|
بماذا أرد على صديقي المتشائل..؟
كريم كطافة
الحوار المتمدن-العدد: 960 - 2004 / 9 / 18 - 13:25
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
من الغنائم التي غنمتها بعد احتلال بلدي وانهيار دولة طاغيته، هي إمكانية التحادث مع أصدقائي القدامي بحرية، إن كان عبر التلفون وهذا يكسر الظهر، أو عبر الانترنت باستخدام برنامج الماسينجر الله يديم ظل من اخترع هذا البرنامج ويدخله فسيح جنانه لأنه يستحق الجنة أفضل من القرضاوي الله يقرض عمره وعمر اللي خلفوه. كذلك نبتت لي عادات جديدة على ضوء تلك التطورات القاصمة لظهور العراقيين منها مثلاً: إذا طقت مرارتي وارتفع ضغطي وتورمت أوداجي قهراً على ما تبثه قنوات الخراب العربي من المحيط إلى الخليج من خليط سموم بين التشفي والشماتة بالعراقيين الذين خذلوا قائدهم في عز الانتصارات التي كان يجترحها لتحرير كل ما سلب من أرض العرب والصراخ تهليلاً بقرب موعد الحرب الأهلية وكأنها مسلسل مكسيكي وعدوا مشاهديهم به منذ زمن قد طال ومعه دب الملل في أوصال المشاهدين المحشورين في الزنزانة الكبيرة من الماء إلى الماء وتمجيدهم لكل مجرم ملثم يخرج على شاشاتهم يقرأ بيانه الأول.. بعد أن أُستَنفذ تماماً ألجأ إلى هذا البرنامج الرحيم استنجد به، علني أحصل على محادثة مع أحد الأصدقاء أنفس عبرها ما احتقنت به من إحتصارات. البرنامج لم يخيب ظني به إلا مرات قليلة، منها هذه المرة حيث كان شريكي على الطرف المقابل أحد الأصدقاء من النوع المتشائل. هذه وصفة ابتكرها الكاتب الكبير (أميل حبيبي) لوصف من لا يكون متفائلاً ولا متشائماً. في أحد الأيام الخالية من الدماء العراقية وما أقلها، فتشت في كل القنوات لم أجد خبراً واحداً عن انتصارات المجاهدين وصولاتهم، بل على العكس سمعت وقرأت أخباراً أخرى عن إنجازات تخص تطوير منظومة الكهرباء ببضعة مئات من الكيلوات، وعن استقرار شحن وضخ النفط ومعه جرد بواردات البلد خلال سنة منصرمة، وأخبار أخرى تخص استعدادات لعقد المجلس الوطني وغيرها من الأخبار المفرحة. ختمت يومي ذاك بخبر على موقع إلكتروني قرأت فيه خبر عن استعداد السيدة (رغد صدام حسين) لترشيح نفسها للأنتخابات القادمة، الخبر أشاع في نفسي المرح لسبب أجهله وما زلت أجهله، لذلك حملت نفسي وفتحت الماسينجر وكنت لم أزل أردد بين أرجاء لشتي بقايا ضحكة بدأتها حين قرأت الخبر. كما قلت لا أدري سبباً وجيهاً لذلك المرح الذي تقمصني فجأة، ربما لأني أخذت الخبر على محمل النكتة ليس إلا. وجدت صديقي المتشائل من بغداد هو الوحيد فاتح وينتظر رحمة الله. قلت مع نفسي، خليني أضحك شوية وأضحك بدربي هذا العبوس علني أكسب به ثواب: بادرته على غير عادتي هذه المرة. كانت عادتي أقول له في كل مرة بدل التحية: ـ لك أحسدك.. فقط لأنك ظللت في بغداد ولم تهرب بجلدك. هذه المرة بادرته بـ: ـ ما هي توقعاتك.. هل تفوز السيدة رغد؟ رد علي وكأنه كان ينتظر السؤال: ـ وداعتك راح تفوز!! حقيقة، رده السريع والمتجهم كما بدا لي (على العموم ذلك الصديق لا يعرف الابتسام هو جدي في كل شيء) مسح كل ما تبقى من قهقهة تعود للسيدة (رغد). قلت: ـ يعني أنت تصدق من كل عقلك بمثل هذه الإمكانية؟ أجابني بمحاضرة كأنه كان يعد لها من سنين بحيث لم يترك لي حتى هامش مواصلة لعبة الرأي والرأي الآخر.. ـ اسمع يا هذا.. أنت تسخر من الأمر لأنك تقيس كل ما يجري عندنا الداخل على قياس عشته وعايشته لسنين طويلة في الخارج، يعني أدخلني في متاهة (الداخل والخارج)، قياسكم هناك ينتمي إلى المنطق والقانون وحركة التاريخ ومن لف لفها.. أما ما يجري عندنا فليس له قياس معروف، وأنت بالطبع لا تعرف هذا، لأنك خارج البلد منذ زمن بعيد ولا تعرف كيف تجري الأحوال داخل البلد. سأخبرك للمرة الألف يا أبن كطافة (ألف مرة قلت لك غير أسم أبوك) أننا كنا وما زلنا خارج القانون والمنطق وخارج الزمن.. لا يعني أننا كنا معلقين في الفضاء، بل كنا وما زلنا نعيش أزمان وأحوال غير أزمان وأحوال العالم خارج حدودنا لنقل العالم الذي تعيش أنت فيه. أننا هنا كمن يقوم بعمل تمثيلي جبار يُفتَرض أن يُمثَل على المسرح، لكننا للأسف نعيشه، صار جزءاً منا ونحن جزءاً منه. ما زال عندنا ديدن الناس هو الغنيمة والخوف من الأقوى.. والأقوى هنا هو المسلح المستعد لاستخدام سلاحه خارج مناسبات الأعراس والاتراح.. مازال عندنا الدين سارية تعلق عليها كل قاذورات الإنسان ووقاحاته مع نفسه وضد أخيه.. ما زالت المرأة عورة والحجاب شرف الأمة.. ما زال طالب الجامعة منا يرفع الصوت العشائري عالياً منادياً بالحفاظ على العادات والتقاليد، بدل أن يخجل وهو يردد هذه التفاهة لأن الأزمان متغيرة ولكل زمن عاداته وتقاليده التي يجب تغيرها كذلك في زمن قادم.. ما زال فقراءنا وجياعنا يثورون لنجدة المتخمين من تجار الدين والسياسة، حتى صارت قبلتهم الجامع والحسينية، هناك يجدون دائماً ما يرمى لهم من فتات.. ما زال المسلم يؤمن أن دينه خير الأديان، وهو خير البشرية.. ما زال رجال الدين يرون الشعوب عواماًً والعوام تلهث لتقبيل يد السيد.. ما زال الدين لحية حمراء وسبحة سوداء ووشم على الجبين.. ما زالت أسود وضباع العرب تنهش في الجسد الدامي لحمايته من افتراس غرباء الاسود والضباع.. ما زال العراقي غير مصدق حريته الممنوحة له (وهل الحرية تمنح، أم تؤخذ..؟؟).. ما زال الشباب الصغار ينظرون لمن يقرأ ويتكلم في مواضيع العلم والمنطق أنه (دكة قديمة).. ما زال من قاتل وناضل وجاهد الطغيان غريباً منبوذاً خارج الحدود، وهو حتى لا يريد العودة، بينما قطعان ضباع العربان سكنت وبنت وضمنت وملكت في البلد.. ما زالت الديمقراطية لدى سياسي المنفى العائدين مع الدبابة أو خلفها بشهرين ما هي إلا بيت بصالون وسيارة صالون.. بعد كل هذا هل بقى مستقبل زاهر وواعد تريد أن تقنعني به.. وأي وطن هذا الذي تريد أن نبنيه ولسان حال مقاومتنا لم يزل طائفي بعثي يصيح ليل نهار: (أنتم تصلحون.. وأحنا نخرب).. لكل هذا وغيره الكثير لا أستطيع تصديقك يا صديقي وتكذيب كل هذا الذي أسمع وأرى.. نعم ستنتصر (رغد) وأبو (رغد) لو تسنى له الخروج.. لنستعد جيداً.. الحفلة لم تبدأ بعد.. واللعب لم يزل بأوله.. والنضال الحقيقي والجهاد الحقيقي كذلك لم يبدأ بعد.. أمامنا الكثير وسنضحي بالكثير.. كل الذي عليك أن تفعله هو أن تدعو وتطيل من الدعاء لتقصير أمد العذاب والدمار القادم.. هذا إذا لم تستطع العودة والدخول في الدوامة.. هل ترك لي هذا العبوس المتجهم المتشائل شيئاً أرد به عليه.. هو حتى لم يمهلني أن أرد. لقد استهلك كل (مازالاته) وهرب، أغلق نافذته وهرب.. والآن.. بماذا أرد على صديقي المتشائل..؟؟
17/9/2004
#كريم_كطافة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرة أخرى.. عن الشعب الكردي وقضيته
-
حلم امرأة
-
شارع القدور
-
ماذا تبقى من مشروع لجنة اجتثاث البعث..؟
-
كرسافة
-
صلح الحديبية الثاني..!!
-
تغيير اسم حزب البعث
-
فقهاء الأجراس
-
توريات عراقية في زمن الاحتلال
-
لكم أن تكذبوا أمريكا الدهر كله.. إنما صدقوها هذه المرة!!
-
قصة طف معلن
-
لماذا لا يكون لنا طريق ثالث..!!؟
-
ماذا تعرفون عن العلمانية لتطردوها..!؟
-
أيها الإسلاميون من كل الأطياف.. رفقاً بدينكم!!
-
هل يتحول مرقد الإمام علي (ع) إلى لجنة اولمبية جديدة!!!!
-
ألفت انتباه السادة المشاهدين..إلى حلقة الاتجاه المعاكس القاد
...
-
من أجل أن لا يضحك علينا الفرنسيون..
-
انتخابات.. نعم.. لكن ليس بأي ثمن وبأي شكل
-
خواء المستنقع
-
ماذا نريد..؟
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|