|
العلمانية أو الطوفان
حميد زناز
الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 03:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نشر عدد من مثقفي العالم العربي المقيمين في فرنسا بيانا أدانوا فيه الاعتداءات الوحشية التي راح ضحيتها عدد من المواطنين العراقيين بسبب ديانتهم المسيحية. وإن كان واجبا تثمين كل مبادرة تندّد بالعنف ضد البشر مهما كانت التبريرات وفي أي زمان أو مكان ، إلا أن التنديد المناسباتي غير كاف ما دامت المجتمعات العربية (ثقافة و سياسة) لا تعترف بالتنوع الديني والفلسفي. تكفي إطلالة سريعة على الدساتير في هذه البلدان ليعرف المرء (ة) أن كلها تعتمد الشريعة الإسلامية كأساس للتشريع وتفرض الإسلام كدين وحيد للدولة. وبالتالي لا تعترف بمواطنة لا المسيحي و لا اليهودي ولا الــ بدون دين. تقصي هذه اللامساواة المُدسترة اللامسلمين وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية وذلك يعرضهم لمصاعب كثيرة تفتح الباب في النهاية واسعا أمام احتقارهم أولا و الاعتداء الوحشي عليهم ثانيا. ما هو واجب المثقف أمام هذا التمييز الرسمي؟ لا ينتظر الإنسان العربي السوي - الذي لم تلوث عقله الأساطير الدينية والحلول الوهمية - من المثقفين التنديد بما يقع وإنما يطالبهم بنقد وتفكيك المنظومة القانونية المعتمدة أساسا على الشريعة الإسلامية والتي تؤسس للتمييز والتحرش الديني بطريقة مضمرة وصريحة. ما جدوى أن يرفض هؤلاء أفعالا لا يملك أغلبهم الشجاعة على رفض الجهاز الإيديولوجي الذي يحرض عليها ويعطيها الشرعية؟ ألا يعتبر الإسلام المسيحيين واليهود أهل ذمة؟ ألا تظل بهذا فكرة التمييز القاتلة حاضرة في النص المقدس وجاهزة للاستدعاء وقت الحاجة؟ فلا حل لهذه المعضلة سوى العلمانية أي فصل الدين تماما عن الشأن السياسي ويعني ذلك إبعاد الشريعة تماما من مجال التشريع، وعدم تدريس الحقد و تجريم التكفير.. الخ. فهل هو مثقف من لا يؤمن بالعلمانية؟ وما نفعه أصلا في مرحلة تعاظم فيها هجوم دعاة الدولة اللاهوتية ؟ ولئن كان معظم الموقعين على بيان التنديد من المؤمنين بالعقلانية والعلمانية فقد تسلل بينهم أصولي متنكر لا يترك فرصة إلا واستغلها للإشادة بعصابة حماس وحزب الله وطالبان! كما تسلل آخر امتهن عقلنة الشريعة في فرنسا ملفقا أطروحات مضحكة حول إسلام مثالي عالم بكل شيء، لا يوجد إلا في دماغه.. و آخر يعمل جاهدا و لكن عبثا على الفصل بين الأصولية الإسلامية و الإسلام! كيف نستغرب هذا الاعتداء الجبان في وقت لا تخلو مكتبة في العالم العربي من كتب تنتقد النصارى وتصف دينهم بالمحرّف وتدعو صراحة إلى أسلمتهم.. وتفرض دراسة الإسلام على جميع الطلبة في المدارس بصرف النظر عما إذا كانوا مسلمين أم لا.. ففي شبه البرلمانات العربية قوى دينية رجعية لا تملّ ولا تكلّ من المطالبة بتطبيق الشريعة كاملة ضاربة عرض الحائط بأدنى حقوق المواطنين غير المؤمنين بالشريعة. كيف يسمح للمسلمين العمل الدعوي الذي يهدف إلى أسلمة المسيحيين، وفي المقابل يمنع على المسيحيين ليس حقّ الهداية إلى طريق عيسى بن مريم، بل حتى إظهار إيمانهم بالتثليث إذ لا تقرع أجراس الكنائس خوفا من أن تشكّل استفزازا للمسلمين في ديارهم! كيف يمكن أن يعيش إنسان غير مسلم في طمأنينة بين أناس ما زالوا يعلمون أبناءهم ما نقل أبو هريرة عن الرسول : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني دماءه وماله .." (صحيح البخاري 2983)؟ كيف يستتب الأمن الاجتماعي و لا تكاد تمرّ صلاة جمعة أو مناسبة دينية دون أن يسمع مرتادو المساجد خطبا نارية مناوئة للمسيحيين واليهود وغير المؤمنين بل للعالم أجمع ؟ ألا يتعلّم الناس معاداة العقائد الأخرى في مساجد الحكومة و مدارسها وإذاعاتها وفضائياتها؟
التبجّح بتسامح الإسلام شيء والواقع الذي يعيشه غير المسلمين في أرض الإسلام شيء آخر إذ لا أحد يستطيع اليوم ستر الإقصاء الذي يتعرض له أتباع السيد عيسى بن مريم في كثير من الدول التي تنتهج الطريقة المحمدية. لم يبق للمسيحيين في الأغلب الأعم سوى خيارين لا ثالث لهما: قبول الذمة السرية صاغرين أو الهجرة خارج الديار مضطرين. "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ممن أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (سورة التوبة29) هكذا تقول كتب التربية الدينية! فما هو موقف المثقفين من كل ذلك؟ أمام هذا الوضع الغريب عن العالم المعاصر لا حل لتحقيق حرية الإنسان سوى الدولة المدنية التي تضمن الحياد ولا تفرض الإسلام بالقوّة كما هو الحال في كل الدول العربية اليوم. ولا مهمة حقيقية للمثقف العربي في الوقت الراهن غير المطالبة بإلغاء مادة : دين الدولة الإسلام من شبه دساتير البلاد العربية، لأنها بكل بساطة مادة عنصرية ومضادة لحقوق الإنسان وتمييز رسمي على أساس الدين، لا يجني منها العرب سوى العنف و التخلف والحرب
#حميد_زناز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل عام وكباشكم سمينة وسكاكينكم مسنونة!
-
في أن الدين معاد للعلمانية بالضرورة
-
التحليل النفسي: طقس ديني أم طريقة علاج؟
-
هل في الإسلام روحانية ؟
-
امرأة غاضبة..رسالة من الجزائر إلى الأوروبيين التائبين عن عال
...
-
وهذا من فضل الأصولية!
-
حدّث كارل ماركس قال...
-
التصفيح أو كيف تحافظين على عذريتك آنستي!
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|