أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!















المزيد.....

الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3206 - 2010 / 12 / 5 - 15:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا بد أن هناك شعورا منتشرا بالاختناق في مصر حتى يشغل "الحل" بال الثقافة والمشتغلين في الشأن العام المصريين إلى هذا القدر. معلوم أن شعار "الإسلام هو الحل" من ابتكار الإسلاميين المصريين. وفي مواجهة الشعار الإسلامي كان المرحوم فؤاد زكريا كتب مقالة نالت شهرة عريضة بعنوان "العلمانية هي الحل". ويبدو أن كتابا بالعنوان نفسه صدر لكاتب مصري، فاروق القاضي، في وقت أبكر من هذا العام. ويختم الروائي المصري علاء الأسواني معظم مقالاته الأسبوعية بعبارة "الديمقراطية هي الحل".
لكن ما هي المشكلة؟ هي، حسب الأسواني، نظام استبدادي ثقيل اليد والظل، يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود، ولعله يخطط لتوريث حكمها إلى أحد أبناء الرئيس الحالي. ولعلها حسب الشعار العلماني انتشار "التأسلم" و"المتأسلمين"، وهذه تعبيرات مصرية، اشتهر بتداولها رفعت السعيد، "المعارض" المقرب من النظام (تنويعة مثيرة، لها "أشباه ونظائر" في غير مصر). أقول ذلك تخمينا، إذ لم أتمكن من الحصول على مقالة زكريا أو على الكتاب الذي تسمى باسمها. وليس واضحا ما هي المشكلة التي يمثل الإسلام حلها، حسب شعار الإخوان المسلمين في مصر. لكن إجماع الإسلاميين المصريين على أن الإسلام نظام شامل للحياة، يوحي أن المشكلة هي نظام الحياة الحالي، بقضه وقضيضه. كان المرحوم سيد قطب اعتبر المجتمع المصري في خمسينات القرن العشرين وستيناته "جاهليا". وفي حين أن الإخوان المصريين لم يتقبلوا الطرح القطبي في حينه، إلا أن البنية الخلاصية المضارِبة لشعار "الإسلام هو الحل" لا تحيل إلا إلى ما يقارب الحكم بالجاهلية. وإذ هم يزدادون اليوم "تسلُّفا" حسب حسام تمام، الباحث المصري المختص بدراسة الحركات الإسلامية، وإذ يهيمن سلفيون و"تفاصليون" في مراتبهم العليا، فإن ما ينطوي عليه مدرك "الجاهلية" من فساد شامل مستغرق لكل شي، يجعله أقرب إلى عالمهم الدلالي اليوم.
والواقع أن للشعارات الثلاثة بنية خلاصية وكلية وواحدية. وتضمر ثلاثتها أن "المشكلة" كبيرة جدا ومعقدة، لكنها موحدة بصورة ما، وقد يمكن تلخيصها بكلمة واحدة: "الاستبداد"، أو "الأصولية" (يبدو أن الكلمة قليلة الاستخدام في مصر)، أو الفساد الكلي الشامل الذي يعادل "الجاهلية". وتطال المشكلة أوجه الحياة جميعا، وبدرجة متساوية، بما يغني عن مقاربات أكثر نفصيلا لها، وبما يوجب أن تكون معالجتها شاملة وكلية. هذا ما يتضمنه مدرك "الحل". إنه واحد لا شريك له بالتعريف. القول إن "الإسلام هو الحل" يعني أنه وحده الحل. ومثله إذا قلنا إن "العلمانية هي الحل". فالمقصود أنها وحدها دون غيرها. وبالطبع هذا يثير تساؤلا بخصوص الشعار الديمقراطي. فالبنية الاستبعادية للشعار تتعارض مع المضمون الاستيعابي المفترض للفكرة الديمقراطية.
و"الحل"، بعدُ، مُعرّف جيدا، ومعروف جيدا. فلا موجب للتساؤل عن المقصود بالإسلام، أو بالعلمانية، أو بالديمقراطية. بل قد يبدو تساؤل كهذا تشكيكا في هذه المبادئ أو معاداة صريحة لها. والحال أن أياً منها ليس واضحا. وأنها في الواقع مدركات مشكلة وملتبسة، ولعل إجمالها وإبهامها يسهم في تعقيد مشكلاتنا بدلا من توضيحها، وتاليا في جعلها أكثر استعصاء على المعالجات الناجعة والحلول المثمرة.
لكن هناك بالفعل مشكلة تحلها هذه الشعارات. مشكلة تعريف الأطراف الرافعة لها. إن شعار "الإسلام هو الحل" تعريف للإخوان المسلمين المصريين، أو هو تحديد لهويتهم وتمييز لهم عن غيرهم. ولعله لذلك لم يلق أيَّ صدى في أوساط الإخوان المسلمين المصريين اعتراضُ عدد من كتاب البلاد ومثقفيها على الشعار قبيل "الانتخابات البرلمانية". من يتخلى عن هويته؟ ويُعرِّف شعار "العلمانية" هي الحل لمجموعات علمانية ترفعه أكثر مما يقول شيئا عن مشكلات مصرية، أو بالأصح "المشكلة" (الوحيدة وبأل التعريف) المصرية. وشعار "الديمقراطية هي الحل" هو أيضا التعريف الأنسب لـ"قوى ديمقراطية" مصرية ترفعه بدورها، وتميز نفسها به. أي أنه تتغلب في أفكار الإسلام والعلمانية والديمقراطية وظيفة الهوية على الوظيفة النظرية الخاصة بالشرح والتفسير، وعلى الوظيفة العملية الخاصة بوضع برامج العمل وتوجيه الفاعلية التغييرية المأمولة. وإنما لذلك، أي لأن الحلول هويات، تكثر الحلول وتزداد المشكلة تعقيدا. هذه الضروب من "الحل" تلزم من أجل ألا ننحل نحن، هذا القطاع أو ذاك من المصريين.
وبينما ليست العلاقة بين عناوين الهوية هذه وبين المشكلات المصرية اعتباطية، ما دامت البلاد تعاني فعلا من نظام تعسفي استبدادي، ومن تشدد ديني منتشر ما ينفك يقضم حريات اجتماعية وثقافية للمصريين دون ضمانة بأن يكون أكثر مراعاة لحرياتهم السياسية، وربما من استلاب معنوي وفقدان لمرجعية عامة توحد المصريين (الإسلام أحد أسس الشخصية المصرية والوطنية المصرية)، أقول بينما قد يكون الأمر كذلك، فإن الطابع الحصري لـ"الحلول" الثلاثة يحد من إمكانية تعاون أصحابها في العمل العام، أو من قدرة أي منها على إخراج قطاعات أوسع من المصريين من سلبيتها، وتاليا يسهم في استمرار الأوضاع القائمة، الخانقة.
ومن اللافت أنه ليس ثمة شعار يحيل إلى المشكلات الاجتماعية الاقتصادية التي تثقل كاهل أكثر من نصف المصريين، ولا أيضا شعار يحيل إلى استقلال مصر وسيادتها ودورها المركزي في الإقليم العربي. لعل للأمر صلة بتدهور اعتبار كل من الفكرتين الاشتراكية (وكان الحل الاشتراكي هو النموذج الذي بني عليه الحل الإسلامي، الموصوف بالحتمية مثله أيضا) والقومية العربية. وربما في العمق إلى هشاشة وضعف القوى الاجتماعية المصرية، ما يجعل التقلبات الإيديولوجية قوية التأثير عليها. وما يدفعها للتعويض بالشعارات والهويات. وما يفسر افتتانها بفكرة "الحل".
فهل في الحضور الكثيف لفكرة "الحل"، وما تتضمنه من شعور بالجزع والإلحاح ونفاد الصبر، ما يقول شيئا عن مستقبل مصر؟ هل يحتمل أن البلاد مقبلة في موعد غير بعيد على تحولات كبيرة يصعب تقديرها، على ما توحي كتابات مثقفين مصريين مستقلين؟ وإلا إلى متى يستمر المسار الانحلالي الحالي الذي يبدو أنه يبث شعورا عاما بالانجراف وفقدان السيطرة على المصير؟ ومعلوم أن هذا المسار ذاته يثير تفاعلات تعفنية في مجمل المنطقة العربية، على ما هو ظاهر منذ جيل وأكثر. هذا لأن مصر كتلة كبيرة، جغرافيا وتاريخيا وبشريا وجيوسياسيا. ولأنها كذلك فإن من شأن تقدمها في معالجة مشكلاتها وحلها أن يكون مكسبا عاما ينتفع منه العالم العربي. والعالم ككل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
- هذا الفصام الكردي المستمر...
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
- من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
- إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
- حوار هادئ في قضايا راهنة
- الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية
- هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟
- من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي
- تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
- في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!