يوسف شيت
الحوار المتمدن-العدد: 3188 - 2010 / 11 / 17 - 16:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نتيجة الحروب التي خاضها النظام البعثي والتي تركت وراءها نتائج كارثية من ضحايا عراقيين ,معظمهم من الشباب, وخراب إقتصادي هائل وخراب إجتماعي الذي شوّه بنية المجتمع الطبقية والفئوية وإسلوب تفكير الناس الذين فقدوا أبسط حقوقهم في الطموح نحو حياة أفضل . فحرب " تحرير الكويت " التي شارك فيها العرب و " حرب تحرير العراق " التي سكت عنها العرب أستخدمت فيهما قذائف من اليورانيوم المنضّب التي تقتل الناس بشكل مباشر ثمّ لتعطي نتائج أكثر كارثية وهي إصابة الجنين وولادة أطفال ( الأجيال القادمة) مشوهين . وأصبح الناس ,عندما يولد الطفل , بدلا من السؤال كونه ولدا أو بنتا يسألون هل هو مشوّه أم لا؟؟؟
لم تتوقف نتائج الحروب الى هذا الحد من الخراب , بل أعطت وتعطي نتائج لا تقلّ كارثية عن السابق من ولادة إدارات وحكومات مشوّه مبنية على أساس طائفي- قومي بحيث أفقدت المواطن هويته العراقية وأصبح هو
الآخر مشوّه الهوية . وأدى هذا الى تفاقم الأزمات في البلاد الذي أصبح من العسير حلّها , لأنّ حلّها , وكما أثبتت الحياة , لا يأتي إلاّ بولادة إدارة سليمة للدولة , حتى وإن كانت مشوّه جزئيا , لأنّها يمكن أن تتعافى مستقبلا ,وبكلمات أخرى , تضع قوانين وبرامج وتصحيح بعض بنود الدستور لتتماشى ومصلحة الشعب العراقي لا لمصلحة صاعدي أكتاف الشعب ومناضليه الحقيقين ليتبوؤا , وبغفلة من الزمن , أرفع المناصب لتقرير مصير الناس , وأصبحت أفعالهم بائنة لكلّ الناس داخل وخارج العراق منذ عام 2003 ولحدّ لحظة محاولاتهم لتشكيل حكومة مابعد إنتخابات 2010 . ا
ليس من السهل أن يتنبا أحدا بإمكانبة تشكيل الحكومة بشكل سلس,رغم تصريحات ممثلي القوائم بإمكانية تشكيلها خلال الفترة القانونية المنصوصة في الدستور , بسبب تراكم الخلافات بين الكتل البرلمانية والتي تصبّ جميعها في إناء مصالحها الأنانية بدون نظر هذه الكيانات الى ما يعانيه الشعب من مآسي مختلفة . برزت هذه الخلافات على السطح بعد إنسحاب العراقية من الوزارة,ثم تبعها خروج الكتلة الصدرية,وحدث إصطفاف سياسي جديد داخل البرلمان عكسته إنتخابات المحافظات التي برزت فيها قائمة "دولة القانون" والقائمة "العراقية" . وبدلا من التحاور بين القائمتين لحل مشاكل المحافظات وتخفيف العبأ على الحكومة المركزية رأينا عكس ذلك , طبعا لم تكن الخلافات محصورة بين القائمتين,ولكنّها كانت ولا تزال الخلافات الأكثر بروزا . واشتدت الخلافات ودخلت دور التنافس في إنتخابات 2010 وأخذت بعض القوائم الصغيرة وشخصيات أخرى تحتمي بالقوائم الكبيرة إعتقادا منها في الحصول على مقاعد في البرلمان ولكنها أستبعدت بعد الإستفادة من أصوات ناخبيها , هذا بالإضافة الى التعديل الجائر لقانون الإنتخابات رقم 26 لعام 2005 الذي سلب أصوات ما يقارب مليوني ناخب وإعطائها للقوائم الكبيرة , رغم نقض المحكمة الإتحادية العليا للتعديل المشار إليه وإعتباره باطلا . وبهذا صعد الى البرلمان أشخاص لم يحصلوا , حتى على ألف صوت , ناهيك عن العشرات منهم الذين لم يحصلوا على الحاصل الوطني . وإذا أجرينا حساب بسيط لأصوات مليوني ناخب التي إغتصبتها القوائم الكبيرة فهي تشكّل 16% من الذين أدلوا بأصواتهم,وهؤلاء يمثلون أكثر من خمسة ملايين عراقي . ووفق المادة 49 أولا- من الدستور يكون قد إحتلّى أكثر من 50 شخصا مقاعد نيابية لا يستحقونها . ثمّ نرى أنّ هناك إزدواجية في قبول قرارات المحكمة الإتحادية , كما يحدث عندما ينتقي الفرقاء مواد من الدستور "الصالحة لإستعمالهم" وتسفيه التي ليست في مصلحتهم . فالمحكمة الإتحادية ردت على طلب السيد رئيس الوزراء بتوضيح المادة 76 من الدستور المقدم في 21 آذار الماضي يوم 25 آذار أي بعد أربعة أيام فقط , أمّا طلب لنقض قرار مجلس النواب بتعديل قانون الإنتخابات المقدّم في 25 كانون الثاني الماضي إستجابت له المحكمة في حزيران , أي بعد ستة أشهر ! ولم يقابل بالترحاب من قبل القوائم الفائزة التي غضّت النظر عنه , لأنّ صعود 50 نائبا من غير تشكيلاتها تعتبر قوة برلمانية كبيرة وهذه القوّة لآ يمكنها أن تتساهل من أجل وضع حلول جذرية لمشاكل الناس التي لاتحصى والوقوف بوجه من يشغل المناصب لمصالح ذاتية . كما أنّ الخرق الدستوري من قبل كافة النواب الجدد ب"إستحداث"جلسة مفتوحة , الى ماشاء اللّه , سكتت عنه المحكمة حتى تقديم شكوى رسمية إليها على رئيس البرلمان المؤقت فؤاد معصوم من قبل منظمات المجتمع المدني وصدرت نطقها بعد أربعة أشهر من تعطيل مجلس النواب واعتبرته "غير قانوني و"مخالف للدستور". هكذا إضطرّت الكتل الفائزة الى إستكمال الجلسة المفتوحة يوم 11/11 خوفا من إستمرار ضغط الشارع الذي أخذ يستجيب لدعوة التيّار الديمقراطي للإسراع في تشكيل الحكومة وخوفا من تطور الأحداث التي قد تنتهي الى حلّ مجلس النواب
بدأت الخلافات وتراشق الإتهامات من جديد بعد إلتئام الجلسة المفتوحة , خاصة بعد إنتخاب رئيس مجلس النواب والذي جاء من حصة القائمة العراقية - كمسلم شيعي , وأخذت القوائم تتحدّث زورا وبهتانا, عن تنازلات من أجل الشعب , وهي في حقيقتها جاءت نتيجة ضغوطات خارجية , وخاصة من أمريكا وإيران خوفا من تطور الأحداث,كما ذكرنا . تخلّت القائمة العراقية عن وعدها بالموافقة على إعطاء منصب رئاسة الجمهورية للأكراد بإنسحابها من الجلسة وعدم المشاركة في إنتخاب رئيس الجمهورية تذرعا منها بالإخلال في تنفيذ وعود موقعة من قبل السادة مسعود البرزاني والمالكي وعلاّوي , مع العلم , تمّ الردّ على إتهامات العراقية , وردّت العراقية في أنها تشكك في نوايا دولة القانون , ودولة القانون تردّ عليها بالقانون وردت العراقية بأنّ بعض الإتفاقات تحسم عن طريق التصويت داخل البرلمان , وردّت... ثمّ ردّت ... وهكذا رفعت الجلسات الى ما بعد عيد الأضحى المبارك . ا
كنّا أمام مشهد بائس لمدة ثماني أشهر نتيجة صراع ,في معظمه غير مبدئي , بين القوائم الفائزة , ثمّ دخل هذا الصراع قبّة البرلمان يوم 11/11 لياخذ منحا آخر وأصبحت الشكوك وعدم الثقة بين الكتل وجها لوجه . لكنّ المهام الملقات على عاتق البرلمان الحالي , والكتل في حالة تشوّش , هي كبيرة لأسباب كثيرة , وأهمّها : ا
التركة الثقيلة للدورة البرلمانية السابقة ومنها, إهمال تشريع قوانين تهمّ حياة الشعب من إقتصادية وإجتماعية وسياسية , بينما -
إهتمّ النواب بتشريع قوانين لكسب المزيد من المزايا الخاصة بهم
صراع الكتل البرلمانية الذي إستفحل يوما بعد يوم وإنسحاب بعض الكتل من وزارة المالكي أدّى الى تفاقم ظاهرة الإرهاب -
والفساد الإداري والمالي وقلّة ورداءة الخدمات الإجتماعية والصحية والتعليمية
زيادة ظاهرة البطالة والفقر في بلد يطفو على بحر من نفط وحاجة البلد الى إقامة مشاريع صناعية متنوعة
إنهاء الإحتلال بشكل نهائي وإقامة علاقات متوازنة المصالح مع دول المنطقة والعالم -
وأهّم شيئ , رغم أنّه صعب الحدوث إن لم يكن مستحيلا , هو إعادة الثقة بين الأحزاب المتنافسة على قيادة الدولة وتنازلها عن الخوض في صراعات من أجل مصالح ذاتية . ا
وسؤال مهّم , هو : هل أنّ برلمانيونا في مستوى المسؤولية لحلّ مثل هذه المشاكل , رغم أنّ قسما منهم كان سببا في تفاقم مثل هذه المشاكل ؟ طبعا ليس المطلوب أن تحلّ مثل هذه المشاكل في ليلة وضحاها , ولا حتى خلال الدورة البرلمانية الحالية . إلاّ أنّه من الضروري وضع أسس للحل واختيار حكومة فيها من هو جاد في خدمة الشعب , حتى لو كان كان من خارج قبة البرلمان !!! ا
ولو سؤلت عن رأي في الحكومة القادمة , سأقول بأنّها حكومة مشوّه لن تكون بمستوى الحلول الناجعة لمشاكل الشعب , لأنّ الكتل الفائزة ضربت , ليس باليورانيوم المنضب , بل باليورانيوم المخصّب من قبل أمريكا وبريطانيا ودول الجوار جميعا بدون إستثناء . ولكن المواطن وبعد إنتظار طويل سيسأل , هل الحكومة المولودة مشوّه ؟
#يوسف_شيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟