|
على ماذا ستفاوض سوريا؟
لؤي حسين - سوريا
الحوار المتمدن-العدد: 961 - 2004 / 9 / 19 - 11:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
المفاوضات السورية الإسرائيلية إن عادت الآن، استجابة لعرض الرئيس السوري، لا يمكنها أن تكون استمراراً للمفاوضات السابقة. فبعد أن تحولت أغلب الشروط الإسرائيلية لإعادة الجولان لتصير مطالب أميركية مفروضة على سوريا، صار وضع المفاوض السوري قبالة المفاوض الإسرائيلي ضعيفا جداً. لذلك نجد أن شارون يتمسك بشدة بعدم القبول بشروط سوريا للعودة الى المفاوضات، ويريد إذا عادت المفاوضات أن تبدأ من الصفر، لأنه يرى أن الشروط الإسرائيلية في المفاوضات السابقة أصبحت قديمة، فبعضها تحقق وبعضها لم يعد يهم إسرائيل من وجهة نظر شارون، الذي يرى أيضاً أن العديد من الحاجات الإسرائيلية ستتحقق تحت الضغط والتهديد الأميركيين لسوريا، مثل عدم دعم المنظمات الفلسطينية المتشددة وطرد قادتها من سوريا، وإنهاء الدور العسكري لحزب الله، وإعادة هيكلة الجيش السوري وانسحابه من لبنان، وتغيير مناهج الدراسة والخطاب الإعلامي السوري، وغيرها من لائحة المطالب الأميركية. إذاً، ماذا يمكن أن تكون شروط إسرائيل الآن مقابل إعادتها الجولان؟ سؤال ليس المهم التكهن بالإجابة عنه بقدر ما يتطلب التخوف والحذر من مفاوضات يمكن أن تبدأ، ومن غير المطمئن إلى أين ستنتهي في هذه الظروف. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن رأي القيادة السورية أن حكومة شارون ليست حكومة سلام، فهذا لا يتعارض مع عرض الرئيس السوري قبوله بعودة المفاوضات، إلا إذا كان هذا العرض يقتصر بغايته على تقديم إثبات جديد على أن حكومة شارون ليست حكومة سلام، فهذا يتفق عليه الجميع عدا إدارة الرئيس بوش التي ترى شارون رجل سلام، ولن يغير العرض السوري من موقفها هذا حتى لو رفض شارون العودة الى المفاوضات. فإن كان الأمر كذلك، فهذا يتفق مع التحليل الذي يقول إن العرض السوري هو محاولة لإصلاح الأحوال مع الولايات المتحدة عبر البوابة الإسرائيلية. لكن إهمال الإدارة الأميركية للعرض السوري لا يعطي لهذا التحليل جدواه. إذاً، ضمن هذا الواقع الراهن، لا أرى ما يغري القادة الإسرائيليين أو يفرض عليهم العودة للمفاوضات. فالجبهة السورية آمنة تماماً، ليس بالمعنى العسكري الإجرائي فقط، بل بالموقف السياسي الذي يكرره القادة السوريون منذ إطلاق شعار خيار السلام الإستراتيجي وحتى الآن، من أنهم لن يقوموا بمحاولة تحرير الجولان بالقوة العسكرية. إذاً، بهذا المعنى لا تشكل سوريا تهديداً عسكرياً على إسرائيل. كذلك هي الحال على جبهة الجنوب اللبناني بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه، وتضاف إليه الآن عودة الأسرى اللبنانيين. فأعمال حزب الله العسكرية في الوقت الراهن ليست مصدر قلق كبير لإسرائيل، كونها (الأعمال العسكرية) مقتصرة بإشكالية مزارع شبعا التي لا تحظى بإجماع لبناني على حلها بالعمليات العسكرية، ولا تجد لها دعماً دولياً أو من هيئة الأمم كما كانت حال مسألة الجنوب، إضافة إلى أن حزب الله أظهر استقلالية واضحة بمواقفه عن القيادة السياسية السورية في السنوات الثلاث الماضية. وفي ما يتعلق بالمنظمات الفلسطينية الرافضة لاتفاق أوسلو وخريطة الطريق، فغير خاف على أحد، ولا على أميركا، أن دعم السلطة السورية لهذه المنظمات أو عدمه ليس له أثر كبير على عمليات المقاومة المسلحة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني. من هذا كله، يتضح اشتراط شارون على السلطة السورية أن تتخلى عن دعم المنظمات الفلسطينية واللبنانية التي يصفها ب> قبل قبوله العودة إلى المفاوضات، بدلا من أن تكون هذه أوراقاً سورية يتم البحث فيها على طاولة المفاوضات. بل يضيف، نتيجة اعتباره أن إسرائيل في أوج قوتها وسوريا في أضعف حالاتها، أن على السلطة السورية أن تأتي إلى المفاوضات بدون أي شروط مسبقة، أي أن تتخلى عن شرط الرئيس الراحل حافظ الأسد قبول إسرائيل المسبق من حيث المبدأ بالانسحاب من كامل الأراضي السورية التي تحتلها. فإن قبل المفاوض السوري بكل هذا، وهذا ما تسربه الصحافة، فلا بد من أن يواجهه المفاوض الإسرائيلي: ان ما لديك من أوراق لا يساوي ربع الجولان أو نصفه أو أي قسمة منه. فإن تم الاتفاق على هذا بحجة مصلحة سوريا الآنية، أو حتى تقطيع المعاهدة إلى اتفاقات مرحلية، فهذا بكل تأكيد لن يكون أساساً صالحاً لسلام يؤطر عيش شعوب منطقة الشرق الأوسط ودولها، بما فيها إسرائيل. إن كان الظرف الآن ليس في جانب المفاوض السوري فلا يعني أنه غير مناسب لمبادرة سلام سورية متضمَّنة في مشروع سلام يؤسس لخلق مناخ سلمي عام. فمثل هذا المشروع يتطلب توجهاً واضحاً وليس إجراءات يمكن العودة عنها في حال لم تتحقق المفاوضات، أو اقتراحات على مقاس حكومة شارون. بل المطلوب من هذا التوجه أن يحمل روح المبادرة لا أن يكون استجابة لمشاريع مطروحة، وبذلك يستطيع أن يستقطب قوى السلام والرأي العام الإسرائيلي والعالمي، كما يكون انتقالاً من ميدان الضغط الأمني على حكومة شارون، الذي لن يأتي نفعاً، إلى ميدان السياسة. هذا المشروع يتأسس على ثلاث تسويات مستحقة على السلطة السورية قبل الدخول في عملية المفاوضات. التسوية الأولى هي إحياء السلم الأهلي داخل المجتمع السوري، إذ لا يمكن لأي رأي عام خارجي أن يصدق أن سلطة ما جادة في تحقيق سلام في الوقت الذي تمارس فيه كل أشكال العنف تجاه شعبها من خلال سلب أفراده وجماعاته كل حقوقهم، وأبسطها منع السوريين أفراداً ونخباً وتيارات سياسية من المشاركة في مناقشة وتداول موضوع السلام بشكل علني، ليقتصر الأمر على بعض القادة الكبار في السلطة الذين يقبضون على كل الموضوع، ويحولون دون تسرب أي معلومة عنه للسوريين، على خلاف ما يدعيه بعض المسؤولين وأهل السلطة، حين ينكرون وجود مفاوضات سرية مع الإسرائيليين، مدّعين أن السلطة السورية لا تخفي شيئاً عن الشعب، مع أن وجود مفاوضات سرية في بعض المراحل ليس مأخذاً على السلطة، طالما أنها ستعلن نتائج هذه المفاوضات قبل التوقيع على أي اتفاق، إضافة إلى إن تسوية هذا المسار الداخلي ستعطي الانطباع القوي لدى المفاوض الآخر بأنه في مفاوضات حقيقية وليس حيال صفقة سرية مع أفراد مفاوضين. وسيظهر الموقف السوري بمتانة لا يشكك بجديته أحد كونه سيعبر حينها عن إرادة أغلب السوريين. التسوية الثانية هي تطبيع العلاقات مع السلطة الفلسطينية، بل إقامة أفضل العلاقات معها على كافة المستويات، ودعم كل خياراتها المقرة في المجلس التشريعي الفلسطيني، والتنسيق الدائم معها من دون أن يعني هذا أو يهدف لتوحيد المسارين السوري والفلسطيني، بل على الأقل سينهي مظهر التعارض بينهما، الذي مكّن الحكومات الإسرائيلية دوماً من تهميش وإضعاف أحدهما عند الاهتمام بالآخر، وهذا ما يحاول شارون العمل عليه الآن، واللعب على الأزمنة الضائعة جراء هذا الوضع لإتمام الجدار الفاصل، الذي سيقلب طاولة المفاوضات الفلسطينية والسورية ويحرق جميع أوراقها. إنهاء الوجود السوري في لبنان هو التسوية الثالثة أمام السلطة السورية. هذا الوجود الذي يحاول الحفاظ خلال هذه المرحلة على ما يسمى المسار اللبناني، ولقد تحول إلى عبء ثقيل على الدولة السورية بعد الانسحاب الإسرائيلي ومبادلة الأسرى، وبعد أن تبين عدم وجود من يأخذ هذا المسار على محمل الجد، خاصة اللبنانيين الذين سمعنا من أكثر تياراتهم وجهاتهم أنهم لا يريدون توقيع معاهدة مع الإسرائيليين لعدم حاجتهم لها، لانتفاء حالة صراع واضح بين لبنان وإسرائيل. وإن كانت السلطة السورية، من خلال هذا الوجود، تحاول استقطاب أصوات لبنانية سياسية ودبلوماسية وإعلامية لجانبها في معركتها مع إسرائيل، وفي المحافظة على دور إقليمي نافذ في المنطقة، فإنها ستجد مكسباً أكبر ضمن هذا الإطار لو أن تلك الأصوات تصدر من رؤوس أصحابها وليس من مكان آخر. سؤال أخير كان يجب أن يكون أولاً: هل السلطة السورية الحالية قادرة على حمل مشروع كهذا بعد أن أخفقت بتحريك طموحها بالتغيير، وفشلت بإنجاز أي إصلاح نوته أو وعدت به؟ أم يمكن أن ننظر للأمر من زاوية التفاؤل، ونتوقع أن السلطة وجدت مدخلاً للإصلاحات عبر إنهاء النزاع السوري الإسرائيلي الذي يشترط تلك الإصلاحات، فتكون بذلك وجدت مخرجاً مدعوماً من الخارج لحل أزمتها التي هي فيها. إن اتخذت السلطة السورية بعضاً أو كلاً من هذا التوجه فقد يبدو أنه رضوخ للمطالب الأميركية التي أرى أنها نفس الرغبات الأوروبية، لكنها ليست مطروحة تحت عنوان مطالب أو شروط. وستجد السلطة من يتهمها بالتنازل والرضوخ، وستخسر شيئاً أو شيئين من سيطرتها الداخلية، لكن هذا أضمن لها من خسارة كل شيء بمساومة أو بمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.
#لؤي_حسين_-_سوريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتفاء الحاجة للاعتقال السياسي
-
ثقافة الاستبداد الوطني
-
مثقفون-سياسيون سوريون
-
كبيرة التعذيب
-
الإرهاب يدخل إلى سوريا
-
ردا على مقال السيد منذر خدام المنشور في موقع الحوار المتمدن
...
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|