كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 960 - 2004 / 9 / 18 - 05:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تشير الكثير من الدلائل إلى أن التحالف القائم بين فلول قوى البعث والقوى الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية ومع بعض القوى الإسلامية السياسية والقومية اليمينية المتطرفة التي تتحرك في الوقت الحاضر بصورة علنية ولكنها لا تعلن عن ممارستها للعنف مباشرة, قد توجه للعمل وتركيزه بالاتجاهات التالية لضمان الحصول على النتائج المرجوة من العمليات الإرهابية قبل موعد الانتخابات الأمريكية وموعد الانتخابات العراقية, وهي:
1. توسيع رقعة العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء القطر ومدها قدر الإمكان إلى كردستان العراق أيضاً. ولم تكن محاولة اغتيال محافظ دهوك إلا إشارة واضحة لهذا التوجه الذي تقرر القيام به رغم الخسائر المحتملة في صفوف الإرهابيين وفي صفوف الشعب الكردي والقوميات الأخرى. ولا شك في أن ما حصل في تلعفر وما يحصل في كركوك ما هي إلا نماذج يراد توسيعها حالياً.
2. توسيع عمليات الاختطاف للعرب والأجانب من مسلمين وغير مسلمين عاملين في العراق.
3. ممارسة ثلاثة أساليب في التعامل مع المختطفين إما القتل أو المطالبة بفدية أو إطلاق سراح البعض, أي ممارسة أسلوب العصا والابتزاز والجزرة في آن واحد.
4. زيادة استخدام أسلوب السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية وزرع الألغام على الطرق العامة وقاذفات الصواريخ وتوجيهها صوب المناطق الحساسة من العراق ومحاولة إنزال أكبر الخسائر بالناس الأبرياء.
5. تشديد العمليات في شوارع بغداد والمدن الرئيسية باعتبارها تشكل العصب الحساس الذي يلحق أكبر الضرر بسمعة الحكومة.
6. قتل المزيد من العلماء وأساتذة الجامعة والاختصاصيين وكذلك جمهرة من البعثيين الذين يتعاونون مع الحكومة المؤقتة او يرفضون التعاون مع تلك العصابات الإجرامية.
7. تطوير النشاط الإعلامي والتضامني مع هذه القوى الإرهابية في الخارج, وبشكل خاص في أوروبا, وربما التحول إلى ممارسة عمليات خنق الأصوات الشريفة المناهضة للإرهاب الجاري في العراق.
ويراد من كل ذلك الوصول إلى:
* إشاعة المزيد من الفوضى في البلاد والقلق في نفوس الناس والخشية من الموت أو الإصابة بعاهات.
* إعطاء الانطباع للعالم وكأن العراق مقبل قريباً على حرب أهلية قاسية وطويلة الأمد.
* منع الأمم المتحدة من الدخول إلى العراق ثانية خشية على أفرادها, وبالتالي تعطيل وصول المساعدات الدولية للشعب العراقي.
* التشكيك الكامل بقدرة الحكومة المؤقتة والمجلس الوطني المؤقت على إعادة الأمن والاستقرار للبلاد.
* الوصول إلى تأجيل الانتخابات القادمة والتأثير على وجهتها في حالة الإصرار على ممارستها.
* التأثير غير المباشر على انتخابات الرئاسة الأمريكية من خلال رفع عدد قتلى الأمريكيين واختطاف المزيد من الأجانب.
* توفير الأجواء المناسبة لفرض تراجعات سياسية على الحكومة المؤقتة للتعاون مع البعثيين وإجراء المصالحة لا بالنسبة للبعثيين غير المتورطين بعمليات إجرامية, بل بالأساس لبقية البعثيين ممن ارتكبوا جرائم بشعة بحق الشعب أو الذين اغتنوا على حساب الشعب وخيراته الأولية وحياة أبنائه وحولوا ثرواتهم, وهي السحت الحرام, إلى الخارج ويعيشون في بحبوحة كبيرة جداً ومن أصحاب الملايين ويمارسون شتى أشكال الدعم للنشاطات الإرهابية في الداخل بأساليب مختلفة أو محاولة إسكات الناس المقيمين في الخارج.
* منع النشطاء من قياديي وكوادر وأعضاء ومؤازري القوى والأحزاب السياسية العراقية من التحرك على الجماهير والعمل معها خشية اغتيالها وتعريض الأوساطً الشعبية إلى مخاطر جمة.
* إفراغ العراق من علمائه وأساتذة جامعاته وإفراغ مضامين التدريس فيه من العلم والمعرفة والثقافة الحديثة ودفعه إلى مواقع التخلف على طريقة جاهلية طالبان في أفغانستان.
* وأخيراً وليس آخراً الوصول إلى منع العمال والفنيين والخبراء العرب والأجانب والشركات الأجنبية من العمل في العراق وحرمان العراق من مواصلة عملية إعادة الإعمار وإبقاء البطالة الواسعة وتوسيع حالة التذمر بين أوساط الشعب بسبب التأخر في إنجاز مشاريع الخدمات العامة.
إن هذا الواقع يتطلب من القوى والأحزاب السياسية العراقية تشديد يقظتها وعملها المشترك ورفع يقظة قوات الحرس الوطني والشرطة العراقية وقوات ال?يشمر?ة في كردستان العراق وعمل الجهات المسئولة عن الأمن في مختلف مناطق العراق, إذ أن الخطة التي يراد تنفيذها جهنمية حقاً, وهم يتحرون عن غطاء دولي لهذا الحالة القادمة من خلال المؤتمرات التي يقيمونها في الخارج, وخاصة المؤتمر الأخير في بيروت والذي يراد عقده في برلين في أوائل الشهر العاشر من هذا العام, والذي حجزوا أسرة لما يقرب من 4000 شخص, ومحاولة انتزاع اعتراف دولي بحق هؤلاء في مقاومة الاحتلال, بما في ذلك الحديث الذي أدلى به أمين عام الأمم المتحدة الذي ليس فيه من جديد سوى كونه جاء في الوقت الذي يراد فيه تصعيد العمليات الإرهابية في العراق, إذ لم يكن هناك شك في طبيعة الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق من ناحية القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, ولكنها كانت في اتفاق مسبق مع أغلب قوى المعارضة العراقية التي كانت تريد مثل هذا التدخل والحرب, لا بسبب امتلاك نظام صدام حسين للأسلحة المحرمة دولياً, والتي استخدم بعضها في حلب?ة والأنفال وفي الأهوار, بل بسبب حرمان الشعب العراقي من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبسبب المقابر الجماعية التي امتلأت بها أرض العراق وبسبب الدكتاتورية المقيتة والعنصرية القاتلة التي مارسها النظام طيلة عقود في العراق. لقد كان النظام العراقي أسوأ بكثير من نظام بول بوت "الخمير الحمر" في كمبوديا, ولأنه جعل من العراق سجناً كبيراً لشعبه.
ليست الانتخابات التي تقرر موعدها في قانون الإدراة العراقية المؤقت هدفاً بحد ذاتها, بل هي وسيلة للوصول إلى الشرعية الواسعة والفعلية المطلوبة للحكم في العراق وفي سبيل أن تكون نتائجها خطوة أساسية مباشرة على طريق تعزيز مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وإرادة الشعب الحرة وإنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق. وإذا كانت نتائج الانتخابات وما بفترض أن يبنى عليها هي الأساس وليست الانتخابات ذاتها, فأن من غير المعقول إجراؤها في هذه الفترة المحددة لها, إذ أن الإرهاب واسع حقاً وستكون خشية الناس كبيرة في المشاركة, وستلعب المليشيات والقوى الإرهابية في الوسط والجنوب على نحوخاص دورها في تهديد الناس وفي إعاقة إجراء انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية فعلاً. خاصة وأن عملية التحضير الجيدة لمثل هذه الانتخابات على صعيدي الداخل والخارج ضرورية لتوفير أفضل الفرص لمشاركة نسبة عالية من سكان العراق الذين يحق لهم التصويت فيها.
وتقع على عاتق الحكومة العراقية والقوى السياسية المساندة لها مهمة الموازنة الدقيقة بين ثلاثة احتمالات, وهي:
1. أن تجري الانتخابات في ظل الأوضاع الراهنة, إذ لست على قناعة تامة بإمكانية السيطرة على الأوضاع الأمنية في الفترة القصيرة القادمة, وحتى إذا وصلنا إليها, فالأمور الأخرى ليست جاهزة لمثل هذه الانتخابات.
2. أن تقدم الحكومة استقالتها في شهر كانون الثاني ويقوم المجلس الوطني المؤقت, الذي انتخب أخيراً, بتشكيل حكومة جديدة تكون أكثر مقبولية من الحكومة الراهنة, بسبب عدم تدخل الولايات المتحدة مباشرة بأي شكل كان في اختيار أعضاء الحكومة الجديدة, لتمارس أعمالها سنة أخرى وتجري الانتخابات في فترة لا تتجاوز منتصف عام 2006. إذ ستكو البلاد في وضع أمني أفضل من حيث دور الجيش والشرطة والأمن والجماهير الشعبية وأحزابها السياسية, وبالتالي يمكن إجراء الانتخابات بحرية وأجواء ديمقراطية وأمنية أفضل مما نحن عليه الآن.
3. استمرار الحكومة المؤقتة القائمة حالياً في عملها بمصادقة جديدة من المجلس الوطني على تكوينها في كانون الثاني القادم, وربما إجراء التعديلات المناسبة على بنيتها وذلك بإعادة النظر في توزيع الحقائب الوزارية وفق ما برز من نواقص في العمل خلال الأشهر المنصرمة.
أميل تماماً إلى إجراء الانتخابات في منتصف عام 2006, إذ أنها الفترة الواقعية التي يمكن خلالها تحقيق الكثير من المهمات الوطنية الضرورية والتخلص بشكل مباشر من القوى الإرهابية التي غزت العراق بالجملة وتلك التي تقوم بعمليات الاختطاف. وعلينا أن ندرك حقيقة التعاون القائم بين فلول قوى الأمن والاستخبارات وفدائيي صدام حسين المخلوعة وبين قوى أبي مصعب الزرقاوى وغيرها من التنظيمات الإرهابية مع بعض القوى الإسلامية السياسية الممعنة بحقدها على التغييرات التي وقعت في العراق وكذلك بعض القوى القومية اليمينية المتطرفة التي فقدت مواقع لها في العراق بعد إسقاط نظام البعث.
إن جولة رئيس الدولة المؤقت, السيد عجيل الياور, قد نجحت في إيصال صوت العراق الحر إلى بعض الدول, ولكنها لم تصل إلى جميع الدول, كما أنها لم تستطع تحقيق المنشود في تخفيف الصراع بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية حول الوضع في العراق والدور الذي تمارسه الولايات المتحدة في السياسة العراقية. ومن هنا تأتي أهمية تكثيف الزيارات واتخاذ مواقف أكثر استقلالية في حسم الأمور الداخلية, وخاصة من جانب مجلس الوزراء ورئيسه والمجلس الوطني العراقي المؤقت. إن الاستماع إلى صوت ورأي أوروبا مهم جداً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق, فلديها من غنى التجربة والقدرة على المشاركة في العراق ما يساعد على تخفيف الأجواء التي نعيشها حاليا.
كما أن تشكيل الهيئة الدولية الأستشارية في مجال الأمن العراقي من دول أوروبية وعربية يمنحنا قدرة إضافية على مواجهىة الإرهاب الدولي الراهن في العراق. يجب أن تكون لدينا قناعة بأن ما يجري في العراق ليس إرهاباً محلياًَ فحسب, وليس إرهاباً عربياً وإسلامياً فحسب, بل هو حصيلة عمل ومشاركة قوى الإرهاب الدولية. وإذا ما اقتنعنا بذلك, عندها يمكن مكافحة ما يجري في العراق بصورة أكثر جديدة وعلمية وحيوية.
إن قوى كثيرة تشارك في ما يجري في العراق. وبرهنت أحداث تلعفر على الدور الذي تمارسه تركيا في هذه العملية ليس حباً بالتركمان الذين يعيشون في تلعفر, بل كرهاً للكرد والفيدرالية القائمة والتي كرسها قانون الإدارة العراقية المؤقت, ورغبة في الدخول العسكري إلى العراق. وكذا الحال مع التدخلات الأخرى. علينا أن ندرك بأن هناك أجنحة في الحكومات القائمة في دول المنطقة تؤيد ما يجري في العراق وليس بالضرورة كل الحكومات, وهكذا الحال بالنسبة إلى أوروبا. وعلينا أن ننتبه إلى هذا الواقع للتعامل الواقعي والعقلاني مع الأحداث الجارية في العراق.
برلين في 17/09/2004. كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟