جمعة الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 959 - 2004 / 9 / 17 - 09:36
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
هل هناك فارق بين العراقي (الراهن) والعراقي قبل ثلاثة عقود؟ الجواب، نعم واضحة، هناك فوارق كثيرة، فالعراقي، في تلك الأيام الخوالي، كان أكثر حميمية، وأكثر حمّية، وأكثر شعوراً بالمسؤولية، وأكثر صدقية في تعامله اليومي، وأكثر إندماجاً في نسيجه الإجتماعي، وأكثر شاعرية ورومانسية في مزاجه وأجوائه الخاصة، وأكثر تحرراً في عاداته وتقاليده، وأكثر تحضراً في موقفه من المرأة، وأكثر مروءة في عطفه على الصغير والكبير، وأكثر إنشداداً لوطنه، وأكثر إلتصاقاً بعائلته، وأكثر وفاءاً في صداقاته. كان العراقي، مطلع السبعينات، مثلاً، عندما يرى شجاراً في الشارع، يتدخل لفض الشجار، حتى لو تعرض للأذى، أما اليوم فهو يكتفي بالفرجة، أو بالإبتعاد عن المتشاجرين. وكان العراقي ينحاز للمظلوم، أو لمن يتعرض للإساءة، ويدافع عنه، حتى لو جاءت هذه الإساءة من جهة رسمية، أو من شرطي، لكنه اليوم يتجنب الدخول في أية مشكلة إلا إذا كانت تخصه. ولم يكن المثل الشائع: جارك ثم جارك.. مجرد مثل عابر، بالنسبة للعراقي، لأنه كان يجسده، حقيقة، في تعاملاته وعلاقاته الإجتماعية، لكنه اليوم يتخاصم ويتقاتل، مع أخوته وأولاده، على أرذل الأمور.
وأذكر أمثلة كثيرة تؤكد هذه الصفات الحميدة، التي كانت تميز العراقي، وقد تخلى عنها، مجبراً، أو مختاراً، أو مضطراً. وبعض هذه الأمثلة سمعته من أشقاء عرب وليسوا عراقيين. فقد قال لي مواطن سوري أن عراقياً كان يعمل معه في الجزائر (في مجال التدريس) دافع عنه بشراسة، وعرّض نفسه لعقوبة من إدارة المدرسة، لمجرد شعوره بأن ظلماً وقع على زميله. وقال هذا السوري أنه لن ينسى، طوال حياته، موقف ذلك العراقي (الشهم). وروى لي صديق فلسطيني أسمه محمود بحيص، كان أسيراً في سجون إسرائيل، كيف أن عراقياً (يهودياً) يعمل حارساً في السجن، تدخل لصالح سجين فلسطيني (عراقي الجنسية) وتعرض، جراء ذلك، لعقوبة شديدة من إدارة السجن.
وقال لي تاجر سوري، في سوق الحميدية، أن العراقيين كرماء ويخجلون من المساومة عندما كانوا يأتون للتسوق, وإن عراقياً رمى، ذات مرة، بضاعة كان أشتراها من أحد المحلات، وذهب، تاركاً ثمن البضاعة الذي كان دفعه للبائع، لأنه شعر بأن هذا البائع غشه بالسعر. كل هذه الأمثلة تعود الى السبعينات وما قبلها، أما الآن فهناك مشكلة في سوريا والأردن والأمارات، يتسبب بها عراقيون، نزحوا بعد إنهيار النظام، وراحوا يتبغددون على الناس هناك، بأموال طائلة، غالبها مسروق أو مال حرام. وقد علمت، عندما كنت في سوريا، قبل شهر واحد، إن إساءات تصرف بالجملة، يرتكبها هؤلاء العراقيون، هناك، دون أي رادع أخلاقي.
أقول هذا، وأنا أشعر بألم وأسف، وأتذكر كيف كان السوريون، على سبيل المثال، يحلفون برأس العراقي، لأنهم يحبونه ويحترمونه، لكن هذا كان في تلك الأيام الخوالي، للأسف!
#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟