|
التاثيرات المتبادلة بين العولمة و العلمانية
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3197 - 2010 / 11 / 26 - 10:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتبادر الى الذهن مجموعة من التساؤلات حول العلاقة بين مفهومي العولمة و العلمانية و ما تحتاجهما من شكل و نوعية الارضية و المقومات الاساسية لنجاح تجسيدهما في اية منطقة، وعند التعمق في اهدافهما نتوصل الى نوع من المعادلات و الاراء المنطقية لو بحثنا في النظريات الصادرة حولهما. فتحتاج الاجابة بالاضافة الى طريقة عمل كل منهما الى المقارنة بينهما من حيث المبدا و تفهم مضمون المفهومين و اركانهما و ما يحتاجانه لاكتساح اية ساحة بعد ازالة المعوقات الفكرية و الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية امامهما. علينا توضيحهما على انفراد و من ثم بيان نقاط الالتقاء و الخلاف بينهما . ان حسبنا العولمة و عرفناها كما هو السائد على انها نظام اقتصادي ذات علاقات متعددة و متشعبة ممتدة و غائرة في انظمة اخرى و مؤثرة فيها، و انها تحتاج الى ثقافة عامة مرافقة لها لضمان نجاحها و تطبيعها ، و لكن السؤال هو، ماهو الوسط المثالي من حيث النظام السياسي العام لتقبل المستجدات التي تجلبها العولمة، و اية منظومة اقتصادية اكثر انفتتاحا و تقبلا لها و متحملة لافرازاتها و تداعياتها، اية ثقافة تحقق اهدافها و تساعد على ترسيخها فكريا من اجل نجاحها اقتصاديا، اي مجتمع اكثر تناسبا لها او مستوعبا لما تتطلبه باقل الخسائر المحتملة ، ام يمكن تعميمها على الشعوب كافة . ان تيقنا بان العولمة نظام اقتصادي عالمي بحت عابر للحدود و من نتاج النظام العالمي الجديد( او من ابرازاتها بعدما كانت الخطوات البدائية منها موجودة من قبل) و التطورات الحاصلة في العلاقات الانتاجية و انها تتفاعل مع نفسها بسرعة فاننا نتاكد بانها تحتاج الى اليات معينة تكون لها القدرة على التغيير و هذا ما يحصل اليوم من عمليات تصغير للمعمورة من كافة النواحي و بالاخص تحت تاثير التقدم التكنولوجي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل طريقها منفتح و الابواب امامها مشرعة في كل حدب و صوب من قبل جميع الانظمة السياسية الديموقراطية منها ام الدكتاتورية، و هل الحرية المطلوبة لها متاحة ام هناك سدود و انغلاق و اعتراضات من قبل الانظمة القمعية المنتشرة في العالم ، ام لها القدرة على اجتياح ما يقف امامها و تقتحم كل الارضيات و الساحات، هل تتجاوز الخصوصيات و تقرب الجميع حول نقطة واحدة او حول دائرة صغيرة المحيط و قصيرة الوتر، و اي واقع هو سهل المراس و التعامل و الخضوع لمتطلباتها، قهل تتلائم العولمة مع العلمانية في اي نظام سياسي سائد اكثر من غيرها، ام نها تفرض نفسها مهما كانت نوعية و شكل و طبيعة النظم السياسية و لكنها تحتاج لعامل الوقت كي تزيح ما يمنعها يعد فرز ما يفرض نفسه على تفاعلات المعادلات المختلفة للعلاقات الاجتماعية الاقتصادية السياسية و تخرج بنتيجة تجد لها فسحة و من ثم تكبر و توائم الموجود كما يحصل في هذه المرحلة، و لا يهمها الا ما يخص الاقتصاد و مسالة الربح و الخسارة فقط. ان كانت العلمانية تعرًف على انها نظام ادارة الدولة ام منطقة معينة من خلال فصل الدين عن السياسة او السلطة ، او فصل الارض عن السماء كما يحلو للبعض ان يوضحها وفق الاعتبار العام للدين الذي يخص السماء فقط، و هذا يعني انها تعني فقط بالجانب السياسي قبل غيره و تسحب الجوانب الاخرى الى محيطها و تتعامل معهم، و لكن في الواقع و ما نلمسه فان العلمانية تعيد الدين كخصوصية فردية بما يمتلك من الثقافة و العقلية و النظرة الى الحياة و لا يحق لاي كان التدخل في شؤونه و على انه ليس بمؤثر على الجماعة، و لا يوجد من النظريات العلمية لاقرار ذلك او بيان صحته ، بل العلاقات الواضحة بين الفرد و الجماعة توضح عكس ذلك. اما العولمة و باعتبارها نظام ادارة الاقتصاد فانها لا تخص الدولة فقط و انما من خلال ازالة الحدود الدولية امامها وفق ما تفرضه الراسمالية و النظام الاقتصادي الموحد تكون مستندة على التجارة الحرة فانها تخص اية جماعة او شعوب لها كامل الحرية في اتباعها حسب المقومات المطلوبة المتوفرة لديها، و لا تصر النظم الراسمالية على العلمانية بقدر الحاحهم على فرض العولمة على كافة بقاع العالم ، و هذا نابع ايضا من الجانب الاقتصادي و ما يخص الربح و الخسارة و التجارة الحرة، و انها تعتبر اكثر تاثيرا و اسرع و ما يدعمها هو الدوافع الاقتصادية ايضا، و للدول الكبرى و ما تمتلك من الامكانيات الدور الفعال في ترويجها و من خلالها فرض هيمنتها السياسية بعد الهيمنة الاقتصادية التي تسبقها، و تكون هناك ثمة صلات عديدة مباشرة بين الاثنتين حسب ما تتطلبان و ما تفرضان على الارض عند التطبيق. ان كانت العلمانية و التي من الممكن تسميتها بالدنيوية و المستندة على القوانين الوضعية المعتمدة على العقل و مراعاة المصالح و ليس بشرط ان تكون عِلمانية (اي مشتقة من العلم) بل تكون نابعة من العالم و الدنيا و مضمونها حصر الدين بالفرد و ما يهمه و يهتم و ما يملك من التفكير و العقلية في التعامل مع الحياة فلسفيا. لو نبشنا كثيرا عن العلاقات المباشرة بين المفهومين العولمة و العلمانية لربما اختلفنا كثيرا و لكن لقدم تاريخ العلمانية عن العولمة نلاحظ بونا شاسعا بينهما و لا يمكن ان نربطهما بشكل وثيق، و من جانب اخر لا يمكن ان نربط العلمانية بالراسمالية حصرا كما هو حال العولمة وانما هناك العديد من الافكار و الفلسفات تتحمل علمانية التوجه من اقصى اليسار الى اليمبن . لكن اهم الروابط الموجودة بينهما يمكن ان يجد نفسه هنا بين المفهومين حسبما اعتقد هو التطور التكنولوجي و الاتصالاتي و المعرفي للانسان و ما يؤثره على العقلية البشرية و يبعد الانسان عن الغيبيات و ما وراء الطبيعة او الالتصاق بالمجهول لتفسير المجهول في فترة ما، او صبغ اللامعروف بضفات الغيب، وما يفسح هذا التقدم الحاصل من فسحة الغور في عمق الوجود و التاثير على الفلسفات تجعل العولمة عاملا مساعدا لنشر جوهر العلمانية و بسط اجنحتها في المجتمعات ، و هذا تحصيل حاصل و الا الراسمالية في طبيعتها و اهدافها و جوهرها و مضمونها الحقيقي لا تهدف الى ذلك و انما تبحث عن وسط لصرف منتوجاتها فقط و ان كان مضادا للعلمانية في بنيانها. لو راجعنا التاريخ لمعرفة ظروف توسع تطبيق المفهومين يمكننا استدلال بعض النتائج و يمكن ان تزال العوائق امام سير العمليتين بشكل سلس من خلال تفادي الاخطاء التي حدثت سابقا. كما نعلم ان التغييرات المتعاقبة في مسيرة حياة المجتمعات جلبت معها المفاهيم الجديدة، و هذه فرضت قوانين مغايرة لما سبقتها و ما كانت سائدة ، و الاهم ان نعلم بان الوعي العام للمجتمعات كافة في تطور مستمر ، و هذا ما يشجع التفاؤل على المستوى العام لسيادة العلمانية ، و يجب ان نعلم ايضا بانه حتى العلمانية بحد ذاتها ليست بمفهوم ثابت الشكل و التركيب و مقيد و ذو اطر ثابتة كما هو المعتقد بل هي ايضا في تغيير مستمر و يمكن ان تكون لها الاوجه المختلفة و يمكن تطبيقها في المجتمعات المختلفة في ان واحد او وصول جزء منها الى مكان دون اخر او تقبل بعض الارضيات لجانب منها دون الاخر. التناقض الواضح بين ما تتطلبه العولمة و العلمانية، هو المساواة المطلوب لحقوق الافراد وتحقيق المباديء الاولية لحياة حرة كريمة للفرد و من ثم اجتياحها كيان الدولة في العلمانية ان نفذت بحذافيرها، بينما العولمة تزيد البون الشاسع بين الافراد فتزداد الثري ثراءا فاحشا و تنتشر الفقر المدقع و تزداد الهوة بين دول الشمال مع دول الجنوب. هذا النقص الواضح تدفع الجميع الى التردد في تقبل هذا النظام المترامي الاطراف ، وقبل الغوص في هذا العالم يفترض ايجاد سبل بناء التوازن بين متطلبات المفهومين و ما تفرضهما على الارض، و يمكن ان ينجح العمل في هذا الشان بعد الاصلاحات المتكررة و التغييرات المتتالية في كيفية اتباع ما يتطلبه المفهومين و ما يرافقان من تغيير العقليات و النظرات الى الحياة و ما يفرضه الفرد و يؤمن به و ما يتقبله المجتمع بشكل عام اي من الاساليب المتبعة . بهذا نتاكد بان التاتيرات المتبادلة بين المفهومين تكون ايجابية في اكثر من جانب و بنسبة كبيرة و سلبية في اخرى ، و يمكن الوصول الى نقطة الالتقاء و الاتصال و لكنه يحتاج الى جهود مضنية تكلف الجميع التضحيات في مرحلة ما .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اين الثقافة الكوردستانية من القيم الانسانية البحتة
-
مرة اخرى حول الثراء الفاحش و الفقر المدقع المنتشر في منطقتنا
-
رفع العلم الكوردستاني في البصرة لعبة مكشوفة للجميع
-
مغزى انعقاد المؤتمر الدولي الكوردي السابع في مقر الاتحاد الا
...
-
السلطة الكوردستانية و التركيز على تطبيق الديموقراطية في المر
...
-
اية حكومة تناسب الوضع العراقي الحالي ؟
-
من ارتضى بمبادرة البارزاني بقناعة ذاتية؟
-
الاستقلالية في التعامل مع الاحداث تضمن النجاح للعملية السياس
...
-
مابين تلبية مبادرة السعودية و رفضها
-
كيف يتناول الاعلام العربي القضية الكوردية
-
الشعب العراقي يصوٌت ودول الجوار تشكل الحكومة !!
-
كوردستان و التعامل مع تداعيات العولمة
-
الحوار المتمدن منبر اليسار المعتدل
-
اعتدال اي قائد قد يضمن ادارته لهذه المرحلة في العراق بنجاح
-
الديموقراطية كانجع سبيل للتوجه نحو اللاعنف
-
موقف الاتجاهات من ارتكاب الجرائم ضد الحريات العامة في العراق
-
ماوراء موقف من يرفض اجراء الاحصاء العام للسكان في العراق
-
يسعى الاسلام السياسي لاعادة التاريخ في كوردستان
-
عوامل تراجع جماهيرية الاسلام السياسي في اقليم كوردستان
-
افتعال الازمات بين السلطة و الاعلام الاهلي في كوردستان، لمصل
...
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|