جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3205 - 2010 / 12 / 4 - 19:47
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أيام زمان كان المواطن الأردني المغترب في الخارج حين يعود إلى أرض الوطن بعد 15 سنة من الغربة يلاحظ بأن الناس ما زالت هي الناس وبأن الشوارع ما زالت هي الشوارع وبأن الدكانة التي في حارتهم ما زالت تبيع نفس باكيت الدخان ونفس علبة السردين ونفس نوع السكر ونفس نوع الأرز وبنفس الأسعار وإذا كان هنالك تغيير يكون الفارق قرشاً أو قرشين أو ثلاثة قروش بخلاف اليوم حيث الفارق اليوم يكون في كل شهر 10 عشرة قروش ولم يكن المواطن يشعر بالفارق بعد غياب أكثر من 15 سنة عن أرض الوطن,وإذا نزل المغترب بعد غياب طويل عن أرض الوطن للتسوق لا يمكن أن يشعر أصحاب الدكاكين بأن زبونهم قد كان مغترباً إلا إذا نطق هو بالغربة , أما اليوم وأنا غير مغترب وأعيش في نفس البلد حين أخرج إلى السوق لشراء الأرز أو السمنة أو المواد التموينية بشكل عام فإنني أشعر وكأنني كنتُ مغترباً عن أرض الوطن إذا ما غبت عن السوق أسبوعاً واحداً وأقف مستغربا ومستهجنا الأصنافَ الجديدة فينظر لي التاجر وهو يقول: شو الأخ كاين مغترب؟ وراجع جديد !.
المواد التموينية في المحلات التجارية والوجوه الجديدة من الناس يشتركون جميعهم في خاصية واحدة وهي أننا نفاجأ بوجودهم بيننا.
ليلة الأمس كنتُ مدعوا لحضور حفلة زفاف أحد أبناء عشيرتي الموقرة وشاهدتُ في الحفلة شباباً لأول مرة أراهم في حياتي وشعرت كأنهم مثل أنواع الدخان والسجائر في السوبر ماركت الملاصقة لمنزلي ففي كل يوم أشاهد أنواعا جديدة من السجائر لم تكن على أيامي ودهشت جدا حين عرفت أنهم من أبناء عمومتي علماً أنني لأول مرة أرى فيها وجوههم فسألت عن الذي يلبس بنطلونا رماديا فقيل لي : شو أنت مش عارفه ؟
-لا مش عارفه؟
- هذا ابن عمك فؤاد.
- -ماشاء ألله هذا الولد امبارح كان يركض في الشارع .
- طيب وهذاك اللي يلبس بنطلون أسود غامق.
- شو كمان مش عارفه؟ أنت وين عايش؟.
وسمعتُ رجلاً يقول عني: شو الأخ كاين في الغربه, وأنا عملت حالي وكأني مش سامعه وقلت:
- شو أنا عايش معكوا ..بس عن جد هذا أول مره في حياتي بشوفه!
- هذا ابن عمك رامي ..بشتغل دكتور أسنان في أبو ظبي .
- أي صدقوني أول مره في حياتي بشوفه ..ومتى صار طبيب أسنان؟ أي هذا لما بنيت بيتهم الحجر سنة 1998م على ما أذكر كان يجي يلعب في الورشه عندي بالرمل وكنت أضربه وأطرده وكان يزعل مني, لا تحكولهوش مين أنا أكيد بعده حاقد على تصرفاتي معه.
- طيب هذاك مين هو اللي لابس بدله كحلية اللون؟.
- شو يابو علي أكيد انك بتتخوث علينا..أو شاربلك لترين عرق ...يا زلمه هذا شادي ,الآن هو مهندس كمبيوتر في السعوديه ويصمم برامج عملاقه للشركات وللمؤسسات الحكومية السعوديه .
- أي صدقوني ما بعرفه إطلاقا أي أكيذ انتوا اللي بتتخوثوا مش أنا.
- طيب وهذا اللي واقف يسلم على الناس مين هو؟.
- كمان هذا مش عارفه؟.
- طبعا مش عارفه هذول الوجوه الجديدة فجأة يخرجون من الأرض مثل العفاريت أي صدقوني لا أعرفه..بس احكوا لي مين أبوه أو مين إخوانه وأنا راح أستدل عليه من خلال تقارب الوجوه وملامح الوجوه والدم..يعني راح أطلعه مين هو عالدميه .
- يا زلمه هذا ابن عمك صادق.
- ليش هو عمي صادق عنده ولد بهذا الحجم؟ أي عمي صادق وزنه مع طوله هو وزوجته لا يتجاوزان ال 90 كيلو..وهذا ما شاء ألله عليه وزنه لحاله90 كيلو.
- يا زلمه صلي على الرسول أي الولد إذا اليوم مرض بصيروا يقولوا عنك إنك صبته بالعين .
- صح..انتوا ابتحكوا صحيح ..
الوجوه الجديدة في هذه الأيام تتكرر في حياتنا كل يوم وهي أيضا على مستوى المهن والوظائف والمواهب, ففي هذا العام رأيتُ أكثر من 15 ديوان شعر جديدة جاءتني كإهداء عبر بريدي العادي من عدة شعراء وذلك من أجل زيادة معرفتي بهم ومن أجل إبداء رأيي الذي يطلب مني دائما, فكثيرون هم الذين يطلبون رأيي في إبداعاتهم وفي النهاية يتهمونني بأنني مغرور بعد سماع رأيي بإنتاجياتهم الأدبية من قصة أو شعر أو مقالة, والوجوه الجديدة أيضا في المهن ففي هذا العام تعرفت على 10 عشرة مقاولين جدد وعلى أكثر من عشرين موسرجي وعلى أكثر من 10 عشرة بليطه...وكلهم يظهرون فجأة وبدون سابق إنذار ...إلخ.
الوجوه الجديدة تتكرر في حياتنا كل سنة على خلاف الوضع قديماً , فأيام زمان لم نكن نرى وجوها جديدة إلا نادرْ ما ندرْ وهذا الكلام أنا مسئول عن صحته وحقيقته بشكل مباشر فأيام زمان كان من النادر أن نرى في حارتنا وجوهاً جديدة وكنا يا دوب كل عشر سنوات نستطيع بالكاد أن نرى وجها أو وجهين أو نوعاً أو نوعين جديدين من البسكويت أو الأرز أو المُعلبات أو الناس الجدد, وصدقوني اليوم يركب معي في باص القرية أحيانا شباب لا أعرفُ من هم إلا إذا سألتُ أحدهم : أنت ابن مين يا شب؟.. .
واليوم في كل يوم نتعرف على أشكال وأصناف بشر جدد سواء أكان ذلك على صعيد المهنة أو الشهادات العلمية أو المواهب الفنية, فاليوم أو كل يوم نستمع إلى أصوات فنية جديدة مغنية ومغردة وحين نسأل عن هذا الصوت يقال لنا : شو أنت مش عايش بالبد هذا أغنيته أو ألبومه 2009 كسّر الدنيا ... وفي كل شهر نلاحظ أيضاً مطعما جديدا حتى أصحاب المطاعم يشكون من المنافسين الجدد حين تسألهم عن المهنة فيقولون: والله صار كل مين هب ودب يفتح مطعم عشان هيك الأسعار نازله في الحضيض,والمطربون يقولون: صار مين هب ودب يغني .. وميكانيكية السيارات يشكون من المعاليم أو من الوجوه الجدد على ساحة العمل والمنافسة ويقولون: والله المهنه صارت مصخره على الآخر صار مين هب ودب يفتح محل... وفي حارتنا ألاحظ أنا كل يوم يظهر فيها معلما جديدا للبناء أو للألمنيوم أو صاحب صالون تزيين رجال جديد.
الوجوه الجديدة أيضا في أنواع الرز والمواد التموينية, أنا مما أذكره أيام زمان بأنني كنت أذهب إلى السوق لأشتري مثلاً رزا وهو نوع واحد فكنتُ أقف في المحل فيسألني التاجر : شو بدك يا ولد فأقول له : بعثتني جدتي بدها رُز, فيسألني كم كيلو تريد ومن ثم يعطيني إياه دون أن يعدد لي 13 نوع رُز , أما اليوم فلا أستطيع أن أقول لصاحب الدكانه أو السوبر ماركت أعطني رزا دون أن أحدد نوعه ومنشأ الدولة القادم منها وإذا طلبت رزا أمريكيا مثلا نوع (تايجر) فيجب أن أُعقب طلبي بتحديد النخب إن كان أولاً أو ثانياً أو ثالثاً وكلما دخلت محلا تجاريا للمواد التموينية أسأل صاحب المحل عن تلك الأنواع من السُكر أو الزيوت متى ظهرت في هذا البلد فيقول لي التاجر: شو أنت وين عايش يا أبو علي ؟ هذا النوع صارله في البلد أكثر من شهرين وبعدك مش عارفه ؟ وقلت مره لأحد التجار أقربائي: طبعا مش عارف هذا النوع من العدس فاستغرب وقال: ليش أنت وين عايش! هذا صارله في الأردن أكثر من ثلاثة أشهر, فقلت: طيب ما أنا لي في الأردن 15 سنة أكتب الشعر وما حداش عارفني فلازم يكون الموضوع طبيعي ..تماما كما سألت ليلة الأمس عن الشباب أو الوجوه الجدد المتواجدون معنا في تلك الحفلة, من هذا؟..ومتى ظهر..وشو بشتغل..وكأنني كنت بعيدا عن البلد أو مهاجراً أو كأنني قادمٌ من بلاد الأدغال حيث يغيش طرزان وماوكلي ..وكذلك أصناف المواد التموينية فأنا اليوم حين أدخل محلاً لشراء رز أو سكر أو ملح أو عدس فورا أتصل بزوجتي وأقول لها : في زيت كذا نوعه شو رأيك جيد أأحضر منه؟ , فتسألني قائلة سألت البياع عن الأنواع الأخرى؟ فأعود لأسأل البياع عن الأنواع الأخرى فأقف محتاراً مثل توفيق الحكيم بين ثقافتين من كثر ما يصف لي البائع من أنواع وأنواع وأنواعٍ ولا أستطيع من دهشتي أن أتصرف لوحدي وأشعرُ وكأنني لأول مرة مثلاً ساشتري السكر أو الأرز أو العدس أو...إلخ ..فأتعب أحيانا من كثرة الشرح والإسهاب وأقول له: خلص يا رجل دوشتني والله العظيم إنك أوجعت راسي أعطيني أي شيء مليح أو وسط, فيقول لي: هذا جيد جدا أنا وزوجتي نأخذ منه للبيت ونطبخ منه وكمان هذا النوع جيد وأفضل منه , هذا النوع ظهر عندما اختفى هذاك النوع قبل شهرين , أنت عارف طلعت إشاعات عن ارتفاع سعره فطلعولنا بدلا منه هذا النوع والله إنه جيد جدا وأنا أنصحك وأنت حر , فأعود وأقول له: يا رجل خلص أي شيء مش مهم, وصدقوني مرة من ذات المرات بقيت واقف في سوبر ماركت أكثر من نصف ساعة مثل الأهبل وأنا أنظر في أنواع الجُبنه وعلب الطون وأنا محتار شو أشتري من أي نوع.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟