|
العالم يقطر انسانية
وجيهة الحويدر
الحوار المتمدن-العدد: 962 - 2004 / 9 / 20 - 09:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العالم يقطر انسانية.. مالذي يجري في هذا العالم المتهالك؟ الهذه الدرجة وصل البشر من الانحطاط؟ اولم يهز الخبر احدا؟ تركيا هددت في الاسبوع الماضي بقطع دعمها للجيوش الأمريكية في العراق اذا لم تُوقف هجماتها على "تلعفر"!!! يالها من جُرأة .."عبيد" يتطاولون على "الاسياد"..منذ متى صار يُسمح بأمر كهذا؟؟ السبب الذي دعا تركيا لتلك الفعلة كان ادهى وامّر..غضبها من الأمريكين ومن هجماتهم هو لأن القاطنين في "تلعفر" كثير منهم من فئة التركمان!!! نعم من التركمان..حتى التركمان جاء لهم نصيبهم من الدمار.. تُرى لو ضربت المقاتلات الأمريكية في كركوك المكتظة بالاكراد، هل ستطلق الحكومة التركية نفس التهديد؟؟ ام انها ستبارك خطط الامريكيين وتشد ازرهم وتقف في صفهم؟؟ سأترك الاجابة لكم.
تكابلَ ابناء سنة الخليج ومشايخهم. جمعوا الاموال الطائلة، وارسلوا المواد الغذائية، والإعانات الصحية لمساندة اهل الفلوجة حين سددت امريكا ضربات اليها. كان موقفا "انسانيا" مبهرا ..احسن الله لهم سعيهم، وسدد خطاهم الطيبة لكل مافيه جير وصواب! لكن قبلهم سالت دماء ابناء الشيعة في البصرة والكوفة وفي كربلاء في يوم عاشوراء، وتفجر الشيخ الحكيم واتباعه بالعشرات بعد ان ادّوا صلاة الجمعة..لم نسمع احدا منهم ارسلَ ضمادة جروح، ولا مياه شرب نظيفة ، ولا حتى كلمة عزاء لأهاليهم!! ومن قبل ذلك في جنوب لبنان لأكثر من عشرين عاما لم يعبأ احد بهم..يالها من مواقف تفضح معادن الناس..
حفّزت البابا على الاستنكار تلك الدماء المسيحية النقية التي اندلقت في اروقة كنائس بغداد..كادت دموعه ان تقفز من عينيه، وبدا ظهره اكثر انحناءا من شدة هول الحدث.. والعالم وقف على قدم وساق، غاضبا وساخطا ومستنكرا المصاب .. والمصاب كان بالفعل مفجعا..ومثيرا للشفقة..لكن لم نسمع صوتا للقساوسة المسيحية في العالم ولا اهلها حين فُجرت المساجد العراقية الشيعية والسنية..ولا حين يقتّل المسلمين في كشمير ودارفور..هل لم تكن الأحداث بنفس الوجع والحرقة؟؟
جموع الشيعة شرقا وغربا ..شمالا وجنوبا ..استاءوا وحزنوا بألم مابعده ألم حين ضُربت مدينة النجف وحُوصر ضريح الامام..جروحهم تقيّحت، وقلوبهم تمزّقت، ونفوسهم تأزّمت طوال نكبة تلك المدينة البائسة ..الايرانيون وآياتهم تلعثموا وتغير لونهم..ولا احد يلومهم..الكارثة كانت اعظم من أن تستوعبها لغة الكلام..لكن لم نحس بشيعة العالم حين سُفكت دماء أهل الفلوجة وسمراء ..وماذا عن اهل كابل حين تمزقت الاجساد في عرض افغانستان وطولها..هل لم تكن تلك الأرواح لبني البشر؟
وفرنسا المتعنتة منذ سقوط صدام وحتى اللحظة، لم تعبأ ولو لوهلة بدماء العراقيين التي تُهدر ولا بأرواحهم التي تُفتك على مدار اليوم.. منذ الاحتلال لم تعنَ فرنسا قط بثكالى العراق ولا ايتامه..لكن اهتزت خوالجها، وذرفت دموعها، وهبطت من عرشها مجبرة، وهبّت مسرعة مذهولة حال سماعها لإختفاء اثنين من رعاياها..غضبت وثارت واحتجت ثم استهجنت..بعدها استنكرت بشدة احتجاز الصحفيين مع انه لم يمسس احد بعد شعرة منهما ..ارسلت الوفود من كل صوب وحدب ..وراح العالم يطبطب على فرنسا المجروحة في كبريائها، وكاد كوفي انان ان يشد الرحال بنفسه لبغداد.. ليفك أسر الفرنسيين المسكينيين ..ومفتي ديار مصر لم ينسَ ان يدلي بصوته ربما ليكسب من الله اجره..بينما كان في الوقت عينه، مجموعة من الجثث لرجال ابرياء من النيبال ، مقتّلة وممثّل بها ومرمية رمية الكلاب..مبعثرة هنا وهناك.. لم يرّف جفن احد لهم..ولم نسمع بوقفة صمت من اجلهم..ياله من نفاق..ويالها من وحشية!
لم تتفق كل تلك الاطراف سوى على القضية الفلسطينية..ليس ايمانا منهم بعدالتها وبنضال شعبها ضد الاحتلال..لكن لأن كل طرف له مآربه..تلك القضية اصبحت للعرب وغير العرب كالمموس الرخيصة المتسكعة على ناصية الطريق.. الكل يلتقطها ويمتطيها لأرضاء غرائزه السياسية..تُستغل بوقاحة حتى في مجازر العراق اليومية..
حرب العراق اليوم عرّت العالم بأسره..فكما انه يوما ما علّم العراقيون البشر ابجدية الحضارة وقواعدها واصولها.. هاهم اليوم مرة اخرى يلقنونهم بدمائهم النبيلة دروسا في الانسانية وبنفس الدرجة من الأهمية ..هاهم يكشفون للعالم عوراته.. ويُظهرون نفوس البشر المنتخرة، ويفضحون انسانيتهم العفنة، وايمانهم النتن، ومعتقداتهم الزائفة.. عراق اليوم ازاحَ الستار عمن يرتدي بهتانا لباس العروبة، ومن يكتسي كذبا خمار الدين، ومن يهلل نفاقا بالمثل والقيم الانسانية.. كشفَ عراق اليوم للجميع قاطبة ان الروح البشرية تباع وتشترى طوال الساعة في سوق النخاسة.. وان الكل يزايد عليها، القاصي والداني يتشدق بها لأهدافه الخاصة..تماما كحقوق النساء العربيات.. حين تُرفع شعاراتها في مؤتمرات ومنتديات تمولها الأنظمة العربية..
وجيهة الحويدر سبتمبر/18/ 2004
#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغد وعائشة ورانيا..حالات عَرَضية أم عاهات مستديمة؟
-
إن كيدهم أعظم
-
الى متى سيظل تاريخ الحضارة الإنسانية يُلقن مبتورا؟
-
هل توجد هناك علاقة بين تناسق الجوارب وإزهاق الروح؟
-
قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري
-
لاستاذ حيّان نيّوف.. الاحتضار هو حين تسكن روحك جسد انثى عربي
...
-
خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
-
وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك
...
-
العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
-
لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا
...
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|