|
ما العلاقة بين النقابة العمّالية والحديقة الجماهيرية؟
ميخال شفارتس
الحوار المتمدن-العدد: 3193 - 2010 / 11 / 22 - 20:32
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
لم يطرح هذا السؤال أفراد نقابة "معًا" فحسب، الذين أخذوا على عاتقهم إقامة حديقة جماهيرية بجوار مكتبهم الجديد في حيّ الهدار بحيفا، وإنّما طرحه أيضًا أحد الجيران المحبّ للاستطلاع، في أوج يوم عمل في الحديقة في شهر تشرين الثاني الأخير. عمل في ذلك الحين في الحديقة متطوّعون ومتطوّعات وعلى رأسهم بستاني مهني، وقاموا بنشر أعمدة الكهرباء وتمهيد التربة وتسميدها وزرعها بالخضروات.
وعلى سطح الملجأ المجاور تجمّع عدد من الشابّات حول صانعات السلال من جمعية "سنديانة الجليل" من كفر مندا، وتلقّين درسًا في صنع السلال. وبالقرب منهنّ تجمّع أولاد الجيران وأولاد المتطوّعين من اليهود والعرب وانهمكوا في العجن والخبز على الصاج، بإدارة متطوّع من نقابة شباب "معًا". وقام آخرون بتزيين سطح الملجأ، الذي أُلصقت على قسم منه مطبوعات فنّية. تواجد في الموقع بعض الفنّانين الشباب وعدد من سائقي الشاحنات الذين حضر قسم منهم للتضامن، وقسم آخر لتلقي المساعدة القانونية من محامية النقابة. الأجواء الحماسية قادت الجار المحب للاستطلاع للانضمام للعمل حتّى قبل أن يتلقّى ردًّا على سؤاله.
سنحت الفرصة لنقابة "معًا" وللمتطوّعين الكثيرين الذين حضروا إلى المكان للتعارف وإقامة علاقات جديدة. ولم يكن نجاح الحديقة مفهومًا ضمنًا، فإقامة الحديقة ليست أمرًا سهلاً، بل تتطلّب مرافقة من بستاني مهني. كانت تلك هدية جمعية "حماية الطبيعة" التي انضمّت إلى المبادرة منذ اللحظة الأولى. توقّع الجميع في البداية فشل المبادرة. توقّع الجيران والبلدية بأن تتعرّض الحديقة للتخريب، ولم يتوقّع الجيران أن تفي البلدية بوعدها وتركّب نقطة مياه. لكنّ جميع توقّعات المتشائمين تبدّدت.
الأوائل الذين انخرطوا في العمل التطوعي كانوا الأولاد الذين خاف الجميع بأن يقوموا بالتخريب. حرصت نقابة "معًا" على ان يرافقهم مرشد نظم لهم فعاليات ممتعة كما حدد الأعمال التي يمكنهم ان يساعدوا في القيام بها. في أوّل يومَي عمل، تفرّج الجيران من بعيد، لكنّهم رغم ذلك حرصوا على أن لا يحدث تخريب. حضر المتطوّعون سواء بسبب الحديقة أو بسبب ورشة القشّ التي قامت بها "سنديانة الجليل"، ومكثوا في المكان طويلاً. بعد شهر ونصف، في يوم العمل التطوعي الثالث، قامت البلدية بتزويد الحديقة بنقاط الماء وأنابيب التنقيط، وانخرط الجيران في الأجواء الجديدة في حيّهم، وتم إنشاء الحديقة.
لا شكّ أنّ التقاء أفراد لم يسبق لهم اللقاء في مناسبات اجتماعية والعمل معًا للصالح العام، يشكّل جزءًا من الإجابة عن السؤال المطروح في بداية المقال. حيّ الهدار اعتبر جميلا إلى أن تدهورت حالته. سكنه في الماضي وجهاء المجتمع وأبناء الطبقة الوسطى والعالية. في الوقت الراهن صار الهدار حيّا فقيرا ومهملا كغيره من باقي الأحياء الفقيرة، يسكنه الخليط الحيفاوي المعروف الذي يجمع بين عائلات عربية وروس لا يتكلّمون العبرية ويهود فقراء. ومع هذا فالحي مميز بفضل وجود العناصر الشابة من الطلاّب الجامعيين والفنّانين والمبدعين الذين تشجّعهم البلدية والجامعة على السكن في الحيّ، لإحداث تغيير اجتماعي ولدفع التعايش بين اليهود والعرب.
اللقاء في الحديقة بين هذه الفئات السكّانية، والذي يخلو من الحواجز الطبيعية التي بين المشغِّل والعامل وبين السائح والمحلّي وبين الطالب الجامعي وعامل البناء وبين اليهودي والعربي والروسي، خلق ديناميكية متعدّدة الثقافات على أساس من المساواة والتسامح، وأتاح الفرصة للتخلّص من الآراء المسبقة والأفكار النمطية والتغلّب على حاجز اللغة.
من ذلك مثلا، أنه ثبت للشابّة العصرية أنّ لها ما تتعلّمه من صانعات السلال من كفر مندا، رغم الفجوات الاجتماعية التي انعكست في اللباس أيضًا، وصانعات السلال سعدن بوجود الشابّة وبرغبتها في التعلّم منهن. الجار الذي انضم للعمل مع المتطوّعين تمتّع بالأمر وبالمنظر الجديد الذي اكتساه الحيّ. كما حصل المتطوعون على شتلة أو اثنتين، لشتلها في ساحة بيته.
يوم السبت، بعد عملية الشتل بدت الحديقة بمنظرها الجميل وخرج الجيران للتمتّع بها. أحد الجيران، سلام مصري، قال "إنّنا نعتزّ الآن بحيّنا. من الممتع الخروج ومشاهدة الألوان الخضراء الزاهية والعمل في الحديقة".
العلاقة التي نشأت بين أفراد من قوميات وثقافات مختلفة يشكل جزءًا هامًّا من نشاطات نقابة "معًا"، التي تنظّم العمّال. على سبيل المثال تنشط النقابة بين سائقي الشاحنات من اليهود والعرب والمهاجرين الروس والأثيوبيين، وهؤلاء جميعهم يعملون معًا، لكنّهم لا يلتقون أبدًا في مناسبات اجتماعية، ولا يزور أحدهم الآخر بتاتًا. كلّ مجموعة منغلقة على نفسها وكلّها قناعة بأنّ الآخرين هم الذين أدّوا إلى تدنّي الأجور وشروط العمل وإلى تدهور الفرع، لأنّهم على استعداد لبيع قوة عملهم بكلّ ثمن للحصول على مكان عمل. هذا ما يجعل هؤلاء العمّال فريسة سهلة لشركات النقل التي تمعن في التفريق بين العمال كيلا يقوموا بتشكيل لجنة عمّالية تطالب بحقوق العمال ورفع أجورهم.
مصطلح الحديقة الجماهيرية التابعة للحيّ كله، وليست ملكا خاصّا لأيّ فرد، وغير خاضعة لإمرة البلدية، هو مصطلح جديد وغريب أيضًا بالنسبة لسكّان الحيّ. حقيقة حضور الأشخاص للعمل بشكل تطوّعي مرّة تلو الأخرى، دون انتظار مقابل أو جائزة، تخلق مفاهيم جديدة. فقد اعتاد سكان الحي التفكير بأنّ وراء كلّ عمل تطوّعي أو عطاء تقف مصلحة شخصية لطرف ما، وأنه لا جدوى من التطوّع، لأنّه بطبيعة الحال لا يمكن تغيير أيّ شيء. كما تعلّموا من تجارب الماضي أنّ كلّ ما يعملونه خارج بيوتهم الخاصّة تتم سرقته أو تخريبه، وأنّ لا أحد يقدّر جهودهم.
هذا التوجّه قاد إلى إحباط عام ويأس، كرّس وضع الإهمال، وأدى للاكتفاء بتوجيه اللوم على الحكومة والبلدية (وهذه الجهات مسؤوليتها واضحة)، دون إيمان بضرورة التحرك للتغيير. فلماذا يتعبون أنفسهم لإحداث تغيير ملموس في الحياة، إذا سنحت الفرصة دومًا للتلويح بشعارات قومية سواء من جانب اليهود الذين يتهمون العرب بأنهم عديمي الثقافة؛ أو اتّهام العرب للمؤسّسة اليهودية بالتمييز ضدّهم وتعمّدها إهمال الحيّ؛ أو اتّهام العرب واليهود معا للروس بالمسؤولية عن تدني مستوى الحي بسبب عادات شربهم الكحول.
هذه هي الصعوبة الكبرى التي تواجهها كلّ نقابة اجتماعية أو سياسية ترغب في التغيير، وبضمنها نقابة العمّال "معًا". ترى "معًا" في إقامة النقابة العمّالية جزءًا من إقامة حركة شعبية للتغيير، تشترط التعاون والثقة المتبادلة بين العمّال العرب واليهود. لا تلجأ "معًا" الى أسلوب الاحتجاج وإنّما تعمل على إيجاد البدائل.
تُعنَى "معًا" بتنمية ثقافة العمل والعطاء، وتعمل على تعزيز قدرة العمّال على التغيير بالتعاون مع الفنّانين والمتطوّعين والنساء والشباب. كلّنا أمل بأن ننجح في عقد لقاءات بين الشبيبة العرب واليهود في الحديقة، وإكسابهم التوجّه الذي يؤمن بالتغيير وبناء البدائل. "معًا" تؤمن بإمكانية تغيير الوضع والتقدم خطوات ولو صغيرة للأمام. لهذا السبب أقامت "معًا" حديقة جماهيرية كجزء من مشروع بناء قوّة اجتماعية وسياسية مناهضة للقوى التي تسيطر في الوقت الحاضر على الاقتصاد والدولة.
#ميخال_شفارتس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العاطلات عن العمل العربيات لم يسمعن بانخفاض البطالة بين النس
...
-
النزاع بين الدولة والمتدينين يبرز التناقض في تعريفها كيهودية
...
-
من خطّة الإصلاح في الأراضي إلى خطّة الإصلاح في التنظيم- خصخص
...
-
اسرائيل تتقدم نحو -دولة غير يهودية وغير ديمقراطية-
-
أمّ الفحم ودولة إسرائيل
-
عائدات للنضال من اجل الخبز
-
غزة: ليس بالخبز وحده يحيا الانسان
-
صحة المواطنين العرب بين الاهمال الحكومي والذاتي
-
جهاز الصحة في وضع غير صحي
-
جهاز التعليم الاسرائيلي في انهيار
-
لنبني حركة نسائية نقابية واسعة
-
الدولة تتآكل فسادا
-
قانون تجميد الحب
-
الطلاب الفلسطينيون رهائن الصراع السياسي
-
اختلاف فتح وحماس يجر تصعيدا اسرائيليا
-
حكومة وحدة قبل الهاوية
-
معًا في ندوة دولية عن -حقوق المرأة العاملة
-
قانون الجنسية: خطوة فاشلة في الحرب الديمغرافية
-
السلطة الفلسطينية من فتنة الى حكومة وحدة؟
-
حكومة حماس، تكون او لا تكون
المزيد.....
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد
...
-
The WFTU statement on the recent development in the Ukraine
...
-
بيان اتحاد النقابات العالمي حول التطور الأخير في الحرب الأوك
...
-
مزارعون يغلقون ميناء في فرنسا احتجاجا على محادثات مع ميركوسو
...
-
“وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم
...
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|