خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3210 - 2010 / 12 / 9 - 15:51
المحور:
القضية الفلسطينية
واخيرا حدث طرا تغير نوعي على الحركة والمناورة السياسية الفلسطينية, اضطرها اليه اضطرارا, الاغلاق الصهيوني لمسار التفاوض الثنائي, وقررت القيادة الفلسطينية _ تعويم _ القضية الفلسطينية في معترك حركة _ الدولي _ في الصراع العالمي, بعد طول استفراد استعماري اقليمي وعالمي لها خاصة الاستفراد الامريكي. اتاح لهم السيطرة على المناورة الفلسطينية و _ توجيه دفة حركتها _ بما يتناسب ومصالحهم وتوجهاتهم القومية الخاصة.
ان توالي الاعترافات الرسمية من دول امريكية لاتينية, بفلسطين دولة مستقلة على وماقبل حدود 1967م, كان الثمار الاولى لهذا الانعتاق الفلسطيني, فقد حمل ذلك انزعاجا كبيرا للادارة السياسية الصهيونية والامريكية, وادارات اقليمية لا تستطيع التعبير عن مواقفها بصورة علنية, وانزعاجا اقل للادارات الاوروبية . وبما انه من المرشح ان تتسع اكثر دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية, فان مستوى انزعاج هذه الادارات سيكون اكبر.
ان ما يميز هذه المبادرة هي انها تحمل روحا هجومي فلسطيني, غابت عن حالة الصراع منذ توقيع اتفاقيات اوسلو. وقد تعودت هذه الاطراف على اسقاطها من حساباتهم واستراتيجياتهم التفاوضية, التي رسمتها في اطار ممارسة حق الاستفراد والتحكم والسيطرة. الذي وضع الطرف الفلسطيني عليه, قبوله شرط حل الصراع عن طريق التفاوض بين الاطراف, هذا التفاوض الذي احتكم في مرجعيته الى الصيغة العامة لمقولة الارض مقابل السلام. وفهمت اسرائيل منه ان ان خلل ميزان القوى على ارض الواقع هو سيمكنها تفاوضيا بصورة منفردة من تحديد حجم الارض وحجم ونوعية السلام.
ولم ينتبه الفلسطينيون ايضا الى ان هذه الاتفاقيات كانت تضع قيدا وتمنع تطور المواقف الدولية من الصراع, توجهها قرارات الشرعية الدولية باتجاه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. دون اضافة حقوقية جديدة لاسرائيل, بل بحصارها كدولة محتلة عليها تحمل المسئولية كمحتل الى حين انهاء احتلالها للاراضي الفلسطينية والعربية.
ان المبادرة الهجومية الفلسطينية, وإن لا تزال في اطار هدف تحريك عملية التفاوض وتحسين الشروط الفلسطينية بها, إلا انها توجه رسالة للاطراف الاخرى تقول ان الفلسطينيون يملكون مخرجا من مأزق مخاطر اتفاقيات اوسلو الذي وقعوا فيه, وهو مخرج الشرعية الدولية و تدويل الصراع, وهو امر التقطته فورا هذه الاطراف, وبادرت الى مهاجمته
فاسرائيل بادرت فورا الى انتقاد الاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتبرته تدخلا مباشرا في عملية التفاوض وتوجيها مسبقا لنتائجها لصالح الطرف الفلسطيني, خاصة ان هذه الاعترافات لم تكن بدولة _ بصورة عامة _, بل بدولة مرسمة الحدود, الامر الذي لا يبقي عمليا من القضايا المتفاوض عليها سوى قضية تسليح الدولة وقضية اللاجئين الفلسطينيين. ورغم ذلك فانه لا بد من ملاحظة ان الموقف الامريكي الرافض للمبادرة الفلسطينية, كان اكثر انزعاجا من الموقف الاسرائيلي واكثر حدة في التعامل مع المبادرة الفلسطينية, فعاقبها بالاعلان عن وقف الاتصال الامريكي مع اسرائيل بشأن مسالة تجميد الاستيطان, الامر الذي يحمل رسالة ليس الى الفلسطينيين فحسب وانما الى كامل المنطقة تقول تعاملوا اذن من خلال وضع موازين القوى بينكم وبين اسرائيل.
ان الصورة السابقة توضح ان العداء الامريكي للمنطقة هواعلى وزنا ونوعية من العداء الصهيوني, وان العدوانية الصهيونية هي مجرد تعبير اقليمي محدود من شمولية وعمومية العدوانية الامريكية, توظفها الادارة الامريكية لصالح بقاء تفوقها عالميا,
ان المبادرة الفلسطينية الهجومية لن تعني شيئا اذا تقيدت بهدف استدعاء موقف ضغط امريكي اكثر وزنا على اسرائيل, فالولايات المتحدة الامريكية لا تمكنها مصالحها ووضعها في الصراع العالمي من زيادة الضغط على الكيان الصهيوني حتى لو رغبت ذاتيا في ذلك, نظرا لترابط وضعها في الصراع الاقليمي بوضعها في الصراع العالمي الذي تحكمه الان مصلحتها في الخروج من ازمتها الاقتصادية والانتصار في الحر الاقتصادية مع الصين الشعبية, لذلك نجدها تسعى للتصعيد المتنوع في كل مواقع الصراع, وقد اشرنا في المقال السابق لهذا ( ما خاب من استشار ) ان الاعلان الامريكي عن وقف الاتصالات مع اسرائيل حول تجميد الاستيطان انما يعني اطلاق يد البعبع الاسرائيلي اقليميا من اجل ابتزاز مصالح اقتصادية مثل خفض سعر برميل النفط واستمرار ارتباط العملات الخليجية بالدولار...الخ.
ان الاعلان الامريكي ترك للنهج الاسرائيلي حرية الحركة الاقليمية التي بادرت بصورة رسمية وشعبية الى بدء هجومها من منطلق اللعب على مقولة البديل الاردني. لعلمها ان العلاقات الاردنية الفلسطينية هي العلاقات الاكثر حساسية سياسيا واجتماعيا, من بين العلاقات الفلسطينية الاقليمية, وان هذه العلاقة تحتوي على متفجرة الخوف القومي الشرق اردني من التماهي والاندثار في الكثافة الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية المتحققة في الاطار السياسي الاردني والمرشحة للازدياد في حال حدوث نزف سكاني من الضفة الغربية الى الضفة الشرقية لنهر الاردن, وهو امر تشكل معالجته والحيلولة ضده ومنعه احد اسس وموجهات السياسية الرسمية الاردنية, ولها صدى حواري تصارعي واسع في الشارع الاردني نفسه,
إن الارتداد السياسي المتوقع لهذا النهج الصهيوني, هو تصعيد الضغوط الرسمية الاردنية على السلطة الفلسطينية للاستمرار في التفاوض. عبر عن ذلك ابداء الحرص الرسمي الاردني على ابداء والاعلان عن رفض مقولة حل السلطة الفلسطينية. من حيث هو مؤشر على _ احتمال _ توجه للانعتاق من اتفاقيات اوسلو, ومخاطره التي تبدأ من بقاء اتفاقية وادي عربة منقوصة, واضطرار الاردن لاخذ دور امني في الضفة الغربية سيزيد من حدة الصراع العرقي داخل لمجتمع الاردني, لذلك لن نستغرب ان يحمل المستقبل القريب تحركا دبلوماسيا اردنيا باتجاه تنسيق مواقف اقليمية تدعوا القيادة الفلسطينية الى الالتزام باتفاقيات اوسلو وعملية التفاوض, وتدعوا الولايات المتحدة واسرائيل ان تبدي درجة من المرونة تشجع القيادة الفلسطينية على الاستمرار بالتفاوض. لان البديل لذلك هو تصعيد سياسة الضغط الاردني على العامل الاجتماعي الفلسطيني للوصول منه الى الضغط على القيادة الفلسطينية.
لقد كان هدف مقالنا السابق ( ما خاب من استشار ) هو ان على القيادة الفلسطينية ان تنتبه الى خصوصية المصالح القومية, التي لها تمايزها واستقلالها عن المصالح الاقليمية. ولها حاجات المناورة السياسية المستقلة التي هي على درجة عالية من التعارض مع اتفاقيات كامب ديفد ووادي عربة, و مرحلية العداء السوري واللبناني لاسرائيل وهو امر نرجوا ان ينتبه له كل من سلطة الضفة الغربية وسلطة قطاع غزة, وان تكون اذن كل منهما اقصر من ان يستطيع طرف خارجي من الامساك بها بمعسول الكلام القومي العربي والديني الاسلامي, وتوظيفهما في محاورها, مما يجعل النضال الفلسطيني في خدمة التحرر الاقليمي لا التحرر الفلسطيني, لذلك انهينا مقالنا بسؤال ولكن استشارة من؟
ان ندعوا القيادة الفلسطينية الى التماسك على الروح الهجومي الذي حملته المبادرة الدبلوماسية فهذا الروح هو المرشد لتحديد واتباع النهج والاساليب والوسائل اللازمة لانجاز مهمة التحرر الفلسطينية. وهو امر لن تتمكن القييادة الفلسطينية من تحقيقه إلا اذا جعلت الخصوصية الفلسطينية مرشدها النظري السياسي, وطلقت مقولة الوحدة القومية العربية ووحدة معركتها ووحدة توجهها, ومركزية القضية الفلسطينية بها, فهي اوهام.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟