|
هل يملك آل مبارك أنفاق في رفح ؟
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 3209 - 2010 / 12 / 8 - 15:36
المحور:
القضية الفلسطينية
لعل أعجب موقف سياسي قائم حاليا في منطقتنا هو ذلك الحصار اللا إنساني المضروب على قطاع غزة . عجيب لأنه من الناحية السياسية يبدو ضار لكل الأطراف الأساسية المسئولة عنه . سأحاول - و بإختصار - إستعراض مدى الضرر الذي يلحقه ذلك الحصار بالأطراف المسئولة عنه ، و بعض الأطراف الرئيسية المساندة له ، و ليعذرني القارئ الكريم في حديثي هذا ، لأنني سأكتب من زاوية مصلحة كل طرف من تلك الأطراف ، و بالتالي يجب أن يكون واضحا منذ البداية إن حديثي هذا لا يعني إنني أتبنى نفس المواقف ، أو بعضها . حديثي حديث حيادي عقلاني . أولاً الحكومة الإسرائيلية : طرف أساسي من عدة أطراف مسئولة عن تلك المأساة الإنسانية . من المفترض أن هذا الحصار يصب في مصلحتها في الأساس ، بهدف تدمير حماس إن أمكن ، أو إسقاطها ، و تحطيم شعبيتها ، و إضعافها عسكريا ، على الأقل ، فهل نجح في تحقيق أي شيء من هذا ؟ حماس لازالت في السلطة ، و سيطرتها على قطاع غزة لم تهتز ، برغم الهزيمة العسكرية ، و الحصار ، و هنا من الواضح أن الإدارات الإسرائيلية ، السياسية ، و الأمنية ، لا تريد أن تفهم أن الهزائم العسكرية ، و لو كانت ثقيلة لا تسقط الأنظمة السياسية في منطقتنا ، بل تزيد من الدعم الشعبي لها ، و أن الحصارات الإقتصادية ، مهما إشتدت ، و مهما طالت ، مثلها مثل الهزائم العسكرية لا تسقط أحد يحكم ، و العراق في التسعينيات من القرن الماضي مثال جيد ، و من قبل هزيمتي 1956 ، و 1967 ، كما أن في الدول العربية ، لا حاكم يُسأل عن الأسباب التي أدت للهزيمة ، أو الحصار . عسكريا ، و بحسب ما نقل الإعلام الإسرائيلي ، و الدولي ، عن مصادر أمنية إسرائيلية ، فإن حماس إستعادت ترسانتها العسكرية ، كما كانت قبل حرب غزة ، بل وزادت عليها ، بفضل نظام آل مبارك ، و هنا أيضا أنقل عن الإعلام الإسرائيلي ، و على هذا فإن الحصار في حقيقته حصار إنساني ليس إلا . إذا أليس عجيب أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في حصار لا يحقق لها أي فائدة أمنية ، و يدعم الأجنحة المتطرفة في التنظيمات الفلسطينية الموجودة في غزة ، و أولها حماس ، بل و له تأثيراته السياسية الدولية السلبية على الحكومة الإسرائيلية ؟؟؟ العجيب أيضا أن الحكومة الإسرائيلية تشتكي مر الشكوى من التغيرات الجارية في علاقتها بالحكومة التركية الحالية ، و لكنها أيضا لا تريد أن تنظر إلى أن أهم الصدامات الرئيسية التي حدثت مع حكومة حزب العدالة و التنمية التركي كانت في معظمها بسبب غزة ، مرة بسبب الحرب ، و المرة الأهم ، و الأكثر تأثيرا ، بسبب الحصار . إذا كانت الحكومة التركية تريد تقليص حجم العلاقات الإسرائيلية - التركية منذ جاءت للحكم ، و تعتبر ذلك هدف أساسي لها في سياستها الخارجية الإقليمية ، فإن الحكومة الإسرائيلية أعطتها المبرر ، و هو مبرر لا يعود عليها - أي على الحكومة الإسرائيلية - بأي نفع ، كما هو واضح . ثانيا الإدارات الأمريكية : كان من المفروض أن تكون النقطة الثانية هي إستعراض الموقف المصري و تحليله ، بإعتبار أن النظام المصري هو الطرف الثاني الرئيسي المسئول عن ذلك الحصار ، و لكن لأن الموقف المصري أكثر تعقيدا من الموقف الإسرائيلي ، كما سأذكر فيما بعد ، فأرى أنه يمكن تأجيله ليكون الأخير . لا يمكن إخلاء مسئولية الإدارة الأمريكية عن الحصار لما للنفوذ الأمريكي من ثقل ، و تأثير ، في كل من مصر ، و إسرائيل . الإدارة الأمريكية ، أيا كان رئيسها ، أيضا تضر بسمعتها في المنطقة - و هي السمعة التي لا ينقصها الضرر - بسبب ذلك الحصار . لقد أصبح راسخا في ذهن الشارع العربي أن الولايات المتحدة لا تريد الديمقراطية التي تأتي بمعارضين لسياساتها ، مثلما أصبح راسخا أن الإدارات الأمريكية لا تعنى بالمعاناة الإنسانية للمواطنين الشرق الأوسطيين ، سواء بتبنيها ، أو تأييدها ، للحصارات الإقتصادية التي لا تطول في أذاها طبقة الحكام ، و لا تؤدي أبدا لأي نتيجة سياسية إيجابية ، سواء لها ، أو لحلفائها ، أو بدعمها لأنظمة قمعية . ثالثا حماس : لا يمكن إخلاء حماس من المشاركة في المسئولية عن كل المآسي التي جرت لسكان قطاع غزة ، فبرفضها إعلان التخلي عن العنف ، برغم إنها عرفت أن العنف لم يؤد إلى أي نتيجة إيجابية ، و برغم علمها أن الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة سببه ديموغرافي و ليس أمني ، إلا إنها ترفض إعلان التخلي عن العنف ، و حل تنظيماتها العسكرية ، و التحول إلى كيان سياسي - إجتماعي بحت . حماس لم تفلح في أن تتحول إلى حزب ديمقراطي إسلامي ، مشابه للأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا ، بما يسهل نشر الديمقراطية في الدول العربية ، و سارت حسب المخطط الذي أراده لها نظام آل مبارك ، و نظام آل سعود ، بتبني كل من العنف ، و الخطاب المتشدد الفارغ . رابعا مصر : الطرف الثاني الرئيسي في المسئولية عن مأساة غزة . شرح الموقف هنا أكثر تعقيدا ، فهو ليس كالموقف الإسرائيلي ، أو الأمريكي ، فهنا يجب الحديث عن طرفين مصريين نظرا لغياب الديمقراطية ، الأول مصر الشعب ، و الثاني مصر النظام الحاكم . مصر الشعب بالطبع مضرورة من إستمرار ذلك الحصار ، و المسألة لا تحتاج لشرح . أما النظام الحاكم فهنا أيضا يجب تقسيم المصالح إلى مصالح النظام من الناحية السياسية ، و مصالحة المادية الشخصية . سياسيا كان هذا الحصار ، و لازال ، سبب رئيسي في تدمير ، سمعة ذلك النظام على مستوى الشارع المصري ، و الشارع في المنطقة ، و في تقلص التأثير المصري عموما في المنطقة . نظام آل مبارك يغار من إرتفاع شعبية حكومة حزب العدالة و التنمية التركي حاليا في الشارع المصري ، و العربي ، و يخاف منها ، و لكن أليست سياساته مع غزة ، هو و الحكومة الإسرائيلية ، من أسباب تلك الشعبية ؟؟؟!!! العجيب أيضا أن نظام آل مبارك من الممكن أن يحقق نفس سياسته الراهنة في غزة ، أي بدعم الجناح المتطرف في حماس ، ماليا ، و عسكريا ، بدون الحاجة لذلك الحصار الذي جلب له الكراهية الشعبية في مصر ، و المنطقة . ربما تكون المصالح المادية لأسرة مبارك هي السبب في إستمرار الحصار من جانب النظام الحاكم في مصر حاليا ، فالنجلان يترجمان كل شيء إلى دولارات ، خاصة مع إدراكهما لهشاشة المستقبل السياسي لأسرتهما . ربما تملك أسرة آل مبارك أنفاق في رفح ، أو ربما لها جماركها الخاصة على كل الأنفاق على طول الحدود المصرية - الغزاوية ، و هي جمارك لا شك لها عوائدها الضخمة ، و لا تدخل في الخزانة المصرية الرسمية ، و لا سلطة لأي سلطة مصرية رسمية عليها ، و لا يمكن تتبعها ، أي أفضل حتى من الغاز الطبيعي . العجيبة الأخيرة في ذلك الحصار أن الطرفين المسئولان عن ذلك الحصار ، يتفقان فقط في ضرورة إستمراره بشكل أو بأخر - برغم علمهما بعدم جدواه ، فكل شيء يمر ، من السلاح ، إلى البشر ، و برغم علمهما أيضا بأضراره على سمعتيهما - و لكنهما لا يتفقان في أي شيء أخر حيال حماس . أحدهما يريد لحماس أن تعتدل ، و أن تحل تنظيمها العسكري ، أو أن تترك السلطة ، و الثاني لا يريدها أن تترك السلطة ، بشرط ألا تعتدل ، و ألا تتخلى عن العنف . إنه حصار العجائب ، لأن الشجاعة تنقص كل الأطراف المسئولة عن إستمراره .
المنفى القسري : بوخارست - رومانيا
08-12-2010
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق بين الذئاب
-
المراقب الأهلي الأجنبي ممكن أن يكون تركي أو عراقي أو برازيلي
-
ليس منا من يمارس العنف ، أو يهدد به ، أو يروج له
-
الكوارث الطبيعية نادراً ما أسقطت الكيانات السياسية
-
أتحسر على سقوط الديمقراطية الأولى و لا أتحسر على سقوط أسرة م
...
-
غرس و تنمية الوعي الديمقراطي هدف هذه المرحلة
-
بدون عنف ، لكن لا يجب أن تمر في هدوء
-
دولة ولاية الفقيه لم تنفع متبعي الفقيه الجعفري
-
الإندماج كله فوائد و غير مكلف
-
عندها يجب محاكمة أبو جيمي و سيده
-
تذكر أن والدك كان لاجىء و أن جدك كان مطارد
-
علينا أن نطالب بالعدالة و أن نمارسها
-
حتى لا يرث جيمي مبارك نفس العقدة
-
د. بيار زلوعة و فكرة النقاء الجيني الذكري الفينيقي
-
هل ستغلق القلوب أيضا ؟
-
إنه قصور في الرؤية لدى حماس
-
هل حلال للأتراك و حرام على المصريين ؟
-
كان أفلح مع عرابي و عبد الناصر
-
برغم ذلك سنظل ندعم الاتحاد من أجل المتوسط
-
الغاز المصري أولى به المصنع المصري
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|