أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ياسين الحاج صالح - هذا الفصام الكردي المستمر...















المزيد.....

هذا الفصام الكردي المستمر...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3199 - 2010 / 11 / 28 - 18:38
المحور: القضية الكردية
    


إلى روح المرحوم اسماعيل عمر، أبو شيار
تساءل الصديق الشاب عما إذا كان حزب الوحدة الكردي في سورية (يكيتي) "انفصاليا" أم عكس ذلك؟ سارع الشريك الكردي الوحيد في الأمسية إلى المشاغبة: انفصالي! قلت أنا مشفقا إنه ليس كذلك. لكن ليست هذه هي الإجابة السليمة.
الواقع أن الأكراد السوريين جميعا "انفصاليون". لدى جميعهم حلم قومي كردستاني، دولة كردية واحدة مستقلة وسيدة (وهم بهذا المعنى "وحدويون" ...كردستانيون!). وإذ هم محرومون خلافا للعرب والترك والفرس من دولة تخصهم، وإذ هم محرومون بدرجات متفاوتة أيضا من المساواة الفردية والجمعية مع مواطني القوميات الأكبر في البلدان التي يتوزعون عليها (سورية، العراق، تركيا، إيران)، فلن يستطيع أي قيادي كردي أن يتخلى عن الحلم الكردستاني مهما بدت فرص تحقيق هذا الحلم ضئيلة. من يفعل ذلك يخسر على المدى القريب (تتراجع شعبيته في الوسط الكردي)، وليس مؤكدا أنه سيكسب على المدى البعيد (تحقق المساواة الفردية والجمعية لقومه مع غيرهم). فلماذا يتخلى عن شيء يسهم اليوم في الحفاظ على الشخصية الكردية، ويمنحها عمقا بشريا ومعنويا، ويقترح لها وعدا يشد من أزرها في الدفاع عن حقوقها وتطوير ثقافتها، وإن كان تحققه متعذرا؟ الواقع أن أهمية فكرة الدولة الكردية المستقلة تنبع بالضبط من بلورتها شخصية كردية متميزة، ومن صفتها كطموح قومي يرفع من اعتبار الكرد في عين أنفسهم أولا، أكثر مما في الصفة العملية للفكرة. دون حلم وتطلع مشترك لن ينالوا شيئا، وإن لم يكن الحلم وحده كافيا لنيل أي شيء. ومن يدري، قد يتحقق الحلم الكردستاني يوما بطريقة ما، إن لم يكن بدولة قومية مستقلة، فعبر المساواة مع الآخرين فيما وراء الدول القومية وبعدها.
الواقع أيضا أن جميع الأكراد غير "انفصاليين". تجد النخب الكردية ذاتها ملزمة بتطوير سياسات محلية تنصب على الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية المتساوية في البلد الذي يعيشون فيه، سورية في هذا السياق. مضطرون أن ينخرطوا في الحياة السياسية المحلية كسوريين وشركاء لمواطنيهم الآخرين ضمن كيان سياسي صلب، عاشت أجيال منهم فيه، ويحتمل أن تعيش فيه أجيال قادمة أيضا. ولهم مصلحة أكيدة في العمل على تحويل الأوضاع العامة في البلاد باتجاهات تعود بمزيد من الحريات والعدالة والمساواة على جميع السكان. من شأن الانشداد إلى الحلم القومي وحده (منفصلا كحاله الآن عن أية ديناميات واقعية تقربه من التحقق) أن يُفقِد النخب الكردية القدرة على التفاعل مع الواقع المعاش والتأثير عليه في اتجاهات أكثر عدالة، فضلا عن الحرمان من شركاء محتملين من العرب، وغير الكرد عموما. بل قد يكون الاقتصار الحصري على هذا الحلم غطاء لممارسات سياسية انتهازية، موجهة نحو الفوز بالشرعية في الوسط الكردي على حساب أطراف كردية أخرى، وهو ما يقترن عموما بالمزايدة على هذه الأطراف، وبالميل الانعزالي حيال البيئة العربية، دون قدرة أكبر على التأثير في الواقع.
هذا أمر محقق، وهو يلقي ضوءا على النزعة الانقسامية النشطة في الوسط الكردي التي تجد أصولها الأعمق في واقع الانسداد الذي تعيشه الحركات الكردية، والقضية الكردية عموما. إذ تصطدم بجدار الدولة القائمة الصلب، والمكرس دوليا، وطوال أجيال، أي إذا لا تجد حلولا عادلة لظلامة تاريخية لا شك فيها، تجد نفسها مسوقة نحو الانقسام أو حتى التحلل. وحيال هذا المآل، يكون التمسك بالفكرة الكردستانية نهجا لمقاومة التحلل. لا ينجح تماما، لكنه مطلوب دوما، ويشكل إطار توحد افتراضي.
هذه الجدلية تتحكم بالتنظيمات الكردية الكثيرة في سورية. ومنها "حزب الوحدة الكردي في سورية"، يكيتي، الذي توفي قائده اسماعيل عمر على نحو مفاجئ قبل أسابيع. تذكرنا عبارة "في سورية" بمعادلات لها في أسماء تنظيمات قومية عربية، تعتبر نفسها فروعا محلية لتنظيم قومي أوسع، يفترض أن يعم "الوطن العربي" كله. عمل الحزب المشارك في "إعلان دمشق" على أن ينخرط في الحياة السياسية السورية (المعارضة طبعا)، وأن يكون له شركاء عرب، مع محافظته على اهتمام ثابت بالمجال الكردي العام، في العراق وتركيا بخاصة. ولقد كان ناجحا في ذلك، الأمر الذي لا يعني بحال تجاوز شرط الفصام، لكون هذا بنيويا وعميقا، مكونا ثابتا للثقافة وللشخصية الكردية المعاصرة.
ولكون الشروط القائمة في سورية لا تكف عن توليد الفصام وتغذيته.
إن كون الكرد غير معترف بهم، أو معترف بهم اعترافا لفظيا لا تترتب عليه وقائع سياسية وثقافية، يبقى الحلم الكردستاني حيا وجاذبا، لكن الشروط الواقعية تدفع نحو مراعاة الواقع الصلب القائم والبحث عما يمكن فعله فيه. وفي حزب "يكيتي" ييدو أن الفصام يظهر على شكل ازدواج في الخطاب: أكثر "سورية" عند القيادات، وأكثر كردستانية عند القواعد. الأمر مفهوم. القيادات أوثق صلة بالوقائع، فيما القواعد، الشابة عموما، أوثق صلة بالمبادئ و"الطوبى".
مبدئيا، هذه حال التنظيمات الكردية الأخرى جميعا. غير أن تنظيمات أخرى تعالج الفصام الكردي بطريقة أخرى. ترفض، كما ذكرنا، الانخراط مع شركاء محليين، وتثبت نظرها على الحلم الكردستاني. تعيش بالجسد هنا وبالفؤاد هناك. خيارها هذا يبدو بطوليا في الظاهر، لكنه قد يكون تسليميا في الجوهر، ما دام عاجزا عن ترجمة الحلم إلى استراتيجية عمل فعلية، وما دام انشداد ناظريه إلى الحلم يجعله منقطعا عن التأثير على الواقع المعاش، ومادام أخيرا يخاصم أكرادا آخرين على خيارهم المغاير.
لكن لا وجه للاعتراض المبدئي على هذا الخيار. فهو، أكثر من غيره، يتغذى من السياسات الحكومية التي تكاد تنكر الوجود الكردي، وليس الحقوق الكردية وحدها.
الازدواج المتأصل في الوضع الكردي ينعكس في نبرة الناشط الكردي الغاضبة والعدائية أحيانا، لكن التي تصدر عن الحاجة إلى الاعتراف والاحترام، الفردي والقومي. ينعكس أيضا في الشخصية الحساسة والقلقة للمناضل والمثقف الكردي. إن شعوره الذاتي بعدالة قضيته يدفعه إلى مخاصمة فورية لمن لا يشاركه قناعاته، لكنه أيضا لا يرتاح في عزلته عن الغير. فإذا شاركهم وتفاعل معهم، ظل واعيا بذاته، يسكنه شعور كثيف بوجود جدار خفي يفصله عنهم.
كعربي متضامن، لا تنقصه فصاماته الخاصة، ويدرك كم يستطيع هذا الشرط أن يكون شالا وممزقا، أتصور أن هناك معالجة ومزدوجة بدورها لهذه الوضع المزدوج. من ناحية القبول بالازدواج على نحو ما نقبل عاهة ونواصل الحياة. هذا يعني أوسع انخراط في الحياة العامة في البلد، وأقوى تمسك بالحلم الكردستاني في آن. يساعد على ذلك أن التعارض بين الأمرين ليس إلغائيا. أشرت فوق أن للحلم الكردستاني وظيفة تتمثل في بلورة الشخصية الكردية. الواقع أنه حلم مُعرِّف للكردي المعاصر بما هو كذلك. وتاليا تأسيسي ومحرر. إن كان ذلك صحيحا، على ما أقدر، كان هو ذاته من لوازم النضال المواطني. فرص فوز هذا النضال أكبر حين يستند إلى شخصية صلبة منه حين يكون بلا سند معنوي كهذا.
الحلم التأسيسي لا يحل مشكلات عملية، مادام واقع الحرمان السيادي (من الدولة) والسياسي (من المواطنة والحريات..) قائما. لكنه مصدر للطاقة في مواجهتها. إن طلب المساواة الفردية والجمعية والقومية يُبقي الحق الكردي في الحلم حيا حتى لو تحققت أهداف النضال المواطني، وحتى لو نالوا كجماعة حقوقا مساوية لغيرهم في سورية وغيرها. فإما دولة مثل الجميع، أو دولة للجميع. أو لا دولة في عالم بلا دول.
الوجه الأخر للمعالجة المزدوجة هو الثقافة. يحول القصور الثقافي للبيئة الكردية، بدرجة تحاكي الوسط العربي وتفوقه، يحول بين المناضل والمثقف الكردي (وهما الشخص نفسه غالبا) وبين تحويل قلقه وفصامه إلى فكر وفن وثقافة أرفع، ما كان من شأنه أن يمنح معنى تاريخيا وإنسانيا لمعاناة الأجيال الحاضرة. ولعل مأساوية وضع المثقف الكردي مضاعفة قياسا إلى نظيره العربي. فهو من ناحية يعاني من الاستلاب القومي بسبب الحرمان من دولة، وهو من ناحية أخرى يكتب بلغة غير لغته. هذا ليس لأنه لا يتقن لغته أو لا يكتب بها، بل لأنه يريد أن يَعرِف أكثر، وأن يُعرف ويُعترف به أكثر، وأن يكسر جدار الإنكار المنصوب حول قومه وثقافته. قد ينجز أشياء مهمة، لكن بثمن الفصام المستمر.
مع ذلك فإن الثقافة هي المخرج الأرفع قيمة من هذا الوضع الشاق. ليست الإكسير الشافي للمرض الكردي، لكنها جهد موصول للسيطرة عليه، ومحاولة مستمرة للشفاء المحال منه. وبينما ليس من المتصور أن يكف الكردي يوما عن النضال السياسي، فإنه يمكن للثقافة أن تكون سياسة أساسية أو تأسيسية في أوضاع عضالة كهذه التي يعيشها قومه. ولا ريب أن من شأنها أن تساعد الكرد على تحمل وضعهم، وعلى إخراج شرطهم الممزق من المباشرة والمادية إلى الثقافة والمعنى. وبهذا تنقذ مساحة خاصة للروح، مستقلة وسيدة، مع كونها في الآن نفسه إنسانية وعامة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
- من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
- إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
- حوار هادئ في قضايا راهنة
- الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية
- هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟
- من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي
- تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
- في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر


المزيد.....




- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
- مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك ...
- اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر ...
- ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا ...
- بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
- مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا ...
- إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
- مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ياسين الحاج صالح - هذا الفصام الكردي المستمر...