|
الشخصية الحقيقية والافتراضية
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23 - 20:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لكل فترة عمرية من حياة الإنسان شخصية ما متأثرة بقيم العائلة والمجتمع، فالتحولات الجارية في شخصية الفرد ليست بالضرورة تحولات ايجابية فقد تكون تحولات سلبية تحرف سلوكه العام إلى سلوك مغاير تماماً. وكلما تقدم المرء في العمر تغيرت أولوياته في الحياة تبعاً لنوعية مكتسباته المعرفية يقابلها تطور في شخصيته. على خلافه تبقى ملامح الشخصية ومكوناتها من دون تغيير بتقدم محطات العمر فيحصل تعارضاً بين الشخصية والذات التي تعكس مكتسباتها المعرفية المتدنية ومن ثم سلوكها غير المتوافق مع محطة العمر التي يقرها المجتمع. إن اختلال عمر الشخصية والذات يكشفه السلوك العام غير المتوافق مع القيم العامة للمجتمع فمن الطبيعي أن تتطور الشخصية مع التطور العمري لتكون منسجمة مع محيطها، حيث يجري تحديد ملامح شخصية الفرد تبعاً لمحطاته العمرية فإن أصابها خلل ما في محطة عمرية معينة ومن ثم تابعت مسارها في المحطات العمرية اللاحقة لا يمكن عدّها شخصية متوازنة لأن تطور الشخصية يسير على خط موازٍ لتطور العمر. إن لخلل تطور الشخصية عوامل وراثية أو مرضية أو نفسية تصيب منظومة الإنسان فيحدث اختلاف في تطور الشخصية عن الذات أو العكس، ويعدّ العقل ومكتسباته المعرفية الأساس في تطور الشخصية فإن أصابه خلل ما تعرضت آليات اكتسابه المعرفية وذاكرته الحافظة إلى العطب مقابل تطور منظومة الجسد العمرية. وبذلك فإن العقل ومكتسباته المعرفية الذي يعكس السلوك الذاتي المعبر عن الشخصية، يعدّ أقل تطوراً ونمواً من تطور منظومة الجسد ونموها خلال نفس محطته العمرية. يعتقد (( ف. كابتيريف )) " أن العالم العظيم وتلميذ المدرسة الابتدائية يقفان على سلم معرفي واحد، فمكان الأول في قمته ومكان الثاني في أسفله، لكن كلاهما يستخدم عقله وطريقته في الاكتساب المعرفي فهما يشتغلان في حقل مهني واحد لكنهما على طرفي نقيض منه حيث تتطور شخصية كل منهما تبعاً لمكتسباته المعرفية ومحطاته العمرية ". على الرغم من أن الشخصية انعكاساً للمكتسبات المعرفية للذات خلال الزمن فإنها بمثابة الواجهة الظاهرة للذات أمام المجتمع والمتأثر على نحو كبير بعوامل المحيط الاجتماعي وعرضة للتغيير على نحو أسرع من الذات الكامنة التي لا تكشف عن نفسها إلا في مناخات إنسانية خاصة. لأن الإنسان في طبعه يخشى الكشف عن نقاط ضعفه أمام الآخرين، بعدّها نقيصة للذات لا يجوز البوح بها حتى لا تستخدم ضده. لكن حين ترتبط الذات بعلاقة روحية ، علاقة حب، مع الآخر بعيداً عن العوالم الأرضية تكشف عن شخصيتها الحقيقية سعياً للتوحد أكثر مع الآخر، فلكل منهما يعمل على فتح أبواب شخصيته الكامنة أمام الآخر ليكتشفه على نحو أعمق. على خلافه لا يكتب النجاح لعلاقة الحب إن كانت أبواب الشخصية الحقيقية مغلقة ويجري التعامل مع الآخر فقط بالشخصية الافتراضية الظاهرة في المجتمع. التوحد الروحي ليس سهلاً لكنه يجري بحذر شديد بين شخصيتين افتراضيتين ظاهرتين في المجتمع تسعيان لاختراق أحدهما الآخر بمجسات غير مرئية تنقل رغبات متبادلة للانفتاح على الآخر بشخصيته الحقيقية لا بالشخصية الافتراضة الظاهرة. يقول (( أورهان باموق )) : " إنه طوال هذه الفترة المألوفة كانت أبواب شخصيتي تفتح تلقائياً وتغلق، وكأنها تلتقي بذاك الظل لتتقاسم معه السعادة فأشعر أني تحولت إلى شخص آخر، حينها ألقي القبض على نفسي متلبسة وعلى وشك التحدث بصوت ذاك الشخص الآخر ". تعدّ الرغبات الخاصة دافعاً قوياً لتفحص شخصية ما في الحياة العامة على الرغم من أنها تعكس على الأغلب الشخصية الافتراضية سعياً لتحقيق مصلحة ما، فالشخصية تحكمها عوامل المحيط بعدّها تحقق مصلحة ما للفرد وعامل الزمن هو الذي يخلق الشخصية الملائمة لمحطة العمر. إن شخصية الفرد ليست صورة طبق الأصل عن شخصيته الحقيقية الكامنة، فقط الشخصية الساذجة تعد صورة طبق الأصل عن شخصيتها الحقيقية الكامنة لذلك تكون معرضة للخداع والابتزاز والسخرية في المجتمع. فضلاً عن أن مرشحات العقل لا تسمح لكل مكوناتها بالمرور لأن العقل خاضع إلى قيم عقلانية المجتمع، لذلك يظهر الشخصية الافتراضية التي يرتضيها المجتمع ليحوز الفرد على القبول الاجتماعي بعدّه كائناً اجتماعياً يصلح العيش مع أقرانه البشر تحاشياً لرفضه، ومن ثم إلحاق الأذى بالذات من المحيط الاجتماعي. لكن حين يتحكم العقل اللاواعي الخالي من المرشحات بمنظومة الفرد خلال ارتباطه بعلاقة روحية مع الآخر تظهر شخصيتة الحقيقية وتختفي مع الزمن شخصيتة الافتراضية، بدليل أن شخصية افتراضية منبوذة اجتماعياً قد تحظى بالحب من شخصية أخرى سوية حين تسبر ملامح شخصيته الحقيقية والعكس صحيح. الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأثير عوامل المحيط والذات على الشخصية
-
الشخصية وتحولاتها الزمنية
-
ماهية الشخصية
-
الحياة والموت
-
الحقائق وزيفها في الحياة
-
ماهية الحقيقة في الحياة
-
الشجاعة والخوف في الحياة
-
الصدق والكذب في الحياة
-
حالة الخطأ والصواب في الحياة
-
عوالم الحياة المختلفة
-
حالة الحزن في الحياة
-
دور العوامل الخارجية والداخلية في حياة البشر
-
الحياة الخاصة والعامة
-
ماهية الحياة
-
صدر في دمشق كتاب جديد للكاتب صاحب الربيعي بعنوان (( رؤية في
...
-
صدر في دمشق كتاب جديد للكاتب صاحب الربيعي بعنوان (( تقنيات و
...
-
صدق الفكرة في العقل واللاعقل
-
الفكرة الخلاقة والعقل اللاواعي
-
ميزات المعرفة
-
مجتمع المعرفة والعقل
المزيد.....
-
أم سجنت رضيعتها 3 سنوات بدرج تحت السرير بحادثة تقشعر لها الأ
...
-
لحظات حاسمة قبل مغادرة بايدن لمنصبه.. هل يصل لـ -سلام في غزة
...
-
فصائل المعارضة السورية تطلق عملية -ردع العدوان- العسكرية
-
رياح عاتية في مطار هيثرو وطائرات تكافح للهبوط وسط العاصفة بي
...
-
الحرب في يومها الـ419: إسرائيل تكثف قصفها على غزة ولبنان يتر
...
-
مبعوث أوروبي إلى سوريا.. دعم للشعب السوري أم تطبيع مع الأسد؟
...
-
خريطة لمئات آلاف الخلايا تساعد على علاج أمراض الجهاز الهضمي
...
-
وسائل إعلام: على خلفية -أوريشنيك- فرنسا تناقش خطط تطوير صارو
...
-
مصدر: عمليات استسلام جماعية في صفوف القوات الأوكرانية بمقاطع
...
-
مصادر تتحدث عن تفاصيل اشتباكات الجيش السوري مع إرهابي -جبهة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|