|
انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 959 - 2004 / 9 / 17 - 09:36
المحور:
حقوق الانسان
كان لبنان قبل الحرب الطائفية سويسرا الشرق ومركز تصدير الثقافة وتعليم العرب أصول الحريات وبؤرة الكتاب العربي وتجمع الناشرين العرب على الرغم من أن نصف الكتب الصادرة في بيروت كانت بأيدي قراصنة الكتاب. ولبنان بنظامه الطائفي الهش، استضاف على أرضه كل أنواع الميليشيات، وفرق التصفية وخطف الضيوف( ليس على طريقة القبائل اليمنية) وغسيل الأموال، ونصف مليون فلسطيني، وقوات الردع ،وتجار الشنطة، ومنازل الخليجيين الفاخرة ،وجواسيس إسرائيل ، وعارضات الأزياء، وملكات جمال الكون وكازينوهات القمار( قبل أن تقرر السلطة الوطنية سرقة الدور اللبناني وبناء كازينو غزة للتعايش السلمي بين أموال الدعم العربي والقوادين الإسرائيليين). ولبنان كان يفتخر بأن قوته في ضعفه فهبط عليه الذباب من كل مكان، وجاءه الموت وما هو بميت ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ولبنان صاحب تركيبة طائفية عجيبة تمروّن الرئيس في بعبدا وتشيّع رئيس مجلس النواب ولا تقبل رئيس وزراء غير سني ويكتفي الدروز بسحر الطبيعة وروحانيات المرحوم كمال جنبلاط ويبقى الحكم لبارونات الطوائف ما بين مفتي وبطريرك. واقتصاد لبنان كان بين أيدي أبنائه، واللبناني يعرف من أين تؤكل الكتف، سواء كان مطربا في القاهرة ،أو مناضلا في الجنوب، أو صاحب محل عطور في الحمرا وملحنا للشحرورة، أو تاجرا في ساحل العاج، أو شاعرا في المهجر، أو قرصانا في شركة اسطوانات، ثم انتقل اقتصاد لبنان إلى أيدي أبي عمار وجماعته فدمروه تدميرا. وبعد انتهاء الحرب الطائفية عاد اللبنانيون من الخارج تجارا يحلم كل منهم أن يصبح أكثر ثراء من رفيق الحريري لكن لبنان لم يعد سويسرا الشرق فقد اخترق جسده الضعيف الأصدقاء والأشقاء والضيوف والأعداء، ولم يعد أمام اللبناني إلا أن يندمج في ثقافة التسول، أي السياحة والخدمات العقارية وانتظار الخليجيين، أو يلجأ إلى الطائفية التي دمرت هذا البلد الساحر الجميل! ولبنان الذي كان معقل الحريات وملجأ المستضعفين ومركز الإعلام العربي بكل تناقضاته يحتل مساحة واسعة من أوراق منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وتقارير المنظمات الخاصة والمتعلقة بانتهاكات كل الحقوق بدون استثناء. يقول آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية الصادر في الثاني والعشرين أغسطس بأنه كثيرا ما يحتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي فور القبض عليهم، وذلك دون السماح لهم بالاتصال بأسرهم أو محاميهم أو بالعالم الخارجي. ولا تمارس النيابة العامة أو السلطة القضائية الإشراف الواجب للتأكد من أن المعتقلين يعاملون معاملة إنسانية! ولا يحال المعتقلون على وجه السرعة إلى أحد القضاة، كما يتقاعس قضاة التحقيق عن إجراء تحقيقات في ادعاءات التعذيب، ويصدر كثير من القضاة أحكامهم الجائرة بالإدانة بناء على أدلة لا سند لها انتزعت بالإكراه. إن لبنان الذي وقّع علي كثير من المعاهدات المتعلقة باحترام حقوق الإنسان والطفل و المرأة مطالب بتطبيق هذه الضمانات، ومع ذلك يستمر وقوع الانتهاكات الصارخة مع إفلات مرتكبيها من العقاب. إن انتهاكات حقوق الإنسان تحدث وسط قبول بالأمر الواقع من أفراد الشرطة والمحققين والقضاة والسلطات بصفة عامة. يقول تقرير منظمة العفو الدولية بأن الضباط المكلفين بتنفيذ القانون يخالفونه ويقومون بممارسة التعذيب وهو بمنأى عن المساءلة والعقاب، كما تتقاعس الدولة عن التحقيق في ادعاءات التعذيب. على مدى سنوات طويلة قامت منظمة العفو الدولية بالتحقق من ممارسات التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في لبنان، ثم أرسلت وفدا إلى سجني بعبدا وطرابلس للنساء وكانت النتيجة مخزية ومؤسفة وعارا يلاحق كل الذين حولوا القضاء والتحقيق والشرطة والأمن والقانون إلى نفس فكر الميليشيات الذي كان يهدف إلى تحطيم الشخصية اللبنانية نفسيا ووجدانيا وإيمانا بالوطن بعد أن أنهكتها الحرب الطائفية والوضع الاقتصادي المتدهور. قد تكون هناك إشراقة أمل في المشروع الذي قدمته نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس لتعديل الإجراءات القانونية والإدارية حفاظا على كرامة الوطن، ولكن رئيس الجمهورية رفض التعديلات وأعادها للبرلمان مع بعض التحفظات! لبنان الذي ناضلت فيه المرأة لسنوات طويلة واكتسبت حقوقا لا تحلم بمثلها المرأة العربية، تعاني المرأة فيه التمييز العنصري والطائفي والسلطوي الذكوري. بعد زيارات متكررة لكل سجون لبنان والحديث المسهب والمفصل مع النساء المعتقلات خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن ما يمارس في سجون النساء في لبنان هو:الاغتصاب أو الشروع فيه، وإدخال أدوات في الجسم، والحرق بأعقاب السجائر في أماكن حساسة من جسد المرأة، وقيام الحراس الذكور بإجبار المعتقلات على التعري من ملابسهن، واستخدام عبارات تنطوي على الإيذاء الجنسي، وتعذيب الأقارب على مرأى من المعتقلات، وعدم وجود مرافق صحية للحوامل.. وقد سبق لمنظمة العفو الدولية إبلاغ السلطات اللبنانية عن حالات التعذيب لإجبار المتهمات على الاعتراف بالإكراه ثم القبض على الجاني الحقيقي بعد قضاء المتهمة عدة سنوات في السجن، لكن السلطات اللبنانية وضعت أصابعها في آذانها. وتقارير منظمة العفو الدولية عن المرأة اللبنانية والخادمات الأجنبيات والفتيات القاصرات تجعل الوجه يتصبب عرقا وخجلا وعارا. ومع ذلك فاللبنانيون لا يزالون يحتفظون بنظامهم الطائفي الهش القائم على أن المواطنة ترتبط بكلمة في بطاقة الهوية، سني أو شيعي أو ماروني أو أرثوذكسي أو درزي أو كردي أو كلداني أو بهائي أو غيره. واللبنانيون الذين خرجوا بعشرات الآلاف يطالبون القوات السورية بالانسحاب لم تستثرهم الطائفية العفنة ويخرجوا عن بكرة أبيهم يطالبون بإلغائها وأن تصبح المواطنة هي الهوية الوحيدة المعترف بها. ولكننا لم نفقد الأمل في لبنان الصغير الكبير، فقد خرجت قوى المقاومة الجنوبية منه ضد العدو الصهيوني، وكان أمين عام حزب الله رائعا عندما سلم النصر للبنان كله بدون طائفية. واللبنانيون قادرون على استعادة مجدهم الثقافي والفكري والأخلاقي والفني والنضالي إن هم نبذوا الطائفية النتنة التي قسمت الوطن ومناصب الدولة بين أبنائه وفقا لطوائفهم وعقائدهم وكتبهم المقدسة. ولبنان لن يستعيد عافيته قبل وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وإغلاق المعتقلات والتحقيق في قضايا التعذيب واحترام المرأة. واللبنانيون في المهجر مطالبون بلعب دور أكبر غير الدور التجاري والاقتصادي وبناء الفنادق وجعل بلدهم محطة سياحية لشراء الملابس والعطور والمزة وبابا غنوج والاستماع إلى فيروز في بحبك يا لبنان. لبنان الصغير الكبير في حاجة إلى كل أبنائه لينهضوا به بعيدا عن التمييز الطائفي والرشوة والفساد وأجهزة الأمن والمخابرات والمعتقلات، أو أن يكتفي اللبنانيون بالترحم على وطنهم ولعب دور التاجر الشاطر والمواطن الغائب. ولا يزال البحث جاريا عن لبنان واللبنانيين!
محمد عبد المجيد رئيس تحرير طائر الشمال أوسلو النرويج http://www.tearalshmal1984.com [email protected] [email protected] Fax: 0047+22492563
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة لتنازل الملك فهد عن العرش
-
لا شرعية لنظام حكم عربي لا يغلق المعتقلات
-
لماذا أحب الفلسطينيين؟ لماذا يكرهني الفلسطينيون؟
-
لماذا لا يشتري العربُ موريتانيا
-
صديق الغربة .. الصديق المفترس
-
التدين البورنوجرافي
-
رسالة مفتوحة إلى أم الدنيا.. ماذا فعل بك هذا الرجل؟
-
ولكن الرقيب سيظل احمقا .....
-
خالص العزاء لشعبنا التونسي .. ربع قرن جديد تحت حذاء الرئيس
-
لماذا لا يبيع العقيد الليبيين؟
-
انتهاء المهلة المحددة للافراج عن الشعب السوري
-
سنوات الذل والقهر في المغرب .. ولكن إبليس كان أكثر رحمة من ا
...
-
الدخول إلى المنطقة المحرمة.. أقباطنا شركاء الوطن، حقوقهم واج
...
-
رسالة مفتوحة إلى الأمير عبد الله بن عبد العزيز .. فلسفة الصم
...
-
فتاوى العلماء والفقهاء ليست ملزمة للمسلمين
-
حوار بين زنزانتين في سجن عربي
-
وقائع محاكمة الرئيس حسني مبارك
-
حوار بين قملتين في شعر رأس صدام حسين
-
مسح ذاكرة العراقيين .. سباق محموم لاغتيال وطن
-
وقائع محاكمة العقيد معمر القذافي
المزيد.....
-
كنايسل تنتقد ازدواجية المعايير لدى الغرب تجاه مذكرات الاعتقا
...
-
-المملكة المتحدة ستفي بالتزاماتها القانونية-.. لندن تعلق على
...
-
5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين
...
-
مذكرة اعتقال نتانياهو.. هل تتخذ إدارة ترامب المقبلة -خطوات ع
...
-
نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو
...
-
زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن
...
-
ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
-
كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|