|
ساسون حسقيل: أشهر وزير في تأريخ الحكومات العراقية المتعاقبة
مازن لطيف علي
الحوار المتمدن-العدد: 3189 - 2010 / 11 / 18 - 11:20
المحور:
سيرة ذاتية
يعد ساسون حسقيل أحد اهم أعمدة الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921، وكان مؤمناً بامكانية صهر جميع الطوائف والاقليات في بوتقة الوطن واعتبراها شعبا عراقياً واحداً، وكما قال الملك فيصل الاول، الدين لله والوطن للجميع.
وينتمي ساسون الى عائلة يهودية بغدادية برزت واشتهرت بالتجارة، كان والده من رجال الدين المتفقهين في الشريعة الموسوية.. ولد ساسون في بغداد عام 1860 ودرس في مدرسة الاليانس، ثم ذهب الى اسطنبول للدراسة عام 1877.. عين ترجماناً لولاية بغداد بعد عودته الى بغداد عام 1885 وانتخب نائباً في مجلس النواب التركي الاول عام 1908، ويعتبر ساسون احد الاعضاء الثمانية في أول حكومة قام بتعيينها السير برسي كوكس (المندوب السامي البرطاني). عين اول وزير مالية في حكومة السيد عبد الرحمن النقيب وانتخب ساسون لوزارة المالية في وزارة النقيب الثانية "1921" والثالثة ووزارة عبد المحسن السعدون الاولى وكذلك في وزارة ياسين الهاشمي..
اعتبر ساسون من الشخصيات العراقية المهمة في تاريخ العراق المعاصر، وقد حرص على التقاليد البرلمانية الصحيحة وتطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، وقد وصفته المس بيل بأنه "أقدر رجل في مجلس الوزراء، هو صلب قليلاً وينظر إلى الأمور من وجهة الحقوقي الدستوري دون أن يعطي اعتباراً كافياً لأحوال العراق المتأخرة، ولكنه حر ونزيه إلى أبعد الحدود".
شغل ساسون حسقيل منصب وزير المالية 5 مرات في فترة الحكم الملكي. ويعد ساسون اشهر وأنزه وزير عراقي في تأريخ الحكومات العراقية المتعاقبة، فكان أول وزير مالية عراقي أسهم بشكل كبير في وضع الأسس الصحيحة لقيام الاقتصاد العراقي وبناء ماليته على وفق نظام دقيق، وخير دليل على ما نقول هو سجلات مفاوضات النفط مع الانكليز، حينما اشار على المفاوض العراقي اضافة كلمة (ذهب) على جملة (اربعة شلنات) عند احتساب عوائد النفط، لكي يضمن استقرار نسبة العوائد. ومن الطريف ما أوردته الخاتون الانكليزية (جرترود بيل) التي يقال بأنها كانت عشيقة الملك فيصل الأول، في رسائلها، بان تعيين ساسون (اليهودي) وزيرا قد تم بتدخل شخصي منها، ولم يستغرق إقناع عبدالرحمن النقيب إلا نصف ساعة، بينما لم تقنعه ايام طوال من التدخلات والتبريرات من طرف (الخاتون) لتعيين وزير (شيعي) في وزارته!.
ويذكر نجدة فتحي صفوة في بحث له نشر في مجلة دراسات فلسطينية انه عثر في أوراق رفائيل بطي على وصف لحادثة رواها له الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي كان عضواً في وزارة ياسين الهاشمي الأولى، وساسون حسقيل وزيراً للمالية فيها. فقد عرض على مجلس الوزراء نظام وزارة المالية، واراد البعض أن يعارض اقتراحات ساسون، فغضب وقال لزملائه الوزراء هذا موضوع اختصاصيّ، وهو من اختصاصي، وكما أني لا أعارض الهاشمي في الشؤون العسكرية، ولا فلان في موضوع الادارة الداخلية، فلا أوافق على معارضتي في موضوع هو من اختصاصي، والنظام من رأيي، فان وافقتم عليه فبها وخيراً، والا فلا أعمل معكم، وغادر المجلس. وقال ياسين: يجب ان نخضع للمنطق وحاجة البلد، ولا معنى للعصبية. وأخيراً ذهب الهاشمي وأرجعه الى مجلس الوزراء في جلسة أخرى، وصودق على نظام وزارة المالية حسب اقتراح ساسون بحذافيره.
ويروي انه في احدى المرات التي ترأس فيها اللجنة المالية، كان ياسين الهاشمي مقرراً لتلك اللجنة. وكان ساسون دقيقاً في شؤون الميزانية العامة، في حين أن ياسين كان يحاول ان يحيد بأعمال اللجنة الى الخلافات السياسية.
فلما ضايقه ساسون في الأمر استقال من مقررية اللجنة، فقال ساسون لدى اطلاعه على استقالة الهاشمي، ان ياسين يريد باستقالته أن استقيل انا من رئاسة اللجنة، لانه يريد اقحام السياسة في اعمالها، وانا حريص على الروح البرلماني الصافي، ولذلك أستقيل أنا بدلاً منه. واستقال من رئاسة اللجنة ومن عضويتها أيضاً.
حاول ساسون قبل وفاته ان يختم حياته بمنجز من منجزاته الكثيرة وحاول وضع خطة دقيقة من أجل إصدار عملة عراقية وطنية، وسعى جاهدا من أجل تحقيق ذلك يساعده يهودي آخر هو إبراهيم الكبير مدير عام المحاسبة المالية آنذاك، وبالفعل فقد تم ذلك عام 1932م وأصبحت النقود العراقية هي المتداولة بدلا من الروبية الهندية والليرة التركية.
قضى ساسون حياته عازبا دون أن يتزوج، ومات وهو أعزب. وكان له بيت فخم على شاطئ دجلة (في آخر شارع النهر، وقرب غرفة تجارة بغداد الحالية) ومكتبة فخمة تعدَّ من اكبر المكتبات الشخصية في بغداد، وكانت غنية بمختلف الكتب باللغات العربية والتركية والانكليزية والفرنسية والألمانية، وقد استولت الحكومة العراقية عام 1970 على مكتبة ساسون وأودعتها ضمن مكتبة المتحف العراقي، ضمت مكتبته كتباً مختلفة وبلغات عديدة منها الايطالية والانكليزية والالمانية والتركية والاسبانية والعربية.
قالوا عنه:
* قال عنه امين الريحاني: "انه الوزير الثابت في الوزارات العراقية لانه ليس في العراق من يضاهيه في علم الاقتصاد والتضلع من ادراك الشؤون المالية".
* اما معروف الرصافي فقد رثاه قائلاً:
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت
بغداد أم المجد تبكي وتندب
ولا غرو أن تبكيه اذ فقدت به
نواطق اعمال من المجد تعرب
لقد كان ميمون النقيبة، كلها
تذوقته في النفس يحلو ويعذب
تشير اليه المكرمات بكفها
اذا سئلت اي الرجال المهذب
الا لاتقل قد مات ساسون، بل فقل:
تغور من أفق المكارم كوكب
* اما الاستاذ نجدة فتحي صفوة فيصفه: "كان على الدوام جريئاً في اعلان رأيه، قوي الحجة، حريصاً على الروح البرلماني، وكانت خبرته بالشؤون البرلمانية واسعة اكتسبها خلال نيابته في مجلس المبعوثان العثماني".
* اما ياسين الهاشمي فقال عنه: "اذا ما ذكر ساسون أفندي فيجيء ذكره مقروناً بالكفاح العظيم في تنظيم شؤون دولة العراق في سني الانتداب العجام".
#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مير بصري .. شاهد على يقظة الفكر العراقي
-
كريم مروة يؤرخ سيرة أربعة شيوعيين لبنانيين
-
بيوت محمود النمر بلا قبعات
-
الدكتور داود كباي .. شخصية عالقة في الذاكرة العراقية
-
توفيق التميمي يوثق تاريخ شارع المتنبي في كتاب جديد
-
استعراض تحليلي لثلاثية (العراق والمستقبل) لميثم الجنابي
-
طبعة جديدة لكتاب -محنة يهود العراق بين الأسر والتهجيرالقسري-
...
-
كتاب جديد للدكتور ميثم الجنابي عن المختار والحركة المختارية
...
-
فيصل الاول ويهود العراق
-
عن صالح نعيم طويق وابداعه في الصحافة والترجمة
-
اسحاق بار موشيه .. أول يهودي يكتب مذكراته عن بلاد الرافدين
-
لامبان في كتاب جديد : اصل الحجاب وثنيّ ولا علاقة له بالاديان
...
-
رشيد الخيُّون.. تجربة عقلانية في نقد الأصولية الإسلامية
-
العراق واليابان في التاريخ الحديث .. التقليد والحداثة
-
يهود العراق .. ذكريات وشجون
-
نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي
-
كاظم مرشد السلوم : التدخل الحكومي أسهم في تدهور السينما العر
...
-
مقام التحول.. هَوَامِشُ حَفريّةُ عَلَى المتنِ الأدُونِيسيّ
-
تاريخ التعليم في العراق واثره في الجانب السياسي
-
الإعلامي محمد السيد محسن : الإعلام التلفزيوني اخذ مني الكثير
...
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|