|
فرسان جُدد لحملة قديمة ...
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 3204 - 2010 / 12 / 3 - 01:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يكن يطرأ على بال أي مواطن عراقي كان ينتظر زوال الحكم الدكتاتوري البعثي الفاشي ويناضل في سبيل سقوط ذلك الحكم الأهوج ويلاقي ما يلاقي من القمع الهمجي لذلك النظام المقبور ، ان يعيش تلك الأجواء التسلطية الهوجاء ثانية بعد سقوط رواد الحملة الإيمانية القدامى . لقد برز قادة جدد لحملة قديمة قادها النظام الساقط ليعوض فيها عما كان يصيبه من إتنكاسات يومية أفلست من خلالها جعبته السياسية التي لم تجد ما تقدمه للمواطن بما يتناسب وطموحاته في حياة حرة كريمة مرفهة في بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم يعيش أهله على ما ينتجه الآخرون . لقد ظلت سياسة الدكتاتتورية الحمقاء تجتر الشعارات البالية وتبتكر شعارات جديدة تسعى من وراءها إلى التعتيم على النهج الظلامي التي سلكته واستمرت على سلوكه الذي أرادت أن تربطه بالدين بعد أن جرده الواقع من كل مقومات وجوده السياسية والإقتصادية والفكرية والإجتماعية . شعار الدين الذي رفعته البعثفاشية السوداء من خلال حملتها الإيمانية آنذاك لم تزد النظام الدكتاتوري إلا إستهزاءً به من قبل الجماهير التي عرفت ماهية هذا النظام وفضحت ألاعيبه الخبيثة في الإلتفاف على المصالح الحيوية للجماهير . وبالرغم من اللعب بورقة الدين هذه وبالرغم من الحملة الدعائية الهوجاء التي رافقت حملته الإيمانية ، بالرغم من كل ذلك فقد سقط النظام المقبور غير مأسوف عليه ولم تنفع معه كل تلك الأكاذيب التي جعل الدين واسطته فيها لممارسة القمع على الناس وتشديد آلته الإرهابية عليهم . لقد إستبشر الناس خيراً بزوال عهد الكذب والدجل خاصة فيما يخص توظيف الدين الإسلامي لمثل هذه الأغراض الشريرة التي لا ناقة للدين الحق فيها ولا جمل . إلا ان هذه البشرى لم تدم ، مع الأسف الشديد ، وذلك حينما برز فرسان جدد لتكملة مشوار البعثفاشية المقيته في ركوبها الدين لما فيه شر للدين لا صلاحه . الفرسان الجدد ، ورثة الجرذ المقبور ، كشروا عن أنياب حقدهم الأعمى على كل ما يبعث على الجمال والثقافة والفن والإبداع في وطننا ، فعبروا بذلك عن ظلامية أفكارهم وضمور عقولهم التي لم تستوعب العلم والحداثة والتقدم والتحضر ، فهرعوا إلى الدين الذي إمتطوه ليسلكوا به ذلك الطريق الذي وضعته أنانيتهم ورسمه جهلهم له ليقدموا أنفسهم إلى الشعب العراقي عبر هذا الكذب على الدين أولاً وعلى الناس ثانياً وعلى أنفسهم ثالثاً ، وكأنهم حماة الدين والمدافعون عنه وعن قيمه التي يجهلون أبسط مبادءها . فهل يمكن لأي عاقل ان يتصور بأن يتعامل هؤلاء الجهلة الظلاميون مع سارقي قوت الشعب في وزاراتهم ومؤسساتهم الحكومية التي يشرفون عليها باسم الدين أيضاً ، معاملة تضعهم في حل مما يسرقونه ، في حين توجه جل جبروتها وغطرستها لتنال من فنان أو مثقف عراقي يسعى لنشر الجمال من خلال حفلة موسيقية أو مسرحية هادفة ، جاعلة منه كافراً معادياً للقيم الدينية عاملاً على إنتهاك كيان خير أمة أُخرجت للناس . الحملات الدينية الهستيرية التي إقترنت بإجراءات مجلس محافظة بابل ضد المهرجان الثقافي بالأمس وما سبقها من إجراءات مجلس محافظة البصرة قبل ذلك في منع الحفلات واللقاءات المختلطة ، وما جاء به فرسان الحملة الإيمانية الجدد هذه الأيام من إجراءات شملت نادي إتحاد الأدباء في بغداد ، جميع هذه الحملات التي ورثها الفرسان الجدد من سابقيهم من فرسان حملة أيمان البعث ، إن دلت على شيئ فإنما تدل على تلك العقلية المتخلفة الحاقدة على الفن والعلم والأدب والحداثة ومواصلة التلاقح الحضاري العالمي والمساهمة في مسيرة إنسان القرن الحادي والعشرين . الفرسان الإيمانيون الجدد الذين يكملون اليوم مشوار رفاق طريقهم بالأمس لا يفقهون من الدين الذي يتمشدقون به ، إذ انهم لو كانوا يعون أبسط مبادئ هذا الدين لما لجأوا إلى الإجراءات الإجبارية في فرض إيمانهم هم ، إيمان المنافقين الذي يسمح بالسرقات والرشاوي والتزوير والتلاعب بأموال الدولة والإثراء الفاحش على حساب قوت الجماهير وكل الموبقات التي يرتكبونها منذ سبع سنين ثم يسترون عوراتهم هذه بورقة الدين ، يجبرون الناس على تبني مفاهيمهم التي لم يستطيعوا أن يجعلوا من الإقناع وسيلة للتعامل معها فيما يؤمنون به من إجراءات لتنفيذ حملتهم الإيمانية الجديدة القديمة هذه . فلو كانوا يفقهودن الدين الذي يوظفونه في حملتهم الإيمانية هذه ، كما وظفه الجرذ المقبور من قبلهم ، للجأوا إلى إسلوب إقناع الجماهير بصدق ما يدعون . إلا أنهم يعلمون تماماً قبل غيرهم من الناس بأنهم فارغي العقول جهلاء بامور الدين والدنيا على السواء ، لا حجة لهم على معارضي أساليبهم البربرية هذه غير حجة القمع التي ورثووها ممن مارسها من قبلهم من رفاق الزيتوني بالأمس . الكلمة الأخيرة ، أو بالأحرى الصيحة التي يجب ان يطلقها كل مواطن عراقي له شأن برفعة الفن والأدب والعلم في وطنه ، الرافض لسياسة نشر الظلام الفكري والعامل على إيقاف الحرب التي يشنها الجهلاء على الثقافة والفنون والآداب والعلوم في العراق الجديد ، هذه الصيحة التي يجب ان يطلقها الجميع في وجه الحكومة العراقية القادمة التي يجب عليها ان توضح مسيرتها المقبلة ، إن أرادت لوطننا الخروج من هذا النفق المظلم الذي يعمل على إطالة ظلامه كل هؤلاء الذين يتسلقون على الدين ليسرقوا وينهبوا ويثروا على حساب الآخرين . فإما أن تنحاز هذه الحكومة إلى جانب التطور الحضاري والتلاقح الفكري مع الحضارة العالمية ومع ما يتحمله المبدع العراقي في مجالاته المختلفة بعمله على إستمرارية العطاء العراقي الذي قطعت مساره الدكتاتورية الساقطة . وإما ان تستند الحكومة الجديدة في عملها القادم على هذا الرهط المتخلف في بعض مجالس المحافظات الذي يشن الحرب على الفن والعلم والثقافة والإبداع كما عبرت عن ذلك إجراءات مجالس محافظات البصرة والحلة سابقاً ، ومجلس محافظة بغداد في تعرضه لنادي الأدباء العراقيين لاحقاً. الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأعراب أشد كفراً ونفاقاً (التوبة 97) وعائض القرني خير مثال
...
-
صورة واحدة لطا غيتين
-
ايها الكورد ...البعثيون قادمون لكم ، فتأهبوا لأنفال جديدة
-
المقصود كان عيد الأضحى .... إصبروا فالعجلة من الشيطان
-
شيئ من الفلسفة ... فلسفة المرأة مثلاً
-
الدولة الدينية دولة دكتاتورية شاءت ذلك أم أبت
-
إنقاذ عمال المنجم المنهار في شيلي درس حي في إحترام الإنسان
-
مع الحوار المتمدن دوماً
-
الموقع الإعلامي الحر روج تي في سيستمر صوتاً هادراً للشعب الك
...
-
تمديد الثورة الكوردية لوقف إطلاق النار .... محتواه وأبعاده
-
تصرفاتكم أخجلتنا ....فمتى تخجلون أنتم يا ساسة العراق ...؟
-
كفوا عن هذا اللغو البائس
-
إطعام جائع ....أو بناء جامع ...ما الأحب عند الله ...؟
-
ألا من هبَّة شعبية شرق أوسطية لردع العنصريين الأتراك...؟
-
الثورة الكوردية بين جنوحها للسلم والقارعين طبول الحرب
-
جولة في مزرعة علي الشوك
-
أيها العراقيون أبشروا .....ستفطرون على جرِيَّة
-
بغداد برلين
-
جدلية العلاقة بين السياسي والمثقف في العراق الجديد
-
دعوة عبد الله أوجلان للسلام في كوردستان تكتسب طابعاً أُممياً
المزيد.....
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21
...
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ
...
-
21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا
...
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|