|
التنوير بين المثقف والحاكم
مني أبوسنة
الحوار المتمدن-العدد: 3188 - 2010 / 11 / 17 - 09:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ينطلق هذا المقال من السؤال الآتي: ما هي طبيعة العلاقة بين المثقف والحاكم، وما دور التنوير في تحديد تلك العلاقة؟ الجواب عن هذا السؤال يستلزم، أولا، طرح السؤال الآتي: من المثقف ومن الحاكم؟ أجاب عن السؤال، منذ ما يقرب من مائتي عام، الفيلسوف الألماني المثالي يوهان جوتليب فيختة (1814 - 1762) في أطروحته بعنوان «عن طبيعة المثقف والحاكم» (1805): يري فيختة أن المثقف هو الذي تكون لديه فكرة، وأن الفكرة يجب أن تكون لها علاقة بتغيير الواقع، وفي توضيحه لأهمية الفكرة، يقول فيختة إن الفكرة بحكم قوتها الذاتية تخلق حياتها الخاصة في الإنسان الذي بفضلها يستطيع أن ينظم العالم الخارجي وفقا لهذه الفكرة، والفكرة هي التي تدرك ذاتها بشكل محدد وتحدد مكانتها وسط عدة تصورات هي في حالة تغيير مستمر، ومن ثم تصبح الحقيقة مجهولة بل تصبح موضع صعوبة في اقتناصها، ومع ذلك فالفكرة تستلزم عنصرين: الوضوح والحرية، الوضوح مطلوب لأن أي فكرة، في بدايتها، لا تكون لها أي شفافية في ذهن الإنسان لأن الإنسان لا يستطيع أن يقتفي أثرها في تغيراتها وتحولاتها، والحرية نابعة من الوضوح، أي أن الحرية ليس لها وجود من غير الوضوح، وإذا تم ذلك فإن الإنسان بواسطة الفكرة يستطيع أن يربط بينها وبين الأشياء المرتبطة بها، وبهذا المعني فإن الفكرة ليست حلية يتباهي بها الفرد، أي أن الفكرة خالية من الفردية والذاتية لأنها تنساب في النوع الإنساني كله وتحركه في حياة جديدة، بل تغير الحياة وفقا لطبيعتها. هذه هي السمة الجوهرية للفكرة كما يحددها فيخته، ومن غير هذه السمة لا تكون للفكرة أي قيمة، فهو يري أن الفكرة لها من القوة بحيث تشعرك بأن الإنسان مجرد آلة خالية من الإرادة، ولذلك يقال إن الإنسان في هذه الحالة ليس لديه الوقت للتفكير في ذاته. هذا عن المثقف، فماذا عن الحاكم؟ الحاكم، طبقا لفيخته، هو الذي يقود عصره وينظمه وبالتالي يرتفع فوقه، وهذا يستلزم ليس فقط أن تكون لديه معرفة تاريخية عن العصر، بل يجب عليه أن يفهمه وأن يعرف أن كل جزء من الصورة الراهنة ليس له من الضرورة أو الثبات إنما هو عرضي في مراحل التقدم التي تمارسها الفكرة وهي في اتجاهها نحو الكمال، وهذا الأمر يدفع الحاكم إلي الإبداع لأنه يعنيه علي الربط بين الأجزاء والكل الذي يحتويها، والعاجز عن ذلك لن يكون حاكما بل يصبح دمية في يد الآخرين. والسؤال بعد ذلك هو: ما طبيعة الفكرة التي تربط بين المثقف والحاكم، والمطلوب تجسيدها الآن في الواقع المصري من أجل الخروج من حالة التخلف إلي التقدم ومواكبة العصر، في الحد الأدني، والانطلاق نحو المستقبل، في الحد الأقصي؟ الأوصياء الجواب وارد في فكرة التنوير، بيد أن هذا الجواب يثير سؤالا آخر: ما أبعاد التنوير التي تحكم العلاقة بين المثقف والحاكم والتي من شأنها إخراج المجتمع المصري من حالة التخلف الراهنة؟ تكمن الفكرة المحورية التي يدور عليها التنوير، كما عرفه كانط، في إيقاظ العقل من حالة الكسل التي يفرضها الإنسان علي نفسه إيثارا للسلامة وخوفا من الجسارة في إعمال عقله، مما أفضي إلي خلق من يسميهم كانط بـ «الأوصياء» الذين يفرضون سطوتهم علي كل مجال من مجالات الحياة، ومن ثم أطلق كانط شعار التنوير «كن جريئا في إعمال عقلك». ثم حدد كانط مجالين أساسيين لإعمال العقل هما المجال الخاص والمجال العام، ويقصد بالمجال الخاص المستوي المهني الذي يضم جماعة محددة من أصحاب المهنة الواحدة تتداول فيما بينه وبحرية وجسارة أفكارا من شأنها إحداث تقدم في مجال المهنة التي تنتمي إليها تلك الجماعة وهو مجال محدود. أما المجال العام لإعمال العقل فهو الذي يتم فيه التواصل بين المثقف والجماهير في مناخ من الحرية التي تضمن الجسارة في إعمال العقل دون معوقات أو عقوبات. وهنا يكمن الدور الجوهري للحاكم المتنور في علاقته بالمثقف الملتزم بالتنوير، وأعني بذلك خلق المناخ السياسي الملائم من أجل ضمان الحرية التي هي الشرط اللازم والضروري لسيادة التنوير.
#مني_أبوسنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
-
وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم
...
-
“سليهم طوال اليوم” تحديث تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 على
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|