|
مواقف شجاعة
محمد السهلي
الحوار المتمدن-العدد: 3212 - 2010 / 12 / 11 - 14:37
المحور:
القضية الفلسطينية
جاء اعتراف كل من البرازيل والأرجنتين بالدولة الفلسطينية المستقلة، ومن ثم استعداد الأورغواي للقيام بذلك مطلع العام القادم، ليشكل نقلة سياسية نوعية لصالح الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وبدت هذه الخطوة كسباحة جريئة بعكس التيار الذي شكلت مجراه التوافقات الأميركية ـ الإسرائيلية في سياق عملية التسوية السياسية على امتداد الفترة الماضية. وفي الوقت الذي نقدر فيه عاليا المواقف الشجاعة لهذه البلدان وقياداتها السياسية، نشير إلى أن اتخاذ هذه المواقف يؤكد إمكانية اتساع دائرة التضامن مع الشعب الفلسطيني وضرورة تمكينه من حقوقه الوطنية في حال انطلق الفعل من مركز الدائرة المفترض، ونقصد الحالتين الفلسطينية والعربية ، شرط الإقلاع عن مسلسل الرهانات على دور واشنطن وخاصة أنها قد أعلنت مؤخرا بأنها قد فشلت في إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان. المشكلة الأساسية في المفاوضات لا تقتصر ـ كما هو رائج ـ على رفض حكومة نتنياهو تجميد الاستيطان في أنحاء الضفة بما فيها القدس، بل تكمن بشكل أساسي في إقصاء الشرعية الدولية عن هذه المفاوضات وما يعنيه ذلك من ترك مصير القضايا الرئيسية تحت رحمة موازين القوى السائدة على الأرض. ولهذا السبب تم التأكيد في إطار طرح الإستراتيجية الفلسطينية البديلية (إلى جانب المقاومة بأشكالها المختلفة)، على أهمية التوجه نحو الأمم المتحدة ومطالبتها بإعادة الاعتبار لقراراتها والاعتراف بدولة فلسطين المستقلة التي ينبغي قيامها على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وعاصمتها القدس، التي هي جزء من تلك الأراضي التي تم احتلالها آنذاك. والتوجه إلى الأمم المتحدة لا يعني مجرد ذهاب وفد من رام الله إلى مقر المنظمة الدولية، بل هو فعل سياسي متعدد المناحي يبدأ ـ كما هو مفترض ـ من البيت الفلسطيني من خلال توجيه الخطاب السياسي بهذا الاتجاه والتقدم بقرار وطني موحد أمام الجامعة العربية كمؤسسة ومكونات ووضع الجميع أمام التزاماتهم التي يفترضها ميثاق الجامعة وقرارات القمم العربية المتعاقبة. هكذا تم شق الطريق نحو الأمم المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، عندما تم تثمير المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني ببلورة برنامج متقدم وموحد مكن الشعب الفلسطيني من الحصول أولا على الاعتراف الرسمي العربي بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا له وانتقل هذا الاعتراف بالتالي إلى دوائر أوسع على صعيد دول عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي والكتل الإقليمية والدولية الأخرى (وخاصة منظومة الدول الاشتراكية). ليأتي اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير وحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير تتويجا مكافئا لما بذل من جهود ونضالات سياسية مريرة. وجرى كل ذلك في ظل برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة الذي وحد الشعب الفلسطيني ووظف إمكاناته في مجرى تحقيق هذه الأهداف. على ذلك، فإن مركز الفعل السياسي لتحقيق هدف الاعتراف الدولي باستقلال الدولة الفلسطينية ينبغي أن يبدأ من الدائرة الفلسطينية مرورا بالدائرة العربية. وربما تشكل الدائرتان معا الحلقة الحاسمة التي لو تم تجاوزها بنجاح، فإننا نكون قد قطعنا أكثر من نصف الطريق باتجاه تحقيق الاعتراف الدولي، لأن وحدة الموقف الفلسطيني/ العربي حول هذا الخيار ستولد فعلا سياسيا مؤثرا في مواقف الكتل الإقليمية والدولية. وهذا يدفعنا للحديث مجددا عن الدور المفترض للجنة المتابعة العربية التي قال عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية بأنها ستجتمع سريعا للبحث في الإعلان الأميركي عن فشل جهود واشنطن في إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان. والسؤال المشروع هنا، فيما إذا كانت هذه اللجنة ستحافظ على ثقتها المطلقة بالجهود الأميركية وتوافق على السيناريو الجديد الذي طرحته واشنطن في العودة إلى الجولات المكوكية بين تل أبيب ورام الله في إطار السعي إلى إعادة الجانب الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات مقابل «حوافز» من نمط انسحابات إسرائيلية محدودة من بعض مناطق السلطة وربما العودة إلى الحديث عن إطلاق سراح أسرى وإزالة حواجز وإعادة بعض المؤسسات إلى عهدة السلطة الفلسطينية وهذه جميعها خطوات سبق أن طرحت في إطار ما يسمى «بوادر زرع الثقة» مع العلم أنها جاءت في إطار ما نصت عليه خطة خارطة الطريق كالتزامات إسرائيلية لم تنفذ. فإذا راوحت لجنة المتابعة عند حدود مواقفها السابقة، فإنها تلحق ضررا بالغا بالخيارات الفلسطينية البديلة عن المفاوضات العبثية، بغض النظر عما إذا جرى التوافق بينها وبين المفاوض الفلسطيني بالتساوق مع أي سيناريو أميركي مستجد يبقي الحقوق الفلسطينية تحت وطأة المفاوضات ضمن الشروط القائمة، والتي ستؤدي حتما إلى تصفية هذه الحقوق. وأيضا، إذا راوحت اللجنة ومعها المفاوض الفلسطيني في دائرة المواقف السابقة فإن ذلك يوجه إهانة سياسية كبرى إلى المواقف التضامنية الشجاعة التي أبدتها كل من البرازيل والأرجنتين والأورغواي في الوقت الذي ينبغي أن تكون هذه المواقف حافزا مهما للانطلاق نحو الخيارات البديلة عن المفاوضات العبثية. ولا نعرف هنا ـ في حال تم ذلك ـ كيف يمكن أن تنظر هذه الدول وغيرها، من التي لديها استعداد لتجاوز مواقف واشنطن وإسرائيل، إلى مواقف اللجنة ومعها المفاوض الفلسطيني في حال بقيا عند حدود ما تسمح به الولايات المتحدة وتقبل به إسرائيل. لقد وضعت إسرائيل، من خلال شروط نتنياهو، المفاوضات أمام مسرب وحيد يقطع مع الحد الأدنى للحقوق الوطنية الفلسطينية. وأكدت واشنطن بسياساتها ومواقفها تجاه عملية التسوية السياسية بأنها تسهل على إسرائيل هذه المهمة. ونرى أنه يجب النظر من هذه الزاوية إلى أية سيناريوهات أميركية قادمة في إطار سعي واشنطن لإحياء المفاوضات. ولا توجد أية مؤشرات توحي بأن الإدارة الأميركية في معرض ممارسة أي دور ضاغط على حكومة نتنياهو. وبالتالي فإننا نرى أن تجاوز هذه الحقائق من قبل لجنة المتابعة والمفاوض الفلسطيني يعني بشكل واضح السير في طريق الانتحار السياسي. إن مهمات كثيرة مطروحة على أجندة العمل الوطني الفلسطيني وتأتي في المقدمة منها مهمة ترتيب البيت الفلسطيني سياسيا من خلال تأمين الإجماع الوطني على فشل خيار المفاوضات بشروطها القائمة وبالتالي الإجماع على الخطة الوطنية الفلسطينية البديلة وتأمين عناصر نجاحها من خلال إعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية وغيرها في مواجهة توسعة الاستيطان وحملات التهويد، وهي الطريقة المثلى للتعامل مع سياسات حكومة نتنياهو بعدما أثبتت تجربة المفاوضات بأن المطالبة بالحقوق الوطنية على طاولة المفاوضات بالشروط القائمة لا تزيد نتنياهو وحكومته إلا تعنتا وإمعانا في التوسع الاستيطاني وحملات التهويد. كما تتطلب مهمة ترتيب البيت الفلسطيني إعادة الاعتبار للحوار الوطني الشامل كمدخل أساسي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بعدما أثبتت أيضا جولات المفاوضات الثنائية بين حركتي فتح وحماس بأنها لن تنهي الانقسام القائم بل تزيد من تداعياته الكارثية على خلفية التجاذبات بين الحركتين حول شروط أي اتفاق ثنائي بينهما لاقتسام الصلاحيات الهزيلة تحت الاحتلال.
#محمد_السهلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيارات معطلة
-
الصفقة والرد المطلوب
-
ماذا يريد المفاوض الفلسطيني؟
-
كبوة أوباما .. والتسوية
-
امتحان الإرادة السياسية
-
من يقنع الآخر؟
-
فتح حماس: التفاهم الثنائي ومتطلبات استعادة الوحدة
-
دائرة مغلقة.. ولكن
-
فشل المفاوضات.. و«نجاحها»
-
مفاوضات .. وهراوات!
-
الطريق المسدود
-
امتحان «الرباعية»
-
رسائل أوباما .. كمرجعية؟!
-
من الوعد .. إلى الوعيد!
-
المراوحة كإنجاز
-
المفاوضات كمصلحة.. لمن؟
-
مناورة أميركية
-
قاموس ميتشل
-
الاستحقاق المغيَّب
-
حتى لا ينجو القاتل
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|