جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3192 - 2010 / 11 / 21 - 12:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اثنان يتعارفون على بعضهم البعض بسرعة وهم:الأطفال والعشاق.
سألتُ زوجتي هذا الصباح: هل أنا بريء مثل الأطفال ؟فقالت ساخرة: أنت!, ومن ثم أخذت نفسا عميقا شهيقا وزفيرا وقالت: شو خليت للأطفال إذا أنت بريئ مثلهم!.
علماً أنني أرى نفسي مثلهم فأنا مثلا سريع الغضب وسريع الرضى ,وهذه الصفة لوحدها تجعلني بريئا ,وهي آخر ما تبقى عندي من زمن الطفولة الذي ما زلتُ محتفظا به وأرفض التخلي عن هذه النزعة, وأنت يا صديقي هل مثلا عندك أي صفة من صفات الأطفال؟ أم أنك لا تحتفظ منها بأي شيء ؟من المؤكد عزيزي القارئ أنك منذُ زمن بعيد لم تُكوّن صداقة جديدة مع انسان آخر بسرعة كما كنت تفعل ذلك وأنت طفل صغير مع كل الأطفال أو حتى مع الكبار, فالأطفال أيضا يُكوّنون الصداقة حتى مع الكبار في السن, وربما أنك منذ زمن لم يدخل العشق قلبك كما قال المتنبي: (ولستُ ممن يدخلُ العشقُ قلبه) ربما بسبب فقدانك للوفاء وللأمان مع البشر والناس فمن الطبيعي أن الحياة تعلمنا الابتعاد عن البشر لأنهم كلما كبروا وتقدم بهم العمر كلما أصبحوا ذئابا تريد القتل سواء أكانت جائعة أو غير جائعة, كلنا نتعلم من الحياة بأن زمن البراءة قد انتهى , لذلك نحن أحيانا نسخر من الأطفال الذين يثقون ببعضهم البعض بسرعة ونقول عنهم بأنهم (جُهّالْ) ونسخر من العشاق الذين يعشقون من أول نظره نسخر من الذين يثقون بالناس أو بالآخرين بسرعة.
الأطفال يا أصدقائي يتعارفون على بعضهم البعض بسرعة كبيرة جدا ويتعاركون مع بعضهم بسرعة كبيرة جدا ويتصالحون مع بعضهم بسرعة كبيرة جدا ويتخاصمون ويتصالحون في اليوم الواحد أكثر من عشرين مرة, وصدقوني ابنتي الصغيرة اسمها (لميس) تلعب مع بنت الجيران وأسمها (سلمى) وهن في اليوم الواحد يتخاصمن مع بعضهن البعض ويتصالحن مرات عدة لا أستطيع أنا حصرها .
والأطفال يخترقون أمزجة بعضهم البعض وبيوت بعضهم البعض وكأنهم جواسيس يخترقون تنظيمات سرية بسرعة الضوء, فإذا مثلا ذهبت مع أطفالك إلى السوق أو جلست بهم في احدى محطات النقل فإنهم سرعان ما يجدون أطفالاً من جيلهم وبسنهم وبعمرهم يبثون لبعضهم أسرار بيوت آبائهم ورغم أن هذه عادة سيئة غير أنها تبقى طفولية لا يمكن ردعها ويلتحقون ببعض للعب أو لتبادل الآراء في الشارع الذي يمرون به أو في الحائط الذي يسندون ظهورهم عليه أو في الأرض التي يقفون عليها وأحيانا يبدون رأيهم بحالة الطقس إن كان حارا جدا أو باردا جدا وأنا ألاحظ ذلك كلما خرجت بصحبة أولادي إلى الحياة العامة فهم سرعان ما يتعرفون على الأطفال الموجودين في المكان العام أو حتى في المراكز الصحية, فإذا أخذتهم للعلاج في المركز الصحي فإنهم سرعان ما يكونون صداقات سريعة مع الموجودين حولهم من أطفال في صالة الانتظار ففي كل مرة يتعرفون على أطفال جدد ويبدون رأيهم بسرعة في بعضهم البعض فيقولون مثلا: هذا شكله كذا ..أو ينتقدون مقاعد الجلوس ويسخرون منها ويضحكون ويلعبون ويركضون ويمارسون كل أشكال التعارف أو كل الأشكال التي تؤدي إلى تقوية الأواصر بين بعضهم البعض.
على عكسنا نحن الكبار, فأنا مثلا أكون في المركز الصحي مع أولادي ويجلس بجانبي أب ومعه أطفاله فننظر أول ما ننظر إلى بعضنا البعض نظرات كلها شك وريبة!! حتى أننا أحيانا نتباعد في المقاعد خشية أن ينال مني..لا أعرف ..ولا هو يعرف ما سيناله مني ولا ما سأناله منه ولكننا على كل حال نواجه صعوبة في التعرف على بعضنا البعض وتكون أجهزة الاتصال ضعيفة أو متعبة ونكون خائفين من بعضنا البعض ومتوترين إذا اقتربنا من بعضنا البعض وقد يكون هذا بسبب نسياننا للبراءة الفكرية التي نشأنا عليها أولا ونسياننا بأن قلوبنا كانت مثل قلوب الأطفال صافية مثل الماء الصافي فنحن اليوم حينما كبرنا قد خضنا تجارب علمتنا أن لا نكون ساذجين ولا بريئين براءة الأطفال لذلك نحن نخاف من بعضنا البعض ولكم خلتُ بأن الذي يعمل معي ذئب ماكر يريد خداعي لأنني تعرضت لعشرات العمليات الخادعة, ولكم خلتُ بأن ذلك الإنسان مثله مثل العقرب يريد أن يقترب مني ليلدغني فأبتعد عنه مهما حاول هو الاقتراب مني وأقول له بيني وبين نفسي: خيرها في غيرها روح العب برى يا شاطر, ولكم خلت أيضا بأن تلك المرأة مثلها مثل الأفعى تريد الاقتراب مني لتعصرني أو لتلدغني فأبتعد عنها لأني رأيت كثيرا مثلها قد لدغوني بنفس الأسلوب, ولكم خلت بأن تلك اليد التي تمتدُ إليّ ستنجسني إذا ما صافحتها لأن جسمي قد تعرض لكثير من تلك المواقف, المهم في الموضوع والأهم من كل ذلك أننا نحن الكبار غير بريئين وغير ودودين وغير اجتماعيين كما هم الأطفال الذين يمثلون بالنسبة لعلماء الاجتماع , يمثلون لهم المرحلة الطفولية من حياتنا كبشر عبر التاريخ فلقد كان الإنسان الأول الحجري مثله مثل الأطفال بريء وحبّاب وودود بعكس الإنسان التقني المخادع الذي يريد الاقتراب منك لينقض عليك كأسد جائع أ.
ولربما يجلس بجانبك شخص لساعة أو لساعتين ولا تعرف حتى اسمه أو جنسه أو هوايته أو حتى رغباته بالحياة للأسباب التي ذكرناها, ولكن الأطفال فوراً ينظرون في وجوه بعضهم البعض يبتسمون ويرفعون الحواجب ويحركون أصابع يديهم ومن ثم ينادون بعضهم البعض بالإيماءات وبحركات العيون وبعد ذلك يخرجون إلى السوبر ماركت لشراء الحلوى أو أنواع الحلوى والبسكويت التي يحبونها.
والعشاق أيضا يتعرفون على بعضهم البعض بسرعة كبيرة فمثلا نسمع بأن أعظم قصة حب قد حدثت في سيارة سرفيس بين اثنين وانتهت بالزواج أو بخلق قصة حب وإدارما طويلة جدا كما يحدث في أفلام السينما , ونسمع أحيانا عن شاب التقى بشابة في إحدى المناسبات وتبادلوا النظرات وأحبوا بعضهم بسرعة, ويتساءل أو يستغرب حتى المحبوب !كيف بالذي أحبه قد أحبه بهذه السرعة؟ للإجابة على هذا التساؤل المثير للإعجاب وللسخرية لا بد أن نعرف بأن الحب أيضا علاقة طفولية تتشابك فيها الرغبات كما تتشابك أصابع اليدين في بعضها البعض, صحيح أن هنالك من قال عن الحب بأنه (ارتكاز الضعفاء على الأقوياء) وهذا تعريف (آرنولد توينبي) ولكن يبقى الحب شكل من أشكال عودة الإنسان إلى الطفولة وشكل من أشكال العلاقات البريئة التي لا تهدف لا لكسب المال ولا لإضاعته وإنما الحب من أجل الحب والعلاقة الطيبة من أجل العلاقة الطيبة والإثارة من أجل إثارة المشاعر وليس من أجل إثارة المشاكل, الحب هو حنين الإنسان إلى الطفولة وإلى صدر يحتضن العاشق كما كانت أمه تحتضنه , والحب هو إحدى الأشكال أو السلالات العاطفية أو هو كما قال عنه الألمان بأنه ( كلمة السِرْ التي تفتح كل الخزائن).
العشاق والأطفال يحملون نفس الصفات البريئة ونفس الجينات العاطفية, يحبون بسرعة ويعشقون بسرعة ويتخاصمون ويتصالحون بسرعة , أو كما قال نزار قباني: فأنت كالأطفال نحبهم مهما لنا أساؤوا.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟