فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3186 - 2010 / 11 / 15 - 08:28
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لى صديق فيلسوف بكل قضايا العالم عليم وشغوف, تجده جادا أحيان وهازلا أحيانا ولكنه ذو منطق دائما. سألنى ما رأيك فى العملية الانتخابية فى الولايات المتحدة وعندنا فى مصر وهى على الأبواب؟ قلت له باسما: لا يفتى ومالك فى المدينة, ولنبدأ برأيك ومنك نستفيد, قررت أن أتركه يسترسل فى شرحة ولا أقاطعه حتى يكمل الحديث. ابتسم ملئ شدقيه وأخذ وضع الجدية وقال بعد أن تنحنح: أرى أننا أفضل منهم ديموقراطيا, وشعبنا المصرى أكثر استجابة وتلبية. خد عندك التجديد النصفى فى أمريكا, بداية هم الذين اختارو أوباما الزنجى المسلم بكامل إرادتهم منخدعين بشعاره البراق ضرورة التغيير, ولكنهم لم يصبروا عليه فقط مر من فترة توليه أقل من نصفها, وأنا شخصيا لست سعيدا لخسارة حزبه برغم أنه أرهقنا بأحلامه وطموحاته وأفكاره ثم اصطدم بالواقع فأصبح أقرب الي بطة عرجاء قبل أن يكمل نصف رئاسته بخسارة أغلبية مجلس النواب وتقلص أغلبية مجلس اشيوخ وتفوق الحزب الجمهورى فى رياسات الولايات, لكن ألأمريكان لهم رأى آخر. أما عندنا الرئيس الفلته وحكيم الزمان يتربع على عرش السلطانية قرابة الثلاثون عاما وهو يسير بنا من سيئ لأسوأ حتى أصبحنا لا نجد الفول أو المش لنقتات به, ولم يحقق شيئا يذكر من وعوده التى دائما ما يهم بتنفيذ بعضها قبيل الانتخابات كرشوة انتخابية, وشعبنا العظيم الواعى يدرك أن الزعيم الفلتة قادر على التنفيذ لو أعطى له المزيد من الوقت. وهذا فرق جوهرى بين الشعب الآمريكى المتسرع الذى لا يعرف الصبر والعبرة بالخواتيم ولا يهمه غير رفاهيته, وشعبنا المصرى المحنك الصبور الذى يؤمن بما قاله الكابتن حسن حمدى رئيس النادى الأهلى ألا حساب فى نصف الموسم والحساب آخر الموسم, وموسم مبارك لا ينتهى إلا بنهاية أجله, عندها سيكون الحساب واللوم والتقرع, وهذا ما حدث لسابقيه ناصر والسادات, فنحن منطقيا أفضل لآننا نعطى الفرصة عملا بالآية القرآنية: لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع. نحن نحترم رؤسائنا مهما فعلوا بنا وهم ( الأمريكان ) بكل وقاحة يسخرون من رئيسهم, فحين ظهر منشيت إحدى الصحف: أوباما خارج اللعبة علق أحدهم ساخرا: حصل علي نوبل قبل أن يحقق السلام.. وهاهم يشلحونه سياسيا قبل أن تنتهي رئاسته. كما عبر كاريكاتير مسيئ نشرته صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية عن حالة الرئيس الأمريكي بعد خسارة حزبه. أليس من العار أن يحاسب أوباما عن فشله فى إصلاح الإقتصاد ولم يصبر عليه حتى النهاية؟
أيضا بالنسبة لأعضاء البرلمان, الأمريكان لا يعجبهم العجب ولا الصيام قبل عيد الميلاد المجيد, ويحللون ويحاسبون نوابهم على أى تقصير دون مراعاة لمشاعرهم ويلقون بهم خارج البرلمان قبل أن يكونوا ثروات أو يستغلوا الحصانة فى ارتكاب الموبيقات وهم الذين صرفوا دم قلبهم فى الدعاية الانتخابية. أما عندنا الوضع مختلف, شعب واع وحصيف يختار من ينوب عنه ليس لكفائته ولا خدماته القادمة ولكن لنصرة القبلية أو المنفعة الآنية, فمرشحونا من الآن يغازلون الشعب بأقفاص الطماطم وذبح العجول وتفريق لحومها على الناخبين, هذا غير اللحاليح المدفوعة كل حسب مستواه. وعندما ينجح النواب ينسون ما وعدوا به ويستخدمون الحصانة أحسن استخدام ليلهفوا القروض من البنوك بالمليارات, ويشترون أراضى الدولة بالملاليم ليسقعوها ويبيعوها بالملايين, ويتاجرون بأقوات الناس وأمراضهم متكسبين من العلاج على نفقة الدولة أو ارتكاب الرزائل والموبيقات كالقمار وممارسة البغاء مع الساقطات وتهريب البضائع دون استيفاء ما عليها من جمارك. ورغم ذلك لأن شعبنا أصيل لا يخرج من فمه العيب يصبر لنهاية الفترة الانتخابية, وعندما يرشح نفس الأعضاء أنفسهم من جديد تتجلى عندنا حكمة النسيان ونتلهف بل نتناحر على أقفاص الطماطم وقطع اللحم الكندوز أو البتللو ولا مانع من قبض المعلوم لإعطاء الأصوات من منطلق الحكمة القائلة إحيينى النهاردة وموتنى بكرة.
والحملة الانتخابية عندنا توشك علي الانطلاق لانتخاب أعضاء مجلس سيد قراره, ربما تجد انتقادات على استحياء للسياسات والاستراتيجيات ولما تحقق وما لم يتحقق, وأيضا لسلوك النواب وسجلهم. إلا أن ذلك لايعني حدوث تغيير, فالنسبة الغالبة من أعضاء برلمان 2005 ستظل في البرلمان الجديد وسيفوز الحزن الوطني بالأغلبية كالعادة, فقد ألفنا النواب وألفنا الحزن الوطنى ونحن لانفضل التغيير لأننا نخشي عواقبه واللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش. ونظرة سريعة الي المرشحين الحاليين, ستجد ان بينهم وجوها ثار عليها كثير من الغبار, لكن ودون قراءة للغيب, ستملأ هذه الوجوه المجلس الجديد, على سبيل المثال نائب نجع حمادى عبد الرحيم الغول رغم ثبوت تحريضه على قتل ستة مسيحيين ومسلم فى مجزرة عيد الميلاد. لكن الحزن الوطنى يرى أن له شعبية والمهم الكرسى لزيادة عدد أعضائه فرشحه الحزن من جديد وسينجح باكتساح مستخدما دعايته كمناوئ للمسيحيين أولاد القردة والخنازير وسيلتف حوله المغيبون والحاقدون, وسيجلجل صوته من جديد تحت قبة البرلمان. هذا لايعني أنه لن تكون هناك معركة انتخابية, بالطبع ستكون هناك معارك يتم خلالها استخدام أشرس وربما أحقر الأساليب, لكن أرجوك لاتتسرع وتعتقد أن النتيجة سوف تختلف, فسينتصر كالعادة أصحاب الرشاوى الانتخابية من طماطم ولحوم وربما بالتزوير. أما في بلاد العم سام لديهم ديمقراطية العقاب السريع, ولدينا ديمقراطية النسيان اللذيذ وكل ميسر لما خلق له.
الأمريكان يحصرون ديموقراطيتهم المزيفة فى حزبين لا ثالث لهما, أما عندنا فديموقراطية فكسوفلكس تتسع لعشرات الأحزاب, بل يمكن للقتلة والمجرمين أن يدخلوا الانتخابات من أوسع أبوابها وذلك حتى نعطيهم فرصة التوبة لأن الله غفور رحيم, ويعطونهم إسم الدلع ـ المحظورة ـ وهى دائما فى الصورة ترفع شعارها السيفين والمصحف وقولها الشهير ـ الإسلام هو الحل ـ ويقصد هنا بالحل أن يحلوا البرلمان ويقتلعوه من جذوره والعودة للخلافة والرجوع لأبهة ومجالس ندماء الرشيد وجواريه الحسان والغلمان والخصيان والعبيد للتسرية ونشرالحياة الرغدة للشعب. كما أن الأمريكان لا يبجلون المرأة أو يحترمون أنوثتها بل يخشون القول لها تلت التلاتة كام وإلا وضعتهم فى السين والجيم والبرش فى التخشيبة. حتى فى الانتخابات لا يحترمون ضعفها ويتركونها تتصارع مع عتاولة الرجال معرضينها للاختلاط وما يتبعه من تحرشات وربما فجورات. أما عندنا فالرجال قوامون على النساء بل وللرجل الحق فى تأديبها زجرا وضربا وهذا تكريم لها. وفى الانتخابات نحن نحترم ونخاف على عرضها فنجعل لها كوتة منفصلة لتكون بمنأئ عن الاختلاط والتحرشات, وإذا لم تنجح فى الانتخابات من حق زوجها أن يطفحها الكوتة. أليس كل ذلك أدلة دامغة على ديموقراطية مزيفة لديهم وديموقراطية واعية مناسبة وحقيقية لدينا؟.. قلت له : صدقت فنحن خير أمة أخرجت للناس ..!!
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟