|
الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل ( 3 3 )
جمال البنا
الحوار المتمدن-العدد: 3221 - 2010 / 12 / 20 - 09:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد يكون من المفارقات أن حَمل الحزب لصفة الديمقراطي والاشتراكي لا يثير معارضة ، بينما يثير حمله لصفة "الإسلامي" تحفظات ، فقد اتصلت بي الدكتورة كوثر إلهامي ، وهي طبيبة عريقة من جيل الخمسينات ، ومن المتمسكات بالإسلام أيضًا ، وقالت إن حمل الحزب لاسم "الإسلامي" سيثير إشكالات وإن من الخير أن نفعل مثل تركيا عندما جعل الجناح الإسلامي اسم حزبه "العدالة والتنمية" . وفي السبعينات أصدرنا رسالة بعنوان "الحساسية الدينية" ، قلنا فيها إن مجرد ذكر الإسلام أصبح يثير حساسيات ، وهذه ظاهرة سيئة ويجب أن ترفض . ومع هذا فإني أفهم الأسباب التي أدت بسيدة تدعو للإسلام كالدكتورة كوثر إلهامي ، ثم تتحفظ على أن يحمل الحزب هذه الصفة ، كما أدرك أسباب "الحساسية" التي أصبح الإسلام يثيرها . ولكني أرفضها . وسأبين في الســطور التالية أسـباب ذلك وآمل أن يفيدني القراء ــ بعد قراءة هذا المقال ــ بملاحظاتهم ، وقد يمكن أن تكون أن تكون هذه الملاحظات موضوع إحدى المقالات عندما أتمسك بصفة "الإسلامي" فهذا يعود إلى : أولاً : إن منطقتنا منطقة إيمانية ، كانت إيمانية من أيام قدماء المصريين وكان الدين محور حياتها ، وهو الذي أقام الأهرام وهو الذي عرَف الضمير ، وهو الذي اهتدى إلى الله الواحد بعد تعدد الأديان ، وعندما انتقلت مصر من الفرعونية القديمة إلى المسيحية ، فرغم قصر المدة ، وأنها كانت شكسة وتعرضت لمقاومة الحضارة اليونانية التي كانت الإسكندرية قلعتها الأخيرة ، واليهود ، كما قاومتهم البقية الباقية من أتباع الدين الفرعوني القديم ، وقبل هؤلاء جميعًا فقد تعرضوا لنقمة البيزنطيين المسيحيين لاختلاف المذهب ، وتعرض الأقباط لاضطهاد ومذابح ، رغم ذلك كله أنجبت مصر اثناسيوس وآريوس وكان لها دورها في تاريخ المسيحية ، وأخيرًا عندما آمنت بالإســلام ، فبعد أن فاتها السبق الذي ظفرت به دمشق وبغداد ، فقد كانت هي وحدها التي هزمت التتار الذين كانوا رعب العالم ، وهي التي حررت الممالك التي أقامها الفرنجة عند حربهم ، وأنهت وجودهم وأعادت القدس . الأمة المصرية أمة مؤمنة من القديم حتى الآن ، فالقبطي المصري أشد تمسكاً بالمسيحية من بعض المسيحيين ، والمسلم المصري أشد إعزازاً للإسلام من المسلمين الآخرين ، ولا يقال أن هذا يعود إلى الطبيعة الزراعية لمصر وأن هذه الطبيعة قد تغيرت ، وأن الزراعة نفسها تغيرت وارتبطت بالصناعة ، فقد يكون هذا صحيحًا ولكن طبيعة الإنسان المصري كانت قد تكونت خلال الألفي سنة الأولى من حكم الفراعنة ، وهل نتصور أن المصري اليوم لا يحمل آثار التكوين القديم ؟ إن للحضارة "جينات" كالجينات العضوية تتوارث وتظهر في بعض الخصائص ، فالمصري مثلاً لم يكن أبدًا وعلى مر التاريخ متوحشاً كبعض الأجناس ، والحروب التي خاضتها مصر كانت أرحم الحروب ، وطابع السماحة والاعتدال الذي تتسم به الشخصية المصرية ، كلها تعود إلى الدين ، ومن ثم فمن الخطأ أن نتصور أن الطبيعة الدينية للإنسان المصري قد انتهت مع نهاية عهد الزراعة ، إنها باقية تسري فيه مسرى الدم ، بل إن الطبيعة المصرية التي كان الدين أعظم مكون فيها ، كانت من القوة بحيث صهرت طبيعة الأجناس الأخرى التي أوت إلى مصر وظلت فيها ومصرتها . وعلى كل حال ، فمن المسلم به من الجميع ، والكثير منهم من غير المسلمين ــ أن الإسلام هو أعظم مكونات الشخصية العربية ــ في مصر والشام والعراق والحجاز والخليج والسودان ، وأن نبض الجماهير إسلامي وأن تجاهل الحكومات الحديثة في الدول العربية للإسلام كان من أكبر أسباب عدم التواصل ما بين القيادات والجماهير ، وأن هذه القيادات ما أن ترفع لواء الإسلام حتى تدعمها وتؤمن بها الجماهير . ولا أجد حرجًا من الاستشهاد بواقعة إسلام زعيم حزب البعث ، وقيل إنه أوصى بعدم إعلان ذلك إلا بعد وفاته ، وكنت في لندن عندما مات وقرأت في جريدة "سوراقيا" مقالاً لرئيس تحريرها : "ميشيل عفلق في ذمة الإسلام" ، ورأيت صورة تابوته محمولاً على أعناق قادة حزب البعث وأولهم صدام حسين يصلون عليه في المسجد . فإذا كان هذا حقاً فإن له دلالته ، وإن لم يكن حقاً فدلالته أعظم ، فما كان ليفتعل لو لم تكن هناك عوامل قوية تدفع إليه . وميشيل عفلق هو الذي سمى ابنه محمد والذي قال في ذكرى الرسول العربي : "الفكرة القومية المجردة في الغرب منطقية إذ تقرر إنفصال القومية عن الدين لأن الدين دخل على أوروبا من الخارج فهو أجنبي عن طبيعتها وتاريخها ، وهو خلاصة من العقيدة الأخروية والأخلاق لم تنزل بلغاتها ولا أفصح عن حاجات بيئتهم ، ولا امتزج بتاريخهم ، في حين أن الإسلام بالنسبة إلى العرب ليس عقيدة أخروية فحسب ولا هو أخلاق مجردة ، بل هو أجلى مفصح عن شعورهم الكوني ونظرتهم إلى الحياة وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم التي يندمج فيها اللفظ بالشعور والفكر ، والتأمل بالعمل ، والنفس بالقدر" . فإذا كان الإسلام هو وعي الأمة كما يقول ميشيل عفلق ، فإن عدم الإفصاح عنه في حزب يدعى تمثيل الأمة يُعد نقصًا فيه . ثانيَا : قدم الإسلام إضافة هذه المنطقة للحضارة الحديثة عندما توصل العلماء المسلمون في الرياضة والفلك والحساب والهندسة والطب ثمرات أبحاثهم لأوروبا الخارجة من عهد الإقطاع والبادئة عهد الإحياء ، كما قدم إليها العلم التطبيقي والجمع بين العلم والعمل ، وكانت الحضارة اليونانية تحتقر كل صور العمل وتكلها إلى العبيد ، فبفضل هذه الإضافة نهضت أوروبا ، بل أن الإسلام له أثره على إصلاح المسيحية ، سواء التقليدية بفضل ابن رشد ، أو سواء في الإصلاح البروتستانتي . والحضارة الإسلامية (ولا أقول العربية ، لأن الأجناس غير العربية ساهمت فيها بقدر قد يكون من العرب) ، نقول إن هذه الحضارة التي رفعت ألوية العلم والمعرفة في بغداد وقرطبة ودمشق ومصر ، هي مساهمة هذه المنطقة في الحضارة البشرية ، وظهر فيها علماء وحكام وفقهاء وأبدعوا علم الجبر واللوغاريتمات والصفر .. الخ . فمن ذا يريد أن يجرد المنطقة من فخارها ، ويجعلها عالة على الحضارة الأوروبية . ثالثاً : أن الإسلام هام ، بل ويجب أن يحظى بالأولوية لأنه يصب في الإنسـان ويكوِّن له ضميره الموصول بالله ، وهذا هو أهم شيء ولا يمكن للإصلاح السياسي ولا الإصلاح الاقتصادي أن يصل إليه لأنهما يعملان في مجال العوامل ، بينما يعمل الإســلام على الإنسـان ، ولم تستطع أوروبا أن تبدأ تقدمها إلا بعد أن قامت بثورة الإصلاح الديني وحررت العقل الأوروبي من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية وخرافاتها ، ومن هنا فإن الإصلاح الديني قد يستحق الأولوية على الإصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي ، لأنه بدون صلاح الإنسان ، فإن كل الأوضاع لإصلاح السياسة والاقتصاد تفسد ولا تؤتي ثمرتها . وقد يدل على ذلك أن الدول العربية عندما ظفرت باستقلالها ، لم تستطع أن تنهض بمسئوليات هذا الاستقلال ، فظهر الحاكم المستبد ، كما ظهرت الجماهير المستسلمة ، وساد الرشوة واستغلال النفوذ ، باختصار لم يكن الإنسان العربي قادرًا على تحمل مسئوليات الاستقلال ، لأن الظلم القديم والاستبداد الاستعماري ، والفهم السئ للإسلام الذي ينوِّم الجماهير لم يسمح بتنمية الإرادة والاسـتقلال في الشخصية ، والمروءة والأمانة في المسئولية ، وكان يجب أن تحدث ثورة إسلامية ــ كثورة مارتن لوثر ــ تحرر العقل العربي/الإسلامي حتى يصبح قادرًا على تحمل مسئوليات الاستقلال (كما فعلت أوروبا) وهذا هو ما نحاوله الآن . رابعًا : إن ثورات الانتهاض لابد أن تقوم على "عقيدة" أو "نظرية" لها طابع الشمول وقد نهضت العرب بفضل ثورة الإسلام التي نقلها من جاهلية القبائل إلى أمة تحمل الكتاب والميزان ، وهذا هو ما نحتاجه اليوم ، وما يمكن أن يقوم به الإسلام إذا تخلصنا تمامًا من فهمنا السلفي ومن التزامنا التقليدي ، وعدنا به إلى الأصول : (إلى القرآن والرسول) دون التزام بالتفاسير التي هي حشو وتمييع للصياغة المحكمة المعجزة للقرآن ، وضبط السُـنة بضوابط القرآن ، وإعلان قيم الحرية والعدالة والمساواة والمعرفة ، والانفتاح على العالم بجعل الحكمة أصلاً كالكتاب . إن أهمية هذه النقطة هي أن الإسلام ما لم يتجدد جذريًا ، فيمكن أن يصبح من عوامل الحفاظ والتخدير والتسليم للحكام والتقليد للفقهاء ، وأعتقد أن الذين يعزفون عن الإسلام إنما ينطلقون من هذا المنطلق ، ولهم حق ، وأنا شخصيًا ، وأنا داعية إسلامي ، أقول إن الأزهر إذا دعا إلى الإسلام فأنا أول واحد يرفض إسلام الأزهر ، لأنه إسلام التقليد واتباع السلف وإطراح العقل .. الخ ، إننا نتحدث عن إسلام جديد ، وقد أمضينا عمرنا كله في الدعوة له وإيضاح أصوله ووضع قواعد "إعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية" ، فالإسلام هنا لا يعني الإسلام السلفي التقليدي الشائع ، فإنه مادام سلفيًا فلن ينظر إلى الأمام ولن يأت بجديد ، ولكنه يذوب في الماضي ، وبالتالي لا يمكن إصلاحه ، أن الإسلام أمر خطير كبير ويريد الأقزام أن يحجموه "ويسخطوه" لينحط إلى مستوياتهم . إن الإسلام الذي ندعو إليه هو الذي وضع أقدم تعريف للمواطنة "بأنها العيش على الأرض الواحدة" ، وكان ذلك عندما دوَّن الرسول غداة مقدمه المدينة وثيقة قرر بها أن الأنصار (وهم أهل المدينة الأصليون) والمهاجرين (وهم الذين فروا من اضطهاد المكيين ولجأوا إلى المدينة) ، واليهود الذين تحالفوا مع قبائل الأنصار ، هذه الفئات الثلاثة تكون "أمة واحدة ، للمسلمين دينهم ولليهود دينهم وهم يتكافلون بالمعروف ويدافعون عن المدينة ، ويحتكمون إلى الرسول" . أعتقد الآن أن الحملة على الإسلام ، والحساسية عند ذكره ، والعزوف عنه ، والمخاوف التي تصحبه ، كلها تزول إذا عرفنا أننا نقدم إسلامًا جديدًا حتى وإن كان أقدم إسلام ، لأنه إسلام القرآن والرسول وليس إسلام الأسلاف والفقهاء" .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ [email protected] [email protected] www.islamiccall.org gamal-albanna.blogspot.com
#جمال_البنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطقوسية العدو اللدود للإسلام
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 1 3 )
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 2 3 )
-
الحكمة باب يفتحه الإسلام على الزمان والمكان
-
امريكا افضل من صدام
-
الرد على شاكر النابلسي
-
دعوة لإعمال العقول
-
فصل من كتاب ( مسؤولية فشل الدولة الاسلامية) الذي منع نشره
-
يا نواب الشعب.. التعذيب في أقسام البوليس أولي بالاستجواب من
...
-
معضلة التعليم بين الدين والعلمانية.. والحل تعلم الحكمة
-
مرة أخرى أقول لمحمود سعد لا يوجد حد للردة
-
الحل الإسلامي لطريقة انتخاب رئيس الجمهورية
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|