً وأطفالاً ونساءًا ، بل والمستهلكين ــ وهم عامة الشعب برفع الأسعار واجتناء الملايين ، ومن الطبيعي أن ينحاز الشعب إلى من يدعو للعدالة ومن يقاوم الاستغلال . وفي ثلاثينات القرن الماضي عندما تدخل موسوليني في شئون حكومة اشتراكية في أسبانيا وحرك قواته نحوها ، تداعى المتطوعون من كل العالم وسافر إلى مدريد عشرات الألوف من الشباب الأشراف لمواجهة الفاشية والدفاع عن الاشتراكية ، كانوا أشبه بما حدث عندما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان وتداعى الشباب المؤمن من كل أنحاء العالم الإسلامي للدفاع عن الأفغان . الأمر الثاني : أنها ظفرت بدعوة وكتابات أعداد كبيرة من المفكرين والباحثين على مدار قرنين من الزمان ، من روبرت أوين ، هذا الإنسان الرائع المتعدد الملكات والمواهب ، الذي حاول تحسين ظروف العمل والهبوط بساعات العمل ، وتثقيف العمال ، وضحى في هذا السبيل بحصته في مصنع كبير ، وأسس أكبر تكتل عمالي جماهيري في القرن التاسع عشر ، واستشرف "السنديكالية" ، أي حكم النقابات ثم وضع بذرة التعاون الإنتاجي والاستهلاكي ، أو سان سيمون وفكرته عن الحكومة الصناعية التي ستحل محل الحكومة السياسية ، أو فوربيــه ، ولـوي بلان ، وبرودون الذي أعلن أن الملكية سرقة ، ورود برس ولاسال الألمانيان الذين قدما فكرة الدولة التي تتولى الرعاية الاجتماعية ، وبابيف مؤسس جماعة "العدول" الذي انتقد الثورة الفرنسية وتنبأ عن ثورة "اجتماعية" تستهدف العدالة ، وقد ذكرنا هؤلاء على سبيل المثال ، وإلا فإنهم أكثر من ذلك ، وكل واحد منهم قدم إضافة ، وأبدع جديدًا . كانت قضية العمل ، والاقتصاد ، والعدل ، موضوع اجتهاد استمر قرنين من الزمن من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن العشرين وكان في نصفه الأول أشبه بفترة الاجتهاد الطليق في الفكر الإسلامي الذي تأبى على التقنين وسبق ظهور المذاهب ، واشترك في هذا الاجتهاد كل مفكري أوروبا وهاجموا الرأسمالية واستغلالها وقدموا صورًا عديدة بديلة وتم هذا قبل أن يصلب ماركس الاشتراكية على صليب "المادية الجدلية" ، وقبل أن يظهر لينين ويصلب الاشتراكية مرة أخرى على صليب "ديكتاتورية البلوريتارية ، ولكن تيار الفكر الحر ، والإيمان باشتراكية ديمقراطية لم يوقفه ظهور ماركس ولينين وما قاما به فقد ظهر خلال الثلاثينات والأربعينات عدة مدارس اشتراكية ناقدة للماركسية واللينينية مثل "الجماعة الفابية" في بريطانيا و "اللاساليه" في ألمانيا ، بل ظهر من يريد التجديد في البناء النقابي بحيث تتولى دورًا أكبر في الدولة وكان من دعاة هذا التطوير ج. د. هـ. كول وهو عملاق في الفكر الاشتراكي (توفى سنة 1959) ، وكان هو العقل المفكر لحزب العمال في سنواته الأولى وأصدر موسوعة "تاريخ الفكر الاشتراكي" في سبعة أجزاء . قد يسأل سائل .. وما علاقة هذا كله بحزبنا ؟ العلاقة أن هذه المعركة الفكرية الكبرى التي اشتجرت فيها الآراء وعالجها أزكى العقول جزء من المعرفة الإنسانية في معالجة "القضية الاجتماعية" ، والقضية الاجتماعية واحدة في كل الدول وفي كل العصور وهي تقوم أساسًا على أن العمل أصل القيمة وأن العدل أساس التوزيع ، وليس هناك ما هو أهم من هذين ، أو ما يماثلهما في أنهما عمق أعماق القضية الاجتماعية الاقتصادية ، والكاتب الإسلامي يرى في هذه الدراسات كلها على غرابتها وجوها الأوروبي مصداقاً للآية "وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى" ، والآية "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" ، ولكي يفســر الكاتب الإسلامي هذه الآيات يجب أن لا يقتصر عما جاء في التفاسير ، فهذا لن يعطيه سوى مؤشرات "أثرية ــ تقليدية" تلتبس فيها الخرافة بالحقيقة ، وإنما عليه أن يدرس كل ما حدث في أوروبا خلال فترة الاجتهاد الطليق في معالجة القضية الاجتماعية لأنها ستزوده بالمعرفة التي تصلح في معالجة القضية الاجتماعية بعد وصولها إلى درجة الرأسمالية ، ولا أشك أن الكاتب الإسلامي إذا لم يقم بهذا فإن معالجته للقضية الاجتماعية ستكون ناقصة ، فالمجتمع الحديث يختلف تمامًا عما يصوره الأسلاف المسلمون . * * * بظهور كارل ماركس دخلت الاشتراكية في طورًا جديد ، فبالإضافة إلى ما اتسم به كارل ماركس من عبقرية ، فقد كان تحت يديه هذه الثروة الفكرية التي استفاد ، بل وأقام عليها نظريته ، فنقل من الفيلسوف هيجيل فكرة الجدلية بما معها من حيوية ودينامية ، ولكن هيجيل أقام جدليته على أساس مثالي ، في حين أن ماركس اقامها على الأساس المادي ، وقال إن هيجيل جعلها تسير على رأسها وأنه جعلها تسير على قدميها ، ومع أن الاختصاص الذي شهر به ماركس هو الاقتصاد ، فإنه في الحقيقة كان "حضاريًا" ، وقد نال الدكتوراه من جامعة فينا سنة 1842 عن "اختلاف فلسفة الطبيعة عند ديمقريط وعند أبيقور" ، كان دارسًا للتاريخ ، وللحضارة ، وللفلسفة ، وأدت هذه الدراسات به إلى "الجدلية المادية" ، وبالتالي إلى الاقتصاد ، والإنتاج والعمل .. الخ . كان ماركس مؤهلاً ليقوم بدوره كما أشرنا بحكم ما تيسر له من مادة وعلم كما أنه رزق إيماناً يشبه الإيمان الديني زوده بقوة النضال وجعله يجابه كل التحديات . ولكن المأساة أنه كان بقدر ما يتوغل في الدراسة بقدر ما تدفع به الدراسة إلى تجريد نظري ، وبقدر ما تبعده عن الواقع الإنساني ، ولهذا توصل إلى المادية الجدلية التي يتطور فيها المجتمع على أساس التفاعل الجدلي الذي يتطور لأنه يخضع لعملية التفاعلات الجدلية التي سبقته ثم وضع المادية التاريخية التي طبق فيها المادية الجدلية على تاريخ البشرية وخرج بأن تاريخ البشرية يدور ويلف حول الصراع ما بين وسائل الإنتاج وملكية وسائل الإنتاج ، وما يتفرع عن هذين . كان ماركس مصيبًا عندما نقد الرأسمالية وعراها ، وانتهى إلى أنها ليست النظام القابل للإصلاح لأن تناقضاته جزء لا يتجزأ منه ، وكان مصيبًا أيضًا عندما أعطى العامل المادي الأهمية العظمى في تطور البشرية ولكنه أخطأ عندما استحوذت عليه الدراسات النظرية فأخذته من عالم الإنسان فكانت المادية الجدلية والتاريخية نوعًا من القدر الذي يحكم الإنسان . ولاحظ التوسير انحراف ماركس في كتاباته الأخيرة عن كتاباته الأولى ذات الطابع "الإنساني" وهذا هو سر افتقاد الماركسية للعنصر الإنساني الذي سمح فيما بعد بالحكم الديكتاتوري والقضاء على الحرية وإبادة الألوف والملايين من البشر ، كما لم يكن مصيبًا عندما ركز على العامل المادي وحده بحيث ظـُن أن الماركسية لا تعترف بالعوامل الأخرى كالقيم ، وهو أمر نفاه إنجلز . * * * وتقف دراستنا للاشتراكية عند ماركس ، لأن لينين ــ صاحب الشهرة المدوية ــ لم يقدم تنظيرًا للاشتراكية ، ولكن طريقة لتطبيقها تقوم على الحزب الشيوعي الذي هو "طليعة الطبقة العاملة" وهو الحزب المحترف الذي يدير شـئون الدولة ، لأن "البرويتاريا" فيها الواعي والسـاهي القـوي والضعيف ، فلا يمكنها أن تتولى الحكم . وإذا كان في التطبيق اللينيني ما يقدمه فهو أن إنعدام الحرية لابد وأن يؤدي إلى انهيار أي نظام مهما بذل فيه من جهد ، ومهما اقترن بإيمان . في النهاية نصل إلى أن معالجة القضية الاجتماعية/الاقتصادية في العصر الحديث لابد أن تستوعب الدراسات الاشتراكية بما فيها الماركسية لأنها ستقدم إليها أفضل المعالجات والحلول ، ومن الخطأ الفاحش أن يظن أن ذلك لا يدخل في دور الدارس المصري أو المفكر الإسلامي على العكس أنه لازم ، فضلاً عن أنه سيدعم ــ على نقيض ما يظن الناس ــ التوجه الإسلامي للحزب ، لأن خلاصة الاشتراكية هي "وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى" (النجم : 39) ، "وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء : 58) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ [email protected] [email protected] www.islamiccall.org gamal-albanna.blogspot.com
#جمال_البنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل ( 3 3 )
-
الطقوسية العدو اللدود للإسلام
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 1 3 )
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 2 3 )
-
الحكمة باب يفتحه الإسلام على الزمان والمكان
-
امريكا افضل من صدام
-
الرد على شاكر النابلسي
-
دعوة لإعمال العقول
-
فصل من كتاب ( مسؤولية فشل الدولة الاسلامية) الذي منع نشره
-
يا نواب الشعب.. التعذيب في أقسام البوليس أولي بالاستجواب من
...
-
معضلة التعليم بين الدين والعلمانية.. والحل تعلم الحكمة
-
مرة أخرى أقول لمحمود سعد لا يوجد حد للردة
-
الحل الإسلامي لطريقة انتخاب رئيس الجمهورية
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|