|
عندما تغيب الديمقراطية في جامعاتنا الاكاديمية
علي عبد الرحيم صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3213 - 2010 / 12 / 12 - 18:37
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تعد العملية الديمقراطية ركيزة أساسية في تقدم المجتمع و تطوره ، لما تمثله من عصب حيوي فعال في عملية الاندماج و التفاعل الاجتماعي و التربوي المثمر ، إذ الديمقراطية مطلب أساسي و حاجة ضرورية في مختلف العلاقات الإنسانية المتعددة ، فعليها يتوقف تطور المجتمع و أنتاجه ، لأن سيادة الديمقراطية صلاح المجتمع و رخاءه ، و بضياعها تخلف المجتمع و تأخره و فساده . أن العملية الديمقراطية أصبحت الآن و في وقتنا الحاضر مفتاح لتقدم الأمم و مؤشراً لتطورها ، إذ أنها تعكس حاجات المجتمع و متطلباته ، و صلاح المؤسسات التربوية و الاجتماعية في ذلك المجتمع ( العمر / 1990/ص 19 ) . إذ تدخل الديمقراطية في العملية الأكاديمية من كونها تشكل أهم حلقات النماء الديمقراطي في الفعل التعليمي ، و بمثابة الدورة الدموية في جسد هذه العملية ، كما تعد الديمقراطية الإطار الذي تتكامل فيه كافة أطرف العملية التربوية من مدرسين ومناهج و تصورات و مقررات لتشكل لحمة الحياة التربوية و سداها ( وطفة والشريع / 1999 / ص 646 ) . أن الديمقراطية ترتبط ارتباطا وثيقاً بالتربية ، فلا يمكن أن توجد ديمقراطية من دون تربية ، و لكي يسهم في تحقيق و أثراء الديمقراطية ينبغي أن يكون التعليم ديمقراطياً ( الزيادات / 2007 / ص 534 ) . كما يجب أن تحتل الديمقراطية التربوية مكانة مركزية بين القضايا الاجتماعية المعاصرة ، و أن تتجسد في كافة أبعاد الحياة المختلفة ، سعيا إلى تحقيق المبدأ الديمقراطي في فلسفة الحياة التربوية ( وطفة و الشريع / 1999 / ص 456 ) . و هذا ما يؤكده وليام بيرتي و جون نوفاك ، بأن الممارسة الديمقراطية في التعليم هي مثل أعلى ذو طبيعة توجيهية تشير إلى عملية اتصال في إثراء متواصل ، و لهذا فأن الالتزام فيها هو التزام بالشروط و العمليات التي تخلق الاحترام المتبادل بين المعلم و المتعلم ، و تجعل الحوار المستمر بين الطرفين أمراً ممكناً و ضرورياً و قيمة حقيقية لتطوير التعليم ( Purkey & Novak / 1996/ P.38) أما في حالة غياب التقاليد الديمقراطية و الأكاديمية نجد أن المؤسسات التعليمية ستعاني من مشاكل مهنية و تربوية علائقية عديدة ، منها غياب القيم الديمقراطية ، و شيوع الاتجاهات التعصبية ، و التفرقة بين الطلبة ، و التحيز العلمي ، و ضعف التفاعل و عدم الاهتمام بالعملية التعليمية ( Djangi / 1993 / p.56) و تبين الدراسات في هذا الصدد منها دراسة ( محمود / 1993 ) إلى أن غياب التفاعل التربوي بين الطلاب و هيئة التدريس يؤدي إلى وجود فجوة بين أعضاء التدريس و الطلاب ، حيث يشكو الطلاب من عدم اهتمام أساتذتهم بهم ، وسوء التعرف إلى مشكلاتهم أو ظروفهم ، و إلى وجود حواجز تعمل على ضعف الاتصال و التفاهم و روح الألفة و المحبة بين كلا الطرفين ( محمود / 1993 / ص 240 ) . في حين أظهرت دراسة ( سورطي / 1998 ) أن غياب الديمقراطية في الجامعة و الأنظمة التعليمية ، يجعل من النظام التعليمي نظام تسلطي ، يعمل على تعطيل طاقات النمو ، و يؤدي إلى رفض الطالب للمؤسسات التربوية و التعليمية ، و إلى تكريس مناخ سلطوي تغيب فيه الحرية الفردية ، و تربية الأفراد و تنشئتهم على الخضوع و التبعية ، و على أساليب القمع و التعسف ( سورطي / 1998 / ص 235 ) . و يرى ( عسكر / 2003 ) أن هناك علاقة قوية بين غياب قيم الديمقراطية و شيوع المناخ التسلطي في النظم التعليمية ، كذلك له علاقة بالتباعد و العزلة و الروح المعنوية المنخفضة ، و تدني الأداء الأكاديمي و التحصيل الدراسي و غياب الطلبة و تسربهم ( العتيبي / 2007 / ص 56 ) . أن غياب الديمقراطية في التعليم كما يراه ( محمد / 2001 ) مدعاة إلى غياب تقاليد الحرية و المساواة ، و غياب الرؤية النقدية في التعلم ، و قلة الاهتمام بتربية الفكر و الإبداع لدى الطلبة في النظم التعليمية ( محمد / 2001 / ص 379 ) . من هذا المنطلق نجد أن غياب الممارسة الديمقراطية في التعليم تغلق الحوار المفتوح و الحر الذي ينمي المسؤولية الاجتماعية و خلق الاحترام و الثقة المتبادلة ، و يعيق أطراف العملية التعليمية على الاتصال الإنساني التربوي المفعم بالحب و المودة و روح الانتماء ، و يمنع تلبية حاجات من لهم علاقة بالعملية التعليمية خاصة الطلبة ، لما يمثلونه من محور أساسي في العملية التعليمية ( الموسوي / 2008/ص 58 ) . لأن سلوك الأساتذة أو من يحتل مراكز مهمة في القيادات العليا للجامعة نحو طلبتهم هام للغاية ، إذ أن وجود بيئة تعليمية حسب ما تراه ( باربارا كلارك / 1985 ) لا تتسم الرفض و التوتر ، يوفر جو من الثقة و يسمح لكل طرف من أطراف العملية التربوية أن يرى الأخر بدلاً من أن يكون غريباً عنه ، في حين إذا كانت هذه البيئة كابته و عدائية و محبطة تقوم على الرفض و التهديد ، توفر جو من انعدام الطمأنينة و الغربة و النفور، و الغش ، و الخوف ( محمد / 2005 / ص 542 ) . ، كما أن غياب الديمقراطية في عمليات التدريس يصبح عملية شكلية و جامدة لا روح فيها و لا أبداع ، و تتحول العملية التعليمية إلى عملية غير ذات نفع أو جدوى ( بويطانة / 1984 / ص 157 ) . أن القيادة الأكاديمية التي يحتلها إداريون و أساتذة متسلطون لا يقدرون قيم الحرية و المساواة و العدالة يميلون إلى الانغلاق على التغيير ، و التشدد في التعامل مع طلبتهم ، فهؤلاء المعلمون يكونون أقل تعاونا مع الطلبة ، و لا يغمرونهم بمشاعر المودة ، و لا يشاطرونهم التأثير فيؤثرون فيهم و يتأثرون بهم ، و ينزعون نحو إخضاعهم لسلطتهم الذاتية ، و ينحازون لأي طالب على أساس العرق أو الجنس أو الأصل ( بتصرف عن الموسوي / 2008 /ص 59 ). كما وجدوا أن ثمة علاقة بين التوجهات المتسلطة لدى المعلم من جهة و المناخ المنغلق و سلوكيات الطالب في المدرسة من جهة أخرى ( Beyer / 1996 / p.103 ) . بمعنى أخر ، أن هناك صلة وطيدة بين الممارسات التسلطية في التعليم و ممارسات التدريس التقليدية من جهة ، و تصورات الطالب بشأن المعلم التسلطي و الإدارة الدكتاتورية من جهة أخرى ( الموسوي / 2008 ) . من خلال هذا السياق وجد الباحث في هذه المشكلة الضرورة و الحاجة لدراستها ، و الوقوف على أبعادها التربوية و مضامينها الاجتماعية ، من أجل تقديم صورة علمية لواقع التفاعلات الديمقراطية في المؤسسات الجامعية في العراق .
المصدر :
صالح ، علي عبد الرحيم ( 2009 ) : دراسات نفسية في حياتنا اليومية ، دار البيت الثقافي ، العراق .
#علي_عبد_الرحيم_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجيا العنف ضد المرأة ( المرأة العراقية أنموذجا )
-
سيكوسولوجيا التطرف الديني بين الانغلاق الفكري و جذور الارهاب
-
الغرابة سيكولوجيا التشويش و الارتباك الإنساني
-
سيكولوجيا الملابس و الحلي ( هويتنا الشخصية و الاجتماعية )
-
تجنب الألم سيكولوجية الدفاع عن النفس
-
الفشل سيكولوجية الإخفاق و الهزيمة
-
الحاجة الى التنبيه الحسي سيكولوجية الإثارة الحسية
-
الإدراك معنى الحياة
-
أسباب التسرب الدراسي لدى طلبة الدراسة المتوسطة و الإعدادية
-
مقومات التضحية سيكولوجية الشجاعة و الفداء
-
سيكولوجية نشر الشائعات في المجتمع العراقي
-
أحلام اليقظة وسيلة لإشباع الرغبات المكبوتة لدى الفرد العراقي
-
التمركز حول الذات سيكولوجية تدهور الذات و العلاقات الانسانية
...
-
رؤية تحليلية في سيكولوجية الشخصية المتعصبة
-
لعب الأطفال بين براءة الأمس و عنف اليوم
-
سيكولوجية اللغة بين أسرار النفوس وصدق الكلام
-
الأنسان و الخرافة و الطب النفسي
-
المستوى الإدراكي للطالب الجامعي اتجاه الوجود الأمريكي في الع
...
-
العقاب المدرسي الطريق للهرب من المدرسة
-
الاقتدار الاجتماعي سيكولوجية العيش و احترام الآخر
المزيد.....
-
مسؤول مصري لـCNN: وفد حماس بالقاهرة الأسبوع المقبل لبحث المر
...
-
العراق.. تراجع عن مطلب خروج الأمريكيين
-
ضربة جديدة لحكومة ميلوني: إعادة 43 مهاجرا من ألبانيا إلى إيط
...
-
متظاهرون يتصدون لمحاولة طرد أحد المستأجرين من حيّ تاريخي في
...
-
51 مليون يورو .. بيع سيارة مرسيدس للسباقات تعود إلى الخمسينا
...
-
رئيس جمهورية بريدنيستروفيه: احتياطيات الفحم لتوليد الكهرباء
...
-
لافتات في غزة دعما لموقف السيسي ورفضا للتهجير على أنقاض الحر
...
-
الخارجية الروسية تؤكد أهمية عرض الممارسات الدموية للقوات الأ
...
-
-أمريكيون موتى-.. خبير يذكر ماسك بـ-الأهوال- التي رأتها القو
...
-
أسير محرر يعود إلى غزة ليكتشف مصرع زوجته وطفلته خلال الحرب (
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|