|
الكومونة والسوفييتات -3
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3197 - 2010 / 11 / 26 - 10:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هدف الكومونة:
إن ما كان يريدونه الكومونيون هو أن يعودوا إلى حياة ما قبل القوة المركزية التي لا تعبر إلا عن تسلط البشر على البشر. لذلك فأول ما قامت به الكومونة هو التخلص من تسلسل الهرم السياسي. وأهم تجربة من تجارب التاريخية للكومونة هي أنها أثبتت أن الخطوات الكبيرة للتنظيم الجديد للمجتمع، يمكن ويجب القيام بها فورًا. ولكن الهدف هذا لا يمكن تحقيقه دون هدم مسبق لسيادة البشر على البشر، فلا يمكن ضبط الإنتاج وإخضاعه للوعي الجماعي للمجتمع ما لم يتخلص المجتمع من السيادة السياسية بصورة مسبقة. فما دام هناك انشطار بين الإنسان ومصالحه الاجتماعية، بين العامل والبرجوازي مثلا، بين العامل والعامل -في المزاحمة-، إلخ، فإن الحركة الإنسانية بمجموعها تتحول إلى قوة غريبة -ومعادية للإنسان، بحيث يصبح من المستحيل إخضاع هذه الحركة للإشراف الجماعي، الواعي، الحر، المشترك للإنسان، دون تخلصه المسبق من سيد العمل، من السيادة، فيكف يا ترى بمستطاع الأفراد المساهمة في تنظيم المجتمع بصورة اختيارية، إذا كانت كل روابطهم تمر عبر الأفراد الخاصة، والهيئات السياسية المختلفة، والمؤسسات المختصة التي تقوم بحكمهم لا إدارة أمورهم الحياتية؟ لذلك يجب -وبالضرورة- أن يتحرر الإنسان من سيده لكي يستطيع المساهمة بحرية في العمل الإنتاجي والإداري الذي يتعلق بحياته هو نفسه وحياة كل الأفراد الاجتماعية الأخرى.
مِمَّ يجب أن يتحرر الإنسان؟
ما ينتجه الإنسان خلال سيروته التاريخية، هو شرط اغترابه الذاتي، استلابه الخاص، وهذا الاستلاب هو خضوع الإنسان لنشاطات معينة، محدودة، ضيقة، محصورة ومفروضة عليه في العمل؛ لذلك لا يمكننا الاتفاق مع الفلاسفة حين يقولون: إن الإنسان كائن حر قادر على الحفاظ على نفسه من الدوافع الطبيعية لحركة التاريخ، وهذا لسبب بسيط جدًّا لدى الفلاسفة وسبب معقد جدًّا في الحياة المادية، وهو أن الإنسان في المجتمع السياسي كائن في حالة الانسلاب، أو كائن مغترب ضائع في غابة سياسية، لا يجد شرط بقائه إلا في السباق مع الآخرين، وهو يتصرف مثل الحيوان في تأمين شرط بقائه، لأن كفاحه الفردي لأجل بقائه، يُحَوِّلُه بالضرورة إلى حيوان اجتماعي.
يقول ماركس: "الإنسان أصبح حيوانًا اجتماعيًّا بالمعنى الحرفي للكلمة، أي انه ليس حيوانًا اجتماعيًّا وحسب، بل حيوانًا لا سبيل إلى تَفْرِيده -أي تحويله إلى فرد- إلا داخل المجتمع" (ماركس، نصوص حول أشكال الإنتاج ما قبل الرأسمالية).
لكي يكون بمقدور الفرد التعبير عن نفسه -والحفاظ على وجوده بوصفه نوعًا في الطبيعة- عليه أن يعبر عن نفسه في تعبير جماعي، فالفرد يجب أن يكون تابعًا لتَجَمُّع إنساني محدد، مهما كان من الأمر، فالإنسان لا يمكنه ممارسة فرديته الحيوانية إلا في الجماعة، مع الآخرين. ولا يعني التفريد سوى انفصال الإنسان عن الإنسان نتيجة لانفصاله عن شروط إنتاجه الخاص، فهذه الشروط هي التي تسيطر على الإنسان كقوى غريبة عنه، الأمر الذي سيضطر الإنسان بموجبه إلى الانخراط في نفس الصراع الطبيعي الذي نجده في العالم الحيواني، فشرط تفريده هو فصله المسبق عن حاجياته الإنسانية، وجعله متصارعًا مع الآخرين للحصول على وسيلة العيش. فأين نجد هذا النوع من التفريد إلا في غابة سياسية؟ ففي الجماعة السياسية فقط تتعارض مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة، وفي الجماعة السياسية فقط يخضع الإنسان للإنسان، فالسيادة إذًا هي شرط الحفاظ على التفريد، أما التفريد فهو شرط الحفاظ على العمل المنسلب -العمل المغترب-.
وهكذا، فما يجب أن يتحرر الإنسان منه فهو العمل المنسلب، أما العمل المنسلب فلا يمكن القضاء عليه دون القضاء المسبق على السيادة، فالسيادة توجد؛ لأن العمل المغترب يوجد، أي أنها غير موجودة ما لم يوجد العمل المغترب. لذلك فالهدف هو التحرر من هذا الاستلاب Alienation، فليس المقصود هو إذًا تحرير العمل، بل التحرر من العمل -العمل المغترب-.
يقول ماركس: "إن الدولة الحديثة -حكم البرجوازية- تقوم على حرية العمل .. إن حرية العمل هي حرية العمال في المزاحمة فيما بينهم .. إن العمل حر في جميع البلدان المتحضرة، فليسَ المقصودُ تحريرَ العمل، بل إلغاءَه" (ماركس، الأيديولوجية الألمانية).
وهكذا، فالهدف هو في النهاية التحرر من العالم السياسي وعلاقاته الغريبة بالإنسان بوصفه كائنًا نوعيًّا، ولم تستهدف الكومونة إلا إحلال الكائن النوعي محل الكائن السياسي من خلال نزع الإنسان من طبيعته السياسية الغريبة بالانسان نفسه. وكيف يمكن نزع الإنسان من هذه الصفة غير الإنسانية دون القضاء المسبق على العامل الذي يجعله كائنًا سياسيًّا بصورة قسرية -الدولة- الجماعية السياسية؟ أما الدولة كيف تنهار دون خلع حكامها من وظائفهم السياسية وتحويل أعمالهم إلى وظائف اجتماعية بسيطة تستهدف في الأساس تنظيم أمور الناس اليومية لا حكمهم السياسي؟ فالكومونة لم تستهدف من القضاء على حكم البشر على البشر سوى جعل الإدارة خادمة المجتمع، فالإدارة يجب أن تكون خادمة المجتمع لا سيده، وهذا لكي تعطي الأفراد فرصة المساهمة في تطوير حياتهم الجماعية بصورة حرة. وفي هذا يتلخص هدف ثورة الكومونة. Email: [email protected]
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكومونة والسوفييتات -2
-
الكومونة والسوفييتات -1
-
جاسم محمد كاظم وفؤاد النمري: 3) خرافات جديدة في الاقتصاد الس
...
-
جاسم محمد كاظم وفؤاد النمري: 2) خرافة انهيار الاشتراكية
-
جاسم محمد كاظم وفؤاد النمري: 1) خرافة عودة لينين
-
نظام لينين نظام العمل المأجور: 3- التخطيط الشيوعي للإنتاج
-
نظام لينين نظام العمل المأجور: 2- كيف يجري التوزيع في الإنتا
...
-
نظام لينين نظام العمل المأجور: 1- طبيعة الاقتصاد السُّوفيتي
-
لينين: تراجيديا السوفيتية!
-
نظام لينين نظام تايلوري -2
-
نظام لينين نظام تايلوري -1
-
الاتحاد السوفيتي في ضوء قانون القيمة
-
الاتحاد السوفيتي السابق: كيف نبحث أسباب انهياره؟
-
الدين بين المادية الألمانية والمادية الإنجليزية -3
-
الدين بين المادية الألمانية والمادية الإنجليزية -2
-
الدين بين المادية الألمانية والمادية الإنجليزية -1
-
لينين: عدوا لدودا لثورة الكومونة
-
الديالكتيك الإلهي وقانون حركة المجتمع الحديث
-
ثورية الديالكتيك
-
ماركس وإنجلس في التناقض
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|